أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - محمود جلبوط - قصة........حدث في مركز اللجوء المركزي في Halberstadt















المزيد.....



قصة........حدث في مركز اللجوء المركزي في Halberstadt


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 1712 - 2006 / 10 / 23 - 10:43
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


خبرته في قضايا اللجوء ومعرفته باللغة الألمانية هي التي دفعت صديقه أن يهاتفه ويطلب منه أن يرافقه في سفره نهاية الأسبوع القادم لزيارة قادم جديد إلى ألمانيا يحتاج للمساعدة , وهو شاب فلسطيني من قطاع غزة وصل منذ أيام قليلة بهدف تقديم طلب للجوء , بهدف الإقامة في ألمانيا , والذي يقيم الآن في مركز للجوء في مدينةHalberstadt حيث يجري المحققون الألمان هناك تحقيقاتهم مع طالبي اللجوء الجدد القادمين من مناطق مختلفة من العالم الثالث أو الثاني هربا من ظلم أو قمع أو اضطهاد في بلادهم , أو بحثا عن وسيلة لتحسين لقمة العيش التي ضاقت سبلها في بلادهم الأم بعد أن غزا مخيلتهم الحلم الأوربي .
وتحت إلحاحه ورجائه وافق ووعده أنه سيرتب أموره على ذلك .
في اليوم التالي عاد صديقه أحمد وهاتفه ليؤكد له ساعة السفر وليزيد بأن عليه أن يهيء نفسه لقضاء عطلة نهاية الأسبوع هناك ليخففا عن الشاب وطأة الجدة في المنفى وليساعداه , وأخبره أنه قد اتخذ كل الترتيبات لذلك , وأعلمه أنه لا تربطه بهذا الشاب أي معرفة شخصية , وكل ما في الأمر أن الأهل في غزة قد هاتفوه وأخبروه عن أسمه ورقم تلفونه المحمول الذي يخصه للإتصال به , ورجوه أن يساعده , كما يحدث عادة عندما يجيء إلى هذه البلاد الغريبة وافد جديد .
امتعض قليلا واستفسر منه عن نوع المساعدة التي يمكنه تقديمها للشاب وإن كان هناك حاجة ملحة للسفر معه .
قاطعه أحمد بمونة واضحة :
_نعم هناك حاجة ملحة لوجودك , ولا يمكنني لوحدي إنجاز ذلك , الأمر يا صديقي بكل بساطة أنه عليك أن تترجم له عند بعض الدوائر أثناء الإقامة في المركز بسبب عدم توفر مترجمين معينين من إدارة المركز يساعدوه , لأن إدارة مراكز اللجوء في هذه الجمهورية في الفترة الأخيرة , وبسبب شح الميزانية , قد أقلعت عن تعيين مترجمين مدفوعي الأجرة , واقتصرت مصاريفهم المدفوعة على تعيين مترجمين محلفين لحضور جلسات المحاكمة فقط , وأنا كما تعلم لا أتقن الألمانية مثلك . وتابع له مشجعا :
_إلى جانب أنه سينالك من الحب جانب , ستشم من خلاله رائحة فلسطين التي صرعتني وأنت تقول لي أنها تسكنك , وأنك قضيت عمرك الذي مضى تتوق ولو لشم ريحتها .
توقف برهة ثم غمز في حديثه :
_ولتساعده في ترتيب قصة للجوء , وترشده للتصرف السليم والإجابات الصحيحة , وأنا ما لي غيرك ألجأ إليه .

لقد أتته هذه الخبرة , والتي تدفع أصدقاءه دائما للجوء إليه , عن طريق اشتغاله كمتطوع في إحدى المنظمات الإنسانية التي ترعى شؤون طالبي اللجوء في منظمة (einWelt Haus) , عبر الشرح لطالبي اللجوء عن قوانين اللجوء في ألمانيا , وتدريبهم على تقديم المبررات في مقابلاتهم للسلطات الألمانية والرد على الأسئلة الموجهة إليهم ليتمكنوا من الحصول على إقامة ما .

حلت عطلة نهاية الأسبوع , استيقظ باكرا وجهز بعض الحاجيات الضرورية لإقامته هناك , ولما سمع جرس شقته أدرك لتوه أنه أحمد , نزل الدرج سريعا , حياه ثم صعد إلى السيارة وانطلقا باتجاه المدينة .
في الطريق شرح له أحمد أن في الهايم مجموعة من الشباب الفلسطينيين قد قدمت إلى المركز منذ ثلاثة أشهر تربطهم به علاقة ما , وقد اعتاد على زيارتهم , اتصل بهم مساء أمس ليسألهم إن كانوا يعرفون الشاب , وليرتبوا لهما مكانا للمبيت فترة نهاية الأسبوع هناك .

في الظهيرة أو ما يقاربها وصل الى الHeim (هكذا يسمون في ألمانيا أماكن السكن العامة ) مع صديقه أحمد هذا ذو التابعية الفلسطينية والذي كان قد تعرف عليه في الفترة الأولى من سكنه في مدينة هالة , تعارف حصل بحكم اشتراكهما في التابعية و معاناة حياة اللجوء في أصقاع الشتات , والعيش في المخيمات كشاهدين على التغريبة الموروثة من الأهل الذين قد طردوا من الوطن خلال نكبة 1948 , باختلاف بسيط هو : صقع اللجوء ومكان نوم المخيم .
فبينما „كان مخيمه ينام باكرا „ في حقل من الياسمين على أطراف مدينة دمشق في سوريا , أمضى سكانه „اللذين طالما عادوا إلى بيوته الطينية ليشعلوا فيها الحكايات عن وطن يسكنهم ولا يستطيعوا سكناه „ , فيه 40 سنة أتقنوا على مدارها عدّ الشهداء القادمين إليه والخارجين منه , معظمهم قضوا بأيد عربية , كان يطلق عليه أسم مدينة الفقراء وأحيانا المدينة التي لا تدخلها الشمس , إنه مخيم اليرموك , بينما كان صديقه ينتمي إلى المجموعة التي لجأت من فلسطين إلى فلسطين , وسكنت مخيما ينام متأخرا , لأنه ينام في بؤرة النار , بمحاذاة الشاطيء „ الذي كانت البنت تلعب مع أسرتها على رماله عندما اصطادت بارجة إسرائيلية , كانت تتسلى بصيد المشاة , جميع أفراد عائلتها , ووفرتها لأن يدا ما إلهية أسعفتها لتصرخ صرختها الأبدية : يابا : قم لنرجع فالبحر ليس لأمثالنا „ والمخيم يسمى معسكر الشاطيء .

لم يكن المركز مجهولا بالنسبة له , وليست هذه المرة الأولى التي يزوره , فقد أمضى فيه ستة أشهر, قادته إليه مفرزة من العناصر الأمنية الألمانية المختصة مفروزا من مدينة برلين حيث سلم نفسه طلبا للجوء فور وصوله إلى ألمانيا هربا من بطش النظام السوري وأشياء أخرى سكت عن البوح عنها طويلا حتى خنقته , قبل أن يرحّل إلى مركز آخر للجوء يسمونه الهايم الدائم , وقبل أن تنتهي به نوائب المنفى إلى مدينته الأخيرة هذه .
كان خارجا للتو من رطوبة الزنازين إلى ضفاف المنفى خوفا من العودة إليها ثانية , رافقه كالعادة دائما أحد المعارف سلمه لسلطات اللجوء في برلين قبل أن يتم فرزه إلى هذا المركز في هذه الجمهورية التعسة من الإتحاد الفدرالي الألماني , ويذكر أنه عندما اكتشف التشابه بينه وبين آخر مراكز الاعتقال التي قضى فيها مرحلة الشباب , حيث يسكن المخيم , بكى .

