|
الولايات المتحدة خَطَر على شعوب العالم
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 7556 - 2023 / 3 / 20 - 21:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أعربت وزارة الخارجية الأمريكية بوضوح عن خططها لضمان تفوق أمريكا، على المستوى العالمي، وبالتالي فإن إعادة نشر هذه الوثائق والتصريحات لا تندرج ضمن "نظرية المؤامرة"، بل تذكير بمضمون التصريحات العَلَنِيّة، وبالخُطط المُعْلَنَة والمعترف بوجودها من قِبَلِ أصحابها، فقد تحدث مساعد وزيرة الخارجية لأوروبا وأوراسيا "ويس ميتشل" أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، مُصرّحًا "إن الولايات المتحدة تعاقب روسيا لأن موسكو تمنع واشنطن من بسط سيادتها على العالم." وبذلك تعترف حكومة الولايات المتحدة علانية بدواعي العقوبات المفروضة على روسيا، التي تأمل أن يكون لها دور رئيسي في المناطق المجاورة لحدودها، وتهدف الإستراتيجية الأمريكية إذًا استسلام روسيا (وكذلك الصين)، لأن التفوق الأمريكي الشّامل لن يكتمل قبل السيطرة الكاملة على المنطقة الواصلة بين قارَّتَيْ أوروبا وآسيا أو "أوراسيا"، أي الأراضي الرّوسية وأراضي دول الإتحاد السوفييتي السّابق. أوضح ويس ميتشل لأعضاء مجلس الشيوخ "إن المصلحة الأساسية للولايات المتحدة، من وجهة نظر الأمن القومي، هي منع هيمنة القوى المعادية على المنطقة الأوراسية ... يُعْتَبَرُ فَرْضُ سيطرة كاملة على أوراسيا ذا أهمية بالغة بالنسبة للولايات المتحدة، ولذا يجب هزيمة روسيا وتقسيمها إلى عدة دول صغيرة تسهل السيطرة عليها..."، ولذلك أيضًا تعتبر الولايات المتحدة الصينَ "تهديدًا، وتعتبر روسيا وحلفاءها والأعضاء الآخرين في مجموعة "بريكس" دولاً معادية"، وفقَ وكالة بلومبرغ، بتاريخ العاشر من آذار/ مارس 2023. يمكن الإستنتاج – من خلال هذه التّصريحات البَلِيغَة - إن محاولات موسكو للتوصل إلى اتفاق مع واشنطن، غير مُجْدِيَة، لأن الولايات المتحدة تريد استسلاماً غير مَشْرُوط! أعلن ويس ميتشل، خلال نفس جلسة الإستماع بمجلس الشيوخ إن الولايات المتحدة كانت تستعد لـ "صراع عالمي حتمي وضروري، أي حرب عالمية جديدة... إن الهدف الرئيسي لسياستنا الخارجية هو إعداد أمتنا لمواجهة هذا التحدي من خلال البناء المنهجي والمستمر للقوات العسكرية وتهيئة الأسس الاقتصادية والسياسية لضمان استمرار وتَفَوُّق القوة الأمريكية، فتدمير روسيا هي خطوة مهمة في طريق النصر الأمريكي النهائي"، ولذلك تبذل حكومة الولايات المتحدة (خلال حكم الرئيس دونالد ترامب أو جوزيف بايدن، لا فرق في هذا الأمر بالذّات) جهدًا لإقناع الحكومات الأوروبية بالتحرك ضد روسيا التي تجسد الشر المطلق، وإذا لم تقتنع تلك الحكومات وجب فَرْضُ الخطط الأمريكية بواسطة حلف شمال الأطلسي والحكومات "الصديقة"، مثل بريطانيا، وهي الخطط الهادفة تدمير روسيا، وليس إضْعافُها... وصف ويس ميتشل القوقاز ومنطقة البحر الأسود وحتى وسط أوروبا بأنها مناطق معركة جيوسياسية ضد روسيا: "يجب أن تكون الدبلوماسية الأمريكية تجاه روسيا مدعومة بقوة عسكرية لا مثيل لها، وبحلفاء منسجمين تمامًا مع الخطط الأمريكية ومع وسائل تنفيذها بالقوة فنحن ماضون في تقوية دول خط المواجهة مع روسيا، مثل أوكرانيا وجورجيا ودول البلطيق وفنلندا، وبولندا التي تعول عليها الولايات المتحدة في التّصدّي لروسيا، وتقوم البعثات الدبلوماسية الأمريكية الخمسون في أوروبا وأوراسيا بتطوير وتنسيق وتنفيذ خطط عمل مصممة خصيصًا لصد الدّعاية والمخططات الروسية (تجاه المناطق