|
مأساة العراقيين في ايران.. خلل في العلاقة عمره 20 عاماً
الزمان
الحوار المتمدن-العدد: 42 - 2002 / 1 / 22 - 09:11
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
مأساة العراقيين في ايران.. خلل في العلاقة عمره 20 عاماً ــ طهران تجرد العراقيين من حق اللجوء وتحجب عنهم حقوق الأجانب
ــ محمد عبد الجبار ـــ كاتب اسلامي عراقي مقيم في لندن:
أعجبني البيان الذي اصدره من قبل الصديق وليد الحلي، رئيس المجموعة العراقية لحقوق الانسان، حول مأساة العراقيين الذين ماتوا حتف انفهم غرقا في المياه الاندونيسية وهم في طريقهم الي الفردوس المفقود في استراليا طلبا للجوء السياسي فيها وهربا من الجحيم الموجود في ايران التي هاجروا اليها من قبل هربا، ايضا، من الجحيم المقيم في العراق. فقد عبر البيان، فضلا عن المثابرة المشكورة في تتبع اخبار هؤلاء العراقيين البالغ عددهم 45 شخصا، عن تعاطف كبير معهم في محنتهم المزدوجة:محنة الغرق، ومحنة الضياع، خاصة بعد ان فقدوا 356 شخصاً من اعزائهم. ولكن لفت نظري المطالبات التي تضمنها البيان، وهي مطالبات موجهة الي اندونيسيا واستراليا. فقد طلب الحلي من اندونيسيا تحمل مسؤولية الحفاظ علي حياتهم وتقديم كل الدعم الممكن لهم لحين انتقالهم الي الدولة التي تمنحهم اللجوء السياسي . كما طلب من استراليا منحهم اللجوء السياسي في استراليا كمبادرة انسانية لما عانوه من جراء غرقهم وذويهم واصدقائهم في المحيط . ولا تبدو هذه المطالبات في محلها تماما، ذلك ان اندونيسيا واستراليا بلدان طارئان علي الملف العراقي ولا علاقة لهما بفصول المآسي التي يشهدها. وانا احسب ان المطالبات كان ينبغي ان تتوجه، في المقام الاول، الي ايران، البلد الذي هاجر، بل هرب منه، العراقيون. ذلك لأن ايران هي الطرف الاساسي في هذا الملف، بل السبب الحقيقي في مشكلة هؤلاء العراقيين الهاربين منها طلبا للجوء السياسي والعيش الكريم في غيرها.
حرمان من الحقوق فالواضح ان العراقيين الموجودين في ايران انما يعملون المستحيل ويقدمون الغالي والنفيس من اجل الهجرة من ايران، ولا بد لهذا سبب، والسبب هو المعاناة التي يعيشون فصولها في ايران التي صارت تحرمهم من ابسط الحقوق الانسانية التي تنص عليها المواثيق الدولية فضلا عن الدين الاسلامي نفسه. بدأ العراقيون هجرتهم الي ايران علي دفعات متتالية منذ اندلاع الثورة الاسلامية فيها في عام 1978، بل ان بعضهم شارك في بعض فصولها في شوراع المدن الايرانية التي كانت تشهد المظاهرات المليونية ضد حكم الشاه. وحين انتصرت الثورة واقامت حكما اسلاميا في ايران. ولما كان العراقيون يعتقدون بان الدين الاسلامي دين عالمي انساني لا يأبه بالفوارق القومية والوطنية، فقد اعتبروا ان الدولة الاسلامية الوليدة في ايران دولتهم ايضا. وراحت احزابهم الاسلامية تنظر لهذا التصور وتضع له اسسه الاسلامية لكي يكون تصورا شرعيا مجزيا للذمة امام الله، كما تقول اللغة المعتمدة في الكتابات الدينية المدرسية والحوزوية. والزمت بعض هذه الكتابات العراقيين بطاعة الدولة الاسلامية في ايران بوصفها الدولة الشرعية . لكن هذه الدولة لم تبادل العراقيين مشاعرهم العارمة ولم تشاركهم افكارهم التي قد تكون مغرقة في المثالية وعدم الواقعية. فقد اصطدم هؤلاء بصخرة كبيرة مكتوب عليها: الدولة الاسلامية في ايران .. ايرانية بمعني انها دولة الايرانيين، حتي لو كانوا مسيحيين او يهود او زرادشتيين او مجوس، وهذا الشق من اللافتة جيد ويعبر عن اتساع مساحة التسامح الاسلامي، الذي امن به العراقيون، لكن الجزء المخفي من اللافتة والذي لم يتمكن غالبية العراقيين من قراءته في البداية، ولو ان كلماته كانت تترشح من بين السطور، كان يقول ان الدولة الاسلامية في ايران ليست لغير الايرانيين، وخاصة العراقيين، ومن يتصور او يتوهم غير ذلك، فعليه ان يتحمل هو مسؤولية الخطأ في الفهم .
