نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1707 - 2006 / 10 / 18 - 08:16
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ذكر لي أحد الاصدقاء ، انه قدم طلبا لتجديد محله ، وكان سابقا يكتب محلا لبيع التحفيات وباقات الورد ، وحين اعيدت له الاجازة وجد ان كلمة الورد محذوفة ، رغم انه في محله لم يكن يبيع الورد الحقيقي ، فهذه الظاهرة تكاد تنقرض في العراق بسبب المزاج العراقي الجديد المقترن بالمفخخات ومأتم القتل المغدور والتكفيري وانعدام الخدمات واهمها ازليتنا مع الكهرباء ، والعوارض الكونكريتية ومنع التجول واهمال الكثير من اماكن الترفيه وموت بطئ تعانيه مدن الالعاب واغلاق معظم دور السينما فيما المسارح صارت مواسمها لاتتعدى اصابع اليد .
إذن لامكان للورد .
غاب هذا الكائن الرقيق الذي يقرب القلوب بشمة عطر ، وتحمل الوانه معان لاتحصى ، والذي اقترن حتى بهاجس الانتماء ، فالجوري الاحمر يضعه الشيوعيون على صدورهم ، ويقدمه العاشق لعشيقته في فورة الغرام لديه ، فيما الابيض صار لصيقا للسلام والامان وارتهن بحمامة بيكاسو المذبوحة كل يوم على ارصفة مدن الوطن . الاصفر شعار الغيرة ولكنه ساحر بغيرته ، البنفسجي يصنع النرجسية والوردي يصنع الانشراح .
وهكذا صار الورد واحدا من اجمل الفلسفات التي تنظم حياة البشر عندما يشعرون برغبة للتواصل ، والمريض ينسى الكثير من الامه مع باقة الورد المقدمة اليه .
ولكن كم من الباقات يُراد لنا اليوم لنقدمها لجرحى المفخخات في المشافي الكثر ، كم باقة يراد لنا ان نضعها على نعوش العشرات الذين يغادرون يوميا دون ذنب ، كم باقة يراد لنا ان نضعها على قبورهم في زياراتنا المتفاوتة .
ويبدو اننا لن نحصل على هذا الكم لان حتى محلات بيع الورد تكاد تختفي بعدما كان معظمها منتشرا في العاصمة ، محلات في الكرادة والمنصور والجادرية ، وحتى الكاظمية والاعظمية ، في اي محلة من محلات بغداد كان هناك محلا لبيع الورد . اليوم تكاد تلك المحلات تنقرض بسبب عزوف الناس عن شراء الورد وبدلا عن الورد جاءت المشاعر التي لانملك غيرها ممكنا في هذه الايام : البقاء في حياتك ، حمدا للله على سلامتك ، مبروك نجاحك . احبك ايتها الجميلة . نتمى لك الصحة والشفاء العاجل واخيرا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يكاد العراقيون ينسون هذا الكائن الاسطوري الذي شاهدوه مرسوما حتى في الواح حضاراتهم القديمة وكان اهل سومر يعتقدون ان اغصان الورد اطول السلالم التي توصلهم الى السماء . الان احفاد سومر وبابل واشور السلالم التي توصلهم الى السماء ، مواقيت هذا الهم اليومي المتعدد الخصائص والاتجاهات .
غاب الورد ولم نعد نراه سوى في بطاقات البريد وحين يجلس المسؤول ليتحاور في برنامج سياسي عن مستقبل العراق وديمقراطيته الموعودة ، يقول ويوعد ، ولاشيء يتحقق والورد الذي خلفه او امامه شاهد على ذلك .
هل نسي العراقيون الورد ؟
اقول هم لن ولم ينسوه لانهم احد صناع تاريخه وعطرة وغايته فكيف ينسوه . ولكن الامر متأجلا لحين يحلها الحلال !
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