سيلفيا فيديريتشي
الحوار المتمدن-العدد: 7577 - 2023 / 4 / 10 - 22:39
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
المصدر:
Federici, S. (2021). Marx on Gender, Race, and Social Reproduction: A Feminist Perspective. In: Musto, M. (eds) Rethinking Alternatives with Marx. Marx, Engels, and Marxisms. Palgrave Macmillan, Cham. https://doi.org/10.1007/978-3-030-81764-0_2
أ. من أجل إعادة بناء نسوية لنقد ماركس للرأسمالية
عند إعادة التفكير في معالجة ماركس للعلاقات “الجندرية” تواجهنا مفارقة. فمن جهة، إن مقاربة ماركس لـ”الجندر”، كما نوقشت في أعماله الأساسية، هي في أفضل الأحوال مفقودة. سواء كنا نشير إلى الجندر كعلاقات بين الذكور والإناث والقواعد التي تنبني بها، أو إلى تاريخ وأصول الإنقسام الجنسي للعمل والسيطرة البطريركية في الرأسمالية، عبثاً نلجأ إلى ماركس لتحليل هذه القضايا. ما عدا بعض الملاحظات في أعماله الأولى، إضافة إلى مناقشة توظيف النساء في قطاع الصناعة في الجزء الأول من كتاب رأس المال، فأغلب كتابات نظرية ماركس السياسية كُتبت من منظور رجل، أي الرجل العامل. والذي تشكلت باسمه الأممية الأولى. من جهة أخرى، ساهم عمل ماركس إلى حد كبير في تطوير النظرية النسوية حيث أخذَتْ النسوياتُ ماركس إلى أماكن لم يكن قادراً أو راغباً في الذهاب إليها. وقد كان ذلك أكثر من تمرين لسد الفراغ الجندري في عمل ماركس. إن البحث في نتائج نسيان ماركس قد أرغم بكل تأكيد على إعادة التفكير في طبيعة وتاريخ النظام الرأسمالي وما يشكل نضالاً ضد الرأسمالية. إن الهدف من هذه الورقة هو إثبات أن إعادة التفكير النسوية هي ضرورية لكي تكون الماركسية المعاد بناؤها دليلاً لنضالات زمننا الحالي.
لتحقيق ذلك هناك عدة خطوات ضرورية. بداية، علينا السؤال عن الحجة، التي غالباً ما تطرحها النسويات كذلك، بأن “إغفال ماركس للتنظير” للعلاقات الجندرية هو مجرد نسيان بسيط ضمن مجمل عمله. سيكون عبثياً توقع من ماركس معالجة موضوع كان خارج نطاق تحليله الرئيسي. كما يقال أيضاً أن ما يهم ماركس، أكثر من أي مقولة كتبها حول مسألة الجندر، هو منهجيته، ويحصل التركيز على إدانته للبطريركية في العديد من أعماله المبكرة، على الرغم من أنه من المعلوم أن ماركس كان رجلاً من العصر الفيكتوري، يتشارك التحيزات الذكورية السائدة في عصره، ما يجعله أعمى عن الأنشطة التي كانت تعمل فيها النساء على العكس من العمل الصناعي.
هناك بعض الحقيقة في كل من هذه الحجج. لكن الاستنتاج المقترح يجب رفضه. لأنه يفترض أن استبعاد ماركس من تحليله السياسي للقضايا المتعلقة بالجندر والحكم البطريركي وإعادة الانتاج لم يؤثر على فهمه لعمل الرأسمالية والنضال ضدها. ويفترض أن المنطق الذي يقود التطور الرأسمالي و”الصراع الطبقي” يمكن فهمه بالكامل حتى عندما يكون التحليل غافلاً عن بعض الأنشطة الأكثر أهمية في حياتنا والتي من دونها لا يمكن أن تستمر الحياة.
على العكس من هذا الافتراض، يجب أن ندرك أن مقاربة ماركس لـ”الجندر كان لها تأثير على عمله وكشفت فعلياً عن حدود، في نظريته الاجتماعية/السياسية القوية، لا يمكن تجاهلها. أثّر العمى الجندري على مفهومه لما يشكله العمل من عاملٍ انتاجي وموضوعٍ ثوري في المجتمع الرأسمالي. كما أدى به إلى التقليل من قوة الطبقة الرأسمالية في تحييد التمرد الطبقي من خلال بناء الهرميات العمالية التي لم تقسم بين العمال فقط، إنما أعادت توجيه العداء الطبقي نحو العداء ضمن الطبقة العاملة. في كل هذه المجالات، هناك علاقة مباشرة بين تعاطي ماركس مع الجندر ومعالجته لمسألة العرق. في حين كتب على نطاق واسع عن العبودية والعمل الاستعبادي، وكان مدركاً جداً لمركزية العرق تحت الرأسمالية”، (1) إلا أنه لم يتطرق إلى العرقنة كعنصر بنيوي للاستغلال الرأسمالي، ولم يبتعد عن اقتناعه أن مصير النضال ضد الاستغلال الرأسمالي يتحدد [فقط] في مجال العمل الصناعي والعمال الصناعيين المأجورين. ويكمن وراء معالجة ماركس لمسألتي الجندر والعرق استخفافاً شائعاً بوجود أنظمة عمل مختلفة في تاريخ الرأسمالية. وبالتالي في حين تركز هذه الورقة على وجهة نظر ماركس حول “الجندر”، فإنها تدرس كذلك كيف تقاطع الجندر والعرق في عمله وفي السيرورات المتكررة في “التراكم البدائي” التي شكلت تاريخ التطور الرأسمالي حتى وقتنا الحالي.
الهدف من هذا التمرين ليس لوم ماركس، أو إنكار الطابع التأسيسي لفهم النظام الرأسمالية وإمكانية إسقاطه. بدلاً من ذلك، إن البحث في إعادة التفكير بعمله من وجهة نظر أولئك الذين/اللواتي كانت مهمتهم/ن إعادة الانتاج اليومي للحياة سيغير من فهمنا لكل من النظام الرأسمالي والجهود المصروفة لبناء عالم آخر مختلف. هذا هو المسار الذي سلكته العديد من النسويات منذ السبعينيات، استعملت العديد من النسويات ماركس من أجل تجاوزه، وتوسيع مفهومه للعمل، وللموضوعات الثورية، والاستغلال الرأسمالي، وتحويل مركز الثقل في التحليل من “الانتاج” إلى “إعادة الانتاج”. مع ذلك، إن التركيز على إعادة الانتاج الاجتماعي لا يعني تفضيل “قطاع” مختلف أو إضافي من التنظيم الرأسمالي للعمل، إنما النظر إلى الرأسمالية والصراع ضدها من وجهة نظر “الفرد ككل”، العامل بأكمله، ورفض الانفصال والتشويه الذي خلقته الرأسمالية في حياتنا. من وجهة النظر هذه، بات المفهوم المختلف لما هو النضال المناهض للرأسمالية ولما يشكل الذاتية الثورية ممكناً، وبالتالي معترفاً بالانقسامات التي أوجدتها الرأسمالية ضمن البروليتاريا، والتي أضعفتها كذلك، ما يوسع من نطاق المواجهة إلى ما هو أبعد من علاقة رأس المال- العمل المحصورة على نطاق ضيق، وبالتالي الدعوة إلى تعددية الحركات، المتوافقة مع تعددية أشكال العمل التي فرضتها الرأسمالية تحت حكمها.