بعد أن أنهيا إجراءات الدخول عند الباب الرئيسي توجها إلى حيث من المفترض أن يسكن الشاب , عرضا أسمه على الموظف المختص فأشار لهما إلى رقم غرفته , شكراه وانطلقا يبحثان عنها , صعدا الدرجات الأولى باتجاه غرف النزلاء , ترامت إلى أنفه تلك الرائحة اللعينة من النتانة التي تخص هذا السكن الجماعي المزدحم .
في الطريق إلى الغرفة استوقفه أحمد وقال له :
_إسمع يا ابن العم , سأذهب إلى غرفة الشباب الفلسطينيين اللذين كلمتك عنهم وأطلب من أحدهم أن يأتي معي توفيرا للوقت وتحاشيا للإرباك في البحث عنه عبر سؤال الآخرين , لأني , كما تعلم لا أعرفه شخصيا , وما في داعي تلبك حالك وتيجي معي , اسبقني إلى الغرفة المفترضة وأنا سألحقك بعد قليل .

تابع سيره يفحص أرقام الغرف المصفوفة بالتحاذي بحثا عن الغرفة المطلوبة , وجدها , توقف , كان بابها مفتوحا , دخلها متباطئا , وقع نظره مباشرة على شاب أسمر البشرة مستلقيا ويديه متشابكة الكفين خلف رأسه على أحد الأسرة الثلاثة التي توازعت أركان الغرفة , ثلاث خزن حديدية صغيرة تصدرت إحدى جدرانها , وثلاثة كراسي إلى طاولة تتمركز وسطها يتضح أنها معدة لتناول الطعام , وفي إحدى الزوايا طنجرة صغيرة وصحون وملاعق وسكاكين بلاستيكية , كانت هي أثاث الغرفة التي تذكره بالآووش في ذاك المعتقل .
ألقى التحية بالألمانية , لم ينتبه الشاب , قدر أنه لا يفهم الألمانية , تناول أحد الكراسي وجلس عليها بالقرب من النافذة , عادة اكتسبها نتيجة الحصر الطويل في الزنازين عندما يدخل الأماكن المغلقة , وراح يسترق النظر إلى الشاب المستلقي على سريره .
كان الشاب واجما ساهما يحدق إلى سقف الغرفة يبدو عليه الحزن والكآبة , لا يدري إن كان لظرف يخصه أم أن المكان يضفي على نزلائه سماته .
تذكر كيف , قبل سنوات , وبعد ان فرغ من تصويره من الجهات الأربع لنصفه العلوي يذكره بمراكز الاعتقال التي تداولت في وطن السجون , اقتاده المسؤول عن القسم إلى الغرفة التي خصصها له متأبطا شنطة صغيرة حوت أشيائه المتواضعة , وضعها على سرير شبيه بهذا السرير الذي يستلقي عليه هذا الشاب الأسمر , وجلس على كرسي إلى النافذة . كانت السماء يومها مغلقة بالغيوم السوداء وكأنها موصدة , تهب ريح خفيفة من حين لآخر , حينها هبت عاصفة في مطاوي صدره , وعاده الانتظار ....
من يكسر لديه هذا الانتظار الذي أمضى سنوات العمر ينتظر انكساره ؟ .
تساءل : هل حطمت إرادته على اسوار الانتظار هناك خلف أسوار المعتقل؟ أم في انتظار ما يبدد القهر الذي اعتمره منذ الطفولة إثر وفاة الوالدة عندما مازال طفلا صغيرا وراح يتوالد حوله هذا الانتظار حتى وصل من العمرخريفه ؟؟
عبقت في أنفه رائحة النتانة اللعينة فتذكر السجن , حيث استهلكت نتانته الثقيلة ربيع عمره . هناك حيث أحاطه اللون الأصفر من كل الجهات ... كاد القلب ينفطر لسماع الخبر العظيم ... انطحنت معظم آماله في انتظار النبأ العظيم أن يأتيه من خلف جدران المتاهة , نبأ يعرفه جيدا , لكنه لا يأتي .
وانطوت الأيام الباهتة متثاقلة على الحدود التي عاشها سجينا , وهاهو المنفى يعبق بنتانة شبيهة بعد أن تلقفه ليستهلك خريف العمر أو ربما بقيته , ولم يزل ينتظر نفس النبأ العظيم , هل يلوح بصيص أمل يستقر أخيرا في ثقب الذاكرة فيكتبه؟؟

شده سعال الشاب الساهم المتمدد على السرير من سروده فراح يتأمله , كانت له بشرة سمراء واضحة , تأكد منذ اللحظات الأولى أنها سمات فلسطينية و جزم أنه الشاب المقصود , استدل على ذلك من التقاسيم المقطبة ,عبس وتولى , على جبينه الكنعاني التي تخط على صفحته النكبة والنكسة معا , وعينان سوداوان يبين من خلال نعاسها أنهما قد شاهدتا ما يكفي من اللجوءات , وشعر مكزبر للدرجة التي لم يعد يحتاج أبدا إلى أسنان مشط تخترق تلافيفه يشير إلى كنعانيته التاريخية .
توجه إليه , حياه عن قرب باللهجة الفلسطينية :
_ مرحبا خيّا .
انتبه الشاب إلى تحيته ولاحظ اقترابه فأصلح من جلسته احتراما و وسع له مكانا بالقرب منه على طرف السرير للجلوس إلى جانبه , ورد التحية بمثلها :
_مرحبابك , أهلا خيّا

