أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - باسم عبدالله - الأنماط القيادية وعلاقتها بالسلوك الاجتماعي















المزيد.....


الأنماط القيادية وعلاقتها بالسلوك الاجتماعي


باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)


الحوار المتمدن-العدد: 7566 - 2023 / 3 / 30 - 03:23
المحور: المجتمع المدني
    


لا شك ان القادة بمختلف افكارهم وطموحاتهم يصنعوا العقل الجماعي في المنظومة الاجتماعية، ذلك ان السلوك القيادي له تبعات اجتماعية ونفسية تدفع بالمجتمع الى الصعود او الهبوط، للأعالي او لثقوب المنحدرات الحادة وبالتالي يؤثر كل ذلك على مستقبل الشعوب، فالناس يتطلعون غالبا الى التمثل بالقادة وتمثيل دورهم والتأثر بخطاباتهم وانفعالاتهم، وطريقة تفكيرهم، لهذا مدى كانت فعالية القائد اقرب واقوى لعقول الجماهير كلما صار دوره اقوى في مصير شعبه، فهناك ارتباط شديد بين القائد وعلم النفس الاجتماعي، وحدة عقلية تدفع بالشعوب الى تجسيد دور القائد في عقولهم وطريقة حياتهم. يركز المجتمع على مدى فعالية قادتهم، في انتخابهم، تأييدهم او عزلهم، اعتقالهم او حتى اعدامهم ان تمكن المجتمع نيل فرصة تقديم القائد للعدالة. تتغير سلطة القيادي بحسب الدولة ومدى تطور الوعي الإجتماعي للافراد داخل الدولة، فالقيادي في الدول الافريقية غيره في الدول الآسيوية وهذا يختلف عن دوره في الدول الاوربية، فالسلوك القيادي له تاثيره الحاسم على تغيير نمط التفكير للسلوك الاجتماعي، وتغيير طموحاتهم فهو يذهب بهم للسلام او للحرب، فممارسة سلطته على الشعب في تغيير اتجاهاتهم وطموحاتهم ليست إلا سلوك قيادي فاعل، فلا علاقة بانفعالاته في طريقة تفكيره او محاولة استنباط النظام الجيني في حياته، فلقد فشلت تلك المحاولات في ايجاد اسباب بيولوجية لتميز القائد عن غيره من القادة. فالسلوك القيادي الفعال ذلك الذي يتطلب ارتداء شخصية تختلف عن موقف دون موقف لا علاقة في قوانين البحث النفسي، فأنماط السلوك القيادي تصرف فردي يتبع الموقف الذي يدفع القائد اتخاذ موقف معين دون سواه. لقد اكتسب السلوك القيادي الفعال اهمية كبيرة في علم النفس الإجتماعي بحيث رسم الطريق امام الجماهير الى تقديس او نبذ الشخصية القيادية، الى الإيمان بتبريرات افعالها ودفع الجماهير للرقي بما يراه القائد، لقد تفردت الشخصيات القيادية بالعديد من الشعوب واستحكمت بمصيرها وبتاريخها القديم والمعاصر، حتى سجل التاريخ الملاحم البطولية او المآسي الجماعية التي تعرضت لها الشعوب وذاقت من خلالها المحن، فلقد ازيلت حضارات وامم بسبب تقلبات الميول والطموحات التي رسمتها قادة الشعوب عبر التاريخ.
