في المملكة المغربية حيث كانت حصلت في الأيام الماضية العمليات الرهيبة التي أدت لمصرع عددا كبيرا من المدنيين في الدار البيضاء،هذه المدينة التي تعتبر المركز الثقافي للمملكة وحيث يقيم أيضا أتباع الديانة اليهودية من المغاربة. وكانت الأهداف التي تعرضت للهجوم منوعة ،منها السياحي والثقافي والديني والسياحي،أي بما معناه خليط من الأهداف التي لها تأثير في حياة الناس وانعكاسات على مجرى الأوضاع الاقتصادية والسياحية والدينية في المملكة. وقد أكدت تلك العمليات أنها ليست الحل الأنسب ولا الأنجع لتطوير المغرب وحل مشاكله العالقة ومنها مشكلة الحريات الديمقراطية والصحافية. كما أثبت هجمات الدار البيضاء عقم التفكير الذي يستلهم منه الذين أقدموا على تلك العمليات وينفذونها من وحيه. لأنه لا فائدة تذكر على الشعوب العربية والشعب المغربي من تلك العمليات،وهي سوف تعزز من التدخل والوجود الأمريكي والغربي وحتى الإسرائيلي في المغرب، و غيره من بلاد العرب.
ما هي المصلحة في ضرب مقرات الجالية اليهودية في الدار البيضاء،وهل يهود المغرب أعداء للمغرب وللنسيج المجتمعي الذي يجمع شعب المملكة؟؟
لا نعتقد أن اليهود المغاربة أعداء للشعب المغربي أو أنهم كلهم عملاء لإسرائيل،فقد يكون من هو كذلك من بين اليهود المغاربة لكن هذا أيضا ينطبق على باقي أبناء الشعب المغربي والأمة العربية من المسلمين وغيرهم. فالعملاء والجواسيس والخونة موجودون في كل مكان وحتى أن للعملاء الفلسطينيين الذين تعاملوا مع الاحتلال وتجسسوا على شعبهم نقابة و مؤسسة موجودة تحمي حقوقهم،لها مقر في القدس المحتلة،وهم مع عائلاتهم وأطفالهم وصل تعدادهم إلى ما يقرب ال20 ألفا.
هؤلاء أصبحوا يشكلون بدورهم عبءً على الحكومة والمجتمع الصهيونيين لأنهم يمارسون جميع الأعمال القذرة في المجتمع الصهيوني الذي جعلهم يتحولوا من بشر وناس بسطاء عاديين إلى جواسيس وعملاء ومن ثم مجرمين،أو تجار مخدرات ودعارة وتهريب وجنائيين من كل الأصناف. إن الذي يريد محاربة الصهاينة عليه التركيز على الكيان الإسرائيلي والمستوطنين وجيش الدفاع الإسرائيلي. وعلىالمؤسسات الصهيونية التي تحميه وتزوده بكل أصناف المعونات وأشكال المساعدات.لا أن يضرب في المقاهي ودور العبادة اليهودية في البلدان المختلفة أو في الفنادق وعلى والطرقات، كما حصل في الدار البيضاء، حيث يبحث المواطن المغربي العادي عن قوته ولقمة عيشه، في ظل وضع اقتصادي مغربي وعالمي راكد وصعب وخطير.
قد يكون لهذه العملية انعكاسات خطيرة جدا على الفلسطينيين بالأساس،لأنها قد تكون العامل المباشر في هجرة ونزوح اليهود المغاربة إلى فلسطين المحتلة، والانضمام لليهود من الإسرائيليين الذين يحتلون فلسطين.هذا العمل لا يخدم القضية الفلسطينية ولا يساعد الفلسطينيين،إن كان هذا هو الهدف من تنفذ العمليات الأخيرة في الدار البيضاء. فقد ذكرت التقارير الصحافية بأن بعض اليهود المغاربة بدأ التفكير جديا بالهجرة إلى فلسطين المحتلة، بعدما كان يرفض ذلك في السابق. ومنهم من أصبح يخشى على حياته في ظل تصاعد المد المعادي له في المغرب،خاصة إذا ما تذكرنا بأن علاقة القصر الملكي الحاكم في المغرب بالجالية اليهودية تعتبر علاقات وطيدة وحميمة. و أن بعض اليهود تمتعوا أو لازالوا يتمتعون بمراكز سياسية ومناصب هامة في الديوان الملكي وأجهزة الدولة.
من جهة أخرى وفي المغرب كذلك،فقد ذكرت وكالات الأنباء أن أحدى محاكم المملكة أصدرت حكما بالسجن لمدة أربعة أعوام مع التنفيذ، بحق الصحافي المغربي علي لمرابط مدير أسبوعية دومان، التي تصدر باللغتين العربية والفرنسية.كما قررت نفس المحكمة حظر الأسبوعية، بتهمة المس بالاحترام والواجب للملك، وإهانة المقدسات والتشكيك في الوحدة الترابية.الصحافي المذكور هو ممثل المغرب في منظمة مراسلون بلا حدود. ومن الغريب فعلا أن يسجن صحافي لأنه رسم كاريكاتور،أو كتب كلاما لا يعجب البلاط الملكي،والأكثر غرابة، أن يأتي سجنه في مرحلة تمر فيها البلاد بوضع حساس وخطير،فكان الأفضل للسلطات المغربية، أن تهتم أكثر بالعمليات التي جرت في الدار البيضاء، وتدرسها جيدا وتفكر بها ولماذا جرت، بدلا من اعتقال الصحافيين ومحاكمتهم لأنهم كتبوا أو رسموا ما تعتبره الدولة مسيئا للملك.
