|
الهرمينوطيقا والخطاب الأمازيغي!
عبد الصمد المجوطي
الحوار المتمدن-العدد: 1714 - 2006 / 10 / 25 - 10:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
«فأن تعرف، هو أن تتكلم كما يجب وكما تفضي المسيرة الأكيدة للعقل؛ وأن تتكلم هو أن تعرف بقدر ما يستطاع ووفق النموذج الذي يفرضه أولئك الذين نشاركهم الولادة»،ميشيل فوكو:»الكلمات والأشياء» ص91: يعتبر مفهوم الهيرمينوطيقا من المفاهيم القديمة، إذ اقترن ظهوره عند اليونان، باعتباره تقنية في فهم نصوص الأدب الرسمي، وبالأخص نصوص هوميروس الشعرية.وتعني الهرمينوطيقا فن تأويل النصوص المقدسة أو المدنسة، أي الدنيوية، لذلك تماهت دلالاتها مع التفسير (exégèse) أو الفيلولوجيا حينا، وحينا آخر اعتبرت تفكيرا منهجيا يوسم به ذلك الإجراء التأويلي الذي يمارس في هذه الفروع من العلوم.(1)وقد انتقلت الهرمينوطيقا من اعتبارها ابتستمولوجيا التأويل مع شلاير ماخر وديلتاي، إلى انطولوجيا للفهم مع هايدكر. إذ اعتبر الفهم القضية المحورية في الهرمينوطيقا.لا أرمي من خلال هذا التقديم عرض مفهوم الهرمينوطيقا من زاويته المعجمية وتطوره التاريخي، بل في ربطه بآليات إنتاج الكتابة والتعبير، وبالتالي الخطاب عند إيمازيغن، فالمتتبع للخطاب الأمازيغي الذي استقى مفاهيمه الأساسية انطلاقا من حقل ثقافي أمازيغي منفتح على الإنتاجات والاجتهادات البشرية باعتبارها ملكا مشتركا للإنسانية، يجد بأن هذا الخطاب قد نجح في بلورة أرضية صلبة لمطالبه العادلة. ولعل استيعاب مفاهيم من قبيل الحداثة والديموقراطية والنسبية وغيرها، أعطى شحنة قوية للدفع بالقضية الأمازيغية إلى الأمام. وكذلك نجد بأن الفهم العميق للنص الديني كان له الأثر الايجابي في تقديم الحجة من خلاله على عدالة هذه القضية، وذلك في مرحلة معينة. إضافة إلى الاستفادة من العلوم الإنسانية في جل وحداتها السوسيولوجية منها والأنتروبولوجية واللسنية. يقول الشهيد د.قاضي قدور «إن ذلك الفعل الثقافي ساهم في تعميق النقاش بطريقة حضارية وديموقراطية في قضايا بقيت ملغاة أو مكتوبة في المجال الثقافي المغربي وهي الوضع اللغوي والصراع الثقافي»(2).وتبلورت هذه الاستفادة من العلوم الإنسانية، بمجموعة كبيرة من الأبحاث والدراسات حول اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وشملت مجالات التاريخ والقانون واللسانيات سواء في الجامعات من طرف مناضلي الحركة الثقافية الأمازيغية(MCA) وغيرهم، أو من طرف أطر ومناضلي القضية الأمازيغية خارج أسوار الجامعة.إلا أن القضية الأمازيغية، بجهازها المفاهيمي الغني، تعرضت في كثير من الأحيان لسوء الفهم والأحكام المسبقة من طرف الآخر، ليصبح الحديث عن الأمازيغية في ممارسات هذا الآخر، نوعا من الرومانسية التاريخية مع أحداث تلاعب من خلالها مجموعة الخونة بعقول المغاربة (الظهير الاستعماري 16 ماي 1930 مثلا).فتم سجن الإنسان الأمازيغي من طرف خطاب إقصائي ذي رؤية وصورة واحدة، وذلك بإنتاجه لنظريات «أوهام» يتم اعتبارها نهائية ومطلقة لا يجوز الشك في واقعيتها، مغلقا بذلك الباب عن أي تصور، مغاير لنفس الواقع. علما بأن هذا التصور الذي تبلور مع الأمازيغية كنسق، يمكن اعتباره أكثر واقعية، من الخطاب السائد. وذلك لارتباطه الوثيق بالأرض والإنسان الأمازيغيين، إذ أن الباحثين الأمازيغيين عملوا على فهم واستيعاب وتأويل جل النظريات البشرية دون استنساخ تجارب الآخر وترديد أصواته ومفاهيمه ونظرياته في قوالب جاهزة إسقاطية، بعيدة كل البعد عن الواقع الحقيقي.وهكذا فالهرمينوطيقا، بمراهنتها على الفهم، فهم الإنسان الأمازيغي لذاته في تفاعله مع غيره، وفهمه لتاريخه ووجوده من خلال فهم ثقافته في محاولة لمساءلتها ومحاورتها، وذلك من أجل بناء ثقافة قائمة على حوار الماضي والحاضر والأنا والآخر في سبيل الارتقاء بالإنسان الأمازيغي في كل جوانبه. يقول جون بول سارتر: «إن كل إدراك من إدراكاتنا مصحوب بالشعور بأن الحقيقة الإنسانية ذات طبيعة كاشفة، أي أن بها وحدها يتحقق الوجود».(3)وتبقى مساهمة الخطاب الأمازيغي في بناء منظور عالمي جديد للإنسانية، قائم على نبذ العنف في كل تمظهراته، وعلى تقبل الآخر، والتسامح والحوار كأساس وكقاعدة للتفاعل الإنساني، والحركة الأمازيغية بدورها مدعوة لرص الصفوف من أجل رفض كل أشكال الاحتواء المخزنية، ومطالبة أيضا برفع وتيرتها الاحتجاجية، حتى تحقيق كل المطالب العادلة والمشروعة، والتي لا تقبل التأجيل ولا التجزيء والمساومة.الإحالات: (1)- جون جروندن. «Herméneutique»Les notions philosophiques 1995(2)- الشهيد د. قاضي قدور «التطورات الممكنة للأمازيغية»، حوليات الريف العدد الأول 1998 ص:121.(3)- جون بول سارتر:»ما الأدب؟» ت: محمد غنيمي هلال ص: 44 دار العودة بيروت 1984
#عبد_الصمد_المجوطي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الزوايا السياسية بالمغرب بين غياب النظرية السياسية والعداء ل
...
-
االأمازيغية والوثيقة الدستوريا ا لمجلس الاقتصادي والاجتماع و
...
-
الأمازيغية والمقاربات الممكنة
المزيد.....
-
الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على
...
-
روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر
...
-
هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
-
الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو
...
-
دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل
...
-
عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية
...
-
إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج
...
-
ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر
...
-
خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|