ب. ماركس حول مسألة “الجندر”
تشير النسويات اللواتي يشددن على اهتمام ماركس المستمر بالقضايا الجندرية إلى إدانته العديدة للعلاقات البطريركية في كتاباته الأولى. (2) في كتابه “المخطوطات الاقتصادية والفلسفية عام 1844، على سبيل المثال، مردداً فوريه، جادل بأن العلاقة بين الرجل-المرأة هي مقياس التقدم الاجتماعي، كما يخبرنا إلى أي مدى “الذي أصبحت فيه ماهية الإنسان طبيعة للإنسان”. (3) في كتاب الإيديولوجية الألمانية، الذي تَشارك في كتابته مع فريدريك إنغلز، تحدث عن “العبودية الكامنة في العائلة”، مشيراً إلى أنه ضمنها يمكن للأب أن يستهلك عمل زوجته وأطفاله. (4) ومن ثم في ترجمته لكتيب جاك بوشي حول الانتحار أظهر النتائج المدمرة للأخلاق البرجوازية على حياة النساء، المؤدية في كثير من الأوقات إلى الانتحار. (5) كذلك، في البيان الشيوعي سخر من الأسرة البرجوازية باعتبارها مبنية على الزنا ومعاملة النساء كـ”أداة للانتاج”. (6) مع ذلك، ما تظهره هذه النصوص هو أن ماركس أدان إخضاع النساء للحكم البطريركي، لكنه لا يعتبره جانباً أساسياً من جوانب التنظيم الرأسمالي للإنتاج، ويتطلب التحقيق في تاريخه ووظيفته، ولم يكن معنياً بأن التمييز الجندري سيكون عقبة أمام توحّد الطبقة العاملة. كما قال وإنغلز في البيان الشيوعي: “الفروقات بالعمر والجنس ليس لها أي شأن مميز للطبقة العاملة، كلها أدوات للعمل”. (7)
يدخل الجندر في أعمال ماركس مع مشاركة النساء في العمل بالمصانع خلال الثورة الصناعية. فوصفه، في الجزء الأول من كتاب رأس المال، لوحشية الاستغلال الرأسمالي لعمل النساء والأولاد، قويٌ، مدفوعاً بغضب أخلاقي غني بالتفاصيل، ولكنه في الوقت عينه كان اختزالياً. وكما كتبت فيرونيكا غاغو، فإن “الاختلاف عند ماركس وإنغلز [التحليل الجندري في مكان العمل] يقتصر على مسألة التكاليف. العمر والجنس هما من المتغيرات التي تجعل العمالة أرخص، ولكن من دون أي معنى اجتماعي”؛ “يدمج الاختلاف إلى درجة الإلغاء”. (8) تحليل ماركس للعمل الاستعبادي محايد جندرياً كذلك، على الرغم من أن النساء المستعبدات يعانين من معاملة أشد وحشية من الرجال، ويتعرضن لاعتداءات جنسية فضلاً عن الألم الذي لا يوصف المتجسد في رؤية خطف أولادهن لبيعهم في المزادات، وغالباً ما يلقحن بشكل إجباري بهدف إنجاب المزيد من الأطفال.
في كتاب رأس المال، كما في أعماله السابقة، يعترف ماركس بوجود علاقات بطريركية، لكنه لا يخبرنا ما الذي يجعلها موجودة. وهو يشير إلى الطابع الأبوي للعمل الحرفي المنزلي، محاججاً أن الأب كان هو المستغل لعمل زوجته وبناته. (9) كما تأسف من أن التصنيع قد حوّل البروليتاريين إلى تجار عبيد، بحيث سمح ذلك لهم ببيع نسائهم وأطفالهم إلى الرأسماليين. (10) مع ذلك، وفي حين كرّس أغلب أعماله لدراسة تاريخ الطبقات الاجتماعية، لم يبحث عن أصل الهيمنة الذكورية في الرأسمالية، وهو إغفال لافت، خاصة بالنظر إلى بلوغه سن الرشد في ألمانيا، وهي الدولة التي قادت كل أوروبا، لأكثر من قرنين من الزمن، في اضطهاد غير مسبوق للنساء بحجة مطاردة الساحرات. (11) اللافت أكثر، في هذا السياق، أن ماركس لم يعترف بعدائية عمال المصانع لتشغيل النساء فيها ونتائج ذلك على بناء التضامن والتنظيم، كما فعل عند تحليله لعدائية العمال الإنكليز تجاه [العمال] الإيرلنديين.
لو تفحص ماركس الجذور التاريخية وجينالوجية البطريركية في المجتمع الرأسمالي، لكان بإمكانه شرح لماذا في مصانع إنكلترا، كان عمل النساء، مثل عمل الأطفال أقل تكلفة وأقل قيمة من عمل الرجال. كان بإمكانه إدراك أن النساء على العكس من الرجال، لم يدخلن الرأسمالية باعتبارهن مالكات لقوة عملهن، فكنّ عرضة لاستحواذ أشدّ يطال أجسادهن وجنسانيتهن وهويتهن القانونية. هذا الاختزال الجذري، الذي تعرضن له كذلك من خلال تنسيق قرنين من مطاردة الساحرات. يساعدنا في تفسير لماذا تمكن البروليتاريون من فرض العمل الحرفي المنزلي على زوجاتهم وبناتهم، ومع التطور الصناعي ولفترة من الوقت، من بيعهن إلى المصانع.
كان دخول النساء في المجتمع الرأسمالي مختلفاً تماماً، حيث لم يكن للمتزوجات في إنكلترا، في زمن ماركس، كالأطفال، أي حقوق قانونية، وكان الرجال يمثلونهن في المحاكم أو من قبل أصحاب العمل. وفوق ذلك، لم يكن لهن الحق بالأجور أو بأي دخل يجنونه. (12) استمر الوضع غير الحر للنساء على هذا الشكل، حتى أواخر القرن التاسع عشر، وكان “بيع الزوجات” ما زال ممارساً في صفوف الطبقة العاملة، حيث كان الزوج يرافق زوجته إلى السوق، وفي بعض الأوقات يضع رسناً على رقبتها، كوسيلة رخيصة للطلاق. (13) هذه الممارسة، بحسبما يخبرنا إدوارد بالمر تومسون، كانت قد تراجعت في أواسط القرن التاسع عشر، وقد كانت موضع استهجان من قبل الطبقة الوسطى المُدنية. (14) ولكن استمرارها لمدة طويلة يعلمنا عن مدى التدهور الذي عانت منه النساء في أوروبا، وانعدام المساواة الذي ميّز العلاقات بين الرجال والنساء كذلك في أوساط الطبقة العاملة. لم يكن بيع النساء من الأمور العابرة، إنما كانت عمليات معتادة للغاية، وتحصل علناً في السوق، (15) بواسطة العمال من عدة مِهن، ويترك لنا تقدير سبب عدم وجود أي ذِكر لها في كتابات ماركس.
الإحالات إلى العلاقات الجندرية كذلك غائبة عن تحليلات ماركس للأنشطة الهادفة إلى إعادة انتاج قوة العمل. كما أوضحت ليوبولدينا فورتوناتي في كتابها، سر إعادة الانتاج، الأنشطة المنزلية وإعادة الانتاج- العمل المنزلي، تربية الأولاد، العمل الجنسي والإنجاب- هي بالكاد مذكورة بأغلب أعماله الأساسية، ما عدا تسجيل غيابهن في حياة البروليتاريا، بسبب عمل النساء طوال دوام كامل في العمل الصناعي. وكما عبّرت: “تمكن ماركس من رؤية الأعمال المنزلية فقط عندما دمرها رأس المال، ولم يرَها سوى عبر التقارير الحكومية”. (16) في كل كتاب رأس المال، يؤكد على أنه يجب إعادة انتاج قوة العمل باستمرار، التي تستهلك يومياً في سيرورة العمل. كما يصف إعادة الانتاج هذه على أنها استهلاك منتج، وضروري لتراكم رأس المال مثل تنظيم الآلات، “بقدر ما يكون إنتاج وإعادة انتاج أكثر وسائل الانتاج التي يحتاج إليها الرأسمالي: أي العامل”. (17) مع ذلك، يخبرنا بإصرار أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا عبر السوق، حيث يشتري العمال ضروريات الحياة التي يمكن لأجورهم شرائها. لا يعتبر ماركس أي عمل، ما عدا ما هو مطلوب لانتاج “وسائل العيش” التي تشترى من السوق، وهي ضرورية لإعادة انتاج قوة عمل العامل. فهو لا يعترف في أي وقت من الأوقات أن إعادة انتاج قوة العمل تحتاج إلى بعض الأعمال المنزلية- إعداد الطعام، غسل الملابس وإصلاحها، والتنظيف، وتربية الأطفال. كما يتجاهل بعض أهم السلع لإعادة إنتاج قوة العمل في أوروبا، التي أدت إلى ازدهار الثورة الصناعية- البن والسكر والتبغ والقطن- التي أُنتجت عن طريق السخرة في المزارع الأميركية [والإفريقية والآسيوية].
