مروان عبد الرزاق
كاتب
(Marwan)
الحوار المتمدن-العدد: 1710 - 2006 / 10 / 21 - 10:03
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
بدأت الأزمة اللبنانية الراهنة مع التدخل الأمريكي الأوروبي المباشر وإصدار القرار/1559/ في /أيلول 2004/ الذي يدعو إلى الخروج السوري من لبنان ونزع سلاح المقاومة. وقد أعطى اغتيال " الحريري " فرصة اكبر للتدخل والضغط المباشر من اجل الانسحاب السوري الذي تم في /نيسان 2005/.
ولسد الفراغ الذي نتج عن هذا الانسحاب, بدأت الطبقة السياسية في لبنان العمل على مسألتين أساسيتين:
الأولى: إعادة تشكيل الدولة المستقلة بعد التخلص من الهيمنة السورية.
والثانية: العمل على تنفيذ القرار/1559/ و خاصة الفقرة المتعلقة بنزع سلاح حزب الله.
فتم انتخاب برلمان جديد حصلت فيه قوى / 14 آذار/ التي تشكلت بعد اغتيال الحريري والمؤيدة للقرار/1559/ على الأغلبية في البرلمان. وتشكلت حكومة جديدة برئاسة السنيورة . إلا أن ذلك لم يؤدي إلى تشكيل دولة قوية تمثل الجميع. إذ بدأت تعاني منذ بداية عهدها من أزمات عديدة أهمها: عدم مشاركة تيار ميشيل عون مما جعلها حكومة جزئية لا تمثل الجميع. والتعارض بين الرئاسة والحكومة. وعدم توفر الإجماع تجاه مسائل كبرى مثل: الموقف من سلاح حزب الله.
ولجأ اللبنانيون إلى طاولة الحوار المستديرة بهدف التوصل إلى اتفاق حول المسائل المختلف عليها وأهمها نزع سلاح حزب الله. لكن دون جدوى. وقد وصف بعض المحللين هذه الطاولة بأنها لم تكن سوى " تكاذب متبادل " من الطرفين لكسب الوقت. وبعد انتهاء الحرب وصفها ميشيل عون بأنها " خدعة وصدقناها ".
وجاءت الحرب الإسرائيلية في / تموز(2006)/على المقاومة لتنجز ما عجزت عنه طاولة الحوار الداخلية أي نزع سلاح حزب الله. كما صرح بذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي. كما جرى الأمر عندما استدعت الدولة اللبنانية قوات الردع العربية عام/1976/ وبموافقة أمريكية إسرائيلية لردع ونزع سلاح المقاومة اللبنانية والفلسطينية. وعندما لم تنجز هذه القوات مهامها كاملة. جاء الغزو الإسرائيلي للبنان /1982/ ليستكمل ما عجز عنه اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين ليخرج المقاومة الفلسطينية كليا من لبنان.
إلا أن إسرائيل في حرب /تموز2006/ عجزت عن تحقيق أهدافها كما هو الحال في /1982/ رغم الدعم الكامل الأمريكي والأوروبي والعربي لها, بفعل ملحمة التصدي البطولي للمقاومة. وانتهت الحرب. وأعيدت المسالة للداخل اللبناني من جديد لتبدأ مرحلة جديدة أكثر صعوبة تتميز بازدياد الاحتقان الداخلي, والتدخل الخارجي.
* *
انتهت الحرب وسط جدل حاد حول الهزيمة والانتصار. وبدء المحاسبة. دون أي وضوح من سيحاسب من, وكيف ستتم المحاسبة؟ وتم استعادة الأسئلة والمواقف التي برزت عند بداية الحرب حول تحميل حزب الله المسؤولية لتدمير إسرائيل للبنان واستفراده بالقرار, وان حزب الله أداة بيد سوريا وإيران. وان الحرب هي حرب أمريكية – إيرانية سورية بأدوات إسرائيلية – لبنانية وعلى الأرض اللبنانية....الخ. وكأن الحرب لم توضح العديد من المسائل التي كانت غامضة في بدايتها ومنها: أن قرار خطف الجنديين الإسرائيليين لم يتخذ في سوريا أو إيران, إنما كان قرار المقاومة من اجل استكمال عملية تحرير لبنان. وان الحرب على المقاومة كان يجري التحضير لها من قبل, وان قرار الحرب كان إسرائيليا أمريكيا من اجل التخلص من المقاومة ونزع سلاحها. ولا علاقة لسوريا وإيران بالحرب نهائيا.
إلا أن الفريق المعارض للمقاومة لا تعنيه هذه الحقائق. لان الحوار السياسي في لبنان عموما محكوم بأجندة طائفية تحكمها رموز الطوائف التي قادت الحرب الأهلية منذ/1975/. وبالتالي يكون الحوار محكوما بالمواقف المسبقة والاتهام وليس الاستماع إلى الآخر والبحث عن نتائج مشتركة يقتنع فيها المتحاورون.
