|
لا حل للمنازعات بين الشعوب إلابالاعتراف والاعتذار
بسام ابوطوق
كانب
(Bassam Abutouk)
الحوار المتمدن-العدد: 7525 - 2023 / 2 / 17 - 12:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لدى صعوده إلى الحكم وصف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830- 1962) بأنه جريمة ضد الإنسانية، واعترف بمسؤولية الجيش الفرنسي في مقتل عالم الرياضيات موريس أودين والمحامي الوطني على بومنجل خلال معركة الجزائر عام 1957، واستنكر الجرائم التي لا مبرر لها خلال المذبحة التي تعرض لها المتظاهرون الجزائريون في باريس 16 تشرين الثاني عام 1961، ماكرون هو نفسه الذي انقلب على أقواله لأسباب انتخابية واتهم الجزائر بأنها لم تكن أمة موجودة قبل الاستعمار الفرنسي٠
التقدم والتراجع والدوران في المواقف، وتغيير الأفكار حسب المواسم الانتخابية، واللعب ببيضة القيم الأخلاقية والتاريخية حسب حجر الضرورات الجيوسياسية،هو ديدن الزعماء السياسيين، فالإنكار لخطايا الاستعمار الفرنسي للجزائر وتوابعه يتحول إلى اعتراف بمسؤولية الأسلاف عن هذه المحن يستبطن الحاجة إلى الغاز الجزائري كأحد بدائل الاستغناء عن الغاز الروسي، حسب المستجدات الأخيرة لوقائع الغزو الروسي الأوكراني٠
ولنستحضر أمثلة أخرى عن توترات وخلافات بين الشعوب تتحول إلى بؤر صراع مستعصية على العلاج والتطهير، بسبب خلط واستغلال المصالح الإقليمية للسلطات الحاكمة للتراث الفكري والتاريخي لهذه الشعوب٠
ومن أشهر الأمثلة على الأزمات التاريخية بدون حلول ناجعة هي العلاقات التركية الأرمنية، حيث تتطور وتتعقد العلاقات بين هاتين الدولتين مضافا إليهما أذربيجان التي تتضمن العرق التركي، وتنعكس هذه التوترات على مصالح الشعوب الثلاث وحتى على جالياتها في دول الشتات، فإلى جانب التعقيدات والحساسيات القوموية والواقع الجيوسياسي الثقيل وخاصةً في مجال الاقتصاد والنقل، فإن تهدئة هذه التوترات وتحسين العلاقات وفتح الحدود البرية له تأثير كبير في تحسين الوضع الاقتصادي في أرمينيا على وجه الخصوص ووصولها إلى العالم الخارجي، كما تستفيد المقاطعات التركية المتاخمة لأرمينيا من توثيق العلاقات لتعزيز اقتصاداتها المحلية، وهكذا تتشابك المصالح المتبادلة ٠
وفي هذا السياق تطرح تركيا خطة 3+3، وهي عبارة عن منتدى إقليمي يتألف من دول جنوب القوقاز وجيرانها أرمينيا وأذربيجان وجورجيا فضلاً عن إيران وروسيا وتركيا، فلدى هذه الدول موارد هائلة محجوزة يعمق تعسرها إرث التبعية الطويلة للاقتصاد الروسي زمن الاتحاد السوفييتي، تحجمها التوترات السياسية وتباين المصالح الدولية المتضاربة، ولهذه التوترات جذوراً تاريخية تعود إلى أحداث 1915 تباين توصيفها في الأرشيفات التركية والأرمنية، وبداية حلها تكمن في إنشاء لجنة تاريخية مشتركة تضم أتراكاً وأرمناً وخبراء دوليين ترعاهم الحقائق والمعرفة وليس المشاحنات والمتاريس، وحل هذه القضية الشائكة يمر عبر منظور الذاكرة العادلة والتي تعني باختصار التخلي عن النظرة الأحادية الجانب إلى التاريخ، وتفهم كل طرف ما عاشه الطرف الآخر وتحت عباءة الاحترام المتبادل لذاكرة الماضي لدى كل طرف٠
وفي مثال آخر ننتقل إلى الهولوكوست ما بين الألمان واليهود والفلسطينيين، فالاعتراف الألماني والعالمي بالهولوكوست وتقديم التعويضات إلى ممثلي الضحايا يعد من النقاط المضيئة في تاريخ الحضارة البشرية، ولم يحصل أن اعترف شعب بالمذابح التي ارتكبها أسلافه تجاه شعب آخر وأصبح هذا الاعتراف من ثوابت الثقافة العالمية التي تجرم نكران هذه المحرقة مثلما تجرم التمييز العنصري مثلاً،ولكن هذا الاعتراف يجب ان يتكامل و يتكلل باعتراف مماثل لممثلي ضحايا الهولوكوست بمجازر أخرى ارتكبت ضد الفلسطينيين عام 1948ومابعده وقبله، في دير ياسين وابو شوشة والطنبورة واللد واستمرت المجازر في خمسينيات وستينيات القرن العشرين في قلقيلية وكفر قاسم والسموع وغيرها وما زالت ترتكب الى الآن في غزة والضفة، فالإقرار بالهولوكوست يجب أن يؤدي إلى استخلاص العبر منها وتوسيع الإطار المرجعي بحيث لا يقتصر على المحرقة، بل يضم إليها شعور اليهود بمشابهة معاناة الفلسطينيين لمعاناتهم التاريخية هذه والإقرار بمحنة الشعب الفلسطيني والالتزام بخلاصه٠
