أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عمار السواد - جميعهم لوث التاريخ والقيم!.. الحلقة الثانية















المزيد.....

جميعهم لوث التاريخ والقيم!.. الحلقة الثانية


عمار السواد

الحوار المتمدن-العدد: 1708 - 2006 / 10 / 19 - 06:40
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


بداية الانهيار.. الشيوعية
لم يسهم تأسيس الدولة العراقية مطلع عشرينيات القرن المنصرم في ايجاد تحولات اقتصادية حقيقية في البنية الاجتماعية، على الرغم من الجهود التي بذلها الملك فيصل الاول من اجل تطوير الدولة. فالنخب الحاكمة والمؤثرة اجتماعيا كانت تصب جهدها على الجانب السياسي. ولم يكن للاحتلال البريطاني اية محاولات جدية لفرض تغييرات حقيقية على الطبقية المقيتة التي حكمت البلاد، بل على العكس استخدمها لتعميق وجوده وشرعنته. فكان حجم الطبقات الفقيرة واسعا جدا، وهيمن التجار والملاكون على كل رؤوس الاموال المتداولة في البلاد. ما ادى الى فوارق شاسعة بين مستويي الغنى والفقر داخل البنية الاجتماعية.
الهوة الساحقة هذه ساهمت الى حد كبير في تكوين وضعا غاضبا لدى شرائح فقيرة متعددة. واقتصرت ترجمة هذا الغضب، حتى مطلع القرن العشرين، على ردات فعل شعبية غير منظمة وانتفاضات وعمليات نهب. لكن عدم التنظيم والعفوية هذه بدأت بالاضمحلال مع ظهور اول فعل منظم بمطالب اقتصادية بحتة على يد حزب سري سمي "الحزب السري العراقي" وكان ذلك من خلال رسالة بعث بها هذا الحزب عام 1924 الى بعض رجال الاعمال في بغداد. واهم ما ورد في الرسالة هو "اننا لم نر حتى الان اية اعمال مفيدة للبلاد قام بها الاغنياء مع انهم يتمتعون بهذا الوطن البائس اكثر من الاخرين ولقد اعذر من انذر"(1). وقد ادت هذه التهديدات الى فرار مؤقت لبعض التجار نحو لبنان. بهذا التهديد بدأت الافعال الغاضبة، تجاه التردي الاقتصادي، تتبلور بصورة اكثر تنظيما.
بداية التنظيم هذه لا يمكن ان تكون بمعزل عن التنظيم العالمي لردود الافعال على هيمنة طبقة صغيرة من الناس على اقتصاد الشعوب، وترك الطبقات الفقيرة دون حلول جذرية. انها تأتي مع نهضة الاشتراكية الماركسية في كل دول العالم، ودخولها حلبة الصراع السياسي والاجتماعي مع اطراف عدة وفي بلدان عدة، ووصولها الى حكم واحدة من اكبر دول العالم، روسيا. ومعروف ان اهم نقطة يعول عليها الشيوعيون لترجيح كفة الصراع لصالحهم هي التركيز، وفق بلورة ايدلوجية مسبقة، على دعم قضية العمال والطبقات الفقيرة ومحاربة المتمولين والاقطاعيين، بل انها اساس الشيوعية في جميع نظالاتها الثورية.
من هنا فان هذه البلورة لم تتاخر كثيرا عما فعله "الحزب السري العراقي"، فقد ظهرت اول جماعة شيوعية على يد كل من حسين الرحال ومحمود احمد السيد. فبدأ صراع الايدلوجية الشيوعية، وان كان بتعثر، مع اطراف عديدة وعلى عدة جبهات في العام نفسه الذي ظهر في ذلك الحزب السري.
لكن ذلك لم يتضح الا بعد عقود من العمل النخبوي الدؤوب لهذه الشريحة من الشبيبة المندفعة بفعل نشاط الشباب من جهة والايدلوجيا من جهة اخرى. فاتسعت رقعة تأثير الشيوعيين في ثلاثينيات القرن الماضي بتأسيس الحزب الشيوعي، لتصل الى انعطافتها الاهم في الاربعينيات عندما اصبح فهد الرجل الاول في الحزب بلا منازع.
فقد احدثت الشيوعية، بتلك الجهود المضنية قبل وبعد تأسيس الحزب الشيوعي، ثغرة كبيرة في السلوك السياسي والاجتماعي العراقي، ممهدة بذلك انتقاله من سلوك جماعي بسيط عصي على الانهيارات القيمية الكبرى الى سلوك جماعي معقد ينطوي على الخبث والدهاء والضغينة والبعضاء. وتحولت البغضاء بسبب تداخلات الايدلوجيا، ومثالها الاول الشيوعية، من منظومة كره فردي تتحكم فيه المصالح والاهواء والغرائز الى بغضاء شاملة او جمعية تتحكم فيها متبنيات ورؤى ومبادئ عامة.
