يوسف يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 7558 - 2023 / 3 / 22 - 20:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أستهلال :
شدتني مقولة قالها الراحل " د . صادق جلال العظم 1934 - 2016 " م / مفكر سوري علماني - أستاذ فخري بجامعة دمشق في الفلسفة الأوروبية الحديثة ، كان أستاذاً زائراً في قسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون حتى عام 2007 .. ( لقد تم صنع العالم الحديث دون مشاركة العرب أو حتى استشارتهم ، وقد أدخلُوا في نسيج العالم الحديث عنوة وإقحامًا وإلحاقًا . هذه الحقيقة هي مصدر العقدة النفسية الهائلة التي يعاني منها الفكر العربي بالنسبة لمشكلة التقدم ) .
القراءة :
سأسرد بعض الأضاءات تأسيسا للمقولة أعلاه ، مع الولوج بموضوعات أخرى ، لأني أرى أنها من ضمن العوامل التي أدت الى عدم أنتماء العرب لعالم اليوم / راجيا عدم الحكم على صواب هذه الأراء ألا لحين الأنتهاء من قراءة البحث :
1 . أعتقد أن العالم الغربي أستطاع أن يتحرر من الكثير من القيود منها مثلا ، سيطرة رجال الدين وفرض الكثير من العقائد الكنسية / التي لا تمت للعقيدة المسيحية بصلة ، منها بالتحديد " صكوك الغفران " ، فالأعتراض أو الأحتجاج الذي قدمه مارتن لوثر 1483 – 1546 م ، خلق فيما بعد ثورة دينية أصلاحية ، وأرى أن هذه الثورة حطمت أسطرة الفكر المجتمعي ، وأطلقت فيما بعد الأبداع العقلي الذي كبلته الكنيسة بسلاسل حديدية ، وأرى أن أحتجاج لوثر (( هو دعوة فكرية حيثما أردا البابا ليون العشر إكمال بناء كنيسة ( مار بطرس ) فقام بإرسال الراهب تتزل إلى ألمانيا لتوزيع “ صكوك الغفران” بقصد جمع المال ، وهذا ما اغضب لوثر بشدة وقال ( أن هذا التصرف لا يتفق مع مبادي الدين المسيحين ) ولذلك انتهز فرصة اجتماع الناس على عادتهم في كنيسة ويتنبرج في أو تشرين الثاني ، وعلق على باب الكنيسة احتجاجا طويلا الذي كان يضم 95 مادة ، هاجم صكوك الغفران وأعلن للمجتمع الكنيسي أن الكتاب المقدس هو المرجع الوحيد .. / نقل من موقع أبحاث نت )) هذا الأحتجاج قاد الفكر الغربي ، فيما بعد ، الى فضاءأت واسعة من التحرر ، الأمر الذي أدى الى تفجير طاقات هائلة في مجالات العلوم والتكنولوجيا ، فالتحرر هو بداية كل حضارة ، ولا تبنى أي حضارة على عبودية الفكر ، ولا أقول هنا أن أحتجاج لوثر كان المحرك الرئيسي للنهضة الحديثة ، ولكنه نبه أو أشار لثورات بمجالات أخرى .
2 . نشوء المذهب الوهابي / وتأثيره على الفكر والعقل الجمعي للمسلمين ، لو تغافلنا عن الفرق الزمنى بين مؤسس الوهابية ، محمد بن عبدالوهاب 1703 - 1791 م ، ومارتن لوثر 1483 – 1546 م ، والذي يمتد الى أكثر من قرنين وربع القرن ، فأن محمد بن عبدالوهاب - عالم دين سني حنبلي ، قد أوجد دينا موازيا للأسلام ، وهي الوهابية ( وهي دعوة سلفية ، تعني باختصار الرجوع إلى الإسلام كما أنزل على الرسول ، و فهم الصحابة والتابعون وتابعوهم من أهل القرون المفضلة ، عقيدة و شريعة و سلوكاً .. / نقل بأختصار من موقع صيد الفوائد ) . والوهابية كفرت باقي المذاهب ، ودعت الى الأستتابة أولاً ثم قتلهم ما لم يتوبوا ، وقد جاء بموقع / ويكي شيعة ، بهذا الصدد التالي ( غالباً عند الوهابية تبعاً لأبن تيمية تفسير خاص عن التوحيد والشرك ولذلك يعتقدون أنّ المسلمين أشركوا بعد القرون الأولى بمعنى أنه انتشر ، فيهم زيارة قبور الأنبياء والصالحين وأدخلوا البدع والغلو في دينهم ، فيجب استتابتهم أولاً ثم قتلهم ما لم يتوبوا). بين الدعوتين الدينيتين أعلاه ، بونا شاسعا ، فكرا ومضمونا ونهجا ، فبينما لوثر ، حرر الفكر من القيود الكنسية ، ومن سيطرة رجال الدين ، والتي كانت دعوته أحدى عوامل أنطلاق العنان للفكر الجمعي للأبداع فيما بعد ، وبالعكس من ذلك ، نرى أن المذهب الوهابي ، حطم القيم الحضارية الحداثوية ، ودعا الى التكفير والقتل ، وجعل من العقل والفكر للفرد المسلم ، رهينا بفكر ونهج الدعوة المحمدية ، التي مضى على أنطلاقها 14 قرنا ، فالوهابية دعوة للرجوع للماضي ، دعوة لبناء أسوار تحجب العقل البشري عن الواقع الفعلي ، وعن التحضر بذات الوقت ، ولا يمكن أن يبنى المستقبل بأفكار ماضوية .
