مسعد عربيد
الحوار المتمدن-العدد: 1706 - 2006 / 10 / 17 - 10:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ماذا تبقى من تشى غيفارا؟
الغيفارية في حقبة العولمة
(الجزء الرابع والأخير)
مسعد عربيد
"تشى، رمز العالم لامكانيات رجل واحد"
فرانز فانون
(8)
راهنية تشى غيفارا في الحالة العربية
مقاربة الحالة العربية وأميركا اللاتينية
إنطلق تشى غيفارا في رؤيته الثورية في منتصف القرن العشرين من واقع اميركا اللاتينية. وتحقق في تجربته من أن سمات الواقع والثورة في بلدان العالم الثالث (آسيا وأفريقيا واميركا اللاتينية) هي سمات مشتركة بالرغم من الخصوصيات التي قد تتميز بها كل حالة. وعلى أساس هذا الفهم أطلق صيحته في ثورةٍ عالمثالثية tri-continental وأممية.
فيما يلى بعضاً من الملامح العامة للمقاربة بين الحالة العربية وحالة العديد من بلدان أميركا اللاتينية:
1) السمات الرئيسية للصراع: مرحلته وطبيعة تناقضاته (الرئيسية والثانوية) وأطرافه (معسكر الاصدقاء والاعداء)، التشكيلة الاجتماعية ونمط العلاقات الاقتصادية ـ الاجتماعية السائدة، تاريخ (وحاضر) الاحتلال الاجنبي لقرون طويلة وآثاره، طبيعة العلاقات الطبقية المهيمنة، التخلف الاقتصادي، التجزئة، البتعية الاقتصادية للمركز الراسمالي، أشكال الاستغلال والظلم والفقر، الطبقات الحاكمة الانظمة العميلة المرتبطة بالمركز الراسمالي والامبريالي وغيرها.
2) إشكاليات مرحلة التحرير الوطني والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسيادة الوطنية والتخلص من التبعية الاقتصادية.
3) الحرب الاهلية (الداخلية) التي تشنها الانظمة (الطبقات) الحاكمة ضد شعوبها وطبقاتها الشعبية والتي تتمثل في القمع المتواصل لاي حراك جماهيري نحو الانتفاضة والتغيير والثورة والابقاء على حالة التخلف والفقر والجوع للقطاعات العريضة من مجتمعاتنا التي تشمل الاغلبية العظمى من السكّان.
4) خيارات الشعوب في المقاومة وأساليب نضالها (السياسية والعسكرية والشعبية والثقافية وغيرها) بما تتوافق مع رؤيتها لطبيعة الصراع وظروفها الموضوعية والذاتية.
5) طبيعة الانظمة الحاكمة ونشأتها المشوهة وأرتباطها (مصليحاً وطبقياً) وإعتمادها التام، في بقائها وديمومتها وحمايتها من ثورة شعوبها، على الدعم الامبريالي.
6) تجزئة الوطن العربي وتوطيد كيانات قطرية هزيلة والعمل المتواصل على تفتيت وحدة نسيجه السياسي والاجتماعي والثقافي وصولاً الى محو هويته وتذريره الى دويلات وطوائف وأقليات إثنية صغيرة متبعثرة. وكذلك هو الحال، مع إختلاف الاسلوب والمستوى، في تدمير كافة أشكال الوحدة والتنسيق لبلدان أميركا اللاتينية والتي رآها غيفارا وقادة الثورة الكوبية منذ أواسط القرن المنصرم.
7) فشل مشاريع التنمية المرتبطة بالمركز الراسمالي وضرورة البحث عن بديل يقوم أساساً على معاداة الراسمالية وفك الارتباط والتبعية للمركز الرأسمالي بوضوح وبلا مواربة، أي بديل يعتمد أساساً على دور للجماهير المسحوقة والطبقات الشعبية في الثورة والتغيير والبناء ويقوم على مشاركتها في صنع وتنفيذ القرارات والخطط وحماية مشروع التنيمة هذا: التنمية بالحماية الشعبية.
