مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري
(Moemen Samir)
الحوار المتمدن-العدد: 7525 - 2023 / 2 / 17 - 20:51
المحور:
الادب والفن
بالأمسِ، و في حكاية جدتي، كنتُ غجرياً وكانت حياتي أجمل.. أطيرُ في أصغر علبةٍ على أبعد رفٍّ في الدكان المهجورِ، ببهجةٍ تلمسُ الملاك في عمقهِ، وأحدِّقُ في عيون الشتاء فيتناسل المطر ويرفعني الفلاحون على الأعناق.. كان عملي وسِرِّي الذي خلقه الله على مقاسي هو الموت، أداعبه وألعب معه وأهذب غضبه وأقص أظافره ثم أدورُ في الغابات و الصحاري و البحار لجسِّ كبريائهِ.. آخذ نَفَسَاً عميقاً و أفتحُ عينيَّ لألتهم الرقعة المرشوشة بالأحجار وكلما عوى الذئب وبان القمر في كَفِّ الحسناء، أُبصرُ ما لا يبصرون: كيف أن الفتى الذي حارب شياطين القرى وامتص عزيمتهم سيُمسي قتيلاً بعد حفرتيْن، واحدة هي روحه الظمآنة للجدِّ المهيب والثانية هي قلبه المردوم في ضحكة ابن العم.. أشوف مأتمه وصراخ أمه و أترك نظراتي تصعدُ ببطءٍ لأقتنص نور عينيها الذي أخذ في التلاشي.. الموت اليوم غضبانٌ لكنه للحق لم يكن من قبل يبخل عليَّ بأيام خفته وسروره، ليس هذا فقط بل سأجازف وأقول إنني علمتُ كيفَ يمسي جباناً وضعيفاً.. أذكرُ مثلاً رجفة الوردة في عروة أمير صغير وكيف نسى الموتُ دموعه في الطريق إلى المذبحة فغرق الأنبياء واللصوص.. ويوم كان الصيادُ يعلو ويعلو فوق الأمواج ويقترب من عَيْن الشمس، خاف الموتُ و ارتعد.. قال هذا رجلٌ حياته مرت ببساطة من دون هيْبتي وعَظَمتي.. كان يتحدث وهو غائمٌ و قلبه لا يرى إلا ظلاً عظيماً أكبر من الدنيا وما فيها، يستحق أن يحل محله ويصير هو المَلِك.. ملك الماضي و الحاضر والشجر و الذكريات.. نحن الغجر المبدعون ولتحيا دوماً ألعابنا التي تكشف المخبوء وتعيد الخلق.. سأعجنُ الآن سُمَّاً وأفردهُ على ظهر غَيْمةٍ كانت تمرُّ بالصدفة كي يصفو ويجري على لسان هذا العجوز بالحكمة والنور.. سأقلِبُ كل شيءٍ لأعيد كل شيءٍ لكن لا مفر من الاعتراف أنني أرتبك أحياناً وأعجزُ كثيراً، عن أن أجبرَ جدتي على مجرد دقائق أخرى أقفُ فيها وأعدو.. في حكايةٍ ربما تكون هي الحياة..
#مؤمن_سمير (هاشتاغ)
Moemen_Samir#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