ومن طريقته في رد التحية تأكد أنه لا يحتاج إلى سؤاله عن البلد التي جاء منها , وراح يتأمله .
قد تعرى وجهه من اي نوع من الابتسام , وكأن الابتسام قد أخلى المكان لكل وقاحات العبوس , فحاصرت التكشيرة أي محاولة للابتسام لديه , بادره بتقديم نفسه له :
_أنا أدعى عبد الله وأنت؟
_مدحت
_لهجتك تدل على فلسطينيتك , ولكن من أي نوع من الفلسطينيين ؟
_ولهجتك كذلك , ولكن هل الفلسطينيون أنواع ؟
_نعم يا صاحبي وللأسف , فقد أدت التغريبة إلى تقسيمنا إلى أنواع , فعندك فلسطيني 48 , فلسطيني الضفة الغربية , فلسطيني غزة , فلسطيني سوري , فلسطيني لبناني , فلسطيني مصري , وفلسطيني عراقي , وكان في فلسطيني كويتي قبل أن يطردوا منها إثر حرب الخليج الثانية كما يسمونها , وهناك بعض الأقليات هنا وهناك , عوضا عن تقسيمنا على الأساس الاجتماعي......
_أنا بعرف أنو أنا فلسطيني وبس من قرية قريبة من غزة
_وأنا أيضا من قرية قريبة من حيفا , ولكني لم أولد فيها , فقد ولدت لاجئا في حارة اليهود أحد أحياء دمشق , و حسب التسميات التي صارت تميز بين التجمعات الفلسطينية يسموني فلسطيني سوري , وأنت ؟
انقبض وجه مدحت وتجهم عندما ذكر عبارة „ حارة اليهود“ , وقال مرتبكا :
_أنا فلسطيني فلسطيني , ولدت فيها , في قرية قريبة من غزة , ولكني غبت عنها 10 سنوات للدراسة في أوكرانيا وها أنا كما تراني...........!؟
وتوقف مدحت فجأة عن الكلام , وبان على تقاسيمه أنه يبذل جهدا ليكظم شيئا ما يحترق داخله , يظهر هذا من سحابة الحزن العميق التي غشيت عينيه ومن التقاسيم التي علت وجهه التي أظهرته أكبر من عمره الحقيقي .
حاول أن يدفعه ليفرج أساريره بجهد مضني بذله برواية العديد من النكات التي قد بهتت أصلا في مستنقع ذاكرته دون جدوى , طرح عليه سؤالا بغية متابعة الحديث معه :
_وما هي الأسباب التي دفعتك لترك فلسطين حتى تطلب اللجوء في ألمانيا ؟
_لأنني لم أعد أستطيع البقاء فيها ولا أريد العودة إلى أوكرانيا .
_ولماذا ؟ أليس من الأفضل لك العيش في بلدك ؟
_لا أستطيع .
_ولماذا لا تستطيع ؟ أبسبب الحرب الدائرة والخوف من القتل المستمر التي تمارسه إسرائيل ضدكم هناك ؟
_لا بالعكس فأنا لا أخاف من الموت , وأظن أن الإقامة في الوطن تجب عن الإنسان كل أنواع الإهانات التي يتعرض لها في أوطان الآخرين لأي سبب من الأسباب بالرغم من مخاطر الحرب , ولكني........!؟ ثم تلكلك وصمت
_ولكن ماذا ..تابع؟
_لا شيء , لا شيء ....... .

وأشاح بوجهه حتى لا يلاحظ عبد الله الدموع التي قد تحجرت في عينيه , نهض وراح يذرع الغرفة جيئة وذهابا , ثم بحركة عصبية انتعل حذائه وهمّ بالمغادرة..
أدرك لتوه أنه قد مسّ في نفسه الشاب موقعا أثقل عليه كثيرا فغمره الحزن , وأدرك من تجربته طعم الألم الذي غصه , وتمنى لو أنه يستطيع أن يخرق جدار صمته , يضمه إلى صدره كأب ليخفف عنه هذا الألم , أن يطرد هذا الحريق الذي يكاد يلتهمه من داخله , لكن الدقائق القليلة التي أمضاها معه لا تسمح بذلك .
حفزته الدقائق الحميمية التي جمعته معه أن يبذل كل الجهود ليخفف عنه بعض قهره , بل قرر أن يبدأ بعض الخطوات لتوه , فاعترض طريقه وصرح له أنه وصديقه جاءا لمساعدته .
تهلل وجه مدحت قليلا بابتسامة منتزعة , وانخرطا في تبادل أطراف الحديث بانتظار مجيء أحمد .
بعد ما يقارب النصف ساعة أتى أحمد برفقة الآخرين , ولاحظ أن عبد الله قد قطع شوطا لابأس به في التعارف على الشاب , وبعد تبادل الأسماء المعتاد انخرط الجميع في الحديث عن الذكريات والوطن وغزة والمخيمات والعمل الفدائي والانتفاضة الأخيرة التي جلبت أبو عمار ومنظمة التحرير إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة حسب اتفاقية أوسلو , تناولوا في أحاديثهم بالنقد كل الأحزاب السياسية الفلسطينية وخاصة مسؤولي السلطة وممارساتهم السيئة عن طريق نكات قد أنتجوها خصيصا تشبه النكات التي يتناول بها المواطنون في البلاد العربية رجال الأنظمة في مناطق الشتات .
انسابت من ذاكرته أوجه التشابه للحياة المتداولة بين البشر في مساحات اللقاء بينهم , تذكر المعتقلات التي ارتادها , تناقلوا فيما بينهم حول تجربة الناس بإقامة العلاقات , أيها أكثر حميمية يا ترى : مرحلة الطفولة ؟ أم فترة الخدمة العسكرية , أم حقبة المعتقل , أم الغربة والمنفى؟ وتساءل لماذا تنشأ حميمية العلاقة في هذه الأماكن , ألأن مساحات كثيرة من الشخصية تنكشف لرفاق المكان بالتبادل ؟ أم لأن المشاعر في هذه الأماكن تتكثف بين أشخاص محددين بعينهم ؟؟..
من تجربته الخاصة أدرك أن علاقات الناس داخل المعتقل تختلف عن أي علاقة أخرى , فللعلاقة إن نشأت داخل جدرانه حالة من الوجد , حالة من الإتحاد الروحي هي التي تفسر تحول الكثير من حالات الضعف الإنسانية إلى قوة خارقة يتبادل من خلالها الأصدقاء التصدي لحالات كثيرة صعبة وصلت حد الموت أحيانا , تذكر أصدقائه شهداء ذاك المكان , وكل اللذين فقدوا توازنهم فصيفوا , كثيرا ما اكتشف , عندما كان يصل إلى الحدود الدنيا من الضعف خلال حفلات التعذيب التي تعرض لها , تلك القوة الإنسانية من الصمود التي لا يدري أين كانت تثوي لما يكون إلى جانبه أحد الأصدقاء يشاركه نفس الحفلة , تلك العزيمة الثاوية هي التي ساعدتهم هناك على تضميد جراحهم وساعدتهم على الصمود والتماسك وأن يكونوا أقوى مما خطط له الجلاد .

استأذن الشباب الآخرون تاركين لهما فرصة للراحة بعد عناء السفر , بعد أن اتفقوا على تخصيص أمكنة لكليهما .
قرر عبد الله البقاء لدى مدحت لأمر يضمره , وبسرعة ملحوظة راح يرتب أشياءه في إحدى خزن الغرفة , و جهزسريرا محاذيا لسريره , واستسلم لاسترخاء شعر بحاجته الملحة بعد ساعات السفر فغفا .

أمضى ساعات مساء اليوم الأول لوجوده يتحين أية فرصة للتقرب من مدحت والتحدث إليه بسبب الفضول الذي أثارته مسحة الكآبة على وجهه , استفسر عن مجال دراسته في أوكرانيا , فأخبره أنه كان في علم النفس والتربية الاجتماعية , حاول أن يستجره إن كان له مغامرات نسائية أثناء دراسته الجامعية تفكها لكنه تحفظ , لم يحاول أن يكون لحوحا , تناقشا قليلا عن رأي السكان هناك في التجربة السوفياتية الماضية ومقارنتها بالأوضاع الحالية , وعرجا بالحديث على الماركسية , واستنتج من حديثه أنه قريب بتفكيره وآرائه إلى اليسار العلماني .
حافظ على جفائه , كانت أجوبته مبتسرة ومقطوشة .