العديد من القادة من ادخل الفكرة الإلهية وصاغ سبل الإيمان بالوحي الإلهي فصار قائدا دينياً تمتع بسلطة كهنوتية ارتبطت افكاره في قيادة الشعوب بين السماء والارض، كالانبياء والكهان، والقديسين، كذلك انطلق الفكر القيادي بالانظمة العسكرية كما فعل ادولف هتلر حين تزعم الحزب النازي وصار القائد الاوحد في التحكم بحياة الشعب الإلماني، مما جعله يقود شعبه لحرب عالمية تكبدت خسائر عشرات الملايين من القتلى واسرى الحرب، لقد كان الشعب الالماني مؤمنا بمنطق وخطابات هتلر في تبرير وصياغة المعتقدات العنصرية فلقد اثر على العقل الجماعي الإلماني، وقاده الى استيعاب تبريره العنصري ان يكون حقيقة وطنية راسخة في علم النفس الاجتماعي، حتى تحقق له ما اراد، اما عوامل الفشل والنجاح، فهذا موضوع بحثي آخر، لكن بقدر ما يهمنا تنفيذ افعاله والقدرة على اقناع شعبه بما كان يراه الطريق الوحيد لأهداف الجماهير رغم ان ليس كل الجماهير تؤمن ما كان يؤمن به القائد. لقد دفع الشعب الإلماني مأساة طموح قائده، حتى شطر الاحلاف المانيا الى شرقية وغربية بقيت عشرات السنين مقطعة الاوصال. لقد كان السلوك القيادي كارثة على الشعب الالماني، هكذا تحول تاريخ الشعوب الى محن ومعانات عبر الطريق الطويل القاسي للقادة. لقد اتخذت سلوكيات قادة آخرين موقف التبعية والخيانة، كما فعل الملوك في العصر الحديث عندما قامت المملكة المتحدة بقلب الانظمة الوطنية واختيار ممثلين من ذات الاوطان تابعة للنظام البريطاني، فلقد كانت بريطانيا بما قامت به من فرض وجودها وهيمنتها على الدول ان صنعت قادة خاضعين للتاج البرطاني، شخصياتهم تتلائم مع طريقة التفكير والطموح البريطاني، لقد وضعت عدة ملوك كانوا قادة تمتعوا بشئ من الديمقراطية وبتبعية تجعل الشعوب تتبع طموح بريطانيا في طريقة تنفيذ نظام الحكم. خسر الملك فاروق عرش المملكة المصرية، وتحول وضع الشعب الى النظام الجمهوري بقيادة جمال عبدالناصر، اي انتقل القائد من حكم التبعية البريطانية الى حكم القيادة المركزية في المؤسسة العسكرية، لقد واجه ناصر اسلوب التحدي في توجيه الشعب الى نوع جديد من الخطاب السياسي، ان يقوم بتعبئة الجماهير، بهدف تحويل حياتهم الوطنية الى نوع جديد من المواطنة. لقد ظهر القائد الجديد في لباس الزي العسكري، بسلوك قيادي اكثر فعالية فقام بتوجيه الفكر القيادي بين اسلوب القيادة والاسلوب الذي يولي الاهتمام للعلاقات بين اعضاء القيادة نفسها، اي ظهور نمط القيادة الجماعية، بما يمكن ان يسمى مجلس قيادة الثورة. هذا النوع القيادي الجديد يجعل مجموعة قادة قادرين على توجيه المهام الاجتماعية ان تكون اكثر فاعلية. تتحدد قيم الدول من خلال دور القادة، وهي قيم تتطلب تطلعات قيادية مختلفة للذهاب بالشعب والدولة الى قوانين اكثر تفاعلا وقبولا في المجتمعات المدنية، فكلما كان القائد اكثر قدوة في شعوب اخرى كلما اتسعت شمولية دولته وانفتح مجتمعه على قيم علاقات إنسانية تربوية، تنموية، اي ان القائد يدفع بمجتمعه للوحدة الفكرية وللفكر الجماعي المثمر البناء، ولعل القائد بحسب مفهومه العلمي والوطني يعمد الى تطوير نظرية الطوارئ اي انه يجد انماط تصميمات هيكلية وانماط قيادة وانظمة تحكم في المؤسسات التي تتفاعل مع الطوارئ البيئية. فهو يقوم بتحديث انماط الدولة وتحديث مؤسساتها بشكل يتلائم مع مبدأ الحداثة. فالقائد يسلط رؤية واقعية للإدارة ولمؤسسات الدولة ويشجع على اسلوب ادارة مبتكر مع التركيز على دفع الكفاءات الوطنية لتطوير نماذجها العملية في مختلف المجالات العلمية.