حتى عند حديثه عن إنجاب عمال جدد، لم يذكر ماركس مطلقاً عمل النساء، ولم يذكر أبداً واقع أن النساء والرجال قد يكون لديهم مصالح مختلفة وحتى متضاربة حياله. ومن ثم فهو يتحدث عن “الزيادة الطبيعية للسكان”، (18)، ويعتبر فقط أن زيادة وتراجع الأجور مؤثرة في تحديد حجم الأسرة، متجاهلاً أن الولادة في إنكلترا وقتها، كانت إحدى أسباب وفاة النساء وفقرهن، فقد خشيت البروليتاريات من أي حمل جديد، فانخرطن في النضالات اليومية لتجنب العلاقات الجنسية مع أزواجهن أو لإقناعهم بممارسة “القذف خارج المهبل”.
بالنسبة للنساء غير المتزوجات، كان الحمل يشكل تهديداً أكبر، لأنه يعني فقدان العمل والنبذ الاجتماعي. لم يكن الإجهاض ممكناً، إلا مع حصول خطر كبير، وذلك بعد إلغائه في المملكة المتحدة بموجب قانون صدر عام 1803 جعل من إنهاء الحمل بعد الارتكاض [حركة الجنين الأولى] جريمة يعاقب عليها بالإعدام، وصدر قانون آخر عام 1836 جعل من الإجهاض في كل الأوقات جريمة، ويعاقب عليها بعقوبة الترحيل الإجباري. (19) كما أن حالات الحمل غير المرغوب فيه بين البروليتاريين، وخاصة النساء، أثبتت أيضاً من خلال أعداد الأطفال المتروكين، وخاصة في لندن، كانت ظاهرة لافتة، في القرن التاسع عشر، في الكثير من المدن الأوروبية، حيث ما زلنا حتى اليوم نرى المواقع التي يتم التخلي عنهم فيها.
أدرك ماركس جيداً أن الرأسمالية لا يمكن لها التوسع دون زيادة عدد العمال، وكذلك للعمل كجيش احتياط. وغالباً ما عاد إلى هذا الموضوع، مقدماً الفكرة التالية: “كل نمط تاريخي محدد للانتاج له قوانينه الخاصة للسكان”، بالتالي تجريد الشيء مما يُعتبر صفاته الطبيعية من أكثر نشاط “طبيعي” على الأرض، وهو إنجاب أطفال جدد. (20) مع ذلك، لم يذكر النساء في هذا السياق، وحتى لا يعترف بوجود صناعة تربية الأطفال، والتي تنظمت في ولايات مثل فرجينيا، في بداية القرن التاسع عشر، بعد أن منعت إنكلترا المتاجرة بالعبيد، حيث تعرضت المستعبدات للاغتصاب الممنهج، كجزء من مجهود مالك العبيد لتجنب تكلفة نقل العبيد من إفريقيا.
وغالباً ما ينسى من هذا الجانب الصادم للانتاج الرأسمالي؛ مع ذلك فهو أكثر الأمثلة التي تكشف عن الوحشية المطلقة للنظام الرسمالي. يظهر كتاب دوروثي روبرتس الكلاسيكي، “قتل الجسد الأسود، وإعادة الانتاج، ومعنى الحرية” كيف أن تربية العبيد هي مثل نموذجي للطريقة التي حرمت فيها النساء من الأمومة والتجربة التي اختبرنها في أجسادهن، أكثر من أي جزء آخر من الشعب، وحجم الانتهاكات التي كانت “ضرورية” لتحويل الدم الإنساني إلى ذهب. (21) رأى ماركس أهوال العمل الصناعي، لكنه كان أعمى عن رؤية أهوال الاستغلال الرأسمالي لقدرة النساء الإنجابية التي كانت مثالاً، خاصة في حالة صناعة تربية الأطفال، مبعداً القرصنة الرأسمالية وانتهاكها غير المحدود لأجساد النساء.
لهذا السبب، عندما يتعلق الأمر بالبروليتاريات وخاصة النساء المنحدرات من أصول أفريقية، ينبغي دوماً “توسيع” نظرية ماركس (إذا استعملنا كلمات فانون)، (22) خاصة عند التعامل مع قضايا مثل الحق بالإجهاض والحق بإنجاب الأطفال، والتي تستمر الملايين من النساء بالتحرك حتى يومنا هذا (كما رأينا مؤخراً في الأرجنتين). إن إحدى أعراض عدم قدرة ماركس على معالجة “القضايا الجندرية” هي كذلك موقفه الأخلاقي المتعلق بالعمل الجنسي، والذي لا يظهر في كتاب رأس المال كشكل من أشكال إعادة الانتاج ولكن كموضوع يخضع لرقابته، على الرغم من أنه كان مصدر دخل الآلاف من البروليتاريات، “صانعات القبعات وفتيات المتاجر والخادمات في المنازل والعاملات في المصانع أو العاملات في الزراعة”، وفقاً لإفادة أحد أعضاء الكلية المَلَكية للجراحين عام 1870”. (23)
لماذا كان ماركس متردداً على نحو واضح في معالجة الطابع الخاص لاضطهاد النساء واستغلالهن في المجتمع الرأسمالي؟ الإجابة الشائعة هي أنه لم ينظّر للعمل المنزلي لأنه كان يُنَفذ القليل جداً منه في المناطق الصناعية، وأن محور تركيزه كان، مثل معظم رجال عصره، أنه رأى في أعمال إعادة الانتاج المنزلية كمورد طبيعي، ولا يختلف، عن وظيفته الرأسمالية، عن بقية المواد الخام التي يتطلبها العمل الصناعي. وقد يكون السبب هو أن عمل إعادة الانتاج هو غير مدفوع ولم يكن قابلاً للحساب بشكل سهل، على الرغم من أن ماركس قد عرف أن وقت العمل، هو أساس القيمة، هو كيان علائقي ولا يتكوّن من مقدار محدد من الوقت. كما يمكننا تخيل أنه نظراً لأن العمل المنزلي في أغلبه لا يمكن اختزاله بالتصنيع، فنادراً ما أثار اهتمام ماركس، الذي كان معنياً بإمكانية- وهو ما وعدت به الصناعة- تقليل العمل الضروري ووضع العمل نفسه على أسس عقلانية. وليس أخيراً، كما هو الحال مع العمل الاستعبادي، من المحتمل أنه افترض أن العمل المنزلي سيكون قريباً شيئاً من الماضي، وسيحل مكانه أشكال انتاجية أكثر تقدماً سواء اجتماعياً وتكنولوجياً.
ما هو أكثر أهمية من ذكر أسباب استخفاف ماركس بالاختلافات الجندرية، وما هو هدف هذا الفصل كذلك، هو ذكر نتائج ذلك. من الناحية السياسية، كان السبب في عدم قدرته على رؤية حقوق النساء بأنها حقوق عمالية، (24) وعدم قدرته على تقدير أهمية التنظيمات النسوية المعاصرة التي رآها بشكل عام كمبادرات برجوازية، ونصح أحياناً النساء بالابتعاد عنها. كما بالغ في تقدير آثار التكافؤ لتشغيل النساء في الصناعة. أما بالنسبة للأجيال اللاحقة من اليساريين، وكما بالنسبة لماركس وإنغلز، فقد اعتقدوا أنه عبر المشاركة في العمل الصناعي، يمكن التغلب على انعدام المساواة بين الرجال والنساء. (25) إن النساء يتجسّدن بشكل مختلف، ولديهن تجارب مختلفة عن الرجال، بما خص الجنسانية والإنجاب وتربية الأولاد، وأن هذه الاختلافات قد جرى التعمية عليها، واستُغلت واستُعملت بطرق تحرض على العنف الذكوري ضد النساء حتى ممن هن من الطبقة العاملة وداخل الرأسمالية، جرى تخفيض قيمة كل الأعمال المتعلقة بـ”عمل النساء” اجتماعياً، وهو أمر لم يواجهه ماركس لا نظرياً ولا سياسياً.