مواقف العمال والطبقات الفقيرة تحولت بفعل الايدلوجيا الشيوعية من رد فعل طبيعي تحكمه المعاناة الى مواقف منظمة تتداخل فيها الاهواء الجمعية والطموحات السياسية والرؤى الايدلوجية الشاملة. بعد ذلك احالت الحركات القومية الانتماءات الى العروبة كفعل بشري اعتيادي الى انتماء بدوي محكوم بروح الصراعات والبغضاء القبلية. وارجعت تيارات الاسلام السياسي التدين من فعل روحي يتحكم بقيم الانسان ويدفعه نحو فعل الخير الى تدين سياسي يرى كل ما سواه جاهلية سوداء.
بذلك تحول المجتمع من دوائر لا يربط بينها شيئ اكثر من الوطن وافراد يجمعهم الانتماء الى مجتمع متعدد الطوائف الى مجتمع شمولي يتحرك بكامله وفق منظومة هرمية، لا تسمح بتداخل الاضداد. وبفعل قوة الايدلوجيا وعمق تأثيرها اضحت المواقف الجماعية تجاه الاضداد مواقف تنطوي على مديات خطيرة من الكره والبغضاء. وغلفت الايدلوجيا العمل السياسي خارج السلطة وداخلها بهالة من التبريرات والافكارجعلت القمع والجريمة فعلا مقبولا، مستفيدة بذلك من فساد القوى الليبرالية وفشلها في ادارة البلاد خلال العهد الملكي، ومن وجود الاحتلال البريطاني، ومن الانحدار المستمر في الحالة المعيشية لاغلب الشرائح.
الاخطر من ذلك ان هذه الايدلوجيات حكمت شارعا بلا وعي، احالته الى قطيع يساق بمجموعة من المقولات او الشعارات. فاندفعت المجاميع الغاضبة، المطالبة بلقمة عيشها، خلف مقولات لم تفهم منها الا النزر اليسير من المداليل. والادهى، من بعد كل ذلك، ان تلك الاندفاعة كانت تنطوي على رؤية عدمية للاشياء، محددة ذاتها بخيارين اما الموت او الحياة على الطريقة التي تبتغيها من دون الموافقة على حل وسط، ولو جاءت هذه الموافقة فانها تأتي كتكيك تتبعه اندفاعات اخرى. انها اندفاعة سلبية. وضعت لنفسها، دون ان تعي حجم الاخطار ودون ان تعي بلادة مطلبها، حلولا كونية مشابهة لتلك التي تأتي بها الاديان السماوية. انها اندفاعة امة فهمت اقل مما غاب عن فهمها.
بموجب الصراع التاريخي، الذي تؤمن به المنظومة الماركسية، فان هناك تصنيفا مستمرا لطبقتين احداهما تقدمية يجب ان تبقى وتهيمن والاخرى رجعية يجب ان تضمحل وتزول. هذا التصور للاشياء والطبقات لوحده كفيل بصناعة رؤية مغمسة ببغضاء تصنعها الفكرة، ما يجعل الوقائع مفتوحة على كل الاحتمالات، والسلوك قابلا لان يكون عنيفا ومدويا بمجرد ما تضعف احتمالات التغير السلمي. لقد اعادت الشيوعية الى الصراعات الاجتماعية الداخلية منطق الدول المتصارعة الساعي بعضها للقضاء على البعض الاخر.
فالشيوعية، كأيدلوجية شمولية عكست اطروحة الجدل المادي لدى ماركس، كانت تقوم بفعلها ليس سياسيا فحسب بل واجتماعيا ايضا. فالتصنيف الى رجعي وتقدمي هو تصنيف لا ينطوي على رؤية سياسية للاشياء فقط، بل هو تصنيف شامل ينطلق من الرؤية الكونية التي تزعمها الماركسية لنفسها. انها وفي مرحلة البناء الاشتراكي زرعت واحدا من اهم اشكال الفتنة المنظمة داخل المجتمع. انها فتنة بين طبقتين، الطبقة الوسطى والغنية من جهة والطبقات الفقيرة بكل تجلياتها من جهة اخرى. انها عودة للدين واعادة صياغة له. فالشيوعية اعادت الحياة لصراع صنف من الناس من اجل فرض رؤاه بالمطلق، وليس صراع الانسان من اجل الحصول على حقوقه. وبذلك سعى بعض المجتمع، بفذلكة فكرية محددة، للقضاء على بعض آخر. يأتي هذا في الوقت الذي استقرت كل الشقاقات العقائدية في العهود الدينية.
من هنا فان الشيوعية كانت السبب الاساس في دق اول اسفين للفتنة داخل علائق المجتمع مع بعضه، وفي علاقتة بمنظومة القيم السلمية التي آمنت بها سماحته البسيطة. فقد تلاشت قابليات المجتمع في العراق على بناء مواقف بمعزل عن الايدلوجيا. وهو ما ادى الى جمود الحركة الاجتماعية باتجاه البحث عن الحلول دون التمسك بحلول جاهزة، ودون ترك الاختيار للافراد بالوصول الى قناعات محددة بمعزل عن الرؤية العامة التي يقف عندها المجتمع.
