|
سانت ليغو والفخ الأوكراني
نجاح محمد علي
سياسي مستقل كاتب وباحث متخصص بالشؤون الايرانية والإقليمية والارهاب وحركات التحرر
(Najah Mohammed Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 7536 - 2023 / 2 / 28 - 22:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي ، صادق البرلمان العراقي على حكومة جديدة كاملة الصلاحيات تعهدت بإجراء إصلاحات سياسية. من بين أولوياتها تعديل قانون الانتخابات الجدلي.
هذه لن تكون هي المرة الأولى التي يحاول فيها العراق إصلاح نظامه الانتخابي الذي اعتمد في البداية على نظام التمثيل النسبي وحصول كل حزب على عدد من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات ، وكلما كانت التناسبية أكبر كلما كان ذلك أقرب إلى مبدأ العدالة الانتخابية، والعكس بالعكس، وهناك العديد من طرق توزيع المقاعد ضمن نظام التمثيل النسبي، منها (هوندت، سانت ليغو، سانت ليغو المعدلة).
كان إصلاح النظام الانتخابي سمة ثابتة في العراق منذ أول انتخابات جرت في العام 2005. ومع ذلك ، كان لهذه التطورات تأثير ضئيل على كيفية تشكيل الحكومات. أوجد عدم الاستقرار الذي تسبب به الاحتلال في ايجاد زعزعة الثقة في أن تفضي الانتخابات الى تغيير حقيقي - فغالبًا ما استغلت القوى المتآمرة التي تحلم بعودة النظام السابق، تلك الإحباطات لإثارة الاضطرابات التي مورست فيها أعمال عنف من قبل طرف ثالث لضرب العملية السياسية برمتها والانقلاب عليها على غرار ما حصل في أوكرانيا 2014 .
بعد كل انتخابات برلمانية منذ العام 2005 باستثناء واحدة ، قامت القوى السياسية باصلاح القوانين الانتخابية. على الرغم من إدخال نظام انتخابي جديد بعد مظاهرات عام 2019 ، لا يزال تشكيل الحكومة بعيد المنال من دون التوافق وتشكيل كتلة برلمانية أكثر عدداً، تركز على توزيع المناصب العليا ، و الوزارات "السيادية" و الوزارات الأخرى، على أعضاء التحالف بين القوى السياسية - وليس بالضرورة أولئك الذين فازوا بأكبر عدد من الأصوات .
وبسبب الانسداد السياسي والتوترات التي سببتها الصيغة الماضية المعدلة بعد مظاهرات تشرين 2019/ ، برزت الحاجة الى معالجة قانون الانتخابات الحالي والعودة الى نظام سانت ليغو الذي اعتمدته الدول الاسكندنافية المستقرة ، خصوصًا بعد تجربة صعود "مستقلين" لم ينجحوا (طوعاً أو كرهاً) في فض الاشتباك بين القوى السياسية الكبرى وتحديداً الإطار التنسيقي والتيار الصدري ، وبالتالي ارباك العملية السياسية.
و إذا أريد لهذه الطريقة الأخيرة (سانت ليغو) أن تنجح ، ينبغي تعلم الدروس من التجارب السابقة لتعديل القانون الانتخابي ، و أيضًا من الأمثلة الإيجابية لإصلاح النظام الانتخابي في البلدان الأخرى.
عندما أجريت الانتخابات المبكرة السابقة في تشرين أول(اكتوبر) 2021 ، أعرض عامة الشعب عن المشاركة . هناك يأس حقيقي من القوى السياسية كلها . بُذلت بعض المحاولات لتحقيق مشاركة نوعية حث عليها بيان نادر للمرجعية الدينية العليا سبق تلك الانتخابات ، لايجاد تغيير مطلوب يسحب البساط من تحت أرجل متآمري الداخل والخارج ، لكن تلك الانتخابات كانت غير نزيهة ، وتم التلاعب بالنتائج ما أدى الى فتنة الخضراء الدامية . بشكل عام جرت محاولات جدية لشق المجتمع وتدمير البيت الشيعي من الداخل، ولم يتم بناء زخم لايجاد اهتمام شعبي عام حول العملية الانتخابية. و إذا كانت التعديلات الجديدة ستنجح ، فيجب تضمين نطاق أوسع بكثير من الأصوات لمساعدة الفائزين على تحديد الترتيب الحقيقي للأولويات ، بدلاً من مجرد التركيز على نفس القضايا التي كانت تستهلكهم في الماضي. ويمكن أن يحدث من خلال عدد من الوسائل ، بما في ذلك تشجيع العراقيين على التعبير عن أولوياتهم بشكل جماعي وليس الاكتفاء بالأحزاب التقليدية الكبرى ومنها بالطبع التيار الصدري رغم انسحاب زعيمه السيد مقتدى الصدر عن العملية السياسية حتى الآن ، ليساعد ذلك في تشكيل حكومة قوية خارج سياق لعبة الحصص.
