هيثم قنديل
الحوار المتمدن-العدد: 1706 - 2006 / 10 / 17 - 10:04
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
في مقال نشر على موقع الحوار المتمدن، حاولت حركة اليسار الديموقراطي في لبنان النأي بنفسها عن مواقف بعض قوى 14 شباط فيما تبنته بشأن الهجوم الإسرائيلي على لبنان والذي حمل في طياته بعضاَ من الرواية الإسرائيلية الأميركية.
ملاحظة اولى: قد يحدث أن تختلف أحزاب تحالف ما فيما بينها إزاء بعض الطروحات الجانبية، إلا أن السمة الأغلب هي وجود حد أدنى من التوافق على الخطوط العريضة التي قد تؤسس لهكذا تحالف. من هنا سؤال منطقي يطرح نفسه: أين يقع الصراع مع إسرائيل في سلم أولويات حركةاليسار الديموقراطي؟ وكيف يقييم موقف شركائه في التحالف من هذا الصراع؟ سيما وأن طرفاً أساسياً في هذا التحالف كانت له علاقات مع العدو الإسرائيلي، لا بل إنه تشارك مع هذا العدو في الأهداف وقام نيابة عنه بما لم يكن شارون نفسه مستعداً أخلاقياً للقيام به وأعني بطبيعة الحال مجازر صبرا وشاتيلا.
الملاحظة الثانية: لم يتحدد للمتابع موقف حركة اليسار الديموقراطي من الولايات المتحدة الأميركية وجدلية العلاقة معها رغم مرور قرابة العامين على قيام هذه الحركة. فاليسار بالمبدأ يعتبر هذه الدولة كياناً إمبريالياً هدف تحركاته تفتيت هذه المنطقة الى دويلات على مبدأ فرق تسد للإستحواذ على خيراتها والتي تشكل وقوداً للتوسع والهيمنة على العالم بكل ما في الكلمة من معنى زد على ذلك العلاقة العضوية بين هذه الدولة وإسرائيل والأستنتاج هو لأحد المفكرين الأوروبيين حين قال إن ما تصرفه الولايات المتحدة الأميركية على الدولة العبرية سنوياً قد لا يصل الى ما قد تضطر لصرفه فيما لو أرادت القيام بنفسها بذات المهمة، وهذا ما يفسر سعيها الدائم الى إنقاذ الإقتصاد الإسرائيلي من الإنهيار.
سؤال ٌ آخر يتبادر الى الأذهان الا وهو: ما مدى العلاقة بين الإدارة الأميركية والتحالف الذي ينتمي اليه اليسار الديموقراطي؟ فأرتباط بعض مكونات هذا التحالف مع الإدارة الأميركية وسفيرها في لبنان واضح للعيان، وإلتحاقهم بركب الشرق أوسط الجديد أوضح. كيف يرى نفسه من كل ذلك اليسار الديموقراطي؟ هل هناك فعلاً من يعتقد أن الحوار مع الإدارة الأميركية قد يفضي الى نتيجة تغيّْر فيها الولايات المتحدة نظرتها لقضايانا؟
إمعان الولايات المتحدة في رفض وقف إطلاق النار خلال الحرب على لبنان حتى لو كان الثمن تدمير كل البلد، هو خير دليل على النتائج المتأتية عن هذا الحوار. اما الدليل الآخر هو ما أُعلن عن أنشائه مؤخراً والمسمى بحلف المعتدلين. على ما يبدو المهمة المعدة له هي تقليص هامش الممانعة للسياسة الأميركية في المنطقة وبالتالي إضعاف كل القوى المقاومة لمشروع الشرق أوسط الكبيرـ ربما كبير بعدد دويلاته.
ملاحظة ثالثة: الموقف من فلسطين ـ في مقال آخر إنبرى احد أقطاب اليسار الديموقراطي يحلل ما آلت اليه الأنتخابات الفلسطينية من نتائج مخّطئاً هنا ومصّوباً هناك للصوت الإنتخابي. كلنا كيسار كان يتمنى لو أن اليسار الفلسطيني تمكن من تحقيق إختراقٍ ما أمام إستئثار حركتي فتح وحماس بالقوائم الأنتخابية. اما أن نصل الى إنتقاد توجهات الناخب فهذه سابقة ينفرد في تقديمها اليسار الديموقراطي ولا يسعنا الا أن نذكره أن التحليل السياسي يقتضي معرفةً عميقةً للواقع السياسي والإجتماعي المنوي تحليله وينبغي الأخذ بعين الإعتبار الظروف الميدانية التي تحتم على المواطن الفلسطيني الكفاح اليومي من أجل أبسط متطلبات الحياة. فالأنتخابات لم تكن حالة قائمة بحد ذاتها، بل أن النتائج التي تمخضت عنها كانت مؤشراً على حالة الإفلاس السياسي الذي كان قد وصل اليه رجال السلطة. فتأكيدهم على مرجعية أوسلو ما هو الا هروباً الى الأمام ودفاعاً عما وقعوا عليه في وقت أثبتت الوقائع ان الطرف الآخر الموقع أي العدو الإسرائيلي فعل ذلك من أجل كسب المزيد من الوقت.
كلما مرت محنة على الشعب الفليسطيني صنفت على أنها الأشد، دخل هذا الشعب محنةً أشد وطأة عليه من سابقاتها.
ما تعودنا عليه هو تقاطع للمصالح والمواقف بين إسرائيل والإدارات الأميركية المتعاقبة. تعودنا أيضاً على تغاضي للأنظمة العربية في نوعٍ من التواطؤ على القضية الفلسطينية. أما أن يتحول هذا التغاضي الى موقفٍ ضاغط ولاعبٍ فاعل في دفن القضية الفلسطينية فهذا ما لم نعهده من قبل. وقوف العديد من قوى اليسار على الحياد مما يجري ومنها حركة اليسار الديموقراطي إنعطاف غير مبرر وكأن القضية الفلسطينية لم تعد القضية الأساس في سلم نضالات هذا اليسار.
ملاحظة رابعة: خرج بعض زعماء هذه الحركة من عباءة الحزب الشيوعي اللبناني ومع ذلك يكاد يغيب الهم الأجتماعي بشكل لافت عن أدبيات هذه الحركة ويكاد يتلاشى صراع الطبقات فيها. كما أن هناك تغييبٌ كاملٌ لمنهج التحليل الماركسي لربما في هذا إحراجاً لهم أمام حلفاءهم في قوى 14 شباط.
لم يسمع أحد أن حكومة هذه الأغلبية نجحت في تقليص الهوة بين فئات المجتمع في لبنان. كيف لها ذلك وأقطاب هذا التحالف جلهم من أبناء البكاوات ورثة النظام الإقطاعي في لبنان منذ ما قبل الإستقلال.
كلمة أخيرة وللتذكير فقط: عندما أعلن كلاً من الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي إنطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في أيلول 1982 أتهمهم منظري نظام أمين الجميل، الموقع على إتفاقية 17 أيار مع إسرائيل لاحقاً ، بالتهور فكان للشهيد مهدي عامل ومن على صفحات جريدة النداء الرد المناسب. فهل من مبادرٍ هذه المرة أيضاً؟
#هيثم_قنديل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