3 . وبذات الصدد وفي تواريخ متوافقة بعض الشئ ، مع دعوة محمد بن عبدالوهاب 1703 – 1791 م ، نرى بزوغ الثورة الصناعية في أوربا 1760-1840م ( هي مُصطلح يُستخدم للتَّعبير عن التغيُرات الطارئة على وَسائل الإنتاج في صناعة القطن والآلات وصناعة التَّعدين ، وكانت بداية ظهوره في إنجلترا في منتصف القرن الثّامن عشر ، وفيها تمّ استبدال العمل الآلي بالعمل اليدوي ، ثمّ الانتقال إلى العَمل في المشاغِل والمصانع والعمل في الصناعات الآلية الكبيرة ، وبذلك تكون الآلة قد أعلنت عن بِداية الثورة الصناعية والتسبُّب في إحلالها محلّ يد الإنسان العامِلة .. نقل من موقع / موضوع ) . وهذا الأمر يستحق الوقوف عنده ، فبينما الدعوة الوهابية تكفر وتقتل المخالفين لها ، وتدعو للعودة الماضوية الى زمن محمد بن عبدالله ، نلحظ ان الثورة الصناعية - تنفض أيديها من أزمنة الماضي بكل تخلفه التقني المضاد للحداثوية صناعيا وفنيا وفكريا ، فهي تدعوا الى مكننة الصناعة ، وترك النهج والسبل اليدوية للأنتاج ، والدخول الى مشاريع المصانع والمعامل .
4 . عوامل أخرى جعلت من العرب المسلمين متخلفين عن الركب الحضاري ، وهو رفضهم وتكفيرهم للأخر ، خاصة مفهومي " أهل الذمة " ( هو مصطلح فقهي إسلامي يقصد به كلا من النصارى واليهود أهل الكتاب وأصحاب الديانات الأخرى الذين يعيشون تحت الحكم الإسلامي أو في البلاد ذات الأغلبية المسلمة .. ) و" دفع الجزية " ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون/ 29 سورة التوبة ) ، اللذان ساهما في تصنيف المجتمع ، بين مسلم وذمي ، ومن المؤكد هذا التحقير والأذلال من مكانة ومواطنة الأخرين ، ساهم في عزل المسلمون عن العالم ، وأدى الى أنسحاب الأخرين من يهود ومسيحيين و.. عن خضم المشهد العربي . علما أنه حتى في حقبة ما يسمى الحضارة الأسلامية فأنها كانت ، حضارة لا عربية ولا أسلامية ، ويقول بهذا الصدد البروفيسور أحمد ت . كورو / كاتب وباحث تركي - أستاذ العلوم السياسية بجامعة سان دييغو - USA ، بحوار منشور على الجزيرة نت ( لم تكن الحضارة الإسلامية في حقبتها الذهبية حضارة عربية ولا فارسية ، لقد كانت حضارة استطاعت أن تضم العديد من المجموعات العرقية والدينية ، وقد تميز العصر الذهبي للحضارة الإسلامية بمساهمة المسلمين السنة والشيعة ... كما شهد هذا العصر مساهمات من المسيحيين واليهود وغيرهم من غير المسلمين ، بالإضافة إلى الانفتاح على العلوم والتقنيات اليونانية والساسانية والمصرية والهندية والصينية.. ) .
الخاتمة :
أضافة لكل ما سبق فالعرب المسلمون ، أنشغلوا بالفتوحات وأحتلال البلدان الأخرى / من زمن رسول الأسلام وما بعد ذلك - الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين .. ، دون أي أهتمام جدي بالتوجهات الأساسية التي تشكل نواة حضارة الامة ، فهم أهتموا بالخراج والغنائم والسبايا والجواري والغلمان والعبيد .. ، كما أنهم أنشغلوا بمسائل عقائدية ومذهبية ، فرقت الأمة ، والأهم من ذلك تطلعهم للحكم والسلطة ، والدليل على ذلك ، أنه لغاية العصر الحديث ، الانقلابات والثورات وحياكة المؤامرات مستمرة / كما يحدث في العراق ، سوريا ، مصر والسودان .. العرب المسلمون بعيدين عن بناة الحضارة ، لأنهم لم يكونوا لا في بدايتها ، ولم يساهموا في تطورها ، فهم مستوردين لها ، غير مشاركين ببنائها ، علما أن الكثير من شيوخ الدين يرومون للرجوع الى زمن محمد والصحابة ، وهذا الأمر هو الذي أبرز الحركات الأرهابية التي تدعوا الى الرجوع لعهد الخلافة / القاعدة وداعش والنصرة ... لذلك فهم يعتبرون التحضر الغربي دخيل على العقلية الدينية للمسلمين .. والعرب المسلمون ، منفصمون الشخصية ، يهجرون بلدانهم من أجل رغد العيش في بلدان متحضرة ، وعندما يستوطنون في بلاد الغرب ، يشكلون كيانات أسلامية ، من أجل أسلمة البلدان المتواجدون بها ! . " ليس من اليسير فهم مسار أفاق العقل العربي !! ، لأنه عقل مشوش ، يعيش في حال ، وقلبه في حال ، وتوجه نواياه في حال أخر ! " .
#يوسف_يوسف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.