هذه القرارات تعتبر مصيبة ووصمة عار على الديمقراطية الحديثة العهد في المغرب الجديد.ثم أليس الملك هو قدوة الناس في مملكته؟ أليس القائد قدوة المجتمع والناس؟
الشعب يتعلم من قيادته، ويقتدي بها إذا كانت قيادة سليمة وحكيمة، لكنه يفعل العكس عندما تنعدم فيها الحكمة، وتهتز أسس العدالة. لقد كان الرسول الكريم، ومن بعده الخلفاء الراشدين قدوة لعامة المسلمين،لهذا رأينا كيف أن الأمة كانت تسير وراءهم ، وتقاتل بأولادها ومالها وأرواحها دفاعا عن قيادتها الأمينة،الحكيمة والعادلة. في تلك الأيام التي تسبق الديمقراطيات الغربية والشرقية بمئات السنين، كان أي مواطن عادي في الدولة الإسلامية، يستطيع الوصول إلى الخلفية والتحدث إليه وتوجيه اللوم والملاحظة. وكان أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب، لا يستطيع النوم ،لأنه كان يقضي الليل وهو يفكر،هل هناك خطأ ما في قيادته، أو أن أحد عماله يحكم بغير العدل، في أرض الخلافة، التي لا تغيب عنها الشمس؟؟ لكي يقوم بإصلاحه،وكان يخدم المحتاجين من قومه بنفسه. وكذلك كان الإمام علي بن أبي طالب والخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز وكافة الأئمة الصالحين. وتذكر الأحاديث كيف أن الرسول كان جالسا، و حين مرت من أمامه جنازة هب واقفا احتراما للميت. فقال له من كان معه، أن الميت يهودي،فكان رد الرسول الذي نعرفه جميعا.
إن الناس ولدوا ليكونوا أحرارا، ولا يحق لأي كان أن يستعبدهم أو يسلبهم حريتهم،خاصة إذا كانت التهمة مثل تلك الموجهة ضد الصحافي علي المرابط. فحرية الفرد من حرية الجماعة، وحرية الجماعة من حرية الشعب، وحرية الإنسان من عدالة الخلق، ومن أهم أسس الحياة في عالم اليوم،الذي لم يعد عالم القبيلة والعشيرة، بل أصبح عالم المعرفة والحقائق والقانون والعلوم وحقوق الإنسان.إذ لم يعد هناك الكثير من الأمكنة والأنظمة التي لا تحترم حقوق الإنسان في عالمنا اليوم. فهناك قلة قليلة من الدول لازالت تعيش بالماضي، ومنها أيضا من عاد بسبب توجهات قياداته العنصرية واليمينية التوسعية، إلى الزمن الماضي،فَبَََدَلَ السجون وحولها لمعسكرات اعتقال جماعية، بلا قوانين وبلا رحمة وبلا عدالة،بحجة أن هؤلاء المعتقلين إرهابيون، ولا تنطبق عليهم قوانين أسرى الحرب. مما جعلهم عرضة لكافة أساليب القمع والتعذيب والمعاملة السيئة.
وقد ذكر بعض المعتقلين الذين خرجوا من جحيم غوانتانامو، أن معظم المحتجزين في المعسكر الأمريكي المذكور، والبالغ عددهم 650 شخصا، يعانون من اضطرا بات عقلية، وأنهم تعرضوا للتعذيب والإهانة، والحبس في أقفاص مثل الحيوانات. وقد جاءت هذه المعلومات من الباكستاني شاه محمد (23 عاما)، كان معتقلا في المعسكر المذكور. وقال هذا الشخص العائد من السجن،أن الكثير من المعتقلين في غوانتانامو،لا يعرفون حتى اسم القاعدة. وهذا يعني أنهم أبرياء ولا علاقة لهم بالقاعدة، لكنهم اعتقلوا لكي تبرز الدعاية الأمريكية، نجاحاتها ضد الإرهاب وطالبان وتنظيم القاعدة. وبالرغم من كافة النداءات الدولية، إلا أن السلطات الأمريكية ترفض الاعتراف بهؤلاء كأسرى حرب، ولغاية الآن لم توجه لهم أي تهمة رسميا، ولازالت مصرة على حرمانهم من حقوقهم الطبيعية كأسرى حرب. وهي مثل اللقاء بالمحامين، واستقبال الزوار، ومطالعة الصحف واستلام وإرسال الرسائل، والحجز في ظروف إنسانية وسجون عادية، لا في أقفاص للمواشي والدواجن والحيوانات.
بين الهجمات على الأبرياء في المغرب، والتعديات على حرية البشر في غوانتانامو، تكمن مأساة عالمنا العالق بين نارين، نار العنجهية الاستعلائية الأمريكية - الصهيونية التوسعية، ونار أخرى، هي نار ناتجة بطبيعة الحال عن أخطاء القوى الأصولية، ولا عدالة، وانهزامية وتبعية الأنظمة العربية.