ذهبت جهوده الأولى أدراج الرياح , كانت دردشته الأولية على مدار الساعات الأولى من اللقاء دون جدوى , لم تساعده في إنجاز توطئة لمعرفة سر نظراته التائهة , و شروده الدائم , وهروبه من الإختلاط بالناس ونزوعه إلى الوحدة , وبقي بالنسبة له صندوقا مغلقا .
لم يستسلم , لمعت في ذهنه فكرة , بادره فجأة بالقول :
_أخ مدحت أنا هنا لأساعدك في الترجمة كما طلب مني قريبك , ولكن أهم أسباب وجودي هي مساعدتك في صياغة المبررات التي من المفروض أن تسردها أمام المحقق خلال جلسة التحقيق , وكيف يمكنك الإجابة على أسئلته خلالها كي لا ترتبك , ولإنجاز هذا علي أن أسمع منك بعضا من قصة حياتك ومعلومات شخصية وافية عنك وعن ماضيك وعن أهلك , وعن أسباب طلبك للجوء , لأرشدك كيف سترد على أسئلته , إنه يطلب منك الكثير من المعلومات من خلال طرح أسئلة خبيثة ومفاجئة يختبر مصداقيتها عبر أجوبتك عليها , ومن الضروري أن تتدرب لكي لا ترتبك فيستند هو على هذا لرفض طلبك للجوء .
_أشكرك , هذا لطف كبير منك
_ولايهمك يا زلمة , إحنا ولاد بلد وعلينا أن نساعد بعضنا , إننا نساعد أي حد فكيف بابن البلد .
أراد من عرضه هذا أن يطمئنه ويكسب ثقته عله يدخله إلى عالمه الخاص ولو قليلا دون إحراج بطرح الأسئلة المباشرة .
_ليس من الضروري أن تجيبني الآن , يمكننا تأجيل الحديث إلى المساء أثناء التمشاية في حديقة المركز, فيكون للحديث رومنسية مختلفة .
وافقه الشاب الذي بدا عليه الارتياح والثقة .

كانت تحيط بالمركز ساحات لعب لأنواع مختلفة من الرياضات وغابة جميلة , كثيرا ما انفرد بنفسه في متاهاتها , يتسلى بين الحين والآخر في تناول ثمار أشجارها أثناء إقامته فيه ستة أشهر , وهناك تكون لديه انطباع بأن أخضرار النباتات في هذه البلاد باهت , اخضرار بايخ كما يقولون بلهجتهم , أشعة شمسها باهتة , قمر لياليها باهت , حتى أن المرء يشعر أن سماءها ليلا بلا نجوم , إلا أن كل هذه البياخة لم تحرم المكان من نصيبه في حنان الطبيعة , ولم يمنع عشاق المكان القادمين من بلاد الحب الحرام من الاستمتاع بالتوغل فيه والبحث عن زوايا بعيدة ينزوون إليها ليلا بعيدا عن المتطفلين يرنون إليهم , الليل ستارهم , يتبادلون عواطف طالما كبتت في أوطانهم الأصلية , ويمارسون في الهواء الطلق حبا محرما في الليالي الربيعية المقمرة والقليلة في هذه البلاد الباهتة التي تملأ سماءها الغيوم المتلبدة معظم فصول السنة.

عند حلول المساء اقترح الشباب الذهاب إلى الديسكو (المرقص الليلي) احتفاءا بهما , وافق أحمد للتو, إنه يحب مغازلة النساء الألمانيات كثيرا , ولكن التبرم الذي ظهرعلى وجه مدحت بل رفضه القاطع للدعوة أسعده , إنها فرصته السانحة للانفراد به , لربما اكتشف سر حزنه الغامض , سيكون الوقت كاف لطرح كل الأسئلة التي ستسمح بها ظروف اللقاء .

بعد أن غادر الشباب متأنقين إلى الديسكو , اقترح عليه أن يقضيا الأمسية في الخلاء خارج السكن برفقة بعض الكؤوس من البيرة المبردة جيدا لأنه يكره الأماكن المغلقة , وافق مدحت برضا ظاهر , هبطا الطريق باتجاه ملعب كرة القدم وعندما وصلا إلى الطرف القصي منه اقترح عليه التسكع على أطراف الغابة دون التوغل فيها فوافق ..