بالتالي، لم يتخذ موقفاً ضد تعبئة العمال والنقابات العمالية من أجل الحصول على “راتب أسرة”، والتي دعت إلى إعادة النساء إلى المنزل، ولم يعلق على إصلاح العمل الصناعي والأسرة البروليتارية التي كانت بدأت بالتشكل في الستينيات من القرن التاسع عشر، والتي وضعت حداً (إلى جانب التوسع الاستعماري) للموسم الثوري في إنكلترا بداية، ومن ثم في أغلب أوروبا، وأعادت تشكيل شكل جديد من النظام البطريركي يمكن تعريفه على نحو صحيح بأنه “بطريركية الأجر”. (26)
ج. ماركس حول مسألة العمل الاستعبادي و”العرق”
هناك علاقة قوية، في هذا السياق على الرغم من اختلاف السياق، بين علاقة ماركس بالجندر ومقاربته حول مسألة “العرق”. في وقت كان صامتاً حيال أعمال إعادة الانتاج، أعطى ماركس في أعماله اهتماماً مستمراً، نظرياً وسياسياً، للاستعباد والعمل الاستعبادي. وفي وقت كان يعمل على كتاب رأس المال، كانت الحرب الأهلية مندلعة في الولايات المتحدة، التي سرعان ما تركزت على مسألة “التحرر”. اعتقد ماركس أن النتيجة ستكون لها أهمية تاريخية عالمية، وكتب العديد من المقالات في صحيفة نيويورك تريبيون. وفي عام 1863، ونيابة عن الأممية الأولى، كتب إلى الرئيس لينكولن لتهنئته على إعلان التحرر، مشيراً إلى أن [العبودية] “هي العائق أمام التقدم الذي جرفه البحر الأحمر [الدماء] الناتج عن الحرب الأهلية”. (27) لقد كان مدركاً تماماً أنه ما دامت العبودية موجودة، فسيكون صعباً على أي عامل النجاح في نضاله (28) وأن العبودية في المستعمرات الأميركية لم تكن بقايا من عالم ما قبل الرأسمالية إنما هي جانب أساسي من عملية تراكم رأس المال.
العبودية المباشرة هي المحور الذي تدور حوله عملية التصنيع الحالية بقدر ما هو دور الآلات والائتمان وسوى ذلك. من دون العبودية لن ينتج القطن، ومن دون القطن لن تحصل صناعة حديثة. إن العبودية هي التي أعطت قيمة للكولونيالات، والأخيرة هي التي أوجدت التجارة العالمية، والأخيرة هي الشرط الضروري لقيام التصنيع الواسع النطاق. وبالنتيجة، قبل تجارة العبيد، أرسلت المستعمرات القليل من المنتجات إلى العالم القديم ولم تغير وجه العالم على نحو ملحوظ. لذلك إن العبودية هي فئة اقتصادية بالغة الأهمية. (29)
تعتبر المقارنة مع العمل الاستعبادي في كل تجسيداته التاريخية، سواء في اليونان أو روما، وقبل كل شيء كما جرى تنظيمه في اقتصاديات المزارع الأميركية، موضوعة ثابتة في كتاب رأس المال، حيث يُذكر لإظهار ظروف تطور رأس المال، وفي الوقت عينه، ولإظهار خصوصية العمل المأجور. وكما أشار بيكو أغوزينو، إن العبودية والعمل الاستبعادي لا يشكلان فقط حضوراً بالغ الأهمية في أعمال ماركس الأساسية، إنما يشكلان كذلك الخلفية التي جرى فيها تحليل كل أشكال الاستغلال الأخرى، مثل استغلال الأطفال والنساء والعمال الصناعيين. (30)
مع ذلك، لم يبتعد ماركس أبداً عن المفهوم الإقصائي للطبقة، كما أفاد كارل هاينز روث ومارسيل فان دير ليندين، استبعد العمل الاستبعادي من حسابه للعمل الذي يساهم في خلق القيمة، معرفاً العبيد على أنهم رأس مال ثابت، بدلاً من أنهم يؤمنون العمل الفائض. (31) من الأسباب المحتملة هو أن “ماركس اعتبر العبودية أسلوب استغلال متخلف تاريخياً من شأنه أن يصبح قريباً [وقتها] من الماضي”. (32) لقد كان مقتنعاً، في الحقيقة، أن العمل الاستعبادي هو أكثر تكلفة وأقل انتاجية من العمل الحر، لأنه لا يواجه المنافسة وكان يضمن بقاء المستعبدين على قيد الحياة، وأن العمال المستعبدين لم يكن لديهم أي حافز للعمل، وهذا ما أثبتوه من خلال تكسير أدوات عملهم باستمرار، لذلك أعطاهم المستغلون أدوات عمل قديم، متوقعين سلفاً بأنها ستحطم قريباً. (33) كانت الانتاجية المنخفضة للعمل الاستعبادي افتراضاً شائعاً في زمنه، وكذلك بين المطالبين بإلغاء العبودية، الذين استعملوا هذه الحجة للمطالبة بإلغاء الاستبعاد. قدّم ماركس حجة جديدة إليها، تضمنت جزئياً وجهات نظره بشأن الجودة المتدنية لعمل النساء الصناعي. كانت ميزة العمل الاستعبادي هي تكلفته المنخفضة، ولكن عدم اضطرارهم إلى تدبير أمور بقائهم، وعدم اضطرارهم إلى اتخاذ خيارات متعلقة بطريقة استخدام الأجر، لم يتمكن المستعبدون من تطوير تنوع ونشاط ذاتي للعمل الحر، احتاجوا دوماً إلى “أوامر مباشرة” لتنشيطهم. عند المقارنة بين العامل الحر والعامل المستعبد، كتب ماركس أن عمل الأول:
“يصبح أكثر انتاجية لأنه أكثر كثافة، ولأن العبد يعمل بدافع الخوف الخارجي، ولكن ليس من أجل وجوده المضمون حتى لو أنه لا يعود إليه. لكن العامل الحر يكون مدفوعاً برغباته. إن وعي […] حرية تقرير المصير، والحرية تجعل من العامل أفضل […] كما يفعل الشعور المرتبط بالمسؤولية”.(34)
وفي مكان آخر:
“بالنسبة للعامل الحر[…] إن قيمة قوة عمله ومتوسط الأجر المقابل لها لا يبدو شيئاً محدداً سلفاً، كأمر مستقل عن عمله وتحدده مجرد احتياجات وجوده[…] في حالة العبد، قد تعزز القوة الجسدية الكبرى أو الموهبة الخاصة من قيمته عند المشتري، ولكن هذا الأمر لا يعنيه. ما عدا ذلك إن العمال الأحرار يملكون قوة عملهم”. (35)
ربما بسبب إيمانه بانتاجية العبيد الأقل، لم يتوقع ماركس أن نهاية العبودية لن تكون نهاية الهرميات العمالية المتعنصرة، إنما ستشهد بدلاً من ذلك ظهور نوع جديد من العنصرية، أكثر تنظيماً ومنهجية وممأسسة. (36) لم يتوقع (على حد تعبير اد. ب. دو بوا) أن العرق “خط اللون” سيكون مشكلة القرن العشرين، (37) وأن أحفاد العبيد سيصبحون قوة ثورية في الولايات المتحدة، في حين أن غالبية العمال المأجورين البيض سيحولون تضامنهم إلى دفاع عن امتيازاتهم على نحو متزايد، الذين لا يدعمون فقط العنصرية الممأسسة إنما سيدعمون كذلك بشكل دائم على ما يبدو عمليات التوسع الامبريالي.
من العوامل التي حدّت من توقع ماركس لمستقبل “الصراع الطبقي” هو تصوره لمحددات الوعي الطبقي والذاتية الثورية، حيث يركز حصراً تقريباً على العلاقات التي تنظم سيرورة العمل. وبالتالي، في تقييمه لتشكيل ذاتية العبيد، اعتبر حياتهم كعمال فقط، مستبعداً وقت إعادة انتاجهم- أي الوقت الممتد من “غروب الشمس إلى شروقها”، حين يكون السيد نائماً، حينها يكون العمل قد توقف، لفترة وجيزة، وبالتالي سيستعيدون السيطرة على حياتهم- الوقت المخصص للتكلم، والموسيقى، وإحياء الطقوس التي أحضروها معهم من أفريقيا، وهو الوقت المخصص كذلك، للتخطيط للهروب أو لمساعدة أولئك الذين نجحوا ويعيشون اليوم كـ مارون(هاربين) ولكن ما زالوا معتمدين على غيرهم، وغالباً ما يعودون في الليل، إلى أولئك الذين بقوا في المزرعة. (38) كان وقتاً حاسماً على نحو خاص للنساء، اللواتي استعملن هذا الوقت للبحث عن أولادهن، الذين قد جرى بيعهم إلى تاجر عبيد قريب، فيذهبن في الليل، مخاطرات لأن يتعرضن لعقوبات قاسية إذا فُضح رحيلهن. (39) كما تم الاعتراف به في الكثير من الأحيان، إن هذا الجانب الآخر من حياة العبيد هو ما سمح لألمهم أن يصبح منتِجاً، ومولّداً للثقافة، ومحافظاً على المقاومة السلبية من خلال تحطيم أدوات العمل، والتشجع على الثورة.