في الشرق يكون دائما قرار القائد اوتوقراطيا فهو لا يسعى الى ادخال الشراكة القيادية في صياغة قرار الحكم، ولا بشكل استشاري فهو يحتفظ لنفسه باتخاذ القرار النهائي، فالسلوك الاوتوقراطي يكون سريع، فردي وحاسم، عكس السلوك القيادي الاستشاري، فيكون الافضل، اذ ليس هناك قرار جماعي، انما سلطة فردية تكون قريبة الى المنهاج الدكتاتوري، فالمعيار الذي يقف عنده القائد يكون تعسفي، وقراره سريع ناجم غالبا عن حالات انفعالية، لقد حكم الدولة العربية في التاريخ المعاصر الكثير من القادة الاوتوقراطيين، من اصحاب الميول في اظهار جنون العظمة والتسلط وقد ساهمت المنظومة العسكرية في تثبيت سلطة القائد التعسفية. حكم العراق على سبيل دولة المنظمة السرية في انقلاب عام 1963 باعدام عبدالكريم قاسم الذي قاد انقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958 في تحول سياسي يكاد يميل الى الدولة الوطنية المستقلة، فجاء انقلاب عام 1963 بمثابة كسر لتوجه الدولة في السعي نحو الحياة المدنية وتحويل مؤسسات الدولة الى واجهة عسكرية الى انظمة حكم لها ارتباطات خارجية، لقد تحول القائد الى مفهوم عسكري فردي هدفه الوصول للسلطة ليس اكثر اذ قمع الفكر التقدمي وقام بحملة اعدامات واسعة بهدف الغاء شرعية الدولة في حقوق المواطنة، لقد توسع الشرخ بين الوطن والمواطن من خلال حجم المعارك التي قادها القائد، ذلك ان مفهوم الديمقراطية لم يكن وليد المجتمع المدني ومازال، لقد قام نظام الحزب الواحد بما يسمى حزب البعث في سوريا والعراق بتسخين آلة الاغتيال داخل وخارج البلاد مما جعل الفكر القيادي شكلا رمزيا يحيطه خلف الكواليس قوانين المنظمة السرية، حتى ان اساليب الحرب والاحتلال واعدام قادة المعارك كانت تنم عن بعد سياسي مدروس بهدف قهر الجماهير والغاء دورها وتحويل الفكر الوطني الى واجهة ينادي بعبقرية القائد رغم فراغ محتواه الاقتصادي والسياسي. ولعل من ادوات القمع بهدف ترويع المجتمع الشرقي نظرية المؤامرة التي تعد في كل فترة اسماء في قوائم الدم بهدف تصفيتها .