كان الليل يتمدد باسترخاء تحت ضوء القمر , تعم المكان برودة منعشة , وأثناء تدرجهما في المشي راح يبحث عن مدخل مناسب للحديث لا يثير حفيظته , سأله :
_لماذا لم تذهب معهم ؟ ألا تشعر بالحاجة إلى معاشرة امرأة تؤنس وحدتك في هذا المكان المقفر ؟
استولت على وجه مدحت تقطيبة تدل على ما يعتمل في نفسه من كرب , كان مسكونا بالخجل , غشيت عينيه سحابة من الحزن , تأوه وهمهم بصوت هزيل أجش يشي بتلاقح القهرلديه مع الكآبة :
_لا , لا أحتاج . قال بنرفزة و تبعثر توازنه ومظهره الوقورالذي كان يبديه لمحدثه .
استعاد هدوئه ثانية بعد أن امتص امتعاضه وأكمل :
_النساء في كل الأحوال لغز محير ومشكلة كبرى .
_على العكس المرأة مخلوق جميل جدا , يمكنك أن تحصل على متعة كبيرة من خلال العلاقة معها , وكلما توغلت في متاهاتها تكتشف أسرارا ما كنت على علم بها من قبل فتزداد تألقا في لعبة كشف أسرارها .
_لا يجلبون بالنهاية إلا الهم والمتاعب .
_هل ينم هذا عن تجربة حب فاشلة أو زواج فاشل ؟ أم أنه تحيز للذكر وعداء للأنثى ؟ أظن لو استمعنا لرأي الأنثى لوجدنا العكس .
_إنه وصف للواقع الراهن . ثم إن الذكورة والأنوثة يا صاحبي عبارة عن طاقة وموقف من الحياة , وكلا الجنسين يحمل نصيبا من هذين النوعين من الطاقة , ذكورة وأنوثة , وتوجد هذه بنسب متفاوتة ومناسبة لجنس الشخص , وعلى كل طرف رعاية كلا الطاقتين لديه ليسعد ويتوازن , وإلا تشوهت الشخصية أو مرضت , و ليس من الضروري أن يظهر هذا للعين البشرية العادية , تحتاج لعين مختص وعارف .
وعلينا الإعتراف أنه منذ عهود طويلة يسود العالم فكر الذكر بالرغم من أنوثة كلمة رأسمالية , وتبعا لهذا تعاني الأنثى منذ ولادتها من نتائج ذلك , وبالتالي هي لا تستطيع أن تتفتح بصورة صحية ويتعذر عليها رعاية قطبها الذكري بشكل صحيح وحر , والعكس صحيح بما يخص الرجل , فكيف تريد من المرأة أن لا تكون غشاشة وهي تعيش مسألة أضخم غش عرفته العصور تمارسه الذكورة عليها منذ فترة بعيدة : إلغاء قدرتها الواقعية بفعل أعظم دور للتضليل مارسته الحضارة البشرية على مر العصور , ولما سكن هذا الخداع لاشعور إنسان عصرنا الحالي امتدت المأساة لتشمل جنس الأنثى كله .
_من الواضح أن دراستك في مجال الفلسفة وعلم النفس لها أثر كبير على آرائك في المرأة .
واغتبط على تنويهه في تحميل النظام الرأسمالي مسؤولية التشويه الكبير. ثم أستأنف مدحت يتابع :
_إنني تعثرت في دراستي بسبب زواجي أثناءها , خاصة أن زواجي كان في نهاية السنة الأولى منها , إن الجمع بين مسؤولية الزواج والدراسة صعب , أما على صعيد تحصيلي المعرفي فإن دراستي كانت أقل المصادر التي اعانتني بها ...وأنت أيضا يبدو أن دراستك على علاقة بذلك
_لا يا ابن العم , فمجال دراستي بعيد كل البعد عن هذا , دراستي كانت في مجال الهندسة , ولكن نشاطي السياسي المبكر هو الذي دفعني للاهتمام بعلم النفس ومجالاته الفردية والاجتماعية لإيماني بأهمية هذا للعمل السياسي الناجح في فهم السلوك الفردي والاجتماعي , وثقافتي جمعتها من قراءة بعض كتب التحليل النفسي والاجتماعي , أما على صعيد حديثنا عن المرأة فأنا أرى أن المرأة هي التي تصنع الرجل , سلبا كان أم إيجابا , هي وطن الرجل , إليها يرجع دائما مهما ابتعد في سفره , لأنه بدونها يضيع , لدرجة أن الأم هي التي تعرف الأطفال على أبيهم ليكون أبوهم حقا , وهي التي تدفعهم إلى حبه واحترامه إن أحبته واحترمته , و تستطيع لو أرادت أن تجعل له منهم أعدائا , بينما , لو رغب الرجل بهذا , لا يستطيع .
صحيح أن المرأة اضطهدت ولكنها استطاعت أن تنجو من آثار اضطهادها الفظيع بفضل حسناتها وسيئاتها : مرونتها , صبرها اللامحدود , تكيفها المرن , حاجتها لأن تكون محبوبة , شهيتها إلى السعادة بأي ثمن , نرجسيتها , مازوخيتها , مكرها.....إلخ .
وعندما حقق الرجل نصره الساحق عبر الصيرورة التاريخية على عصر سيطرتها بات يخافها , ولكي يحافظ على السيطرة عليها صقلها حتى شيئها وتوج الإنسان ذلك في عصر العلاقات الرأسمالية عندما سلّع كل شيء , الجنس , والفن , والحب , والموسيقى , ...إلخ ...فسحق القطب الذكري داخلها , و شوه قطبها الأنثوي فصارت إما أنثى عصابية , أو رجلا مشوها , فلما استقرت حالتها على ذلك قرفها , كرهها واحتقرها .
_وهل هي لا تعرف َ تعابير الوفاء , الاخلاص , العدل , الموضوعية , العقلانية بطبعها أم أنها اكتسبت ذلك بالتدرج فاحتلت ذمتها هذا إن وجد لها ذمة ؟
_هذا فقط يا ابن العم لدى النساء اللواتي لسن نساءا حقيقيات , اللواتي استطاع الرجل تجنيدهن في عالم الذكورة بوسائل مختلفة يطول شرحها , هن اللواتي فقدن أنوثتهن وكل شيء حتى التعبيرالأنثوي على وجوهن , أصبحن أشباح أنثى , يصرخن , يدخن , يشتمن , يقاتلن , مقلدات الرجال في وجوهها الكريهة , صرن أنيميا داخلية وصريرا عدوانيا .
ينبغي علينا جميعا , ذكورا وإناثا , أن نناضل لتستعيد المرأة أنوثتها لتسترجع الوفاء والإخلاص والعدل وكل الذي ذكرت إليها , ليس من أجلها فقط بل من أجل المجتمع .
تلقى مدحت القسم الأخير من كلامه بامتعاض يدل على عدم موافقته الكاملة , وراح يضفي على النساء كل أنواع الانتقادات اللاذعة ... لم يقاطعه , أراد أن يعطيه فرصة لإزاحة الصخرة عن صدره , كان يقرأ في عينيه أسى ودموعا متحجرة أعادته في ذاكرته إلى تجربة أخرى , وابتسم في نفسه منتشيا : إذا هي المرأة كما توقعت , قال في نفسه , أما قالوا : فتش عن المرأة .

استبد بهما التعب فجلسا على أحد المقاعد .....جاراه بالحديث فحدثه عن معاناته في زنازين النظام السوري , عن قوانين الطواريء التي تحكم تلك المساحة من الشتات حيث يسكن المخيم , راح مدحت يسأله عن تجربته بفضول شديد , لم يرغب إضاعة الوقت في التحدث عن نفسه كثيرا , بادره ببعض الأسئلة التي تتناول إقامته في المركز , كان يجيب دائما باقتضاب , أراد أن يخرجه من الحالة هذه :
_مابالك دائما لا تفارقك الهيئة الجدية معي وتجاوبني وكأني عنصر مخابرات سوري , ابتسم خيّ شو مالك , إحنا صار بينا خبز وملح , وربما نكون أصدقاء .
_على الرحب والسعة , وإلي الشرف أن أكون صديقا لشخص مثلك مثقف وحيوي ومرن , لكن الابتسام يا صاحبي يعتبر فواصل ونقاط في الأحاديث المشتركة بين البشر, وأنا لا أتقن وضع الفواصل والنقاط في حديثي على ما يبدو .
_ لا تقول ذلك يا زلمة , فيك الخير , ولكن على ما يبدو أنك تمر بأزمة ما سرقت حيويتك وابتسامتك .
أراد الاستفادة من جو الألفة الذي ساد على مدار الساعات الماضية خلال نقاشهما , حاول طرح أسئلة شخصية أراد من خلالها أن يعرف عنه أكثر :
_هل لي أن أسألك بعضا عن طفولتك لنتعرف على بعضنا أكثر ؟ وأنا بدوري سأروي لك بعضا من طفولتي .
_“ طفولتي بعيدة ....وكهولتي بعيدة ...ووطني بعيد ....ومنفاي بعيد....وموتي بعيد ...وليس لدي من الوطن شيئا ما يومي إلي إلا لجوئا أوسجنا أومنفى أو طائرة مقاتلة إسرائيلية تقنص طفولتنا وتفجر حاضرنا وتغتال مستقبلنا ..“

لم يخف نشوته من الطريقة التي أجابه بها , جميل أن يتمتع مدحت أيضا بشفافية شعرية , شيئا إضافيا يتشاركان به , ثم رد عليه :
_أظن أني قد سمعت ببعض هذي الكلمات من قبل ... ؟
_بالطبع يا صاحبي , فالقسم الأول منها للشاعر السوري محمد الماغوط , أتصور أنك سمعت به بما أنك „فلسطيني سوري“
_مملكة الأحزان على ما أظن
وافقه وحاول الإطراء على ثقافته ولكنه لم يسمح له بالاسترسال وسعى أن يبقى في سياق ما سبق فسارعه بسؤاله عن وضعه العائلي :
_هل أنت متزوج ؟
_كنت
_ألديك أطفال ؟
_كان , فتاتان : أليسا وعشتار
_أسمان جميلان , ولكني لم أفهم ؟!
_قصة طويلة .....
قال هذا وتلاحقت سحابات من الكآبة تكسو وجهه , وتزاحمت عينيه دموعا تحجرت تدل على خيبة كبيرة عاناها .......
_زوجتك أوكرانية ؟
هز برأسه موافقا .
_كنت تحبها ؟
_دنفا كنت بها ...وهائمة بي كانت ...التقيتها صدفة وشبابي يغمره اشتياق لطفولة ناقصة .......أتت كنحلة تحوم فوق رأسي تفوح رائحة النبيذ منها..... وعبر أجنحة الحلم مضت تغنيني وصرت أغنيها ...لهونا معا , ركضنا , وقعنا , وانحدر التوق بي يداعب وجهها ...وطارت الأماني فراشات تعانق أحلامنا ....ولما قبيل الفجر حامت على تخوم رغبتي , تفوح منها رائحة الزعفران , سرقت نشوتي وسلبت نشوتها....وفي غفلة مني ومنها , التهم الجراد حلمنا .....حاولت أن أخبيء في فمي ما تبقى منها ..أن أبتلعها , علها تنبت فيّ رحما من جديد ألدها , لكنها لم تنبت فيّ سوى خيبة واغترابا ووحدة ....