معاملة سيئة وكان من نتائج ذلك ان عومل العراقيون في ايران معاملة سيئة، رغم انهم شاركوا الايرانيين في الحرب ضد النظام الحاكم في بلدهم في سنوات الحرب العراقية الايرانية الطويلة العجاف. وكان من مظاهر المعاملة السيئة حرمان العراقيين من ابسط حقوق الانسان، بما في ذلك العمل علي تحصيل لقمة العيش بشرف بحجة اتساع نطاق البطالة في ايران، وكذلك تحريم زواج العراقي من ايرانية، عبر منع تسجيل مثل هذا الزواج، وحرمان العراقيين من التملك، وغيره ذلك. وكان من اكبر مصاديق المعاناة هي عدم تحديد الوضع القانوني للعراقيين في ايران، الامر الذي يضعهم بلا لائحة واضحة للحقوق والواجبات التي يمكن بموجبها محاسبتهم او محاسبة ايران علي اي تقصير هنا او هناك. فالعراقي في ايران ليس لاجئا، سياسيا، او انسانيا، حيث لا تعترف له ايران بأي من الصفتين بموجب القوانين والاتفاقات الدولية ذات العلاقة، فضلا عن انه ليس مواطنا بطبيعة الحال. وكان هذا الوضع غريبا عن الأوضاع التي عرفها العراقيون في البلدان الاوروبية مثلا. فالقاعدة العامة في هذه البلدان انها تمنح اللاجئ اليها حالة اللجوء بموجب الاتفاقات الدولية ذات العلاقة، ومن لا يمنح هذه الحالة، تتم الموافقة علي بقائه في الدولة بصورة استثنائية او انسانية، مع التمتع بكافة الحقوق المنصوص عليها في تلك الاتفاقات، بما في ذلك حق منح جنسية البلد المعني بعد فترة. هولندا مثلا تمنع طالبي اللجوء من العمل لحين البت بطلباتهم، ولكنها توفر لهم مقابل ذلك السكن والمأكل والعناية الصحية والتعليم والخدمات الاخري وقليلا من المال ايضا. وكذلك تفعل بريطانيا. اما ايران، التي لا تمنح العراقي اصلا حالة اللجوء السياسي، فتصدر قرارا تمنع بموجبه غير الايراني، والمقصود هنا العراقي، من العمل. اما كيف يعيش هذا العراقي وكيف يعيل اولاده وكيف يتعالج من الامراض التي يمكن ان تصيبه وكيف يتعلم هو وابناؤه، فتلك امور مسكوت عنها. والعراقي في ايران ليس اجنبيا يتمتع بحق الاقامة الشرعية التي توفر له مجموعة حقوق وواجبات، وفي ايران الكثير من الاجانب الذين يتمتعون بحق الاقامة الشرعي في البلاد بكل ما يتضمنه ذلك من حقوق وواجبات. والعراقي ليس مهاجرا الي بلده الاسلامي الثاني بحسب الموازين الاسلامية التي اقرها الاسلام بعد هجرة المسلمين المكيين الي المدينة وكيف انهم تمتعوا هناك بكل حقوق المواطنة. وبقاء العراقي بلا هوية وبلا وضع قانوني واضح هو الخلل الحقيقي والجوهري في علاقة العراقيين في ايران. وللأسف، فان القيادات العراقية المعارضة والمتصدين للشؤون العامة منهم والكتاب والصحفيين والمفكرين العراقيين لم يكونوا يعيرون هذه المسألة الاهمية اللازمة باستثناء قلة منهم. وقد تعرض الذين اثاروا هذه المسألة في وقت مبكر، ومن بينهم كاتب هذه السطور، قامت الدنيا عليهم ولم تقعد بحجة معارضة الدولة الاسلامية وانتقادها، وهو امر لم يكن هؤلاء الغاضبون يجوزونه بل يحرمونه من الناحية الشرعية! ومع مرور الزمن تضاعفت اثار هذا الخلل الجوهري، وانتج المزيد من معاناة الذين كانت اعدادهم تزداد باستمرار خاصة بعد عام 1991. وبسبب هذا الخلل والمعاناة اللاحقة، صار العراقيون يفضلون ركوب الصعاب وعبور البحار والمخاطرة بحياتهم من اجل البحث عن بلد اخر يوفر لهم ظروفا افضل لممارسة حياتهم الانسانية بوصفهم هاربين من بلادهم بسبب الخوف الذي ينتابهم هناك. بل ان بعضهم حمل دمه في راحته وفضل العودة الي العراق حيث الموت بانتظارهم.