المجاورة لها)... فَعَّلَت الولايات المتحدة سلسلة كاملة من القرارات ذات الطبيعة الاقتصادية: إخضاع 217 كيانًا ماديًا وسلطات وهيئات قانونية روسية للحَظْر وللعقوبات، كما تم إغلاق ست بعثات دبلوماسية، وطرد ستّين دبلوماسيًا من الأراضي الأمريكية، وتقوم وزارة الخارجية بتنسيق هذه الإجراءات بشكل وثيق وفعال "مع الحلفاء الأوروبيين". أعلن السيد ويس ميشيل عن رضاه عن مسار الحرب الاقتصادية مع روسيا: "في المتوسط ، تخسر الشركات الروسية الخاضعة للعقوبات ما يقرب من ربع دخلها التشغيلي ( إيراداتها)، وقد انخفض التقييم الإجمالي لأُصُولِهَا إلى النصف مما أجبر الشركات على تقليص ثُلُثِ قوتها العاملة، وهذا أمرٌ إيجابي، لأن العقوبات يجب أن تشل الاقتصاد الروسي وتجبر الحكومة الروسية على الاستسلام" لم يصف ويس ميشيل أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة فحسب، بل كشف أيضًا عن الأساليب الخبيثة التي تستخدمها واشنطن لوضعها موضع التنفيذ، ما ساهم في إظهار خُطُورة الولايات المتحدة على العالم ... في مقابل هذه القوة والغطرسة، تبرُزُ هشاشة وضع جزء هام من المواطنين الأمريكيين، حيث أظهرت الدراسات والوثائق الرسمية إن 27% من المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 64 عامًا ( أو نحو 21% من إجمالي السكان) ، أي أكثر من رُبُع الأشخاص البالغين، أو نحو خمسين مليون مواطن، محرومون من التأمين الصحي، كما يُظهر مسح نظام مراقبة عوامل المخاطر السلوكية (BRFSS) أنه ومنذ العام 2014 (على الأقل) كان رُبُع البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية عشر وأربعة وستين عامًا لم يتم تأمينهم لفترة اثني عشر شهرًا كاملة، أو لفترة معينة من العام، وأظهر استطلاع أجرته وكالة "غالوب" أن الوضع ساء بين كانون الثاني/يناير 2017 وكانون الأول/ديسمبر 2020، وما هذه الإحصائيات سوى أحد المُؤَشِّرات، لكنها لا تعكس، سوى بشكل جُزْئِي، مدى انتشار الحرمان من التّأمين الاجتماعي والصّحّي... في أوروبا، تتكيف حكومات دول الاتحاد الأوروبي مع المتطلبات الأمريكية وتندمج، دون أي هامش من الإستقلالية، في الأهداف التي حددتها الولايات المتحدة، بواسطة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فقد وافق وزراء حرب 27 دولة أوروبية، لدى اجتماعهم في ستوكهولم، عاصمة السويد التي كانت تدّعي الحياد، على الخطة التي قدمها جوزيب بوريل، مُفَوّض الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية لـ "شراء مشترك لكميات هامة من الذخيرة من العيار الكبير "، بهدف إرسالها إلى أوكرانيا التي شارك وزير حرب حكومتها في الاجتماع ( أوكرانيا ليست عضوًا بالإتحاد الأوروبي)، بهدف تقديم الطلبات العسكرية لأوكرانيا، وقال جوزيب بوريل: "نحن في زمن حرب وعلينا أن نفكر ونتصرف بمنطق وعقلية دول في حالة حرب"، ثم قدم خطة تتضمن ثلاث مراحل: تقديم 3,6 مليار يورو، نقدًا، للحكومة الأوكرانية، فضلا عن 22 مليار يورو منذ بداية الحرب، بالإضافة إلى قذائف المدفعية المتوفرة في المخازن العسكرية لدول أوروبا، وقدّم بوريل برنامجًا أوروبيّا ( تم "التشاور" بشأنه مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي) لإنتاج كميات ضخمة من المقذوفات، يستمر سبع سنوات، لضمان زيادة إنتاج الذخيرة في أوروبا على المدى الطويل، ما يعني وجود مخططات لحروب أخرى خلال السنوات القادمة... كما يمول الاتحاد الأوروبي تدريب 30 ألف جندي أوكراني سنة 2023 ، كجزء من استراتيجية وضعها حلف الناتو "لكسب الحرب ضد روسيا".