كان لهذا السرد الشاعري وقعا رائعا على نفس عبد الله , اغتبط , وعلق على ما قال :
_ياه ....كم هي جميلة مشاعرك نحوها ...ولماذا إذا افترقتما......

لم يتمكن مدحت من التعقيب على كلامه , كان يبكي بصمت , لم يحاول تهدئته , تركه يبكي لكي لا يختنق عله يخفف قهره فيرتاح قليلا , طلب منه النهوض , أمسك بذراعه , التصق به ألا يتعثر فيقع لأنه لاحظ أنه أكثر من شرب البيرة , اقترح عليه التوجه إلى الغرفة للخلود إلى النوم لأنه بدوره يشعر بالتعب والنعاس , فقد أوشك الفجر أن يطلع .

عندما استيقظ في صباح اليوم التالي , كان الصباح رماديا والسماء متجهمة وتتسللت برودة خفيفة إلى جسده من خلال نسمات صباحية منعشة متسللة إلى الغرفة من خلال النافذة التي تعود أن يتركها مفتوحة قليلا أثناء النوم , ما يزال مدحت نائما , لاحظ جهاز تسجيل صغير على زاوية النافذة وبعضا من أشرطة , فتش في الأشرطة , عثر على شريطين لفيروز وشريطا لنجاة الصغيرة , ابتسم منتشيا , ها هي مرة أخرى يكتشف أشيائا مشتركة بينهما , أختار أحد أشرطة فيروز وضعه في آلة التسجيل , صدح صوتها بأغنية : منن مديتم إيدي وتركتك آه .