وعلى صعيد الميدان العسكري للدول الشرقية انقلاب عام 1969 في الاول من سبتمبر ليقضي على حكم المملكة الليبية ليبدأ عهد الضباط بزعامة معمر القذافي، فلقد احتلت قواته مبنى الاذاعة واستولت على السلطة، بقيت ليبيا بحكم القادة العسكريين بلا دستور مما ادى الى انهيار الحياة السياسية والفكرية تم انشاء بدلا عن ذلك النظرية العالمية الثالثة التي استندت على سلطة الشعب، وبقيت محاولات القذافي في توحيد الفكر العربي مجرد وعود لم ترق الى حقيقة تاريخية، وكحال قادة الجيوش، انفرد بالشعب وقام بمعاداة الغرب، مما جعل ليبيا تنعزل عن العالم ديمقراطيا واعلاميا وتحولت ليبيا الى معتقل كبير صار الشعب كله رهين قادة الانقلاب، وقد ادى التفرد بالسلطة الى قمع المجتمع المدني، وحرمانه من ابسط حقوقه، تلك هي افعال القائد غير المدرك لطريق بناء الدولة وتطوير مؤسساتها، مما ادى في النهاية الى انهيار النظام العسكري بعد عدة عقود من الزمن ومازالت ليبيا تتأرجح بين انفلات قادة الحكم وانهيار الحياة المدنية وانعدام الامن والامان، كل ذلك ان حياة الشعوب كانت رهين قادة اتجهوا بالحياة المدنية وفق تفسيرات تعسفية لمفهوم حماية الدولة ومفهوم طريق التفاعل المدني لتطوير الدولة وفق النظام الدستوري. لم يمتلك قادة المؤسسات العسكرية نظرية المسار والهدف الذي يجعل من القائد العسكري سلوك الطريق المدني لدستور الدولة وجعل دوره رمزياً او التنازل عن وظيفته العسكري في المركز القيادي، كما فعل عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر تنازل شكلا عن المظهر العسكري بينما بقيت السلوكيات والتوجهات الفكرية بيد المؤسسة العسكرية، اي كان ظاهريا يؤيد الخط المدني لقيادة الدولة وعقلياً مازال يقود الدولة عسكريا بزيه المدني.
ان الذي يميز القائد في اعراف الدولة الحديثة غير القائد الذي غير تاريخ الدول وجرها الى صراعات دينية واقليمية، يجب على القائد الحالي ان يتمتع بمهارة فنية، اي القدرة على اتقان عمله الإداري والسياسي وان يتأكد من مصادر المعلومات ويعمل على تحليلها ويرى مدى اهمية تلك المعلومات لدولته، كذلك يجب ان يتميز القائد بالمهارة الإنسانية، اي ان تربطه بالجماهير علاقة تعاون فالعلاقة تبنى على اساس الاخلاص في اداء مهمامه الوطنية، فمن خلال خبرته يتفهم حاجة الدولة، اي يقع القرار بيده في اختيار ماهو الاصلح لدولته والانفع لشعبه، فلا تتوفر لديه فرصة اخذ شعبه الى حرب ضروس، بل فتح مشروع كبير يغير مسار الدولة الى الحداثة والتطور بما يفيد شعبه عشرات السنين بدل ان يزجهم في حروب ترهق كاهل الدولة فتتراجع قدراتها التنموية وسمعتها الدولية كما وقع الحال في اختيار نموذج الحرب بدل تحديث الدولة كي تنافس دولة الجوار الخليجية. يتمتع القائد كذلك بالمهارة التنظيمية ان تكون له القدرة في فهم وتفهم العلاقات وحاجة الدولة الى المدنية ونبذ قوانين الهيمنة العسكرية فهو قائد تنظيم ومنظم لشعبه ان يوحد بين جميع اطيافه. يتمتع القائد بالمهارة الفكرية اي ان تكون له قدرة على التحليل والاستنتاج وان يبني جسرا من الحوار الصريح مع شعبه كما فعل جمال عبدالناصر اذ كانت خطاباته صريحة يقدم فيها لشعبه واقع الحال مهما كان قاسياً، لقد كان عبدالناصر قوي الحجة من خلالها تمكن من كسب مشاعر شعبه والالتفاف حوله، فلقد نقل افكاره بأمانة مما جعلته يتقرب وجدانيا اكثر من تحقيق هدف دولته ان تكون على خط التماس والواقع خاصة في ظروف الحروب التي كانت تخترق امن وسلامة دولته. لكن عبدالناصر كقائد كانت له اخطاء كبيرة كذلك، على القائد ان يمتلك لغة اجنبية تمكنه من مخاطبة الشعوب خارج حدوده الوطنية مما يرفع من شأنه وقوة تأثيره على الرأي العام فيما يراه نافع للقيم الانسانية وبما يخدم مصلحة شعبه.
