حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 7527 - 2023 / 2 / 19 - 10:06
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
كان المفكر الفلسطيني الراحل هشام شرابي محقاً في قوله، قبل عقود من الآن، إن المجتمع العربي مجتمع شاب، بل إنه من أصغر مجتمعات العالم، انطلاقاً من أن نسبة من لم يبلغوا سن العشرين بلغت، حسب تقديرات شرابي يومها، نحو ستين في المئة، لكنه ربما كان متفائلاً أكثر مما ينبغي حين توقع أن عدد المدارس والطلاب الذي شهد ارتفاعاً كبيراً بعد الحرب العالمية الثانية سيواصل الصعود وبصورة متزايدة خلال العقود التالية لقوله هذا.
وهذا القول أتى في سياق جزء من كتابه «مقدّمات لدراسة المجتمع العربي»، الذي صدرت طبعته الأولى في العام 1975، حيث ناقش في هذا الجزء دور المثقفين العرب والمستقبل، منطلقاً من أن ازدياد عدد المدارس والجامعات وعدد من سيتعلمون فيها سيؤدي إلى زيادة شريحة المثقفين، ليتحولوا من مجرد نخبة محدودة العدد في بداياتها، «فكلما ارتفع عدد المتعلمين ارتفع عدد المثقفين وكبر حجم جمهورهم وقويت فاعليتهم في مختلف المجالات».
وبناء على هذا الاستنتاج الذي بدا في حينه منطقياً، فإن من دعاها شرابي ب «الفئة الملتزمة» من مثقفي الجيل الصاعد ستكون أكبر عدداً وأوسع أثراً مقارنة بما كانت عليه قبل ذلك، كما توقع أن فئات الكتاب والأكاديميين والمهنيين ستصبح أكثر استقلالاً، وبالتالي أكثر تأثيراً في حياة المجتمع من نظرائها من الأجيال الأسبق.
لكي نجيب بدقة عن سؤالنا عما إذا كان تفاؤل هشام شرابي في محله، نحتاج إلى تقصٍ إحصائي، لنثبت بالأرقام أن عدد المدارس في العالم العربي هو إلى ازدياد، وبالتالي فإن عدد من يتخرجون فيها، هو الآخر في ازدياد، حكماً من كوننا المجتمع الأصغر سناً في أعمار أفراده قياساً إلى سوانا كما قال الكاتب. ولكن الإحصاءات هذه ليست بين أيدينا في هذه اللحظة، وهي على الأرجح متوفرة، وعلى الأرجح أيضاً ستعطي مؤشرات سلبية، على خلاف توقعات شرابي.
أعداد السكان في العالم العربي تتضاعف، ولكن لا تتوفر البنية التحتية الكافية لتغطية احتياجات هذه الزيادة من تعليم ورعاية صحية وفرص للتأهيل المهني، ما يجعل نظام التعليم عاجزاً عن بلوغ الهدف المعوّل عليه، إضافة إلى أن مسلسل الحروب والنزاعات الأهلية في بلدان عربية مفصلية، بعضها معروف بريادته التعليمية والثقافية كالعراق وسوريا وسواهما، جعل أعداداً مهولة من الأجيال الجديدة إما بدون تعليم كلياً، أو بتعليم لا يفي بالشروط الحديثة لإنتاج المخرجات المنشودة، وبالتالي فإن ما تتسع هي مساحة الجهل لا مساحة الثقافة المنتجة.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