بكل تأكيد كان ذلك عالماً غير معروف بالنسبة لماركس. مع ذلك، إن إغفاله لتلك الأوقات التي اختبر فيها المستعبد شيئاً من “خارج” العبودية، يظهر ميله إلى التركيز على القضايا المرتبطة بالعمليات والنزاعات الملازمة لعلاقة العمل فقط. هذا ما دفع بالراديكاليين السود، من بين أسباب أخرى، إلى أن وجدوا صعوبة في التصالح مع ماركس. كما حاجج سيدريك روبنسون، في كتاب الماركسية السوداء، في وقت كان ينتقد ماركس لتجاهله ذاتية المستعبدين:
“لم يدرك ماركس تماماً أن مكونات العمال تتضمن كذلك ثقافات أفريقية، ومزيجاً نقدياً من اللغات والأفكار، وعالم الكونيات والميتافيزيقيا، والعادات والمعتقدات والأخلاقيات. كانت هذه هي المكونات الفعلية لإنسانيتهم. لم تتكون هذه المكونات من عزل أو نزع ثقافة الرجال والنساء والأطفال السود الذين انفصلوا عن عالمهم السابق. إذ جلب العمال الأفارقة معهم، الماضي الذي أنتجوه وارتكزت عليه العناصر الأولى للوعي والفهم”. (40)
إن التقليل من شأن أهمية العوامل الذاتية، خاصة كمحددات للقدرة الثورية، واضح على نحو خاص عند تعاطي ماركس مع النساء اللواتي يغبن، سواء كن مستعبدات أو حرات، بوصفهن يحملن اهتمامات وميول محددة، عن تصوره للسيرورة الثورية. على عكس العديد من معاصريه، حتى داخل الحركة العمالية، لطالما دافع ماركس عن حق النساء بالمساواة مع الرجال. وبالتالي، في مقدمته لـ”برنامج الحزب العمالي” عام 1880، كتب أن “تحرر الطبقة العاملة هو تحرر كل البشر دون تمييز جنسي أو عرقي”. (41) مع ذلك، ما هو مفقود في عمله هو اعترافه بالطرق المحددة التي جرى من خلالها استغلال النساء في ظل الرأسمالية، والمعاملة الذكورية التي تعرضن لها من رجال طبقتهن، والطرق المحددة التي ناضلن من خلالها ضد ذلك.
د. إعادة بناء نسوية
نظراً إلى غياب تحليل جدي للأنشطة والعلاقات الجندرية في أعمال ماركس، من اللافت والدليل على قوة نقد ماركس للاقتصاد السياسي الرأسمالي أن أجيالاً من النسويات قد استلهمن منه واعتبرنه عنصراً أساسياً لمقاربة نسوية مناهضة للرأسمالية.
لقد أخذ دمج أعمال ماركس ضمن منظور نسوي أشكالاً متعددة، ولكن على الرغم من الاختلافات، وفي بعض الحالات عدم التوافق، انوجد قاسم مشترك هو الاعتراف بأهمية، بالنسبة للنظرية النسوية، أسلوبه المادي التاريخي الذي يحدد الانتاج اليومي والصراع الاجتماعي كمحرك للصيرورة التاريخية والعناصر الأساسية في انتاج الطبيعة البشرية، وبالتالي استبعاد أي تصور ثابت لما يعنيه أن تكون إنساناً. إن إمكانية نقض وجهة النظر الجوهرانية للأنوثة- التي تستدعى دوماً لإقناع النساء بقبول دور اجتماعي ثانوي- كان من دون شك السبب الأساسي وراء تحول العديد من النسويات إلى ماركس.
مع ذلك، والأهم منه، ومن وجهة نظر إعادة بناء الماركسية، كان الاكتشاف النسوي أن نظرية ماركس يمكن أن تؤمن مفتاحاً لفهم الطابع الخاص وجذور الحكم البطريركي في الرأسمالية. من العناصر الحاسمة، في هذا السياق، هو تحليل ماركس لانتاج قوة العمل، والذي ألهم العديد من النسويات في السبعينيات مثل مارياروزا دالا كوستا، وليوبولدينا فورتوناتي، وسلمى جايمس لإعادة تعريف العمل المنزلي ووظيفة العائلة النووية، على التوالي، كنشاط ومركز إعادة انتاج قوة العمل. (42)
إن هذا العمل المحتقر، والذي يعتبره الاشتراكيون دوماً أمراً مسلماً به وإرثاً ما قبل رأسمالي، كان أحد ركائز التنظيم الرأسمالي، وقد أنتج ثورة نظرية وسياسية، وأدى إلى إعادة تفحص ليس فقط المفهوم الماركسي للعمل، ولكن كذلك طبيعة علاقة الأجور ووظيفة البطريركية في الرأسمالية. وقد ساعد النسويات على إثبات أن الأجر هو أداة سياسية للغاية، من حيث أنه لا يُعمي فقط التبادل بين العمال المأجورين ورأس المال كعقد بين متساوين، ولكنه يخفي ويطبّع العمل غير المأجور المطلوب لإعادة انتاج العمال المأجورين. إضافة إلى ذلك، أعطى الأجر العمال السلطة على غير المأجورين؛ وقد سمح للطبقة العاملة تفويض الرجال المشرفين وفرض النظام على عمل النساء في إعادة الانتاج ضمن نظام بطريركي معاد تشكيله على أنه “بطريركية الراتب”. (43) لقد تجذر الكثير من العنف المنزلي في هذا النظام، وكما اعترفت النسويات، لهذا السبب بالذات كانت الدولة تتسامح تجاهه تاريخياً، بذات الطريقة التي جرى التسامح مع فرض عقوبات جسدية على الأطفال وحتى تشجيعهم على أن يصبحوا عمال المستقبل، وبذات الطريقة التي جرى التسامح مع العنف ضد السود والسمر لاحتواء تمردهم.
إن اكتشاف مركزية عمل النساء غير المدفوع في المنزل لإنتاج قوة العمل لم يحل فقط المسألة الشائكة المرتبطة بالعلاقة بين الجندر والطبقة، إنما كشف الوظيفة الرأسمالية للأسرة النووية، وأعاد تعريف الطبقة، وعمّق فهمنا للعداء الطبقي في جذور المجتمع الرأسمالي. وقد تأكد أن العاملات المنزليات والمربيات وعاملات الجنس لم يكن عليهن الإنضمام إلى المصانع ليشكلن جزءاً من الطبقة العاملة والمشاركة في نضال مناهض للرأسمالية، وأن هذا النضال غالباً ما كان ينبغي خوضه بداية ضد رجال العائلة لأن الرأسمالية، من خلال أجر الرجل وعقد الزواج، مكنت الرجال من الإشراف على عمل النساء غير المأجورات والتحكم به. ومن المفارقات، بالتالي، تبني النسويات للتحليل الماركسي لإعادة انتاج قوة العمل، بشكل يكرس أهمية ماركس للنسوية، كما قدمن دليلاً قاطعاً على أن ماركس يجب قلبه رأساً على عقب، وأن نضال النساء كان ينبغي أن يركز على ذلك الجزء من “المصنع الاجتماعي” الذي استبعده من أعماله. (44)
مع ذلك، إن تحويل مركز الثقل من “الانتاج” إلى “إعادة الانتاج”- الذي أعيد تفسيره على أنه انتاج قوة العمل- لا يعني، التخلي عن نظرية ماركس في خلق القيمة وتثمين رأس المال. بدلاً من ذلك، جرى تسليط الضوء على حقيقة أن تعريف ماركس لسيرورة التثمين بانتاج السلع وانتاج العمل الإنتاجي مع العامل الصناعي المأجور قد منع من فهم كامل لـِ مَن هي الطبقة العاملة، وما هو انتاج القيمة، وفي كل الحالات، ما هي الشروط لانتاجها. بهذا المعنى، إن الحديث عن تحول في تركيز التحليل من الانتاج إلى إعادة الانتاج لا يؤدي إلى تغيير قطاعي أو تكرار لمفهوم إقصائي لمنتجي الرأسمالية. إنما هو توسيع للأفق الذي ننظر من خلاله إلى التراكم الرأسمالي، ليتضمن عالماً من الأنشطة التي استبعدت من قبل اليسار التقليدي الذكوري، ومن قبل ماركس نفسه، وبذلك، لمضاعفة عدد الأشخاص ومواقع النضال ضد الرأسمالية والرؤى للعالم التي ستبنى بمجرد مصادرة المصادرة. ومن الضروري توضيح أن “التجسد” هو جانب أساسي، وغير قابل للاختزال في كل ممارسة للعمل.