ولذلك فان الردود الحادة، والافعال العنيفة باتت منهجا للتعاطي مع الخلافات الفكرية. بل ان ثقافة قطع الرقاب تجد لنفسها صدى في اربعينات القرن الماضي، كما نجده واضحا في هذه الرسالة "زعيمنا المحبوب فهد... لقد استأنا كثيرا مما حصل مؤخرا. اننا ننتظر اوامر حزبنا بفارغ الصبر. اننا جاهزون لقطع اعناق الخونة باسنان مناشيرنا.. مجموعة من النجارين"(2). هذه رسالة نشرها الزعيم الشيوعي الاهم في تاريخ العراق فهد في صحيفة الشرارة التابعة للحزب بعد ان وصلته من نجارين اعضاء في الحزب كرد فعل على اتهام بعض الاعضاء بالخيانة، بسبب معارضتهم لقيادة فهد.
لهذه الرسالة مدلولان، اولهما طبيعة ردود الفعل التي تزرعها الاحزاب الراديكالية تجاه افعال قد تكون اعتيادية في عمل الاحزاب، والا فكيف نفسر لجوء فهد الى نشرها في صحيفة الحزب الرسمية؟. وثانيهما يبين طبيعة تعامل الاعضاء مع اي حالة انشقاق او اختلاف شديد.
وعلى الرغم من ان الظروف التي مرت بها عملية تنشأة الحزب الشيوعي واتساع تأثيراته في الشارع العراقي كانت ظروفا قاسية، وان اغلب العراقيين انذاك كانوا يعيشون ظروفا مأساوية دفعت الكثير منهم باتجاه تبني افكار حادة النتائج. وعلى الرغم من وجود الاحتلال البريطاني ومخاطره. على الرغم من ذلك وغيره من غير المبرر ان تتحول الظروف والالام والمآسي الى مدخل لايجاد تحولات عدوانية في بنية هذا المجتمع.
هذه هي البداية. انها اللبنة الاولى في بناء منظومة قيم اجتماعية مختلفة عن قيم السلام والتسامح، واعمق خطورة من سوء البغضاء البسيطة التي تحكم السلوك الاعتيادي للانسان. وبداية تأسيس احزاب سياسية بطموحات ايدلوجية، طموحات تعبر عن اندفاعة ايجاد انقلاب شامل. فلم تأت الشيوعية الى العراق لترضى بانصاف المطالب، انها كانت تريد كل شيئ "اننا نطالب بتغيير كل اسس الحياة تغييرا جذريا لصالح كل الطبقات المنتجة. لنرفع صوتنا ثانية في الارض وليتقدم هادرا يزرع الرعب في قلوب مضطهدينا"(3) {بيان الجمعية ضد الاستعمار عام 1935، وهذه الجمعية هي النواة الاساسية للحزب الشيوعي}.
انها، اذن، بداية هيمنة الفكر الشمولي على كل عمليات التحول والتغيير. وقد اصبحت البداية بالنسبة الى الخلفاء الاخرين من الاحزاب الايدلوجية والراديكالية نموذجا يحتذى به، مهما انكر الخلفاء. فالحزب الشيوعي بصورته اللينينية هو الاب الشرعي للتيارات القومية والدينية كونها جميعا ورثت عنه، بصورة واخرى، مناهج العمل الايدلوجي. فهو صنع لها نموذجا اوليا عن البنية التنظيمية، بل ان الاحزاب اللينينية في جميع بقاع العالم مثلت الانعطافة الكبرى في تاريخ الاحزاب السياسية في العالم .
وعندما جاءت الثورة، وجدت الايدلوجيات الفرصة الكبرى للهيمنة على السلطة، بعد ان كان العهد الملكي ينطوي على فرصة لايجاد تحولات ايجابية، لا يسعنا المجال للحديث عنها.
يتبع..ولا تستعجلوا الحكم!

هامش
(1) حنا بطاطو، العراق ج2- مؤسسة الابحاث العربية، بيروت ط2
(2) المصدر ذاته ص143
(3) المصدر ذاته ص84



#عمار_السواد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جميعهم لوث الانسان والتاريخ والقيم!.. الحلقة الاولى
- شروع بالقتل..شبكة الاعلام بانتظار العلاج او الموت
- ارتدادات الاعلام العراقي..عودة وزير الاعلام
- تبعيث الليبرالية.. قراءة في بوادر خطاب ليبرالي مقلق
- شيعة العراق بين ايران وامريكا والعرب.. العودة الى العام 91


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عمار السواد - جميعهم لوث التاريخ والقيم!.. الحلقة الثانية