صلاح الدين محسن
كاتب مصري - كندي
(Salah El Din Mohssein)
الحوار المتمدن-العدد: 7539 - 2023 / 3 / 3 - 07:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من مدونتي 16-2-2023
مؤخراً .. وجدت شرحاً لأوبرا عايدة - باليوتيوب - يثير أحقاد وعداوات تاريخية قديمة جداً . تعود لآلاف السنين ؟ بين مصر واثيوبيا ..!
الشرح بديع , حيث تقوم به مغنية أوبرا مصرية , الجميلة " فرح الديباني " .. ( هامش 1 )
اعادة تمثيل أو حكي تلك القصص فيه - وبدون قصد - خطورة شديدة علي السلام بين البلدين
عزيزي القاريء : اعتبر نفسك اثيوبياً وأنت تسمع قصة أوبرا عايدة . عن ذهاب المصريين قديماً لمحاربة الاثيوبيين وأسر الملك وحمله الي مصر , بعد أسر الأميرة ابنته في غزوة حربية سابقة .. .. !!
هذه القصة ولو انها أوبرا عالمية ، الا ان اعادة طرحها يثير حساسيات تاريخية وثأر للإثيوبيين ضد مصر والمصريين ( يوجد إثيوبيون كثيرون يجيدون العربية ، وتابعت طويلا في الميديا مناقشات غير ودية ، دارت حول سد النهضة . بين مصريين ينقصهم الوعي والدبلوماسية ، وعندهم غوغائية تؤجج من نيران الخلاف و المشكلة ، ويستفزون حماقات وعصبيات ، موجودة عند قادة اثيوبيا وكثيرين من شعبها للانتقام من مصر عن طريق حجز المياه ، وتعنتهم معها في المفاوضات الي درجة الاذلال . وليس سراً ان اثيوبيا. ماضية في بناء سدود أخري ( بتحريض من دولة بل دول معادية لمصر ) لجعل النيل بحيرة اثيوبية ، وحجب الماء عن مصر تماما ، وفِي ذلك أشد انتقام يؤدي لهلاك مصر والمصريين ( ثأر تاريخي + وقلة حكمة سياسية ودبلوماسية , من القيادات , في إدارة الأزمة ) .
عندما احتفل الاثيوبيون بالملء الأول لبحيرة السد .. الاعلام أجري لقاءات مع المواطنين الاثيوبيين المحتفلين , كانوا يعبرون عن فرحتهم ليس فقط بالمشروع والخير الذي سيأتي به , بل الفرحة كانت بالانتصار علي العدو المصري ! الذي يتعالي عليهم ويصفهم بالعبيد .. وهذا مرجعه بعض غوغاء المصريين , وسؤ تعبيراتهم عند مجادلاتهم لاثيوبيين حول انشاء سد النهضة .. والشتائم والبذاءات المتبادلة . التي تشعل حرائق ولا تخلق مودة بين الشعبين .. وقد اضطررت للتدخل أكثر من مرة , لأطلب من المتحاورين الابتعاد عن تلك الطريقة في الحوار, لكي لا نشارك الحكام في سؤ سياساتهم التي تحداث فجوة بين الشعبين
أنا كنت من المؤيدين لضرب السد . بشرط أن تتم الضربة بشكل غير مباشر تماماً فلا يبدو لمصر يد أو اصبع في الضربة .. لتجنب رد الفعل والعناد الانتقامي . بعدما باءت كل جهود التفاوض بالفشل , وقلت ان رئيس اثيوبيا يتكلم أحيانا عن السد والمياه كما شيخ قبيلة ! وليس كرئيس دولة يعلم بوجود قوانين دولية تنظم استغلال المياه لمنع نشوب الحروب بين الدول ... وسجلت رأيي هذا في أحد المناقشات المطروحة بالانترنت لاستطلاع الآراء - بموقع يبدو انه رسمي مصر أو شبه رسمي . ولكنني غيرت رأيي , عندما استمعت لفيديو لأحد المصريين المعارضين بالخارج . وقال فيه ان هناك اصرار اثيوبي علي قطع المياه عن مصر . بالاضافة لبناء سدود وليس سد واحد , ففوق كل ذلك - الأخطر - هناك فكرة لتحويل مجري النيل .. لكي لا يصل لمصر نهائياً .. بتوجيه المياه الفائضة ناحية المحيط , أو لتصب في البحر الأحمر .. ! هنا فهمت أن أصابع مصر تحت أضراس اثيوبيا . ولا يكفي أن تخاف اثيوبيا فقط , من قوة وبطش المصريين .. بل العلاقات الطيبة في مجالات متعددة . مهمة جداً ومطلوبة أكثر من استخدام القوة .