8) غياب الديمقراطية ومشاركة الجماهير وفئات وطبقات المجتمع ودورها في المشاركة (من الاسفل) في إدارة المجتمع والاقتصاد وصنع القرارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
9) ضرورة البحث عن ماركسية دينامية وإشتراكية أصيلة تنطلق من رحم هذه الشعوب وبيئتها وظروفها وتحافظ على أصالتها وسماتها في سبيل الوصول الى الهدف النهائي: محو الراسمالية وكافة أشكال الاستغلال وبناء الاشتراكية وصولاً الى لانعتاق الكامل للانسان. لا سيما وقد عانت الحركات السياسية والثورية في كلتا الحالتين، العربية واللاتينية، من أخطاء وإخفاقات الماضي وتجارب الجمود العقائدي والصنمية التي تمثلت بتبعية وخنوع الاحزاب الشيوعية العربية وكذلك الاميركية اللاتينية للخط السوفييتي.
10) وهن، وفي كثير من الاحيان الغياب التام، للتنظيم السياسي الثوري والقيادة الثورية في تنظيم وقيادة العمل الجماهيري، مع ملاحظة أن الحالة اللاتينية قد قطعت (في بعض الحالات مثل كوبا وفنزويلا والبرازيل وتشيلى وغيرها) اشواطاً متقدمة في هذا المجال.
11) تجارب المقاومة في كلتا الحالتين، (كما في فلسطين ولبنان والعراق وكوبا وفنزويلا وبوليفيا وغيرها)، التي تثبت ان المقاومة ليست مجرد خيار للشعوب بل هي فعلاً ممكنة وقابلة للتحقيق وقادرة على إحراز النصر وإستنهاض إرادة ووعي الجماهير وتفجير قدراتها الهائلة والكامنة في مقاومة الاحتلال والاستغلال ورفع الظلم بكل أشكاله.
تشى والعملية التربوية في بلادنا
لا يسعنا، مهما حدا بنا التفاؤل، ان نغض الطرف أو أن نقلل من الاخطار المحدقة بوعي جماهيرنا وأجيالنا الشابة من كل حدب وصوب وما لذلك من تداعيات كبيرة على حراك المجتمع ومستقبل الانسانية. فمعركة الوعي والافكار هي الاساس في نضال الشعوب نحو حياة أفضل ومجتمع عادل وإنسانية تخلو من الظلم والاستغلال.
تلمس باولو فرير Paulo Freire، المخاطر الكبيرة التي تحيق بانظمة التعليم المدرسي في بلدان العالم الثالث ورأى أن المعرفة التي يستقيها طلابنا في المدارس، من منظور الشعوب المضطهدة، قد فشلت في أن تترجم الى ممارسة عملية في حياتهم.
ونستطيع أن نضيف ان التجربة التربوية في وطننا العربي المستهدف، حتى من قبل ان تتسلط العولمة على مناهج التدريس فيه لتعمل فيها شطباً وتعديلاً، قد أكدت هذا الفشل ربما أكثر من أجزاء أخرى من العالم. لم يستطيع التعليم في بلادنا، مهما كدس في ذهن الطالب من كم معرفي، أن يحدث تحولاً في حياته إذ لم يتسنى تحويل هذه المعرفة الى ممارسة وأفعال والتي وحدها هي القادرة على تطوير الحياة. وفي هذا الديالكتيك تتحدد معاني الممارسة العملية كالعلاقة الجدلية بين تحويل الافعال الى معرفة من جهة، والى تحويل المعرفة الى أفعال وممارسة من جهة اخرى.
نحو تثقيف جماهيري جذري
لهذ الاسباب وغيرها، ما زال العديد من أفكار تشى غيفارا ومفاهيمه مجهولة أو مطموسة لدى قطاعات واسعة من شعوب العالم الثالث والوطن العربي، بالرغم من مرور أربعة عقود عليها وبالرغم من أن التطورات الجذرية التي ألمت بهذه البلدان تشير بوضوح الى صحة ومصداقية هذه المفاهيم.