في السبعينيات، ركز التحليل النسوي لإعادة الانتاج بالدرجة الأولى على مسألة العمل المنزلي والعمل الجنسي. ومنذ ذلك الوقت، توسع المفهوم. خاصة في عالم الجنوب، حاججت النسويات أنه يجب إعادة تعريف “إعادة الانتاج” بطريقة تأخذ بعين الاعتبار كل النضالات التي تنطوي على الحفاظ على ظروف حياتنا، مثل النضال ضد خصخصة الأراضي، وضد تدمير الأنظمة البيئية، وضد إزالة الغابات، وضد تسميم التربة والأراضي الزراعية، وضد الهندسة الوراثية وتسليع البذور. (45) وكما كتبت ميشيل مورفي، من بين آخرين/أخريات: “لا يمكن اختزال إعادة الانتاج بالجسم والعمل”، أو حتى بالولادة وتربية الأولاد، ولكن ينبغي توسيعها لتشمل العالم الطبيعي، الواقع تحت حصار التهديدات المتعددة، ومع ذلك، تختزل خضوعاً لدافع الربح الذي تولده الأنشطة والموارد الأكثر أهمية لحياتنا وحياة أنظمتنا البيئية. (46)
كان العامل الآخر في إعادة تعريف/توسيع مفهوم “إعادة الانتاج” هو تهشيش العمل وانهيار أجور الذكور، بدءاً من الثمانينات، بسبب إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي وصعود النيوليبرالية، والتوظيف الكبير للنساء في العمالة المأجورة. مع تزايد عدد النساء اللواتي بدأن بالعمل خارج المنزل جرى تسويق الكثير من أعمال إعادة الانتاج، وبدأ التمييز بين الانتاج وإعادة الانتاج بالتلاشي، وبات الأخير ساحة لأنواع جديدة من الاستغلال وتراكم رأس المال. وبالفعل، تُستغل اليوم أعمال إعادة الانتاج كعمالة غير مدفوعة الأجر، تؤمن متطلبات إعادة انتاج الأجيال الجديدة من العمال، وكمصدر مباشر للربح من خلال تسويق وأمولة إعادة الانتاج، بقدر ما يقوم أداؤها على نحو متزايد على استعمال الأدوات المالية (مثل بطاقات الإئتمان) التي تحول أعمال إعادة الانتاج إلى عمليات مباشرة في خلق القيمة. أدى صعود حركات العمالة المنزلية المأجورة، المناضلة من أجل حقوق العمل الكلاسيكية، وكذلك في ربط مجالين من العمل وفئتين من العمالة، لطالما سعت الرأسمالية إلى الفصل بينهما. (47) وبالتالي، ركزت الدراسات المعاصرة لإعادة الانتاج على نحو متزايد على العمل المأجور الذي يحصل خارج المنزل: التمريض والتعليم والبيع بالتجزئة وسوى ذلك.
كل هذه التطورات مهمة لأنها تمكننا من إدراك أن:
أ. الرأسمالية لم تبنِ قوتها فقط من خلال استغلال العمل المأجور ونظام المصانع أو عبر خصخصة الأراضي وغيرها من الموارد، ولكنها وصلت إلى أعمق بكثير في حياتنا وأجسادنا وعلاقاتنا المتبادلة. لذلك، إن مساحات وموضوعات “النضال الطبقي” لا تقتصر على عالم المداخن والمكاتب فقط، إنما كل جانب من جوانب حياتنا هو ميدان نضال.
ب. يضع هذا الأساس لنظرية “الصراع الطبقي” التي لا تبنى عمودياً أو وفق مفهوم متجانس لـ”العامل” و”الموضوع الثوري”، ولا تفترض أن طبيعة الرأسمالية يمكن فهمها من وجهة نظر أحادية، حيث أن التطور الرأسمالي كان تطوراً في الهرميات، وانعدام المساواة ما أدى إلى خلق تجارب مختلفة بشكل عميق لا يمكن التعبير عنها والتغلب عليها إلا عن طريق التعاون بين الحركات الاجتماعية المتعددة، ولا يمكن تصوره في البنى التنظيمية التي لطالما ميزت بين أولئك الذين افترضتهم الأكثر “إنتاجية”.
يجدر بنا التكرار أنه من خلال توسيع إعادة الانتاج لتشمل المجالات والمواضيع الملتزمة اليوم في مقاومة توسع العلاقات الرأسمالية، وعلينا كذلك تعلم أن نقدّر تعددية الرؤى للعالم الذي سيبنى بعد الرأسمالية. هنا أيضاً يجب الابتعاد عن مفاهيم الماركسيين والماركسية للمجتمع الشيوعي المستقبلي، طالما أنها تقترح أن الإثراء يحصل عبر التجارة العالمية، والتي يقوم أساسها المادي من خلال الامتداد العالمي للتصنيع. هذا الموضوع يتجاوز الهدف من هذا الفصل. يكفي القول إنه عالم حيث هناك “أشخاص لا صلات لهم” ما زالوا يحاربون، وربما هي آخر المعارك على الأرض، وحتى “لم يُكتشفوا”، وحيث ما زالت مجتمعات أصلية تصر على أنها لا تريد أن تكون “متطورة”، علينا الاهتمام بأي نظرة عالمية تاريخية لمجتمع ما بعد الرأسمالية، مثلما اقترح ماركس وإنغلز، على سبيل المثال، في كتاب الأيديولوجيا الألمانية. بتواضع أكثر، يجب تقدير التواريخ والمسارات والنضالات الثقافية، ومشاعر أولئك الذين مثل الزاباتيستا، يجادلون أنه عندما يتعلق الأمر بأهداف النضال ضد الرأسمالية، يجب أن يكون شعارنا “كلا واحدة والعديد من الـ نعم”. وبذلك: رفض مطلق لكل أنواع المظالم الاجتماعية، وفي الوقت عينه، قبول طرق متعددة يمكن عبرها تخيل وتحقيق الحياة الجيدة.
وهكذا، جنباً إلى جنب، مع استعادة النسوية مهمة لمقاربات ماركس النظرية والسياسية، نحتاج إلى نقد جديد للدافع الماركسي الرامي إلى هيمنة ليس فقط مواضيع وأشكال الاستغلال الرأسمالية، إنما مواضيع ومساحات النضال ضدها ورؤية لعالم جديد يتم بناؤه.
الهوامش:
1. See Keeanga-Yamahtta Taylor, From Black Lives Matter to Black Liberation (Chicago: Haymarket Books, 2014), p. 206. See also John Bellamy Foster, Hannah Holleman, and Brett Clark, ‘Marx and Slavery’, Monthly Review, vol. 72 (2020), n. 3: 96–117.
2. See Heather A. Brown, ‘The Early Writings on Gender and the Family’, in: Heather A. Brown, Marx on Gender and the Family: A Critical Study (Leiden: Brill, 2012), pp. 11ff.
3. Karl Marx, The Economic and Philosophic Manuscripts of 1844 (New York: International Publishers, 1976), p. 134.
4. Karl Marx and Friedrich Engels, The German Ideology (Moscow: Progress Publishers, 1968), p. 44.
5. Karl Marx, ‘Peuchet on Suicide’, in: Erica C. Plaut and Kevin Anderson (eds.), Marx on Suicide (Evanston: Northwestern University Press, 1999).
6. Karl Marx and Friedrich Engels, Manifesto of the Communist Party, in: Dirk J. Struik (ed.), The Birth of the Communist Manifesto (New York: International Publishers, 1975), p. 108.
7. Marx and Engels, Manifesto of the Communist Party, p. 97.
8. Verónica Gago, Feminist International: How to Change Everything (New York: Verso, 2020), p. 123.
9. Karl Marx, Capital, Volume I (London: Penguin, 1976), p. 620.
10. Ibid., p. 519: ‘Previously the worker sold his own labor power, which he disposed of as a free agent […] Now he sells wife and child’.