القوة والبطش فقط لو جاءا بنتيجة , فهي مؤقتة . لحين التفنن في أسالبيب العناد والكيد والانتقام
( من ضمن ردود السوقة الغوغاء الاثيوبيين بالانترنت علي أمثالهم من غوغاء وسوقة مصر.. أن قال بعض هؤلاء الاثيوبيون : " سوف نسمم لكم ماء النيل بالقاء السموم فيها , لتصلكم مسمومة " .. .. !! .. !!
انه العناد .. والاصرار علي الانتقام .
هنا فهمت ان حل مشكلة المياه ونهر النيل , تحتاج لدرجة عالية من أدب الدبلوماسية , والسياسة البالغة المودة مع الاثيوبيين والعلاقات المثمرة . تجارياً واقتصادياً وثقافياً وانسانيا . بشكل يغطي علي ضغائن التاريخ وحروبه القديمة العائدة لآلاف السنين . وتكون مصالح ومنافع الاثيوبيين الحالية مع المصريين , حاجزاً وسداً بيننا واياهم وبين ضغائن التاريخ القديم , البالغ القدم .. فتغدو المصالح الهامة والمثمرة الكثيرة بين البلدين كما مصاهرة وزواج - عند أهل الصعيد بجنوب مصر - كتسوية للثأر بينهم - , تغطي علي الثأر التاريخي والضغائن القديمة .
أو كما الأمريكان واليابانيين .. المصالح الكثيرة والعلاقات الهامة بينهما . كما مصاهرة , وضعت سداً بينهم وبين العداوات و العدوانات المفزعة التي جرت بينهم في الحرب العالمية الثانية - اغراق اليابان للأسطول البحري الأمريكي , وضرب الأمريكان مدينتي هيروشيما وانجازاكي بالفنابل الذرية .. ! العلاقات والمصالح بين البلدين الآن هي أكبر من التفكير فيما مضي ..
لا أقصد علاقات منافع ومصالح مع اثيوبيا , كأن يذهب مصريون لنشر تهريجات وهيستيريا فساد بناء الكباري والمحاور ونملأ لهم عاصمتهم بالكباري والمحاور إياها ! , ولا أن نرصف الطرق وبمجرد سقوط بعض الأمطار تتحول تلك الطرق الي حُفَر ! ولا أن نبني صرف صحي بالمدن وبسقوط الأمطار تغمر المياه مداخل البيوت لعدم كفاءة ما تم بناؤه من الصرف الصحي ! ولا أن يطفح الصرف الصحي بالشوارع لمجرد حدوث مطر - كما فضيحة حدثت بمدينة شرم الشيخ - المصرية - وأثناء مؤتمر المناخ العالمي.. في العام الماضي !
ولا أن تتفتق قريحة البعض علي ارسال بعثة مشايخ لنشر عقيدة قاتلوهم واقتلوهم وقطعوا أيديهم و أرجلهم من خلاف - تلك العقيدة السمحاء ! - مما يشكك في حسن النوايا الاقتصادية والسياسية , واعتبارذلك محاولة للتسلل والغزو العقائدي , وجلب الدعشنة .
لا أقصد تعاون وعلاقات مع اثيوبيا من تلك الأنواع , والا فتلك كارثة علي العلاقات المتوعكة أصلاً ..