أوروبا/أمريكا، تحالف أم علاقات هيمنة؟ شكّلت حرب أوكرانيا فُرصةً للولايات المتحدة لزيادة الهيمنة على أوروبا من خلال الغاز الصخري الأمريكي، ومن خلال اجتذاب رُؤُوس الأموال الأوروبية، من خلال قانون خفض التضخم الذي مكّن من اجتذاب ما لا يقل عن 73 مليار يورو من الإستثمارات الخاص بقطاع السيارات الكهربائية لوحده، سنة 2022، أو أكثر من السنوات السبع الماضية مجتمعة. من جهته نشر البيت الأبيض قائمة بالشركات التي عَبَرت المحيط الأطلسي واستثمرت بالولايات المتحدة وتتضمن أكبر الشركات الإحتكارية الأوروبية في قطاعات السيارات والطاقة والكيمياء وغيرها... يهدف قانون خفض التضخم الأمريكي، الذي دخل حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني/يناير 2023، إلى اجتذاب قطاعات واعدة من أوروبا إلى الولايات المتحدة، من خلال الإعانات والإعفاءات الضريبية بقيمة 391 مليار دولار خلال عشر سنوات، كما أدّت الحرب في أوكرانيا إلى انقطاع إمدادات الغاز الروسي الرخيص وعالي الجودة، واغتنمت الولايات المتحدة الفرصة لتصدير الغاز الصخري الرديء إلى أوروبا وبيعه بسعر يفوق خمسة أضعاف السعر المُتداول بالولايات المتحدة، ما جعل الاحتكارات الأوروبية تنقل نشاطها إلى الولايات المتحدة، للإستفادة من أسعار الطاقة المنخفضة ومن الدّعم والتخفيضات الضريبية، وعلى سبيل المثال أغلقت شركة الكيماويات العملاقة الألمانية ( BASF )، بعد وقف عقودها مع شركة غازبروم وارتفاع أسعار الغاز، عدة وحدات في ألمانيا، بالتوازي مع إنفاق نحو مليار يورو لتوسيع مصنعها في ( Geismar ) بولاية لويزيانا الأمريكية، ونقلت العديد من الشركات الأوروبية في قطاع الطاقة المتجددة والإبتكارات التقنية والسيارات الكهربائية (فولكسفاغن) مصانعها إلى الولايات المتحدة، في المقابل جَمّدت الشركة الأمريكية للسيارات الكهربائي "تسْلا" الإستثمارات التي كانت تعتزم ضَخَّها في مصنعها في برلين، لاستثمار 3,6 مليار دولار، لتوسيع مصنعها في "نيفادا" بالولايات المتحدة بسبب الظروف المواتية التي أنشأها التشريع الأمريكي المُسمّى "قانون مقاومة التّضخّم" والإعفاءات الضريبية...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجارة القَتْل
-
متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الحادي عَشَر - 18 آذار/مارس 2
...
-
بوليفيا، عوْدَة مُحْتَشمة لليسار الطاهر
-
متابعات - نشرة أسبوعية - العدد العاشر - 11 آذار/مارس 2023
-
الإمارات – دور تخريبي باليمن
-
متابعات - نشرة أسبوعية - العدد التّاسِع - 04 آذار/مارس 2023
-
حرب أوكرانيا - هل تكون مُؤشّرًا على بداية حقبة تاريخية جديدة
...
-
العواقب الاقتصادية للحرب في أوكرانيا
-
العبودية والعمل القسري – ثلاث نماذج لثلاث فترات تاريخية
-
متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الثامن - 25 شباط/فبراير 2023
-
حروب أمريكا في القرن الحادي والعشرين
-
متابعات - نشرة أسبوعية - العدد السّابع - 18 شباط/فبراير 2023
-
بيرو – نموذج الهيمنة الإمبريالية في أمريكا الجنوبية
-
متابعات - نشرة أسبوعية - العدد السّادس - 11 شباط/فبراير 2023
-
في ذكرى ميلاد روزا باركس
-
متابعات - نشرة أسبوعية - العدد الخامس - 04 شباط/فبراير 2023
-
من خلفيات حرب الناتو ضد روسيا: الإستحواذ على المعادن الثمينة
-
أمريكا الجنوبية، بين الهيمنة الإمبريالية الأمريكية ومحاولات
...
-
راسل بانكس (Russell Banks ) 28/03/1940 – 07 كانون الثاني/ينا
...
-
ليبيا زمن التقسيم والخراب
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|