وهذا ناتج طبيعي من بنية النظام السياسي اللبناني الطائفي والذي تشكل منذ أكثر من نصف قرن دون أن يطرأ عليه أي تغيير جذري. وهذه البنية هي التي منعت لبنان تاريخيا:
أولا: من إقامة دولة قوية تمثل كل اللبنانيين ديمقراطية أو استبدادية.
وثانيا: وشكلت أرضا خصبة للتدخلات الخارجية السهلة العربية أو الدولية.
وقد دفع اللبنانيون الثمن غاليا نتيجة لهذه البنية. على الأقل منذ بداية الحرب الأهلية الطائفية/1975/ و الآن تعود ذاتها لتشكل العائق الحقيقي لإقامة دولة ديمقراطية حقيقية.
فالتوافق الطائفي والذي يسميه اللبنانيون " ديمقراطية توافقية ", ليس أكثر من توافق مؤقت بين رموز الطوائف على اقتسام مراكز السلطة والنفوذ في الدولة. وسرعان ما يصيب هذه التوافق الخلل لأسباب مختلفة سياسية وسكانية وخارجية, مما يجعلها بحاجة إلى توافق جديد قد لا يكون ممكنا إلا بحرب أهلية طائفية وتدخلات خارجية. أو وجود دولة هشة ضعيفة قابلة للانهيار عند أي اهتزاز ضعيف. وتاريخ لبنان منذ الاستقلال وحتى الآن يؤكد ذلك.
وحرب تموز أوضحت ذلك بجلاء. فالتوافق الهش لدولة ما قبل الحرب جعلها متفرجة أو عاجزة (عدا الدور الاستثنائي والشخصي الذي قام به الرئيسان نبيه بري وفؤاد السنيورة ) وفي موقع ليس أفضل من جمعية خيرية تساعد النازحين, أمام آلة الحرب العسكرية الإسرائيلية التي دخلت الأراضي اللبنانية ودمرت بنيته التحتية وقتلت وجرحت الآلاف. وكان بإمكان الحكومة أن تصدر أوامرها للجيش اللبناني بالتصدي للغزو الإسرائيلي /كما صرح في بداية الحرب وزير الدفاع/ وليس الاستسلام والضيافة كما حصل في ثكنة مرجعيون. وكان بإمكان البرلمان أن يجتمع /ولو لمرة واحدة/ باعتباره يمثل الشعب من اجل اتخاذ قرارات تاريخية يلزم بها الحكومة تجاه إسرائيل وحربها الوحشية على الوطن. لكن الحكومة وكل فريق / 14آذار/ الذي يملك الأغلبية في البرلمان اعتبروا الحرب وكأنها لا تعني لبنان كله إنما تعني حزب الله وجماهيره فقط!
* *
وتاريخيا نتج عن العجز لإقامة دولة ديمقراطية. تشكل ثنائية/ الدولة – المقاومة/ منذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي. ولو قادت الدولة مشروعا للمقاومة لما تشكلت هذه الثنائية. ولو كانت الدولة ديمقراطية لاستطاعت على الأقل إدارة هذه الثنائية لصالح الوطن اللبناني. لكن الصراع بين أطراف هذه الثنائية يزداد حدة مما ينذر بتفجره من جديد في الساحة اللبنانية بعد توضح وجود مشروعين:
الأول: مشروع قوى/14آذار/ التي تريد نزع سلاح حزب الله مدعوما من أوروبا وأمريكا والنظام العربي الرسمي. ومتسلحا بحزمة من القرارات الدولية أهمها (1559-1701), والقوات الدولية المتمركزة في الجنوب.
والثاني: مشروع المقاومة ممثلا بحزب الله مدعوما من تيارات لبنانية عديدة. ومدعوما من كل الشعب العربي المهمش والمبعد عن ساحة الفعل والتأثير, ومن إيران البعيدة آلاف الأميال عنه, وسوريا الضعيفة والغارقة في أزماتها الداخلية والمعزولة والمحاربة من المجتمع الدولي/الأمريكي/ والعربي.
لكن قوة المقاومة تكمن ليس في سلاحها فقط, وتنظيمها لهذا السلاح الذي لم يستعمل أبدا في الداخل, أو اعتمادها على سوريا وإيران. إنما تكمن قوتها في شعبيتها وقدرتها على خرق العصبية الطائفية بانضمام رموز من الطوائف الأخرى والتيارات السياسية غير الطائفية. وهذا يعني أننا أمام مقاومة غير منغلقة طائفيا ومتطرفة دينيا, إنما مقاومة وطنية يقودها تيار ديني معتدل وهذا ما يحتاجه لبنان وكل المنطقة المحيطة بإسرائيل.
