|
وفي الفيدرالية لنا رأي...
آزاد شيركوه
الحوار المتمدن-العدد: 1709 - 2006 / 10 / 20 - 11:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا يكاد يخلو مقال أو نقاش في الشأن العراقي اليوم، دون أن تكون الفيدرالية واحداً من بنوده بل إنها تأخذ في الكثير من الأحيان المساحة الرئيسة من أي مجال عراقي، لتزيح أي جدل آخر، وتصير هي الجدل الوحيد أمام إصرار واضح من مختلف الأطراف، على اعتبارها خياراً وحيداً، ويتطرف بعضهم فيعتبرها خياراً أوحد، وحلاً لا بديل عنه لأجل خروج العراق وإخراجه من المستنقع الضحل الذي أسقط فيه. أولاً: ما هي الفيدرالية؟ إن الفيدرالية هي عبارة عن نظام اتحادي بين مكونين اجتماعيين يتمايزان عن بعضهما البعض عرقاً وثقافة وموروثاً تاريخياً وتقاليد، والمصلحة تقضي أن ينضوي المكونان تحت نظام سياسي يراعي الخصوصية لكل منهما. كما إنها، أي الفيدرالية، تقوم بين كيانين سياسيين أو أكثر تجمعهما أو تجمعها وحدة الانتماء العرقي والثقافة والموروث التاريخي والتقاليد ولكن التمايز يكون قائماً في طبيعة النظم السياسية. وقد وجدت الفيدرالية حسبما هو معروف تاريخياً لتوحيد المقسم، ولعل أحدث التجارب الماثلة أمام أعيننا هي التجربة الألمانية إذ وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي، أعيد اللحمة طرفي ألمانيا اللذين انشقا قرابة النصف قرن، لينتج عنها جمهورية ألمانيا الاتحادية الفيدرالية، بل وذهاباً أبعد من ذلك فلننظر إلى الحالة في دولة الإمارات فقد انضوت سبع إمارات هي دبي وأم القيوين ورأس الخيمة والشارقة والفجيرة وعجمان وأبو ظبي، تحت تسمية واحدة هي دولة الإمارات العربية المتحدة، ولا نريد الاستفاضة أكثر إذ إن التجارب ماثلة للعيان، ولكل من يمحص قليلاً أو كثيراً في التاريخ الحديث أو القديم. وفي واقع كالواقع العراقي اليوم هل يمكن ما يراد السير نحوه تجربة فيدرالية؟ بل إني أظن أنه تجربة انفصالية تقسيمية بجدارة، بل وقد تكون تجربة خاصة جداً إذ إنها لا تشبه بأي حال من الأحوال النموذج اليوغسلافي أو التشيكوسلوفاكي، فالعراق لم يكن في يوم من الأيام مقسماً، وتم توحيده في زمن صدام، بل إنه أنشئ كلاً ويراد الآن تجزئته. ثانياً: مشروع الأقاليم لا يمت إلى الفيدرالية في شيء. حفل الأسبوع الماضي برلمانياً بحدثين هامين، وكلاهما فيه سابقة برلمانية لا تبشر بخير لمجلس النواب العراقي، الذي يحق لنا أن نسميه (الغر) كونه لم يأخذ صيغته المطلوبة حتى وقتنا هذا على الرغم من انقضاء أشهر طويلة من تأدية أعضائه يميناً قانونية تلزمهم أن يعملوا لخدمة الشعب الذي (انتخبهم). الحدثان هما: رفع الحصانة النيابية عن النائب في مجلس النواب مشعان الجبوري، وكنا علقنا على هذا الحدث في وقته، وأبدينا وجهة نظرنا فيه، وأما الحدث الثاني فهو مشروع الأقاليم الذي (مُرِّر) بغتة، وحاز تصويت أكثرية (الموجودين)، لا أكثرية الأعضاء، ونود أن نلفت النظر إلى أنه ووفقاً للأعراف البرلمانية المعمول بها في دول العالم المختلفة، فإن شرط التصويت بالأكثرية يستوجب حضور ثلثي أعضاء المجلس، وأما في الحالة العراقية، وهي على ما يبدو لي حالة (متفردة!!) لا شبيه لها، فإن أغلب التصويتات تتم بأغلبية الحاضرين، أي أن رئيس المجلس، يحصي عدد الحاضرين فقط دون أن يأخذ بعين الاعتبار أصوات الغائبين، والذين قد يكون المانع في حضورهم أمنياً، وفي الحالة العراقية هذه هي القاعدة، أقصد أن يكون المانع الأمني سبباً في تغيب العديد من الأعضاء عن الحضور، خاصة وأن تجربة اختطاف زميلتهم عضو المجلس تيسير المشهداني لا زالت ماثلة أمام أعينهم، وحسب علمي أيضاً فإن بعض الأعضاء كان يوم التصويت على القرار موجوداً خارج العراق، وأنا شخصياً تابعت حواراً عبر إحدى القنوات الفضائية مع أحد أعضاء مجلس النواب العراقي وهو يتحدث من واحدة من العواصم العربية. وكما ذكرت مصادر إخبارية فإن تصويت أربعة أعضاء من غير الكتلتين الكبريين، قائمة الائتلاف والقائمة الكوردستانية، هو الذي شرعن مشروع الأقاليم، والغريب في الأمر أن الأعضاء الأربعة المؤيدين هم من أصحاب الميول القومية والليبرالية والشيوعية، أي أن خطهم