ثلاث بدائل وان كان ثمة مطلب يمكن ان يرفع في هذا الخصوص فهو المطالبة بتصحيح اوضاع العراقيين في ايران، وهو تصحيح يمكن علي اساس ثلاثة بدائل او خيارات هي: اما ان يمنح هؤلاء حق اللجوء السياسي في ايران، بناء علي الحق الذي يقره لهم الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي ينص في المادة 14 علي ان لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان اخري والتمتع به خلاصا من الاضطهاد . علي ان يتمتعوا بالحقوق التي تقرها لهم الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951، والتي تنطبق احكام المادة الاولي منها علي هؤلاء العراقيين تمام الانطباق باعتبار انهم يعانون من خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب الانتماء العرقي او الديني او الاجتماعي او السياسي. وعلي ان يتم بشكل خاص ملاحظة المواد 4، 13،17،18،19، 21، 22، 28، والمتعلقة بالحقوق الاساسية للعراقيين بوصفهم لاجئين الي الدولة الاسلامية في ايران. او ان يمنح هؤلاء العراقيون حق الاقامة بوصفهم اجانب، وتطبق بشأنهم القوانين ذات الصلة السارية في ايران. او، وهذا هو الخيار الثالث، ان تطبق بحقهم الجمهورية الاسلامية في ايران الموقف الاسلامي من المهاجرين والذي نص عليه القرآن وطبقه الرسول (صلي الله عليه وسلم) بالنسبة للمسلمين الذين هاجروا من مكة الي الدولة الاسلامية في المدينة، والقاضي باعتبارهم مواطنين في الدولة بحكم كونهم مسلمين، حيث يقول القرآن الكريم: والذين تبوؤوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا ويؤثرون علي انفسهم ولو كان بهم خصاصة. (الحشر 9) ان ايران تتحمل مسؤولية تصحيح هذا الخلل التاريخي الذي يشوب علاقتها بالعراقيين اللاجئين اليها. وهي مطالبة، وببساطة متناهية، بأن تمتثل لنصوص الاتفاقات الدولية الخاصة باللاجئين وتطبقها في تعاملها مع العراقيين الذين لجأوا اليه والذين يبلغ عددهم حوالي ربع مليون نسمة. ان لايران موقعا خاصاً في قلوب الاسلاميين عامة والشيعة منهم بوجه خاص، لكن هذا لا يعني انها تقصر في تنفيذ التزاماتها الشرعية الدولية ازاءهم بأية ذريعة كانت. وكم كنت اتمني لو ان الصديق وليد الحلي، بوصفه مسؤولا عن حقوق الانسان العراقي، طالب ايران باتخاذ هذه الخطوة التصحيحية المتأخرة كثيرا.
AZP07
#الزمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيوعيو سوريا يتبنون الليبرالية
-
وزير الخارجية التركي يدعو إلي الغاء عقوبة الاعدام بالكامل
-
طالبان تاجرت بالرقيق وقادتها عاشروا مخطوفات
-
نساء المغرب يطالبن بقانون لتحريم التحرش الجنسي
-
جماعة حقوقية في فرنسا: نراقب اوضاع حقوق الانسان في العراق
-
السويد تسهِّل لمّ شمل أسر المهاجرين والدنمارك تقيّده
-
أحكام أكثر تشدداً لمرتكبي جرائم الشرف في الأردن
المزيد.....
-
هل تعاني من الأرق؟.. طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
-
ماذا نعرف عن العالم الخفي لمنجم ذهب تديره إحدى العصابات بجنو
...
-
وزارة الصحة اللبنانية: مقتل 4 أشخاص وإصابة 23 في الغارة الإس
...
-
ما هي الدول والشركات التي تبيع أسلحة لإسرائيل؟
-
سلسلة غارات إسرائيلية على منطقة البسطا وسط بيروت
-
تحليل لـCNN: كيف غيرت الأيام الـ7 الماضية حرب أوكرانيا؟
-
هل الدفاعات الجوية الغربية قادرة على مواجهة صاروخ أوريشنيك ا
...
-
كيف زادت ثروة إيلون ماسك -أغنى شخص في العالم- بفضل الانتخابا
...
-
غارة عنيفة تهز العاصمة بيروت
-
مراسلة RT: دوي انفجارت عنيفة تهز العاصمة بيروت جراء غارة إسر
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|