لماذ تشى غيفارا في فكره وممارسته وما هي دلالاته في المشروع النهضوي العربي؟
تتطلب الاجابة الكاملة على هذا السؤال بحثاً منفصلاً، إلا أنه يمكننا ان نبدأ الحوار بالتأكيد على أن راهنية الغيفارية في الحراك الذي يعتمر الآن في بلادنا، تتجلى في الخطوط العريضة التالية:
1) تواصل أفكار ومفاهيم تشى غيفارا مع الواقع الراهن وتأكيد التطورات التاريخية والسياسية على صحة هذه المفاهيم واسسها الايديولوجية والسياسية على الرغم من أنها جاءت في سياقات تاريخية وسياسية محتلفة.
2) تناغم الغيفارية بين القول والفعل وبين النظرية والممارسة.
3) الربط الوثيق وبشكل متواصل بين القول والفعل من جهة، والهدف الاجتماعي والسياسي الذي نسعى اليه من جهة اخرى، كي يظل هذان (القول والفعل) خطوة متناغمة على درب تحقيق الهدف النهائي دون إنحراف. ويتطلب هذا، أول ما يتطلب، تطوير القول والفعل من خلال الممارسة الى أداة تنفيذ (ووسيلة نضال) للحركة الثورية وصولاً الى الهدف النهائي: محو الاستغلال والانعتاق الكامل للانسان.
4) الجمع بين الفلسفة والاخلاقيات والسياسة في رؤية ثورية متكاملة على نحو يندر في التيارات الفكرية والسياسية المعاصرة.
5) التثقيف الجماهيري: تهدف عملية التثقيف الثوري والسياسي للجماهير الى خلق وعيٍ نقديٍ جديدٍ يشكل الحاضنة الفكرية لنضالها. إلا أن هذه العملية لم تقطع في بلادناٍ، وربما لم تبدأ بعد في كثير من الحالات، خطواتها الاولى، وما زلنا بحاجة الى الكثير من الحوار والعمل والتخطيط على كافة المستويات التربوية وبكافة وسائل التثقيف الشعبية (الجماهيرية) السياسية والحزبية وغيرها.
باسثناء بعض الاوساط السياسية والثقافية والحلقات اليسارية، فان إرث غيفارا لم يدخل العملية التربوية في بلادنا ولم يطرق أبواب التثقيف السياسي في الحزب والتنظيم السياسي. وعليه، فان مهمة المثقف والحزبي والسياسي تكمن في العمل على أبتكار وسائل التثقيف الشعبية من أجل خلق الوعي حول غيفارا الانسان والثائر والحيلولة دون ان يتحول الى صورة وأيقونة مفرغة من مضمونها السياسي والثوري والانساني، وكي تظل جذوة المقاومة مشتعلة طالما هناك جائع أو فقير أو معدم على وجه الارض!
آمن تشى بان التثقيف الجماهيري، وهذا هو بيت القصيد، يتم عبر الممارسة الثورية، وأكد ان الدرس الاول في تثقيف الجماهير هو إدخالهم الى حظيرة الثورة ومشاركتهم في صنعها كي يتعلموا النضال من أجل حقوقهم. وبعد أن يشاركوا في الثورة والحكم والسلطة وصنع القرار فان عملية التثقيف تصبح سهلة ولا تحتاج الى عناء كبير.
(9)
الغيفارية في حقبة العولمة
أعلن الغرب الراسمالي وفاة تشى غيفارا والغيفارية (فكراً وممارسةً)، كما أعلن موت الاشتراكية، فيما يشبه الى حدٍ كبير الاستنساخ الايديولوجي للمعزوفة نفسها التي ما فتأ يجترها منذ إنهيار الاتحاد السوفييتي، وكأن زاول القطب الآخر كان نهاية للتاريخ ولا بديل للشعوب بعد اليوم إلاّ الانصياع التام للرأسمالي ـ الامبريالي وجشعه.