السياسي حسبما يبدو من عناوينهم العريضة لا يتماشى مع خط الكتلتين. وبعملية حسابية بسيطة يتضح لنا الآتي: يبلغ عدد أعضاء مجلس النواب الكلي 275 عضواً، وعدد الذين صوتوا على قرار الأقاليم 138 عضواً أي نصف أعضاء المجلس بالتمام والكمال مضافاً إليه نصف عضو! نعم نصف عضو وإيغالاً في العملية الحسابية أكثر لإيضاح الرؤية ليس إلاّ فإن ناتج تقسيم 275 على اثنين هو 137 ونصف، وبهذا فإن نصف "نائب" مضافاً إلى الناتج يعطينا العدد الكامل للمصوتين على قرار الأقلمة، فهل يجوز وبأي شرع أو قانون أن يتم التلاعب بالجغرافيا والتاريخ والديمغرافية، فقط لرجحان كفة نصف نائب؟ ومن أين جيء بهذا النصف كي يرجح الكفة؟. وبالنظر إلى الحالة العراقية المشتعلة ناراً فإننا نعود إلى الدستور الذي تم التصويت عليه تماماً كما تمّ التصويت على كل شيء تلاه، فكما أذكر ويذكر الجميع فإن مسودة الدستور طرحت قبل يومين فقط للرأي العام ليبدي رأيه فيها، ثم لينطلق بعدها إلى صناديق الاقتراع ويصوت لدستور لم يستطع فكّ الكثير من مصطلحاته، وليس في هذا تقليل من شأن من قرأ الدستور وصوت عليه، غير أني أحسب أن مادة الدستور هي مادة مقرر دراستها في كليات القانون، وأنها مادة رئيسة وليست ثانوية بأي حال من الأحوال، ويستوجب فهم الكثير من المفردات والمصطلحات أدلاء قانونيين، وهذا ما لم توفره الحكومة الانتقالية برئاسة رئيس الوزراء السابق الدكتور إبراهيم الجعفري، بل إن الناس وحتى ساعتنا هذه في الكثير من المناطق العراقية ما زالوا لم يعرفوا ما الذي يتضمنه دستورهم، وما هي حقوقهم الدستورية، كي يصلوا بعد ذلك إلى فكرة الفيدرالية، وهي متضمنة في الدستور، ليفقهوا مدلولاتها ومعانيها، وأظن أن اتخاذ قرار بالنيابة عن العراقيين كلهم في وضعهم الحرج هذا، هو استثمار في غير محله لثقة العراقيين التي منحوها لأعضاء المجلس الموقر. ثالثاً: الوضع العراقي... آخر ما يناقشه مجلس النواب. التقارير الصحفية التي تم تداولها الأسبوع الماضي حملت أرقاماً ومؤشرات مخيفة عن الواقع العراقي، الذي يبدو أن أعضاء المجلس الموقر هم آخر المعنيين به، فقد أشارت أرقام لم تتأكد صحتها بعد إلى أن 655 ألف عراقي قتلوا منذ بداية الحرب الأميركية على العراق، وأن أكثر من مليون ونصف المليون مهجر غادروا العراق منذ تاريخه، وفي تقرير آخر نقرأ أنه يقتل يومياً حوالي مئة مواطن عراقي، ويهجّر ألف مواطن، وحسبما ذكرت الإندبندنت البريطانية فإن قتيلاً عراقياً يسقط كل ثلاث دقائق، وهذه مؤشرات في غاية الخطورة على التردي الهائل الذي يشهده العراق يوماً بعد يوم، وإن كان مشروع المصالحة الذي طرحه السيد نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية ظلّ حبراً على ورق كما تؤكد الأخبار اليومية، فإنّ مجلس النواب يظلّ بعيداً كل البعد عن الخوض في تفاصيل ذلك الوضع سواء بكامل أعضائه أو بمن يحضر منهم جلساته، طبعاً نتجاوز هنا الكثير من التفاصيل اليومية التي تحول الأيام العراقية إلى حالات من القهر الذي لا ينتهي بدءاً بالسعي لتأمين لقمة العيش في بلد تجاوزت نسبة البطالة فيه نصف عدد أبنائه، وانقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر، ووفق الإحصائيات الدولية فإن العراق واحد من أكثر الدول فساداً إدارياً في العالم. فمتى يلتفت مجلس النواب الموقر إلى كل ما يحدث؟
#آزاد_شيركوه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
باعوا حليفهم! فمتى يبيعهم حلفاؤهم؟
المزيد.....
-
الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على
...
-
روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر
...
-
هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
-
الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو
...
-
دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل
...
-
عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية
...
-
إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج
...
-
ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر
...
-
خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|