|
أضيئوا بالحبِّ قلوبَكم
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 7527 - 2023 / 2 / 19 - 12:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مرَّ "عيدُ الحبِّ" على قلوبنا متزامنًا مع طقسٍ قارسِ البرودة، لعلّنا نتذكّر أن المحبةَ هي المنحةُ الربانية التي وهبنا اللهُ القدرةَ عليها لكي نحيا. فالحبُّ صُنوُ الحياة وخصيمُ العدم. لولاه ما استطعنا مواصلةَ الحياة بكل مشاقّها وعسرها. الحبُّ يُضاعِف لحظات الفرح، ويُقلِّصُ أوقات الوجع. وحدهم العارفون يعرفون أن الحبَّ هو المِظلّةُ الإنسانيةُ الشاسعة التي أرخاها اللهُ على البشرية حتى تحمي الكونَ من المحن والنوازل. لولا الحبّ ما أنقذ إنسانٌ إنسانًا وقع في بئرٍ أو سقطت عليه بنايةٌ في زلزال. لولا الحبّ ما طبّبَ طبيبٌ مرضاه، ولا ساعد غنيٌّ فقيرًا، ولا سهرتْ أمٍّ على أبنائها حتى يكسروا شرنقة الطفولة ويحلّقوا في رحاب الصبا والشباب. قبل عشر سنوات حضرتُ مهرجانًا عنوانه "حَبّة حُب". كنّا في زمن الإخوان التعس الحاشد بالبغضة والفُرقة والشتات، خُيّل لي أننا "نشحذُ" الحبَّ ونتسوّله. “حبّة حُبٍّ.. لله"، على نهج: "حبّة سكر... لله!” كأنها دعوةٌ لأن "نحبّ اللهَ أكثر"، لكي "نحبَّ البشر أكثر”. فلا شكَّ عندي أن عزوفنا عن حبّ بعضنا البعض، وعدم اهتمامنا بمساعدة المحتاجين، يشيرُ بإصبع حزين وواثق، إلى عزوفنا عن حبّ الله جلّ وتعالى، ويُشيرُ كذلك إلى حاجتنا إلى تقديم أوراق اعتماد إيمانية جديدة تنقذنا من الهلاك. فلو أحببنا اللهَ، أحببنا جميع خلق الله، وما بات جائعٌ جائعًا، ولا حزينٌ جنَّ عليه الليلُ وهو حزين. أُقيم مهرجان: "حبّة حب" في ساحة مدرسة "دي لاسال" بالظاهر، وكانت سيمفونية خيرية حاشدة بالجمال والحب، اجتمع فيها أهل مصر للتبرع لصالح عمليتي "قلب مفتوح" لطفلين مريضين، مسلم ومسيحيّ، يجريهما "ملك القلوب" السير "مجدي يعقوب”. لهذا يقولُ، مَن أسميتُ ابني على اسمِه: "عُمر ابن الفارض"، عميدُ شعراء المتصوفة، أو "سلطانُ العاشقين، إمامُ المُحبّين"، كما يُطلق عليه العارفون: "أضيئوا بالحُبِّ قُلوبَكم/ ْإنَّ القلوبَ حين تُحبُّ تُضاءُ/ وقولوا لمن تُـحبّون سَلامًا/ فقولُ المُحبِّ للمُحبِّ شفاءُ/ الناسُ موتى في هجرهم/ وأهلُ المحبّة في حُبّهم أحياءُ.” وصدقَ السلطانُ "عمر"، فالحبُّ نورٌ ربّاني سماويّ يضيئ القلوبَ ويُعمّرها بالسلام والفرح. فلا تجعلوه يومًا واحدًا في العام ١٤ فبراير، ولا تقصروه على حبّ "آدم وحواء"، بل اسبلوه على أيام السنة جميعها، وأفردوا مظلته على جميع الناس، دون تمييز. دعونا لا نسمح بأن يزورنا "عيد الحب" وقلوبنا شاغرة من الحب. لا تتركوه يحلَّ ويمضي قبل أن نُشعل الشمعةَ التي تكاد تذوي ويخبو وهجُها. فقلوبنا خُلقت فقط لكي تخفق بالحب، فلا تُميتوها بالركون والركود واللامبالاة. أحبّوا جميع الناس دون استثناء، ودون شرط، ودون مصلحة، ودون حتى انتظار مقابلة الحب بمثله. أحبوا حتى أعداءكم، يصفو لكم وجه الحياة وتبتسم الدنيا في وجوهكم. فالحبُّ في ذاته"غاية"، لا "وسيلة” للوصول إلى شيء ما أحبّوا تصحّوا. وأما عن اختيار ١٤ فبراير عيدًا الحب، أو ما نُطلق عليه "فالنتين" فتعددت الرواياتُ. منها أن ذلك اليوم، منتصف شهر فبراير ذي الثمانية وعشرين يومًا، هو بداية فصل الربيع عند قَدامى الرومان. حيث مهرجانُ الخصب والنقاء. يكنسون فيه البيوتَ وينثرون بأركانها القمحَ والمِلحَ. ثم يذهبُ الكهنةُ إلى الكهف المقدس، حيث كان الطفلان: روميلوس وريميس؛ مؤسِسا الدولة الرومانية، يعيشان تحت رعاية "أنثى ذئب”. يذبحون القرابين: عنزةً، رمزًا "للخصوبة"، وكلبًا، رمزًا "للنقاء والوفاء”. ثم يُقطّعون جلدَ العنزة شرائحَ صغيرةً يغمسونها في الدم، يجوبُ بها الأولادُ الطرقاتِ ليمسحوا وجوهَ النساء، والحقول؛ فيعمُّ الخصبُ: إنجابًا، ومحاصيلَ. وعند المساء، تُلقي الفتياتُ أسماءهن في جَرّة، ليأتي شبابُ الرومان يلتقطُ كلٌّ ورقةً، فيتزوجُ صاحبتَها. كان هذا قبل الميلاد. أما الروايات الأحدث فتقول إن قدّيسًا اسمه "فالنتين" Valentine عاش في عهد الإمبراطور "كلاوديس"، الذي جَرّم الزواجَ؛ إيمانًا بأن الزواجَ يُضعفُ لياقة الجُنْد القتالية. لكن القديسَ الطيبَ رأى ذلك القانونَ مُجحفًا وغيرَ شرعيّ، فراح، متحدّيًّا الإمبراطور، يزوّجُ العاشقين في كنيسته سِرًّا. ولما اِكتُشفَ أمرُه أُعدم في منتصف فبراير. فصارَ أيقونةً للمحبّين. ومن بين الروايات كذلك أنه في العصر الوسيط آمنتْ إنجلترا وفرنسا أن منتصف فبراير هو بداية موسم تزاوج الطيور، ولذا غدا سِمةً للرومانسية، يتبادلُ فيه العشاقُ والأصدقاء بطاقاتِ التهنئة والهدايا. وترقدُ لليوم، في مكتبة لندن، أقدمُ تهنئة في التاريخ، من "تشارلز"، دوق أورليانز، لزوجته حين كان سجينا في برج لندن في القرن ال ١٥. وتقول الإحصاءاتُ إن عيد الفالنتين هو ثاني أكبر عيد عالميًّا تُتبادل فيه التهاني. إذْ في أمريكا وحدها يُوزَّعُ بليون كارت في هذا اليوم. تحملُ الكروتُ قلوبًا حمراءَ وورودًا، وصورةَ كيوبيد، حاملا قوسَه وسهامَه. يقول رالف إميرسون في كتابه "الجمالُ مُفعِّلُ الحياة": "الحبُّ يُعلي من طاقة الموهبة، وبه نتغلبُ على العثرات." أحبِّوا، تَصِحّوا.
***
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أخبرني الخيميائي … عن الماكياج
-
المتواضعُ العظيم … السنبلةُ الثقيلة
-
إقبال بركة … الجميلةُ التي أقبلت
-
بقلم: البروفيسور أحمد عكاشة
-
كيف تقتلُ الأدبَ؟
-
معرض الكتاب … على اسم مصر .. وذكرياتي
-
سلاح التلميذ ... وكتابي الجديد
-
سؤالٌ مُفخَّخ … في امتحان!
-
مع عمر… أعيشُ طفولتي!
-
مَحو الأميّة المصرية في الجمهورية الجديدة
-
كلّنا واحد
-
نوال مصطفى… وسامُ الإنسانية من البحرين
-
حبيبتي 2022… رغم عذاباتكِ... أشكرك!
-
معلّمو الرهافة … المتوحّدون
-
إيه فيه أمل! عن الطفل شنودة
-
حينما الموسيقى … صوتُ السماء!
-
دولةُ الأوبرا تحتضنُ مليكتَها
-
اتهامات مفيد فوزي ... وهداياه
-
ذوو الهِمَم … أبناءُ الحياة
-
ياسين بيشوي … والأخلاقُ في اليابان
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|