ويبدو المشهد بعد الحرب استمرار لما قبلها مع إضافة القرار الدولي /1701/ الذي جاء بآلاف الجنود الجدد ليضع لبنان تحت العين الدولية – الإسرائيلية مباشرة والتي بدأت عملها بحراسة الحدود الشمالية لإسرائيل وبتضييق الخناق على حزب الله ومحاصرته براً وبحراً وجواًً.
و أصبح الصراع بين المشروعين ينذر ببداية مرحلة جديدة لم يعد ينفع فيها "التكاذب المتبادل ". وهذا يجعل الجميع يقف على حد السيف ويده على قلبه أو على الزناد.
وهذه المرحلة الجديدة تتطلب توافق جديد وفق ما فرزته نتائج الحرب وتعاظم دور المقاومة على الأرض. أي إعادة تشكيل الدولة من جديد. لكن الوصول إلى دولة جديدة يتفق عليها الجميع مستحيلا في الظروف الراهنة بسبب الأجندة المتعاكسة للمشروعين. الأول الذي يعيد توصيفه للمقاومة بأنها ميليشيا طائفية وأداة إيرانية نافيا عنها صفة الوطنية اللبنانية المقاومة ويجب ان تسلم سلاحها كأنها خارجة على القانون! والثاني: المقاومة التي بدأت ترد على كل المتآمرين عليها داعية إلى حكومة وحدة وطنية جديدة لان الحكومة الراهنة لا تمثل كل اللبنانيين وهي غير قادرة على حماية لبنان وإعماره وبالتالي الاستمرار بالحكم. بالإضافة لعلاقتها مع السفارات الأوروبية والأمريكية.
ويأتي التوجه الأمريكي الداعم للسلطة الراهنة ليعمق الهوة بين المشروعين ساعيا إلى نزع سلاح المقاومة بأيد لبنانية. وهذا يعني وضع لبنان أمام حرب أهلية مدمرة.
وإذا كان المطلوب للخروج من النفق الحالي هو الوحدة الوطنية كما يدعو إليه كل اللبنانيين. لكن أية وحدة ودولة يريدون وعلى أي أساس. هل يتم العودة الى " توافق طائفي " جديد , وهل يمكن قيام هذا التوافق وفق أجندة متعاكسة؟
والجواب صعب للغاية. لكن الواقع الفعلي ينذر بالخطر. وإن أي مراقب يمكن أن يلاحظ :
- أن محاولة المقاومة للارتقاء والخروج من النفق الطائفي إلى الأفق الوطني وبناء دولة وحدة وطنية ليست كافية إذا لم يخرج الآخرون من أنفاقهم الطائفية التي يتمترسون فيها, وتكون مصلحة الوطن أعلى من مصالح الرموز الطائفية الضيقة المسيطرة.
- وان الدعوات المختلفة للعودة إلى " وثيقة الوفاق الوطني " أو اتفاق الطائف/1989/ يتم بناؤها وفق تفسير جزئي يعبر عن مصلحة آنية. كان تتم الدعوة إلى بسط سلطة الدولة على كافة أراضيها (الفقرة الثانية من الوثيقة), و إهمال (الفقرة الثالثة) الداعية إلى تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي.
- وان الجميع يهمل عن قصد أهم الإصلاحات التي طرحتها الوثيقة وهي ( الفقرة / ز/) التي تدعو إلى " إلغاء الطائفية السياسية كهدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية ". لكن حين سئل " وليد جنبلاط " عن اتفاق الطائف وهو الداعي إلى تنفيذه أجاب صراحة على /LBC / بأنه ضد إلغاء الطائفية السياسية وضد العلمانية بحجة الحفاظ على التعددية. في حين أن الطائفية السياسية هي المثال الأكثر وضوحا للاستبداد وهي العائق الحقيقي أمام قيام الديمقراطية اللبنانية وتعدديتها البناءة المثمرة وليس المدمرة.
ولاشك أن تشكيل أية حكومة وحدة وطنية لا تعمل على تشكيل " هيئة وطنية " مهمتها " دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية السياسية " خلال مرحلة انتقالية كما ورد في اتفاق الطائف, سيكون مصيرها مثل كل الحكومات السابقة . وستستمر ثنائية الدولة – المقاومة في ظل اللادولة.
وليس اختراعا جديدا القول أن الدولة الديمقراطية العلمانية كما اتفق عليها اللبنانيون في الطائف هي الوحيدة القادرة على تمثيل المجتمع بالكامل وحماية مواطنيها وحدودها, وبسط سيادتها على كل مواطنيها وأرضها, ومحاسبة كل من يخرج عن القرار الوطني عبر مؤسساتها الدستورية, ومحاسبة البرلمان للحكومة, ومحاسبة الناخب للبرلمان والحكومة معا, وكذلك منع أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية.
مروان عبد الرزاق /23- 9 – 2006 /
#مروان_عبد_الرزاق (هاشتاغ)
Marwan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