11. The Witch Trials of Trier, in the years from 1581 to 1593, were perhaps the biggest witch trials in European history. They lead to the death of about 368 people, and ‘were perhaps the biggest mass execution in Europe in peace time. This counts only those executed within the city itself; the number of those executed in all the witch hunts within the diocese was even larger. The exact number of executions has never been established; a total of 1000 has been suggested but not confirmed’, Wikipedia, ‘Trier Witch Trials’, Wikipedia, n.d., https://en.wikipedia.org/wiki/Trier_witch_trials, accessed on 3 January 2021. On the Trier witch trials, see H. C. Erik Midelfort, Witch Hunting in Southwestern Germany 1562–1684: The Social and Intellectual Foundations (Stanford: Stanford University Press, 1972).
12. This ended with the passing of the Married Women’s Property Act 1870, which for the first time in British history enabled women to keep their earnings, for their separate use, independent of any husband to whom they may be married. See Wikipedia, ‘Married Women’s Property Act 1870’, Wikipedia, n.d., https://en.wikipedia.org/wiki/Married_W omen%27s_Property_Act_1870, accessed on 3 January 2021.
13. Carole Pateman, The Sexual Contract (Stanford: Stanford University Press, 1988), writes that ‘popular belief seems to have been that the sale was valid only if the halter were in place; she also comments on the symbolism of the halter, noting it was part of livestock sales, and that the practice indicates that the wife was considered a property of the husband’, pp. 121–2.
14. E. P. Thompson, ‘The Sale of Wives’, in: E. P. Thompson (ed.), Customs in Common: Studies in Traditional Popular Culture (New York: The New Press, 1991), pp. 410–1.
15. Thompson, ‘The Sale of Wives’, p. 417.
16. Leopoldina Fortunati, The Arcane of Reproduction: Housework, Prostitution, Labor, and Capital (Brooklyn: Autonomedia, 1995), p. 169.
17. Marx, Capital, Volume I, pp. 717–8. Marx writes that: ‘The individual consumption of the worker, whether it occurs inside or outside the workshop, inside or outside the labour process, remains an aspect of the production and reproduction of capital, just as the cleaning of machinery does, whether it is done during the labor process, or when intervals in that process permit. The fact that the worker performs acts of individual consumption in his own interest, and not to please the capitalist, is entirely irrelevant to the matter’, p. 717.
18. Ibid., pp. 788, 794.
19. R. Sauer, ‘Infanticide and Abortion in Nineteenth Century Britain’, Population Studies: A Journal of Demography, vol. 32 (1978), n. 1: 85–6.
20. Marx, Capital, Volume I, ‘An abstract law of population’ he added ‘exists only for plants and animals. And even then only in the absence of any historical intervention by man’, p. 784.
21. Dorothy Roberts, ‘Reproduction in Bondage’, in: Dorothy Roberts (ed.), Killing the Black Body: Race, Reproduction, and the Meaning of Liberty (New York: Vintage Books, 2017), pp. 24–8.
22. Frantz Fanon, The Wretched of the Earth (New York: Grove Press, 1963): ‘When you examine at close quarters the colonial context it is clear that what parcels out the world is to begin with the fact of belonging or not belonging to a given race, a given species […] This is why Marxist analysis should always be slightly stretched every time we have to do with the colonial problem’, p. 40.
23. William Acton, Prostitution (New York: Praeger, 1969).
24. This is a theme in Fortunati, The Arcane of Reproduction.
25. As he wrote, ‘large-scale industry by assigning an important part in socially organized processes of production, outside the sphere of the domestic economy, to women, young person and children of both sexes, does nevertheless create a new economic foundation for a higher form of the family and of the relation between the sexes’, Marx, Capital, Volume I, pp. 620–1.
26. On this subject, see Silvia Federici, ‘Revolution Begins at Home’, in: Marcello Musto (ed.), Marx’s Capital After 150 Years (New York: Routledge, 2019), pp. 125–44.
27. Karl Marx, ‘To Abraham Lincoln, President of the United States of America’, MECW, vol. 20, p. 20. The full quote runs as follows: ‘While the working men, the true political power of the North, allowed slavery to defile their own republic, while before the Negro, mastered and sold without his concurrence, they boasted it the highest prerogative of the white-skinned labourer to sell himself and chose his ow master, they were unable to attain the true freedom of labour […] but this barrier to progress has been swept off by the red of civil war’, ibid.
28. ‘In the United States of America, every independent workers’ movement was paralysed as long as slavery disfigured a part of the republic. Labor in the white skin cannot emancipate itself’ he famously wrote ‘where it is branded in a black skin’, adding that ‘However, a new life immediately arose from the death of slavery. The first fruit of the American Civil War was the eight hours’ agitation, which ran from the Atlantic to the Pacific, from New England to California with the seven-league boots of the locomotive’, Marx, Capital, Volume I, p. 414.
29. Karl Marx to Vasilyevich Annenkov, 28 December 1846, MECW, vol. 38, pp. 101–2. Strangely enough, however, the sequel to this much quoted statement suggests that slavery had a beneficial effect on not only American society but far beyond it. ‘Without slavery, North America, the most progressive nation, would be transformed into a patriarchal country. Only wipe North America off the map and you will get anarchy, the complete decay of trade and modern civilization. But to do away with slavery would be to wipe America off the map’, ibid., p. 102.
30. See Biko Agozino ‘The Africana Paradigm: The Debts of Karl Marx to the People of African Descent in Capital’, Review of African Political Economy, vol. 41 (2014), n. 140: 172–84.
31. Karl Heinz Roth and Marcel van der Linden, ‘Results and Prospects’, in: Karl Heinz Roth and Marcel van der Linden (eds.), Beyond Marx: Theorizing the Global Labour Relations (Leiden: Brill), pp. 445–85. See especially the section titled ‘Karl Marx and the Problem of Slave Labour’, p. 470.
32. Karl Heinz Roth and Marcel van der Linden, ‘Results and Prospects’, p. 468.
33. Marx, Capital, Volume I, pp. 303–4, n. 18. Marx quotes here Frederick Law Olmstead, A Journey to the Seaboard Slave States (1856), who wrote: ‘I am here shown tools that no man in his senses, with us, would allow a labourer, for whom he was paying wages, to be encumbered with’.
34. Ibid., p. 1031, italics in original.
35. Ibid., p. 1032. Along the same line, Marx favorably compares the ‘versatility’ of free labor, with the ‘utterly monotonous and traditional nature of slave labor’, due to the indifference of the enslaved workers to the content of their work’, p. 1034.
36. As George Rawick has argued, with the end of slavery a new page in the history of racism has been opened, since racism has been systematically reorganized to replace slavery as a means to control black people once slavery was dismantled. This is why racism in the U.S. has been so pervasive, shaping every institution and social relation, and has proven so difficult to eradicate. George Rawick, ‘Racism and Slavery’, in: George Rawick (ed.), From Sundown to Sunup: The Making of the Black Community (Westport: Greenwood Publishing, 1972), pp. 142–7. For this reason, we cannot accept the argument of Marxists who believe that being founded on the exploitation of labor, capitalism is essentially color blind. This, however, is to operate an unwarranted separation between capitalism as an abstract system and its historical embodiment. Capitalism, however, is not an abstraction, but a system consolidated under very specific historical conditions that have marked it, have directed its choices, and determined the forms of its development. Three centuries of slavery have sedimented institutions, created subjectivities, produced a powerful system of means of control and repression.
37. W. E. B. Du Bois, The Soul of Black Folks (New York: Dover Publications, 1903). 38 Rawick, From Sundown to Sunup, p. 110.
39. As bell hooks reports, a reference to these night journeys enslaved women took to visit their children is to be found in Frederick Douglas 1845 slave narrative. See bell hooks, Yearning, Race, Gender, and Cultural Politics (Boston: South End Press, 1990), p. 44.
40. Cedric J. Robinson, Black Marxism: The Making of the Black Radical Tradition (Chapel Hill: North Carolina University Press, 2000), p. 121.
41. Quoted by Brown, Marx On Gender and the Family, p. 216. See also Marcello Musto, The Last Years of Karl Marx: An Intellectual Biography (Stanford: Stanford University Press, 2020), p. 45.
42. See in particular Mariarosa Dalla Costa, ‘Women and the Subversion of the Community’, in: Mariarosa Dalla Costa and Selma James (eds.), The Power of Women and the Subversion of the Community (Bristol: Falling Wall Press, 1975), pp. 21–56; Selma James, Sex, Race, and Class (Bristol: Falling Wall Press, 1975); and Leopoldina, The Arcane of Reproduction.