استيقظ مدحت على صوت فيروز يفرك بعينيه , حاول الاعتذار منه إن كان سببا في إزعاجه , اعترض مدحت وقال له أنه يطيب له الاستيقاظ على صوت فيروز , وقال أن عليه في كل الأحوال الاستيقاظ في مثل هذا الوقت للذهاب إلى صالة الطعام لاستلام الفطور , ثم توجه مدحت إلى المرافق المشتركة للغسول , ولما عاد لبس وانطلق يحمل وعاءا , بينما وقف عبد الله إلى النافذة يطل على ساحة المبنى حيث يتجه نزلاء المركز زرافا نحو صالة الطعام يحمل كل منهم وعائا يتناسب حجمه حسب عدد أفراد عائلته , يتجمعون أمام الباب في انتظار أن يفتحها الموظف .
كان نزلاء المركز يستلمون طعامهم عن طريق بونات تسلم لهم كل راس أسبوع تشبه تلك التي كان يستلم بها اللاجئون الفلسطينيون في بلاد الشتات أعاشاتهم عندما تم استلاب وطنهم لإقامة إسرائيل بمؤامرة الاحتكار العالمي , أو بطاقات التموين التي كان مواطني بعض الأقطار العربية كسوريا والعراق ومصر لتسلم المواد الأساسية المدعومة السعر من الحكومات التي استباحت أمنهم ولقمة عيشهم .
صارحه مدحت أنه يشعر بالإهانة عندما يصطف مع النزلاء اللذين يتجمعون , رجالا ونساءا وأطفالا , في طابور طويل ثلاث مرات في اليوم لاستلام الطعام من نافذة يعمل عندها أحد الموظفين الألمان تعلو وجهه دائما نظرة احتقار لهم أثناء توزيع حصص الطعام عليهم .
طيب خاطره , فهو قد عانى من هذا الشعور كنزيل سابق في هذا المركز , وذكره بمقدار الإهانة التي تعرض لها الآباء عندما طردوا من وطنهم فلسطين عوضتهم القوى المتآمرة حينها عنه بأعاشة تحوي بعض الطحين والسكر والزيت وبعض قطع من الصابون ثم بعد سنوات انقطعت .
والأسباب في الحالتين واحدة والجهة المجرمة واحدة : الأنظمة العربية , سبب النكبة والنكسة , وسبب كل النكبات والنكسات التي حدثت وتحدث هذه الأيام , التي تجلس على رقاب المواطنين ينهبون ثرواتهم مع قوى الاحتكار العالمي ويتركونهم يعانون الجوع والقهروالسجن في بلادهم أو الإهانات إن هم اختاروا المنفى .
وبعد أن تناولا الفطور , طلب منه عبدالله أن يترك له مهمة تحضير إبريق شاي بالقرفة على الطريقة الفلسطينية فوافق على مجاملته .
بعد الفطور جلس كل منهما إلى سريره , إن ما جرى في الليلة الماضية نما بينهما ودا وثقة ظاهرين دفعه دون إحراج أن يطلب منه متابعة حديث الليلة السابقة , لم يتحرج مدحت كالمرات السابقة , ولم يمانع , أصلح من جلسته وراح يروي قصته.
_تعرفت على أولغا خلال السنة الأولى من دراستي , كانت زميلتي في الكلية , وحيدة أمها وأبيها تسكن معهم في شقة بنفس المدينة التي تقع فيها الجامعة التي أتبع دراستي فيها , ثم بعد فترة من الاستلطاف ارتبطنا بعلاقة حب نتج منها الحمل الأول لابنتي أليسا مما اضطرنا للسكن في شقة أهلها , كانوا لطيفين جدا معنا فهم اللذين عرضوا علينا السكن عندهم , كانوا سعيدين بانتظار حفيد قادم بعد عدة أشهر , ولكن بعد الحمل الثاني لابنتي عشتار بحثنا عن شقة صغيرة لنا تضمنا حتى لا نثقل على أهلها ولكي نحصل على راحتنا وحريتنا , مما ألزم كلينا البحث عن عمل , تيسرت الأمور إلى أن أنهينا دراستنا , بعد إنهاء الدراسة سيطرت علي فكرة العودة إلى الوطن قبل أن يكبروا البنات فكنت أرغب أن يبدأوا الدراسة في فلسطين لإيماني بأن عليهم ألا ينسوا قضيتهم لأهمية الموضوع بالنسبة للجيل الفلسطيني القادم من وجهة نظري , عرضت الأمرعلى زوجتي , بالبداية تلكأت ولكن بعد إصراري وافقت وهكذا كان .
_أصبلك كاسة شاي قبل أن تبرد ؟ سأله عبد الله واعتذر عن مقاطعته .
وافق مدحت , ارتشف من كأسه رشفة طويلة ثم تابع :
_سارت الأمور في البداية على ما يرام ,وبعد أن انتهت في غزة الترحيبات والسلامات بدأت مرحلة جديدة , لم أعاني من صعوبات البحث عن عمل فأنا بالأساس كنت بعثة على حساب إحدى التنظيمات فعملت لديهم كمستشار اجتماعي , ولكن بدأت مشاكل من نوع آخر , بدأت أشعر أنا وزوجتي أننا نعيش على هامش مجتمع غزة المحافظ , ولا تنسى الصعوبات الجمة التي صادفت أولغا , اللغة , الاختلاف بالعادات من اللباس وطريقة التفكير لغاية طريقة الأكل , .....
توقف مدحت عن سرده متأوها :
_ما في ناس بتترك الواحد بحالو ...وأولهم الأهل ...أنت تعلم كم هو مجتمع غزة محافظ , بدأ الأقارب والجيران ينقوا على طريقتها في اللباس والأكل , وأرادوا مني أن أدعوها للإسلام وأجبرها على لباس الحجاب , إلى جانب الخوف المستمر واليومي من القصف الإسرائيلي , والاقتتال الداخلي والفلتان الأمني . كل هذا دفع أولغا أن تحسم أمورها بالعودة إلى أوكرانيا , طرحت الموضوع علي إحدى الأمسيات باكية , خفت على الأولاد وعليها ومن انهيارها إذا استمرت في العيش في هذا الوسط كما أوحت لي حالتها وتصرفاتها الأخيرة , اتفقت معها أن تسبقني إلى أوكرانيا مع الأولاد للإقامة عند أمها وأبيها حتى أجهز نفسي وأقضي بعض الأمور التي تخصني ثم التحق بهم فوافقت , قطعت لهم بطاقات الطائرة ورحلوا , وصرنا نتواصل بالمكالمات الهاتفية مرة في الأسبوع ثم فجأة .....
صمت مدحت فجأة , تدحرجت على خده دمعة ساخنة , احتضنه عبد الله وربت بود على كتفه ثم قال له :
_إذا كنت تشعر أن لا رغبة لك بالمتابعة توقف , وبعدين منحكي ومنكمل , خلينا نروح نشوف أحمد والآخرين إذا كانوا استيقظوا أم لا , أكيد بيكونوا رجعوا بوش الصبح من الديسكو ....
أراد عبد الله بهذا تغيير جو الحزن الذي ساد إثر الكآبة التي سادت المقاطع الأخيرة من حديث مدحت , ولكن أحمد قاطعه :
_لا , لا أريد التوقف , أشعر أن علي أن أتخلص من هذه الصخرة الجاثمة على صدري و كادت أن تخنقني
_إذا لتسترح قليلا , خليني أقوم أساوي فنجان قهوة , دلني بس أنت وين عدتها وأنا بساويها .
شكر مدحت صديقه على وده ومجاملاته المتكررة ومحاولاته للتخفيف عنه , أنجزا سوية طهو القهوة في المطبخ الجماعي المشترك , ولما رجعا إلى جلستهما السابقة تابع مدحت :
_بعد مضي ما يقارب السنة انقطع الإتصال بيننا فجأة دون سابق إنذار , قلقت كثيرا وقررت السفر إليهم , سافرت , وعندما قرعت باب الشقة التي يسكنها أهلها كانت المفاجأة الكبرى أنني لم أجدهم , لا زوجتي ولا أولادي ولا أهلها , كان يسكن الشقة عائلة جديدة أخبرتني أنه خلال حمى الهجرة إلى إسرائيل بعد انهيار الإتحاد السوفييتي برعاية الوكالة اليهودية عرضوا عليهم الهجرة للإقامة في إحدى المستوطنات المبنية فوق أراضينا المنهوبة من فلسطين .
صدمت , كيف حدث هذا , وأين هم الآن , ولماذا لم يخبروني , وتقاذفتني أفكار سيئة , أحسست بالإنهيار , وحتى لا أطيل عليك , قفلت راجعا إلى غزة لأحاول التفكير بحل ...
_هل أم لحمك يهودية ؟
_لا أدري , لم أشعر أبدا من خلال حياتي معها أو اختلاطي مع أهلها بذلك , ما الذي حدث لا أدري , كان يسود بيننا حبا كبيرا وانسجاما ايديولوجيا وفكريا , صرت أفكر هل يا ترى ضمرت يهوديتها لتخلف مني أولادا تجعل منهم أعدائا لي ولأهلي , تصور أن ابنتاي بعد فترة قريبة ستجندان للخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي وسينشدان الهاتكفا نشيد الاستقلال الإسرائيلي بدلا من النشيد الفلسطيني بلادي بلادي , وسيرسلوهن إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة ليمارسوا القتل بحق أهلهم من أبناء جلدتهم , هذا ظلم كبير لي ولهم , إنهم أولادي أيضا وليس أولادها وحدها , ولي حق عليهم كما عليها , وعليها الإقرار بذلك , هذا منطق العدل والحكمة والأصول إن كانت حريصة على حياتهم وصحتهم النفسية والاجتماعية كما تدعي .
_ آه ..يا ابن العم , إن الحياة الزوجية لا تحتاج إلى انسجام ايديولوجي و فكري أو عاصفة من الحب لكي تنجح , الحياة الزوجية يا صديقي تحتاج لكي تنجح وتدوم إلى جانب الرغبة الجنسية المتبادلة , عملا صغيرا يقيك الحاجة ويكفي متطلبات عائلتك الضرورية , وآمالا صغيرة , وحلما صغيرا , واحتراما كبيرا متبادلا , كل النساء يا ابن العم في موضوع الحب والأولاد ليست عادلة ولا موضوعية وليس زوجتك لوحدها , إنها تشعر أنهم ملكيتها الشخصية , ربما جاء هذا الشعورمن حملهم في رحمها ومن إرضاعها لهم , ومن وجهة نظرها أن وظيفة الأب هي البذار والتعتيل , وطول ما الأمور بينك وبينها تمام بتحبك وتسمح لك بإقامة علاقة طبيعية معهم , وفي أول خلاف جدي تخسرها وتخسرهم وربما تخسر حياتك , ولا أتصور يا صديقي أنه كان ليهوديتها إن كانت يهودية دورا كبيرا لما حدث على الرغم من إقراري للدور الكبير الذي يلعبه الدين في صراعات منطقتنا في شرقنا المتوسط .
_أحيانا أرفض افتراض أنها يهودية , ولا أخفي عليك أنني أشكك أحيانا كثيرة بهذا الأمر , لأني أعلم جيدا أن الكثير من العائلات أدعت يهوديتها إدعاءا لعناصر الوكالة اليهودية من أجل قبول طلبهم للهجرة إلى إسرائيل , وزورت أوراقا من أجل ذلك , خاصة أنه بعد سقوط السلطات أثناء انهيار الاتحاد السوفييتي سيطرت على مجالات الحياة قوانين المافيا , ولا أتصور أن هذا الأمر خاف عن الوكالة اليهودية , فهي لا تهتم بإثبات يهوديتهم قدر ما تهتم بتهجيرهم من أوطانهم إلى إسرائيل أولا عن طريق مصادرة الأراضي الفلسطينية من أجل حل مشكلتها الديموغرافية أمام التفجر السكاني الفلسطيني ومن ثم يبحثون عن حل لتأهيلهم ودمجهم , وكل هذا طبعا على حساب أصحاب الأرض الأصليين .
_قل لي ماذا فعلت في غزة بعد عودتك إليها , هل حاولت الذهاب إلى داخل إسرائيل للبحث عنهم , وما الذي حصل لك ؟؟
_بلى , بحثت عنهم كثيرا , اكتشفت أنها قد غيرت أسمائهم وأسماء العائلة وصرت وكأني أبحث عن سراب , أما ما حصل معي في غزة فشيء فظيع , قد تعرضت لشتى أنواع حملات التشهير من كل الأطراف السياسية والاجتماعية , واستهزاء وتعليقات مقيتة , وإتهام بالخيانة , وووو...
أشعر أني فقدت القدرة على جمع شظايا روحي أو على الأقل تنسيقها بشكل يجعلني أبدو متوازنا للآخرين . أنا لم أكن هكذا , كثيرا من أقاربي وأصدقائي ومعارفي , مارسوا كل أنواع الاضطهادات بحقي لأمر حدث خارج إرادتي , والناس صدقت كل الإساءات التي أنتجها المغرضون والمتخلفون بحقي , لماذا ؟ إن ذنبي الوحيد أني صمت ولم أبادلهم الفجور والتشهير, وفكرت بصيغة أخرى من العلاقات البشرية تكون أفضل من أن نلوك بعضنا بالتشهير والتشهير المضاد لحماية حياتنا المشتركة . كيف يسوغ هؤلاء لأنفسهم تشويه روح إنسان أو تشويه سمعته بل قتله دون أن يروه أو يعرفوه وهو أقرب لهم مما يتصورون ؟
يلوكون لحمي ليل نهار و يستغربون صمتي وشرودي اللذان صارا جزءا من تكويني بل ملامحي , وأنا لم أعر انتباها كيف أبدو بنظرهم , ولا لما يطلقون علي من أوصاف , ولا أعترض ولا أميل لنقاشهم , ولكني , وفي ظل ما حدث لي أطلب منك أن تجيبني : هل تستحق الحياة أن تعاش إذا تحول الإنسان إلى كرة تتقاذفها الأرجل بسخرية وإذلال وعلكة تلوكها كل الألسنة ؟
كيف يسوغ هؤلاء لأنفسهم تشويه روح إنسان أو تشويه سمعته بل قتله دون أن يروه أو يعرفوه وهو أقرب لهم من اللذين يشيعون عنه خبثا أو غيرة وحسدا أو جهلا .
ولأني لم أعد أحتمل هربت , وها أنا ذا بينكم في المنفى منذ عدة أيام بعيدا عن بلدي وأهلي أطلب اللجوء .

