|
جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم..الحلقة الثالثة
عمار السواد
الحوار المتمدن-العدد: 1710 - 2006 / 10 / 21 - 09:53
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
الحلقة الثالثة/ مخاض الحكم الايدلوجي بعد ان تمكنت الاحزاب الايدلوجية في العراق من توسيع قاعدتها الاجتماعية في اربعينيات القرن الماضي بقي عليها ان تصل الى السلطة. فاليات الحكم اسرع تأثيرا من فعل المعارضة السرية. وبما ان الديمقراطية، انذاك، لم تكن قادرة على احتواء هذه الاحزاب، وتحديدا الحزب الشيوعي، نظرا لمنعها من القيام بنشاط علني، فانها لم تتمكن من الحصول على فرصة للتعاطي مع الفعل الديمقراطي. اي للقيام بالمشاركة بادارة الحكم تحت رقابة مؤسسات الدولة. لذلك غابت هذه الاحزاب عن مراقبة الفعل الديمقراطي بشكل سليم، ما جعلها المستفيد الاول، ومن ثم الداعم الاول، لانهيار النظام القائم. فمشكلة الديمقراطية في العصر الملكي انها لم تكن ديمقراطية حقيقية وجدية، رغم وجود ديمقراطيين مؤهلين، بل عبرت بشكل مستمر عن ارادة ومصالح اشخاص محددين. لهذا كانت فاقدة لرصانة المؤسسات، وقابلة للانهيار حال تعرضها لهزة قوية. وهي ايضا لم تكن قادرة على تطوير صمامات امان داخلية لحمايتها من اي انقلاب من داخلها، ما ادى الى التخوف من دعوة تلك الاحزاب ذات الرؤى الشمولية للمشاركة الجدية من داخل الحكم، حتى لا تستخدم صندوق الانتخاب منطلقا للانقلاب عليها. لذلك بقيت الديمقراطية عاجزة عن احتواء خطر الايدلوجيا مع الاقرار بوجودها. في حين الحيلولة دون تنامي ذلك الخطر كان ممكنا بتضييع الفرصة على الفعل الايدلوجي لان يتحول الى فعل راديكالي يهدف الى التغيير بانقلاب شامل. وهو مالم يحدث لتلك الاسباب. ما حصل كان، بالتحديد، ترك ايدلوجيات مؤثرة ومقبولة لان تمارس دورها بمعزل عن اي رقابة للمؤسسات الديمقراطية. كانت هذه واحدة من اهم المشكلات التي عصفت بالعهد الملكي العراقي، فالديمقراطية كانت تنمو بمعزل عن نمو الشارع العراقي. حيث اتسع حجم التأثير للاحزاب المحظروة في حين انها كانت نخبوية بدون اي محاولات جدية لبناء جسور ثقة مع دوائر اوسع من دائرة النخب. هذا السلوك سيجعل الجهات ذات التوجهات الايدلوجية تنمو بدون رقيب. وهو ما كان فعلا. احزاب الايدلوجيا اضحت اوسع شعبية، واكثر تأثيرا من الدولة بكامل مؤسساتها، وليس من الحكومة فقط. وللاحتلال دور كبير في اضعاف تأثير الدولة، كون ارتباطها به فعلا طاردا بالنسبة الى ضمير المواطن. فوجود محتل في اي بلد، مهما كانت اهدافه، حالة غير طبيعية وفعل غير مقبول. فهو استعباد حتى لو لانت ادواته. ولهذا فان ثورة 14 تموز تعتبر فعلا سليما من الناحية النظرية كونها جاءت لتنهي سياقا غير طبيعي يتمثل بتحكم الاجنبي في ارادة ابناء البلد. الا ان الاحتلال ليس الساعي الوحيد للتحكم بالناس. فكم من طاغية اهلك شعبه، وكم من حزب اذل ابناء بلده، وكم من فكرة افقدت الانسان حريته. ولهذا فان الانتقال من الاستعباد