في هذا الواقع ، يمكن للحكومة المنتخبة بعد انتخابات نزيهة وفق نظام انتخابي عادل ، أن تحذو حذو البلدان الاسكندنافية المستقرة في تشجيع عامة السكان للتعبير عن أولوياتهم عبر ممثليهم في الكتل والأحزاب القوية الكبيرة . نعم، يمكن لنظام انتخابي عادل ، تحفيز المواطنين للمشاركة النوعية الأوسع إذا نجحت السلطات المعنية في قيادة حملة ناجحة لتوليد الاهتمام بالعملية ، ولإيجاد شعور عام بأن النظام الانتخابي يمكن أن يحدث تغييرًا حقيقيًا في البلاد. هذا بالضبط ما كانت تحث عليه المرجعية الدينية. إذا تم إطلاق مثل هذا النظام الانتخابي العادل ، فيجب أن يكون مشروطاً بوجود مفوضية كفوءة على نطاق واسع وأن تكون مستقلة بالفعل عن الجماعات السياسية الرئيسية ، من أجل الحفاظ على مصداقيتها.
لا يمكن أن تقتصر المشاركة في الانتخابات المقبلة على الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص على المستوى الأفقي. يتعلق الأمر أيضًا بإعطاء العملية مزيدًا من العمق ، من خلال تزويد المجموعات المتخصصة بسلطة اتخاذ القرار حول كيفية إدارة الماكينة الانتخابية .
لطالما كان أحد العيوب الرئيسية في العراق بعد انتخابات عام 2005 هو أن جهود الإصلاح تهيمن عليها دائرة صغيرة متورطة في الفساد من داخل الطبقة السياسية ، وأن أي مدخلات من خارج تلك الدائرة الصغيرة غالبًا ما يتم تجاهلها. وقد ساهم هذا الأسلوب في العمل في حدوث نقاط ضعف كبيرة في صنع السياسات ، وهو اتجاه يجب قلبه من خلال نظام عادل يسمح للآخرين بممارسة تأثير حقيقي على العملية.
أخيرًا ، وبنفس الأهمية ، يجب تنظيم عملية الانتخابات نفسها بشكل مختلف عن المحاولات السابقة. بدأت عملية الإصلاح المزعوم عام 2019 ، على أساس خاطئ. كانت النتيجة ، انسداد سياسي وفوضى أمنية وفتنة داخلية رافقها عنف وموت ودماء. وأسهمت طريقة العمل تلك في الشعور بأنه لن يتم تحقيق أي شيء ، مما أدى في حد ذاته إلى زيادة الهوة بين الشعب والعملية السياسية لتسهيل التخلي عن العملية تمامًا في نهاية المطاف.
لهذا السبب ، هذه المرة ،فإن تعديل النظام الانتخابي {و الدستور أيضًا في وقت لاحق}، سبقتها المفاوضاتُ كمناقشة بين الأطراف المختلفة حول ماهية مصالح الشعب العراقي. لا يمكن استكشاف أرضية مشتركة للتوصل إلى اتفاق محتمل إلا بعد أن يفهم كل طرف أن مصالحه في مصالح الطرف الآخر . صياغة الأحكام الفردية يمكن أن تأتي بعد تحقيق ذلك. لقد شهد العراق عام 2019 أكبر خديعة في تأريخ البلاد . كان ينبغي لمطالب المتظاهرين أن تثير الزخم السياسي لإصلاح العلاقة بين المواطن والدولة ، وتعميق حماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ، وإحداث ثورة في إطار مكافحة الفساد ، لكن ما حصل كان بالضبط مثلما جرى في أوكرانيا ، إذْ نتج عن الإطاحة الأمريكية الناجحة في فبراير 2014 واستبدال حكومة أوكرانيا المحايدة المنتخبة ديمقراطيًا ، صراعٌ مع روسيا بات يهدد بحرب نووية تنتهي بالعالم قريبًا إذا اندلعت الحرب العالمية الثالثة. إن إنهاء الحكومة الأوكرانية الديموقراطية القائمة آنذاك ، لم يكن أصليًا لأن "الثورة" كما زعمت الحكومة الأمريكية ، لم تكن - كما يقول المؤرخ والصحافي الاستقصائي الأمريكي أريك زويس- ديمقراطية على الإطلاق، ولكنها كانت انقلابًا (وانقلابًا دمويًا للغاية في ذلك الوقت ) ، وغير قانوني تمامًا، على الرغم من دعمه من قبل الغرب.
#نجاح_محمد_علي (هاشتاغ)
Najah_Mohammed_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كل شيء حي تطأه أقدام الأمريكان ، يحتضر
-
تحشيد دعائي ضد ايران قد يؤدي إلى أزمة طاقة كارثية
-
يجب على إدارة بايدن أن لا تغلق آذانها
-
مع السوداني ينزل الدولار..!
-
ازمة الدولار واستدارة الإطار ..!
-
هل تقف (إسرائيل) وراء هجوم بمسيرات على منشأة عسكرية إيرانية؟
-
لكي لا تطلقوا الرصاص على أقدامكم ..!
-
حذاري من فخ التعايش مع القوات الأمريكية في العراق
-
شارلي إيبدو : مستنقع للفوضى غرقت به فرنسا…
-
إيران والولايات المتحدة :إعادة ضبط إقليمي..!
-
مثل تايتانك ، غرقت جميعها..!
-
إعدامات واعتراضات ..!
-
العراق في قلب -الحزام والطريق-.. أفعال لا أقوال
-
أميركا التي لعبت مع إيران..!
-
من شنغهاي إلى البريكس
-
إيران تنقل محادثات فيينا إلى قطر
-
رسائل أمريكا الخاطئة
-
في العراق : الدخول ليس كالخروج..
-
لكن مقتدى لن يرحل..
-
الحرب العبثية والسلام المطلوب ..
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|