تثير الماركسية عقيدة الفكر السياسي للقائد وترى له اهمية كبيرة في انه يقود الجماهير الى تحرير الفكر وتطويره كما فعل ميخائيل كورباتشوف الرئيس الروسي الذي غير المفاهيم بحبه للسلام ولجعل الحرية هاجسه الاول في الحياة السياسية، وقد بينت كذلك الماركسية ان حرية الفكر اساس الإبداع فهو الاداة لمحاربة التخلف والاوهام، اي ان القائد في الفكر الماركسي من يقود الجماهير لمحاربة الجهل ويحرر عقولهم من الوهم ويجعل المال العام بيد الطبقة الكادحة. لهذا لا نرى وجود للقائد في روسيا الحالية فلا حرية حقيقية ولا تعبير عن حقيقة، ذلك ان القائد في روسيا يحارب الحرية ولا يسمح بالتجاوز لدول مجاورة ان تطالب بحقها في الحياة كما فعل فلادمير بوتن عندما اعلن الحرب على اوكرانيا فلا حياة لحرية شعب خارج اطار الدولة الروسية، اننا بهذا نوسع المعنى الواقعي للقائد، فبقدر ما يكون القائد اداة لحرية الفكر يكون قادة آخرون اداة لقمع الحريات. فالحريات التي تخنقها السياسات التوسعية وتزج الليبرالية النسبية في قمع الفكر التقدمي هناك شعوب تعودت على الانقياد للمركزية المتشددة وترى فيها معالم الحرية، فهي ترى اي انفتاح ليبرالي يعني الذهاب الى الفوضى، اي ان مفهومهم للحياة مغاير لقوانين العقل والمنطق. على هذا التقييم يبقى دور القائد مختلف عليه بين مؤيد لدوره ومناقض لطريقة تفكيره فنحن لا نعرف القائد فقط بانتصاراته كذلك في هزائمه فلكل طموح هدف بين التعالي والانكسار يبقى القائد تجربة الشعوب بين الاختيار والرفض، وهم من يصنع القائد الفذ او المستبد.
تتوزع القيادة في الشرق على انماط مختلفة، الاكاديمية منها والعسكرية، لكن تغلغل المفاهيم المدنية للدولة المعاصرة التي يولد فيها القائد الرمز والبارع فمازالت عملة نادرة، لكن هناك انماط قيادية في دول الخليج قد تصدرت الافضلية في فهم التعامل مع الجماهير، والفوز بتأييدهم الواسع بلا خوف او تصنع، كما هو الحال في دولة الامارات وقطر، وهما النموذج الواعي القابل للتطور والتفاعل مع القيم الإجتماعية للدولة الحديثة. ليس هناك قائد يولد بالفطرة والموهبة انما تتطور المواهب الفطرية مع التعليم ولحرص على مصداقية الولاء للدولة حتى تكون علاقة تكاملية بين القائد الفذ والدولة. اخبرنا ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية اذ قال ” ان امبراطوريات المستقبل هي امبراطوريات العقول والقادة وقتئذ سيكونوا قادة العقول ” نحن بقدر ما تخلينا في الشرق عن عقولنا لم ندرك ان القائد سيزول وان القيم الاجتماعية تتبدل نحو الافضل بسبب الوعي الاجتماعي الذي سيجلب لنا نماذج اقدر على جعل الدول بعيدة عن برمجة الدولة بشكلها العسكري او دفع مجتمعاتها التمسك بالموروث الطائفي.