الخارجي الى استعباد داخلي لا يضيف، من الناحية الفعلية، اي قيمة مادام الاستعباد هو الوضع السائد. من هنا تكمن القيمة الفعلية لاي عملية تحرير في عدم اقتصارها على طرد المحتل ، بل فيما ستقدمه عملية التحرير هذه من نتائج بديلة عن وجود الاحتلال. وهذا للاسف لم يحدث بعد ان تمت الثورة. فهي انطوت على اخطاء غير سهلة، ومخاطر حقيقية لا ينفيها حبنا للزعيم كرجل وطني نزيه. باعتبار كون ثورة 14 تموز هي فعل عسكري، اقتدى بما فعله الضباط الاحرار في مصر. باعتبار ذلك فانها اعادت للعراقيين شبح عهد الانقلابات العسكرية بين عامي 1936 و1941. انه شبح العسكر والاحكام العرفية وادارة شؤون البلاد بمعزل عن السياسيين والمدنيين. فهي تنطوي على كل اخطاء الحكم العسكري في اي بلد. غير ان هذا الخطأ اصبح خطرا مرعبا لانه لم يكن الوحيد الذي أورثته هذه الثورة. فهي بالحقيقة فتحت على العراقيين نارا مستعرة احرقت في وقت لا حق الاخضر واليابس. انها سمحت للاحزاب الايدلوجية ذات الرؤى الراديكالية بان تكون الفاعل السياسي والاجتماعي بل والاقتصادي والعسكري الوحيد في العراق. فبعد ان كانت الايدلوجيات مؤثرا اساسيا في الشارع من خلال شعارات المعارضة، اصبحت بعد الثورة المؤثر الوحيد بفعل شعارات الحكومة والمعارضة في آن واحد. متبادلة الادوار لمدة عقود بين المعارضة والحكم. فتارة يكون الشيوعي حاكما والبعث معارضا، واخرى يكون العكس. وهكذا بالنسبة الى الاسلام السياسي بدء بالسبعينيات من القرن الماضي. باختصار طرحت احزاب الايدلوجيا، التي ناضلت ضد المحتل، نفسها حليفا لضباط الثورة فدافعت عنها، لتكون بذلك جزء من حكومتها. ولم يمانع اي من الثوار من التحالف مع تلك الاحزاب او التضامن معها او الانضمام اليها، وانحصر الاختلاف بين الثوار في تحديد الحزب الذي يجب التقرب اليه او تقريبه. من هنا اصبح من اهم اخطاء الثورة السماح للاحزاب الايدلوجية بالهيمنة على مقدرات المجتمع من خلال المليشيات تارة ومن خلال تسليطها على مؤسسات الدولة بشكل منفرد تارة اخرى. فعبد الكريم قاسم لم يتحرك الا متأخرا لردع الشيوعيين من استثمار ميل الشارع لهم للقيام باعمال غير مقبولة، وتأسيس جماعات مسلحة قمعت الناس واشتركت في تأجيج صراع الايدلوجيات الدموي، وهو كان عاجزا ايضا عن ايقاف النشاط الخطيرمن البعثيين المدعومين من قبل دول اقليمية وعالمية عدة. فالصراع في عهد قاسم انحصر بين الشيوعيين كقوة نافذة في بيئة فقيرة والبعثيين كقوة مؤثرة في مناطق ذات امتدادات عروبية. وبذلك فان الايدلوجيا بدأت باطباق هيمنتها على البلاد، عندما لجأت الى الاجهاز بطرق متعددة على كل صوت داخل السلطة بقيادة الشيوعيين وخارجها بفعل البعثيين. حتى تمكن في النهاية احد الطرفين من ابتلاع الاخر. فاضحى عهد الثورة اطارا لغياب اي امكانية لاقامة حكومة غير دكتاتورية او برلمان حقيقي يمارس اداءه بالطريقة المناسبة، وهذا ما يؤكد عليه شاهد منشق من حزب البعث هو هاني الفكيكي الذي يقول: "بعد ثورة 14 تموز لم