إلاّ أن جولة سريعة في كوبا والمكسيك والارجنتين وبوليفيا وغيرها من بلدان أميركا اللاتينية كفيلة بدحض تلك المقولات، فقد ترسخ تشى في وعي الفقراء ودخل بيوتهم وكنائسهم وأصبح رمزاً لللامل والتغيير.
أدرك تشى، من خلال رحلاته في القارة اللاتينية ومعاينته للفقر والاستغلال دور الامبريالية الامريكية في خلق وحماية الانظمة القمعية الحاكمة في تلك البلدان. ونذر نضاله منذ تلك اللحظة لمقارعه الامبريالية. وعليه، كانت مساهمة تشى الاكثر أهمية انه وضع الامبريالية تحت المجهر وفي قلب الصراع وأدرك دورها في التخطيط والتنظيم وترتيب الاوضاع وإصطفاف القوى من أجل تعميق وإدامة الاستغلال في كل بقعة في الارض. فهل تغيرات أوضاع الشعوب بعد ما يقارب أربعين عاماً على رحيل تشى؟
اين نحن بعد نصف قرن؟
لا يحتاج المرء الى بوصلة ليرى أنه، بالرغم العديد من الانتصارات والانجازات التي حققتها الشعوب منذ مقتل تشى غيفارا قبل تسعة وثلاين عاماً، فان أوضاع العالم اليوم تزداد تأزما وتعيش شعوب العالم الثالث تحت ظروف تتسم بالمزيد من التعقيدات والتحديات المستجدة، حيث ما زالت بلدانها أسيرة التبادل غير المتكافئ وفريسة لهيمنة رأس المال، وما فتأت الفجوة تتسع بسبب إثراء القلة وإفقار الاغلبية الساحقة التي ما زالت تعاني بما لا يقاس من آلام الفقر والجوع والمرض والتخلف.
العدو الرئيسي: ما زالت الرأسمالية والامبريالية، كما شخصها تشى غيفارا بوضوح بلوري، العدو الاول والاساسي للشعوب وللانسانية جمعاء. ولن تغير المسميات الخلاّقة (العولمة والنيوليبرالية وغيرها( بما أوتيت به من خداع وتلاعب بالمعجم السياسي والثقافي للشعوب، من تغيير هذه الحقيقة. فما هي إلاّ حقبة في تطور النظام الرأسمالي الذي أمطرنا، عبر قرون خمسة من عمره المديد، بالعديد من هذه النعوت والتوليفات. هكذا تحدث تشى غيفارا ومن قبله بقرن من الزمن ماركس وانجلز، وعلى الدرب ذاته سار كل من لينين وماو تسى تونغ وغيرهما.
هيمنة العولمة: تبقى الهيمنة المطلقة على العلاقات الاقتصادية والاسواق ومقدرات الشعوب، السمة الرئيسية للعولمة الراسمالية. وتجد هذه تعبيراتها الايديولوجية في السياسات النيوليبرالية التي تعمل في ظل نظام يتسم بدرجة قصوى من الوحشية والشمولية من خلال آليات إقتصادية دولية (المؤسسات المالية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها) فضحها تشى غيفارا باستمرار لانها "تعمل في الظاهر لخدمة مصالح الشعوب" بينما هي في الحقيقة أدوات خبيثة لإدامة الاستغلال والتخلف".
إتساع الفجوات الاقتصادية والاجتماعية: على النقيض من الاوهام الكاذبة التي تدّعي بأن العولمة تعزز النمو الاقتصادي وتعمم المنفعة على كافة فئات المجتمع، فانها (اي العولمة) لم تخلف لشعوب الارض، سوى المزيد من البطالة والإفقار والتهميش لاوسع الطبقات والفئات الاجتماعية وعلى كافة المستويات:
(أ) على المستوى الدولي: بين المجتمعات المختلفة؛
(ب) وعلى مستوى مجتمعات العالم الثالث والدول النامية: بين فئات وأفراد المجتمع ذاته حيث تنعدم العدالة الاجتماعية والمساواة بينهم وتتسع الفجوة بين الاغنياء والفقراء ويغيب التضامن بين الناس.