ماذا قدمت لنا تجارب الاحزاب الاشتراكية لحزب البعث في سوريا والعراق وتجارب الاحزاب الشيوعية في الوطن العربي، وكيف قدمت لنا شكل القادة في مطلع ستينات القرن الماضي الى يومنا هذا؟ قدمت قادة فشلوا في تحقيق الرؤيا الواقعية للمجتمعات العربية واصطدموا بآلة القمع العسكرية مما عرض الشعوب للمحن والمعانات، في سوء تقدير الواقع الاجتماعي والسياسي، لقد انتج الجهل لواقع المجتمعات العربية والإسلامية انهيار مؤسسات الدولة او فقدان فاعليتها بشكل كبير مما افقد زمام العلاقة الطبيعية بين الوطن والمواطن، انتج لنا قادة غزاة لأوطانهم وكأنهم نتاج بلدان اخرى لا يحملون عاطفة الانتماء الوطني ولا الوعي الكافي لبناء دولة مدنية من خلال التدرج في تطوير المجتمعات قبل زجها في حروب وصراعات عسكرية وقلب انظمة حكم. فصار القائد يعطي الامل للشعب بقيام فجر حياة جديدة لكنها في الحقيقة صفحة معانات جديدة وانشقاق بين صفوق الشعب الواحد.
على صعيد القيادة الدينية، استلهمت محتواها الروحاني من السماء، عن قادة انبياء بين معضلة ماهو إلهي مقدس وماهو إنساني فهذا النوع من القادة مارسوا نوعا جديدا من الصراع فقيادة النبي موسى وانتهاجه دليل الصراع مع الحاكم غير يسوع المسيح ونهجه في التعامل سلميا والإصلاح في بنية المجتمع اليهودي، الى النبي محمد واهدافه الصعبة بين الميول السياسية والدينية والتاريخ القومي بين اليهودية والإسلام. هناك العلاقة غير المرئية بين القائد الديني والله، او بين الوحي الإلهي والقائد الديني والله، في معتقد ثلاثي لا ينفرط، فهي علاقة مثالية إلا انها لم تخلو من بعض التناقضات في النص الديني. مهما كان لنا شكل وهدف القائد يبقى علينا ان نراه قراراً، فهو نتاج علاقة قرار، يكون غالبا مصيريا لانه يتطلب امتلاك القائد للعقل المعرفي، الاخلاقي، الواقعي لشمولية المجتمع، مدى ادراك القائد لنفسه بناء هيكل التغيير وجس نبض الجماهير، اي ان تكون للقائد كارزما ” شخضية ” متميزة لها تأثير وحضور في الجماهير، قوة تأثير واقناع في طرحه للقيم والمفاهيم، ان يتمتع بالشفافية القادرة على دفعه للأعتراف باخطائه، اما التعنت والمكابرة والإستعلاء، فهي من موروثات الانحدار الأخلاقي للقائد، ان تنمي فيه حب التسلط، التعسف، الاستبداد، ومن ظواهر تخلفه الشخصي الفساد، نمو النرجسية، افتقاد العدل، فقدان الرؤية الموضوعية، الغلو والتطرف في تطبيق الانظمة والاحكام التعسفية ذو الصبغة العسكرية، والتمسك بطرق استخباراتية لترويع المجتمع وفقدان صيغته المدنية، فلا يسمع غير صوت عقله. ان التعسف القيادي يفقد الهوية الإجتماعية ويدفع بها الى انكسار الشخصية بينما من اهم مهام القائد البارع دعم هوية الفرد كعضو قائم وكائن ذو كيان فاعل مما يجعل الفرد الواحد ضمن هيئة اجتماعية فعالية تتماشي مع السلوك السوي في علم النفس الإجتماعي.