يرتفع غير صوت كامل الجادرجي وقلة نادرة من الناس ضد الدكتاتورية والغاء البرلمان والمؤسسات"(1). فالديمقراطيون خافوا من الاعلان عن اي اطروحة تطالب بالغاء النظام العسكري او تقف بالضد من هيمنة الاحزاب الراديكالية لايدلوجية، ولو ان كامل الجادرجي لم يكن بالاهمية التي كان عليها لما طرح مخاوفه بشكل علني. على هذا الاساس فان عهد الثورة كان بامتياز مخاضا لولادة عقود النمط الواحد ولايجاد التحول الجذري الشامل في بنية العقل العراقي الى عصرنا هذا. فالصراع في هذه الفترة انحصر بين قوى راديكالية ايدلوجية، في سبيل ايضاح معالم الصورة المقبلة لعراق الستينيات البعثي وما بعده. ليكون عراق ثورة 1958 ارضا للصراع الايدلوجي، والمنتصر كان، في نهاية المطاف، هو صانع عراق المستقبل المشوه والملوث. فالقوى التي كانت في يوم ما تشرعن عملها السري بمبرر طرد المحتل. وجدت في لحظة الثورة فرصة وصولها الى مركز القرار الذي يؤهلها لتطبيق تصوراتها الايدلوجية. فبعد ان استنفدت في وقت سبق اليات النظال السري واستخدمت وجود المحتل والقضايا الحساسة اجتماعيا وسياسيا لتوسيع قواعدها الشعبية، اصبحت الفرصة مؤاتية لاستخدام السلطة بهذا الاتجاه. اذن، وبعد صراع مرير، اصبح للايدلوجيا سلطة، دولة، وكيان مستبد في العراق آذن بادخال الناس الى عصر ديني آخر بعد ان استبشر الكثيرون بتفكك دولة الخلافة التي استخدمت الاسلام اطارا لطموحاتها. ان ما حدث بسبب تفكك الامل بدولة القانون هو ان الرؤى والتصورات التي كان كل طرف يحملها اصبحت تتصارع فيما بينها لتكون هي القانون. وبسبب ارتباط الرؤى والتصورات وتفسيرات الايدلوجيا بالاشخاص في بيئة لا تسمح للاغيار، لم يكتب لهذا البلد اي دستور دائم في العهد الجمهوري، لادراك الجميع استحالة ايجاد قانون دائم ينظم البلاد والعباد بمعزل عن تصورات زعماء المرحلة، الشيوعيين ومن ثم البعثيين، ولنا مع الاسلاميين حديث آخر يأتي في ميعاده. قبل الختام وكي اكون منصفا، مادمت اني لن اعود الا قليلا في الحلقات المقبلة للحديث الحزب الشيوعي، لابد لي ان اقول ان هذا الحزب، بسبب فشل تجربته عراقيا وعالميا، قد عاش تحولات حقيقية، اعتقد انها جعلته اكثر نضجا واقل مراهقة. الا ان هذا الكلام لا يشمل اولئك اليساريين الذين مازالوا يكررون بمراهقة ساذجة تلك الشعارات الرنانة. وكأن الايام والالام لم تعلمهم الا ما يخدم راديكاليتهم. يتبع ....
(1) هاني الفكيكي، اوكار الهزيمة ص64
#عمار_السواد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جميعهم لوث التاريخ والقيم!.. الحلقة الثانية
-
جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم!.. الحلقة الاولى
-
شروع بالقتل..شبكة الاعلام بانتظار العلاج او الموت
-
ارتدادات الاعلام العراقي..عودة وزير الاعلام
-
تبعيث الليبرالية.. قراءة في بوادر خطاب ليبرالي مقلق
-
شيعة العراق بين ايران وامريكا والعرب.. العودة الى العام 91
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|