(انظر تدني معدلات النموالاقتصادي في الدول النامية بين فترة (1960ـ1980) وفترة صعود العولمة (1980 ـ 2000) وكذلك تدني دخل الفرد وإتساع الفوارق في مداخيل الافراد في الفترة ذاتها).
تغييب البعد الطبقي: تعزز مفاهيم العولمة الميول التي تنظر الى مراكز القوى الاقتصادية والسياسية في العالم (الحكومات والشركات متعددة الجنسية) مجردة عن موقعها ومصالحها الطبقية كطبقات رأسمالية حاكمة ومهيمنة وكأنها قوى تسكن كوكباً آخر. أما الهدف من ذلك فهو بالطبع: (أ) تغييب البعد الطبقي لهذه القوى؛ (ب) تمييع الفهم للتمايزات الطبقية داخل المجتمع الواحد وبين البلدان والمجتمعات المختلفة؛ (ج) إفقار الوعي بوجود هذه الطبقات وتبديد الوضوح في إصطفافها الطبقي خلف الحكومات والشركات الكبرى والمؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما).
نهاية التاريخ والمقاومة: عملت الآلية الايديولوجية الرأسمالية ـ الامبريالية، منذ مصرع غيفارا، على محو مقولة حرب الشعب والمقاومة من وعي الشعوب المضطهدة كي يتسنى لها تدمير إرادتها في الصمود والمقاومة. أما غياب القطب "الاشتراكي"، فقد كان الحلقة الثانية في مسلسل هذه الهجمة، إذ "تستحيل المقاومة دون دعم دولة كبرى وقوةٍ عظمى وفي ظل هيمنة القطب الواحد".
تجزئة المحيط: عملت العولمة، من حيث هي حقبة متقدمة في تطور النظام الرأسمالي، على تجزئة مجتمعات المحيط وعلى المزيد من تذرير وتفتيت نسيجه القومي والاجتماعي والإثني والثقافي مستخدمة كل ذخيرتها من أسلحة النزعات الشوفينية والعنصرية والدينينة والطائفية والاثنية وغيرها. وقد إستهدفت هذه السياسيات الوطن العربي ووحدته وهويته بوضوح وبشكل لم يشهد له التاريخ الحديث مثيلا. (انظر ما يحدث في العراق وفلسطين ولبنان والسودان و...). وعليه، تصبح المهمة الاساسية للقوى المعادية للراسمالية هي مناهضة مخططات التجزئة والحيلولة دون التذرير.
تدمير الثقافات: أما العولمة في زيّها الثقافي، فما برحت تهدد بالتدمير والفناء الثقافات الاصلانية والقومية والمحلية لشعوب العالم.
إستشراف المستقبل
لم يطل الوقت على إعلان النظام العالمي الجديد ل"نهاية التاريخ"، حتى لاحت في الافق إحتمالات البديل، وأخذنا، في مقابل هذه اللوحة القاتمة الالوان، نلمح تحولاً في العلاقات والاصطفافات الطبقية على المستويات المحلية والدولية وإنحيازاً واضحاً لصالح المقهورين والطبقات الشعبية رغم الانهيار المفجع للاتحاد السوفييتي ونمط الاشتراكية القائمة فعلا. فقد رفضت الشعوب المسحوقة الاستكانة للهيمنة الراسمالية والامبريالية، وأخذت إحتمالات التغيير تتبلور في رحم الفقر والجوع مجددةً التاريخ والمقاومة والغيفارية كي تضع نهايةً، لا للتاريخ، بل "لتاريخ الصمت والخنوع" وللصمت عن التاريخ.