43. See Silvia Federici, ‘The Accumulation of Labor and the Degradation of Women: Constructing “Difference” in the “Transition to Capitalism”’, in: Silvia Federici (ed.), Caliban and the Witch: Women, the Body, and Primitive Accumulation (Brooklyn: Autonomedia, 2004), pp. 97ff.; and Silvia Federici, Marxism, Feminism, and the Patriarchy of the Wage (Oakland: PM Press, 2021, forthcoming).
44. On this subject, see Silvia Federici, ‘Wages Against Housework’, in: Silvia Federici, Revolution at Point Zero: Housework, Reproduction, and Feminist Struggle (Oakland: PM Press, 2020), pp. 11–8; and Silvia Federici, ‘Introduction’, in: Silvia Federici and Arlen Austin (eds.), The New York Wages For Housework Committee 1972–1977: History, Theory, Documents (Brooklyn: Autonomedia, 2017), pp. 202–10.
45. In this context, see the powerful work of Gago, Feminist International, especially Chapters 2 ‘Violence: Is There a War On and Against Women’s Bodies?’, pp. 56–83, and Chapter 3 ‘Body–Territory: The Body as Battlefield’, pp. 84–114. Gago insists on not reducing ‘social reproduction’ to a partial, sectorial aspect of capitalist organization of work, but viewing it instead as a perspective from which to redefine every aspect of capitalist society.
46. Michelle Murphy, ‘Reproduction’, in: Shahrzad Mojab (ed.), Marxism and Feminism (London: Zed Books, 2015), pp. 287–304.
47. See Silvia Federici, ‘We Have Seen Other Countries and Have Another Culture’, in: Revolution at Point Zero, pp. 167–80.
المراجع:
Acton, William (1969), Prostitution, New York: Praeger.
Agozino, Biko (2014), ‘The Africana Paradigm: The Debts of Karl Marx to the People of African Descent in Capital’, Review of African Political Economy, vol. 41, n. 140: 172–84.
Brown, Heather A. (2012), Marx on Gender and the Family: A Critical Study, Leiden: Brill.
———. (2012), ‘The Early Writings on Gender and the Family’, in: Heather A. Brown (ed.), Marx on Gender and the Family: A Critical Study, Leiden: Brill, pp. 11–51.
Dalla Costa, Mariarosa (1975), ‘Women and the Subversion of the Community’, in: Mariarosa Dalla Costa and Selma James (eds.), The Power of Women and the Subversion of the Community, Bristol: Falling Wall Press, pp. 21–56.
Du Bois, W. E. B. (1903), The Soul of Black Folks, New York: Dover Publications.
Fanon, Frantz (1963), The Wretched of the Earth, New York: Grove Press.
Federici, Silvia (2004), Caliban and the Witch: Women, the Body, and Primitive Accumulation, Brooklyn: Autonomedia.
———. (2004), ‘The Accumulation of Labor and the Degradation of Women: Constructing “Difference” in the “Transition to Capitalism”’, in: Silvia Federici (ed.), Caliban and the Witch: Women, the Body, and Primitive Accumulation, Brooklyn: Autonomedia, pp. 61–132.
———. (2017), ‘Introduction’, in: Silvia Federici and Arlen Austin (eds.), The New York Wages For Housework Committee 1972–1977: History, Theory, Documents, Brooklyn: Autonomedia, pp. 202–10.
———. (2019), ‘Revolution Begins at Home’, in: Marcello Musto (ed.), Marx’s Capital After 150 Years, New York: Routledge, pp. 125–44.
———. (2020), ‘Wages Against Housework’, in: Silvia Federici (ed.), Revolution at Point Zero: Housework, Reproduction, and Feminist Struggle, Oakland: PM Press, pp. 11–8.
———. (2020), ‘We Have Seen Other Countries and Have Another Culture’, in: Silvia Federici (ed.), Revolution at Point Zero: Housework, Reproduction, and Feminist Struggle, Oakland: PM Press, pp. 167–80.
———. (2021, forthcoming), Marxism, Feminism, and the Patriarchy of the Wage, Oakland: PM Press.
Fortunati, Leopoldina (1995), The Arcane of Reproduction: Housework, Prostitution, Labor, and Capital, Brooklyn: Autonomedia.
Foster, John Bellamy, Holleman, Hannah, and Clark, Brett (2020), ‘Marx and Slavery’, Monthly Review, vol. 72, n. 3: 96–117.
Gago, Verónica (2020), Feminist International: How to Change Everything, New York: Verso.
———. (2020), ‘Violence: Is There a War On and Against Women’s Bodies?’, in: Verónica Gago (ed.), Feminist International: How to Change Everything, New York: Verso, pp. 56–83.
———. (2020), ‘Body–Territory: The Body as Battlefield’, in: Verónica Gago (ed.), Feminist International: How to Change Everything, New York: Verso, pp. 84–114.
hooks, bell (1990), Yearning, Race, Gender, and Cultural Politics, Boston: South End Press.
James, Selma (1975), Sex, Race, and Class, Bristol: Falling Wall Press.
Marx, Karl (1976), The Economic and Philosophic Manuscripts of 1844, New York: International Publishers.
———. (1976), Capital, Volume I, London: Penguin.
———. (1985), ‘To Abraham Lincoln, President of the United States of America’, MECW, vol. 20, pp. 19–21.
———. (1999), ‘Peuchet on Suicide’, in: Erica C. Plaut and Kevin Anderson (eds.), Marx on Suicide, Evanston: Northwestern University Press.
Marx, Karl, and Engels, Friedrich (1968), The German Ideology, Moscow: Progress Publishers.
———. (1975), Manifesto of the Communist Party, in: Dirk J. Struik (ed.), The Birth of the Communist Manifesto, New York: International Publishers, pp. 85–126.
———. (1982), Letters 1844–51, MECW, vol. 38.
Midelfort, H. C. Erik (1972), Witch Hunting in Southwestern Germany 1562– 1684: The Social and Intellectual Foundations, Stanford: Stanford University Press.
Murphy, Michelle (2015), ‘Reproduction’, in: Shahrzad Mojab (ed.), Marxism and Feminism, London: Zed Books, pp. 287–304.
Musto, Marcello (ed.) (2019), Marx’s Capital After 150 Years: Critique and Alternative to Capitalism, New York: Routledge.
———. (2020), The Last Years of Karl Marx: An Intellectual Biography, Stanford: Stanford University Press.
Pateman, Carole (1988), The Sexual Contract, Stanford: Stanford University Press.
Rawick, George (1972), ‘Racism and Slavery’, in: George Rawick (ed.), From Sundown to Sunup: The Making of the Black Community, Westport: Greenwood Publishing, pp. 142–7.
Roberts, Dorothy (2017), ‘Reproduction in Bondage’, in: Dorothy Roberts (ed.), Killing the Black Body: Race, Reproduction, and the Meaning of Liberty, New York: Vintage Books, pp. 22–55.
Robinson, Cedric J. (2000), Black Marxism: The Making of the Black Radical
Tradition, Chapel Hill: North Carolina University Press.
Sauer, R. (1978), ‘Infanticide and Abortion in Nineteenth Century Britain’, Population Studies: A Journal of Demography, vol. 32, n. 1: 81–93.
Taylor, Keeanga-Yamahtta (2014), From Black Lives Matter to Black Liberation, Chicago: Haymarket Books.
Thompson, E. P. (1991), ‘The Sale of Wives’, in: E. P. Thompson (ed.), Customs in Common: Studies in Traditional Popular Culture, New York: The New Press, pp. 404–66.
Roth, Karl Heinz, and van der Linden, Marcel (2014), ‘Results and Prospects’, in: Karl Heinz Roth and Marcel van der Linden (eds.), Beyond Marx: Theorizing the Global Labour Relations, Leiden: Brill, pp. 445–85.
Wikipedia (n.d.), ‘Trier Witch Trials’, Wikipedia, https://en.wikipedia.org/wiki/ Trier_witch_trials. Accessed on 3 January 2021.
———. (n.d.), ‘Married Women’s Property Act 1870’, Wikipedia, https://en.wikipedia.org/wiki/Married_Women%27s_Property_Act_1870. Accessed on 3 January 2021.
#سيلفيا_فيديريتشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