والمثال الآخر وهو ليس بأخير عن أمريكا والسكان الأصليين، فلم تكن أمريكا عندما اكتشفها كولومبوس ارضاً خالية من السكان تنتظر الفاتحين الأوائل لاستيطانها وإعمارها، بل كانت غنية بأمم وحضارات تضارع حضارات العالم القديم مثل الأزتك والمايا والإنكا بالإضافة إلى قبائل منتشرة على كامل الأراضي الامريكية من جنوبها إلى شمالها لها ثقافاتها وتميزها وخاصة التماهي مع الطبيعة وظواهرها والأجناس الحية ٠
كان لهذه الثقافة والحضارة أن تغني وتغتني مع حضارات وثقافات العالم القديم ولكن الفاتحين الأوائل من انكليز وإسبان تعاملوا مع هذه الأمم بعقلية العدوان والإبادة هذا عدا ما نقلوه بشكل مباشر وغير مباشر من أمراض وأوبئة العالم القديم، ومؤخراً استعادت الذاكرة التقليدية لمآسي السكان الأصليين قضية رفات الأطفال المدفونة في أرضٍ تابعة لمدرسةٍ داخلية كاثوليكية٠
وإذا كان المجتمع الكندي يتميز بثقافة متقدمة، وتفهم لغنى وتعدد الأعراق القومية والتاريخية المندمجة في نسيجه الاجتماعي، بحيث تقدمت الحكومة الكندية وممثلي ثقافة المجتمع المدني بالاعتذار والاستنكار ، فما زال مطلوباّ من الحكومة البريطانية ممثلة التاج الملكي تقديم الاعتذار، ومازال مطلوباً من البابوية تقديم اعتذار صريح باسم المجتمع الكاثوليكي٠
في الأساطير السحيقة لم تكن حرب طروادة كرمى لعيون هيلانة، بل كانت صراعاً على المصالح الاقتصادية بين ملوك الآخيين وملوك طروادة وحلفائها وذهب آلاف الضحايا وقوداً لهذه الحرب العبثية، وهكذا فالمنازعات التاريخية وأساطير المحارق والمجازر رغم صحتها، والاستمرار في تغذية خطابات الكراهية ومشاعر الثأر والانتقام تحمل في بواطنها مصالح اقتصادية، لا تأتي بالخير للشعوب المتجاورة بل لزعمائها السياسيين والاقتصاديين، وبدل أن يتم استثمار الموارد الطبيعية والبشرية لدى الدول المتجاورة لصالح التنمية والآمان، يتم استحضار روايات المظلومية والتضحية ولغة الحروب والدماء٠
إن التصدي لهذه التوترات والصراعات المستدامة لا يستقيم إلا بمزيد من الانفتاح ومزيد من الثقافة ودراسة التاريخ ومزيد من التعليم والأبحاث والتعامل مع الإرث التاريخي ببلاغة علمية ومعرفية، منزهة من الايديولوجية و القوموية و السياسوية، ويجب أن تصادر هذه الذرائع من أيدي الزعماء السياسيين الى أيدي المفكرين والمؤرخين والعلماء، الذين يدعون إلى تحكيم العقل والمنطق والإيمان بمستقبل مشترك للبشرية٠
ليس لدينا سوى أرض واحدة يسكنها نوع بشري واحد، ولا بد من صيانة وتأمين المستقبل على هذا الكوكب
#بسام_ابوطوق (هاشتاغ)
Bassam__Abutouk#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قنوات دبلوماسية مفتوحة لمعالجة أزمة المنطاد الصيني ولكن القن
...
-
سبع خطوات لفهم طبيعة الزلزال المدمر في تركيا وسوريا
-
لتخطي تداعيات الحرب.. يجب إذلال بوتين في أوكرانيا
-
مخاطر التخلي عن الشرق الأوسط
-
الوثائق السريّة الفيدرالية وعقوبات التعامل الخاطئ معها
-
نتنياهو ينهي حكم القانون في إسرائيل
-
حكومة إسرائيل اليمينية ومستقبل العلاقات مع تركيا
-
خطط اليمين المتطرف لتقييد هجرة اليهود إلى إسرائيل
-
لا انفصام بين التنوير وحقوق الإنسان وحماية البيئة
-
قصص حقيقية لقضايا اللجوء تعرضها السينما
-
إيلون ماسك .. هل استحوذ على منصة تويتر بهدف انهائها؟
-
إيران .. وحجابها السياسي
-
في السباق الرئاسي الأميركي 2024.. هل تحقق نيكي هايلي ما اخفق
...
-
هل ستبشر الانتخابات النصفيةالأمريكيةبعودة ’’الترامبية’’ إلى
...
-
قمة بوتين - شي في ميزان القمم والتحالفات الجديدة
-
عاش الملك .!
-
الاتفاق النووي : كلّ يغني على ليلاه
-
نيلسون مانديلا.. ذلك الحكيم الأسمر الذي علمنا معنى الحياة وا
...
-
يوم أعلن الآباء المؤسسون نخبة الوطن السوري عن الاستقلال السو
...
-
لا نملك سوى أرضٍ واحدة.. ونوع بشري واحد
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|