بل نقصد , مثلاً :
( 1 - بحث المناطق التي تحتاج لاطباء في اثيوبيا . وارسال من يعالجون الفقراء مجانا . علي نفقة مصر
2 - بحث المناطق الفقيرة وانشاء " تِكيّة مصرية" علي غرار ما أنشأته مصر بالسعودية في النصف الأول من القرن الماضي .. عصر أسرة محمد علي . لاطعام المحتاجين الفقراء من أبناء السعودية - قبل ظهور النفط - .
3 - بحث اقامة مشاريع انتاجية مشتركية - مصرية اثيوبية - في مختلف المجالات الزراعية والصناعية .. و .. الخ . بما يفيد الشعبين والدولتين ) .
( قرأت من قبل , ان احدي دول أوروبا كانت , قديماً .. تحتل دولة أوربية أخري ... ولكن الطرفين الآن .. عندما يتكلمون في كتب التاريخ عن تلك الحقبة يقولون انه كان اتحاد بين الدولتين .. ويتجنبوا القول بانه كان احتلال واستعمار بعد حرب , جري فيها قتل وجرح وأسر ونهب وسلب وحرق .. منعاً لشحن النفوس - بطريقة لا شعورية - بالضغينة والرغبة التلقائية - الكامنة في اللاشعور - في الثأر , اذا ما جاء وقت مناسب لذلك .. - خاصة وأن الاحتلال كان مجرد حقبة وانتهت , دون قيام دولة الاستعمار بمحو هوية الدولة التي كانت واقعة تحت سطوتها . ودون فرض عقيدتها وبالسيف , علي الشعب الذي كان خاضعاً - . ) .
------
امتزاج دماء وصفات بين الشعبين , الاثيوبي والمصري .. :
كثيراً ما أري اثيوبيين فأظنهم مصريين ! فالملامح ودرجة السواد مختلفة عن ملامح وعن نوع سواد بشرة عموم الأفارقة .. انهم يحملون ملامح رمسيس الثاني , و تحتموس الثالث .. وهي ملامح موجودة بمصر للآن .. وأتذكر انني في السنوات الأولي من وصولي كندا .. فوجئت بسيدة طويلة سمراء , تلبس ملابساً ريفية مصرية .. ولون سمرة بشرتها مصرية ! أنا عشت بالريف المصري شمالاً وجنوباً وأعرف طول وقوام وبشرة المرأة المصرية الأصيلة . حفيدة حتشبسوت ومريت أمون .. وأعرف الملابس الريفية المصرية
سألتها بالانجليزية هل هي مصرية , فقالت بل اثيوبية .. !
وفي احتفالات شعب اثيوبيا بالملء الأول لسد النهضة ( كانت تغطيه قناة فضائية ناطقة بالعربية ). أغلب النساء الاثيوبيات المشاركات في الاحتفالات - اللائي شاهدتهن - كأنهن مصريات .. و الرجال نفس الشيء
بالتأكيد توجد دماء مصرية اثيوبية قد امتزجت بالتزاوج منذ البعثات التجارية التي أرسلتها الملكة حتشبسوت الي بلاد بونت - الصومال واثيوبيا .. ومنذ كانت الكنيسة المسيحية الاثيوبية تتبع الكنيسة المصرية القبطية الارثوذكسية .. مصريون ذهبوا لاثيوبيا فأحبوها واستقروا وتزوجوا وعاشوا وأنجبوا .. و اثيوبيون جاءوا لمصر وتزوجوا منها وعادوا بزوجاتهم وبأولاد وبنات يحملون الصفات المصرية . وبالمقابل في مصر مصريون يحملون الصفات الاثيوبية والصومالية . أي توجد أواصر انسانية انثروبولوجية وعقيدية تربط بين الشعبين , جدير بأن نهتم بها ونركز عليها , دون اثارة الضغائن التاريخية السلبية البالغة القدم والتي تسبب اشعال نيران الكراهية , والرغبة في الثأر ...
-----
هامش :
فرح الديباني - مغنية الأوبرا - تحكي قصة "أوبرا عايدة" Save with Stories بالعربي :
https://www.facebook.com/watch/?v=2815544425359836
____
من مدونتي :
https://salah48freedom.blogspot.com/
#صلاح_الدين_محسن (هاشتاغ)
Salah_El_Din_Mohssein#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