صمت مدحت وقد أراحه ما قد باح به لعبد الله .....لكنه لم يدر ما أثارت قصته من مكبوتات مسكوت عنها في مثاوي عبد الله الداخلية ¸ وما نكأت من جراح , وهاهوذا جعله يعود ليجوس عبر سراديب الذاكرة عما مضى وعما يجري في حاضره , واستيهامات وندوب في روحه لا يلئمها إلا الزمن .
ماذا فعلت بالمسكوت عنه لديه هذا النسيج اللحمي في قصة مدحت , كل ما بذله لينسى ذهب أدراج الرياح بسبب أمسيتين وليلتين في مركز اللجوء المركزي هلبرشتات , وهاهو ماضيه يكتظ متوجسا أمامه .
اندفاع مدحت ببوحه له تسلل إلى داخله ليعيد رماد الجمرات , ذكره ألم مدحت بناره الثاوية تحت الرماد , فكر أن يبادله البوح فيرتاح مثله , لكن نداءا داخليا طلب منه أن ينتظر مضي الزمن كما دائما , لقد علمته الحياة أن ينتظر , إنه يعي جيدا لعبة الزمن , ربما يحتاج لنوبة قلبية أخرى أو ربما أكثر ليعي ما استحصدته الأيام ولعبة الزمن , „قل كلمتك واخلص قبل أن تموت“ , يصيح به النداء , فلربما ستعرف طريقا إلى قلب يحتويك فيشعل عاطفة فيك أو حزنا , أن يوقد لهيبا في يباب الموات لدى المزورين فيدركون الحقيقة . أيها الأفاقون , أيها المتفائلون والمتشائمون , أيها الخونة , أيها المخلصون , أيها العقلاء والأغبياء , لاتنسوا أن لعبة الزمن أقوى منا جميعا ولا يمكن أن نواجهها إلا بأن نعيش , أن نرقص على حبال الزمن نشدانا للحياة .

استيقظ أحمد والشباب بساعة متأخرة , غطوا بالنوم إلى ما بعد الظهيرة .
قضوا معظم ساعات المساء في تحضير الطعام وداعا , وفي الليل جلسوا للسمر وتبادل الأنخاب والأحاديث للتعارف أكثر ولتبادل الآراء في مناقشات متفرقة على الطريقة الفلسطينية , واتفق عبد الله خلال السهرة مع مدحت على الصيغة التي من المفروض أن يقدمها مبررا للجوئه , وقبيل انبلاج الفجر شعروا جميعا بإرهاق ونعاس يستولي عليهم فاستأذنوا بعضهم كل إلى مكانه وناموا .

في ظهيرة اليوم التالي , لاحظ الجميع ابتسامة عريضة تغمر وجه مدحت , كان هادئا ومتماسكا , كثير المبادرات والحركة , مبتهجا ولو قليلا , ويحسن تصرفا , وكأن بوحه لابن العم قد غسل قهره الذي كان يجثم فوق صدره فأطلق روحه , تبادل الحديث مع الآخرين , ابتسم للجميع , ضموا بعضهم للوداع , واتفقوا على لقاء آخر .
وعندما هم عبد الله للصعود إلى السيارة للانضمام إلى صديقه أحمد نظر إلى مدحت , التقت عيونهما , أدرك لتوه أنه مازال شيئ في داخله منكسر , منمعس , متحطم , ولم تتمكن كل محاولات الابتسام التي بذلها ملوحا بيده للوداع أن تخفي الحزن الثقيل الموجع في عينيه , ومن تجربته أدرك أن الحزن والوجع سوف لن يفارقه .



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طبيعة الصراع الطبقي في حركة التحرر الوطني متابعة
- إلى صديقي الساكن في الضفة الأخرى من المنفى
- في حركة التحرر الوطني القومي من الإمبريالية ...متابعة
- الامبريالية وكيفية الخروج من أزمته الراهنة ...متابعة
- البنية الطبقية للنظام الامبريالي
- قصة قصيرة ......فسحة صغيرة من الحرية
- قصة قصيرة جدا......فسحة صغيرة من الحرية
- من أين يأتي هذا الإيغال والمبالغة في سفك دماء الأطفال والغلو ...
- وين العرب.....وين الإسلام ؟؟
- قراءة في البيانات والكتابات السياسية لبعض أطراف المعارضة الع ...
- كتابة على جدار حر
- بالأمس ابتهجت وابتهجت معي قريتي الجاعونة
- خنجر من لحمي في لحمي
- أنا والسياسة الواقعية أو الواقعية السياسية
- من ذاكرة معتقل سابق ...الذاكرة الأخيرة
- هل الأول من أيار عيد للعمل أم عيد للعمال ؟
- ويرحل الحمام
- قصة قصيرة ...موعد في 8 آذار
- -إن درجة تحرر المرأة هي مقياس التحرر بشكل عام-
- محاولة في الغوص في العلاقة بينها وبينه , الرجل والمرأة


المزيد.....




- مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا ...
- مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب ...
- الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن ...
- بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما ...
- على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم ...
- فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
- بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت ...
- المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري ...
- سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في ...
- خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - محمود جلبوط - قصة........حدث في مركز اللجوء المركزي في Halberstadt