ان مجتمعاتنا العربية والإسلامية بحاجة ماسة الى نضوج اجتماعي تربوي يعيد الحلقة المفقودة بين القائد والجماهير، ولقد آن الاوان الى التخلص نهائيا من فترات الحروب والانقلابات والثورات التي اعتمدت على الانظمة العسكرية، في انها سياسات مخططة تندرج في اطار تسلم السلطة القسري البعيدة عن المجتمع المدني، هي فترة انتقالية فوضوية جسدت حقائق السلوك الاجتماعي القائم مسبقا على الثأرية والعشائرية، ودفع المجتمعات في تغيير انظمة الحكم العسكرية الى انظمة حكم مدنية وانهاء الفساد الإداري، ان الشعوب التي تربطها لغة وتاريخ مشترك عليها عمل اتحاد يضم الدول بعوامل تنموية ادارية تقوم بتوحيد العلاقة بشكل يفتح امام الشعوب حرية التنقل والعمل مما يقوي فاعلية تلك الدول ككيان اقليمي راسخ له وزنه الدولي، فانضمام الدول العربية عن بعضها يرسخ قيم القرار العربي ويجعله كياناً دينيا، سياسيا، اقتصاديا يجعل فرص التمدن والتطور التقني قوي وفاعل، نحن امام معيار قومي اقليمي انساني يجعل ” الانا ” الفردية ” انا ” اجتماعية تكسر الحدود الوطنية لتشمل مساحة واسعة تحمل ذات صفات القيم المشتركة لنكون في صميمها وجوهرها قوة فائقة القدرة في اتحاد عربي ومفيدة حقا للمدرسة، للمجتمع، في التسوق وممارسة المهن، فحياة الفرد يمكن فقط الإحساس بها عندما تندمج مع حياة الآخرين في حرية وطن واحد واسع الاطراف، تتحد فيه سيكولوجية الجماهير، فالسلوك الاجتماعي يحافظ على كيان باعتباره عضو في جماعة قادرة على صيانته وليس مجرد فرد يسعى لتأمين حاجاته ودوافعه الشخصية. ماذا جنى العراق من مكاسب المال العام من قادة 4 رؤساء جمهورية من عام 63 وحتى سقوط النظام عام 2003 ؟ لقد تم هدر مليارات الدولات بحروب ارهقت العراق وجعلته بلدا متخلفا فقيرا معدما بائسا، يعاني من فقدان اساسيات الحياة المدنية، وقد توجت النخبة الدينية منذ 2003 الى يومنا هذا ليس فقط تجريد الشعب من حقوقه المدنية، بل تحول شكل الدولة الى مليشيات مسلحة تدين بالولاء لجهات لها ولائات خارج حدود الدولة، ان انهيار قيم القادة يؤدي الى تدمير قدرات الدول التي لم تتفهم بعد طبيعة الحياة الإنسانية.



#باسم_عبدالله (هاشتاغ)       Basim_Abdulla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق وقطر، مقارنة دولية
- الزواج بين القيم الدينية والدوافع الجنسية
- علاقة الأنا العليا بخرافة الوحي الإلهي
- - نجار و اعظم - وتناقضات إلوهية المسيح
- سلمان الفارسي والمعراج الإسلامي الزرادشتي
- نرجس وخرافة المهدي المنتظر
- قراءة نقدية في معجزات ومعراج ايليا
- نقد كتاب [ بنو اسرائيل وموسى لم يخرجوا من مصر]
- قراءة نقدية في كتاب انبياء سومريون
- الوحي الإلهي وخرافة النص الديني
- الإله يهوه رحلة التوراة والوثنية
- علاقة التدين بالشخصية الفصامية
- قانون العقوبات بين التشريعات الدينية والوضعية
- ازمة الفكر اليساري في الشرق الإسلامي
- الالحاد في الإسلام : ابن الراوندي نموذجاً
- عقوبة الأعدام في القرآن: السعودية نموذجاً
- الإله مردوخ
- المسلمون في السويد (2)
- المسلمون في السويد (1)
- هل النبي موسى، سرجون الأكدي؟


المزيد.....




- الخارجية الفلسطينية: تسييس المساعدات الإنسانية يعمق المجاعة ...
- الأمم المتحدة تندد باستخدام أوكرانيا الألغام المضادة للأفراد ...
- الأمم المتحدة توثق -تقارير مروعة- عن الانتهاكات بولاية الجزي ...
- الأونروا: 80 بالمئة من غزة مناطق عالية الخطورة
- هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست ...
- صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي ...
- الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
- -الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
- ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر ...
- الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - باسم عبدالله - الأنماط القيادية وعلاقتها بالسلوك الاجتماعي