لم تستكن الشعوب لإملاءات الامبراطورية:
ـ فعشية توقيع إتفاقية "نافتا" NAFTA النيوليبرالية سيئة الصيت (الفاتح من يناير 1994) إنطلقت إنتفاضة السكان الاصلانيين من هنود المايا في تشيابس (الجنوب الشرقي للمكسيك) في الانتفاضة الساباتية؛
ـ وأخذت رياح التغيير تعصف بالقارة اللاتينية وهي أن توقفت، كما حصل في الانتخابات السلفادورية عام 2005 والمكسيكية الاخيرة (تموز/ يوليو 2006)، فليست هذه سوى إستراحة محارب تعود بعدها في كرةٍ ثانية؛
ـ والمقاومة في فلسطين والعراق ما زالت تتألق؛
ـ أما نيبال فقد دخلت حرب الشعب فيها عامها الحادي عشر تحت قيادة شيوعية ماوية؛
ـ وتقف المقاومة اللبنانية حقيقة شامخة في وجه الكيان الصهوني، مهما إختلفت حسابات "الربح والخسارة" في حربها الاخيرة معه (حرب21 تموز/يوليو 2006)، ويبتدع حزب الله أساليب مقاومة جديدة لم تتفتق ذهنية الامبريالية وتكنولوجية مخابراتها عن فهمها وإختراقها.
لن تتوقف شعوب الكرة الارضية عن مقاومة الاحتلال والظلم والاستغلال. وإن توقفت ردحاً من الزمن، فانما لالتقاط الانفاس وإستراحة محارب، أو ربما لوقفة مع الذات، أو تعاطياً مع متغيرات محلية ودولية ومن ثَم التأهب للوثبة التالية. ولن تهنأ الانسانية بيوم من العدالة والحرية ولن تنعم شعوبها بالرفاه ولا بالسلم إلاّ بمحو الراسمالية وإجتثاثها من جذورها. فمنطق رأس المال هو منطق الربح الاقصى في كل مكان وزمان أي منطق الهيمنة على موارد الشعوب وإستباحة أسواقها وإستغلال العاملين من أبنائها، ومن ثَم تحطيم إرادتها وإحتلال أوطانها إن هي تمردت.
يعيدنا هذا مجددأً الى السؤال المركزي، سؤال الحقبة: هل حقاً أن زمن المقاومة قد ولّى وان شعوب الارض قد سقطت تحت أقدام تنين رأس المال والعولمة؟ أم أننا أمام حقبة جديدة من نهوضٍ شعبيٍ أمميٍ تتشابك خيوطه في كافة أصقاع الارض، وأن الافق يتألق بفجرٍ جديد للانسانية، نعم، وبالرغم من غياب القطب "الاشتراكي" وبطش رأس المال؟
ليس هناك رداً أدل من كلمات هوزى مارتي Jose Marti: "إنها لحظة إشتعال الأتون، وليس هناك ما نراه من حولنا سوى النور".
المراجع:
1) Jorge G. Castaneda, Companero: The Life and Death of Che Guevara, Alfred A. Knoph, New York, 1997.
2) Carlos Tablada, Che Guevara: Economics and Politics in the Transition to Socialism. Pathfinder Press, New York, 1989.
3) Che Guevara Reader: Writings on Politics and Revolution, Ocean Press, Australia, 2003, Second Expanded Edition.
4) Che Guevara, Global Justice, Liberation and Socialism. Ocean Press, Australia 2002.
5) Jon Lee Anderson, Che Guevara: A Revolutionary Life. Grove Press, New York, 1997.
6) Peter McLaren, Che Guevara, Paulo Greirek and the Pedagogy of Revolution. Rowan & Littlefield Publishers, USA, 2000.
7) Pedro Luis Sotolongo, Ernesto Che Guevara: Ethics and Aesthetics of an Existence. Editorial Jose Marti, Havana, Cuba, 2002.
#مسعد_عربيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