سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 1705 - 2006 / 10 / 16 - 10:21
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
كما يحدث في معظم الأنظمة السياسية الدولية,حيث تحظى إحدى الأحزاب الكبرى,باكتساب ثقة شعوبها,انطلاقا من برامج وشعارات,هي في معظم الأحيان تتناقض مع البرامج والشعارات السابقة,والتي قد تكون فشلت في تحقيق ماتصبوا إليه الجماهير على المستويات,السياسية,والاقتصادية,والاجتماعية,على المستوى المحلي الداخلي,والمستوى الدولي الخارجي,فتسعى تلك الأحزاب في خضم العملية التنافسية مع أحزاب عدة أخرى,والبرامج الأصلح تحوز على ثقة الجماهير,فتتولى إحدى الأحزاب القيادة الشرعية للدولة التي جرت بها الانتخابات,بنظاميها الرئاسي والبرلماني,فتبرز قيادة جديدة غير سابقتها تأمل الجماهير بها خيرها,ودول أخرى على مختلف توصيفاتها,ديمقراطية,شمولية,يتم تجديد الولاية القيادية لنفس الحزب رغم إخفاقها في تحقيق آمال شعوبها,وهنا لاتبحث نزاهة العمليات الانتخابية من عدمها,فعملية النزاهة نسبية حتى في دول المنشأ للديمقراطية.
تمثيل حزب أم تمثيل شعب؟
وفي هذا السياق تولت حركة حماس المنصب القيادي للشعب الفلسطيني,كحزب أغلبية في البرلمان الفلسطيني,وبالتالي دستوريا كُلفت بتشكيل الحكومة الجديدة,التي يفترض بها ان لاتتحدث بخطاب وشعارات الحركة الأم كحركة في مواجهة حركات أخرى,انطلاقا المؤسسة الحكومية,فبحكم الدستور أصبحت تمثل جميع أطياف وفئات المجتمع الفلسطيني,وهنا يظهر جليا إمكانية نجاح الحكومة,من خلال سلوكها وخطابها السياسي والاجتماعي والاقتصادي,فرغم ان نسبة معينة من المجتمع الفلسطيني لم تمنح أصواتها لصالح حركة حماس,الا ان المركز القيادي الحكومي كتكليف شعب لاتشريف أشخاص أو حركة,يحتم عليها رعاية وتمثيل مصالح الجميع دون التفريق بين لون أو عرق سياسي حزبي,طالما ان المعمول به سياسيا في إطار التداول السلمي للقيادة,حيث تُسلم الأقلية المؤثرة بنتيجة القاعدة السياسية وتولي الأغلبية دفة الأمور,وعلى عتبات الحكومة ينتهي العمل بموازين الأقلية والأغلبية,حيث يفقد مضمون هذا الشعار بمجرد حسم العملية الانتخابية,حيث ان الحزب الفائز يمثل الأغلبية ولا يمثل الجميع,لكن الحكومة تمثل الجميع ولا تمثل مصالح حزب أو فئة دون غيرها,ومن هنا تبدأ الحكومة عملها على المحك العملي,لتترجم تلك المسيرة الديمقراطية ونتائجها,فان سلكت الحكومة مسلكا يحيد عن القاعدة,فإنها تسجل أولى خطوات إخفاقاتها,التي سيبنى عليها كتحصيل حاصل إخفاقات عديدة أخرى,وتذمر داخلي سيتراكم وصولا إلى حدوث الشرخ الاجتماعي والسياسي,الذي غالبا مايسبب إرباكا للحكومة ومعيقا في تنفيذ برامجها,بل وتمهيد الأرضية في صالح المعارضة المواجهة التي تهدف إلى انتزاع السلطة ومراقبة عمل الحكومة القائمة بالمرصاد وتصيد الأخطاء كوقود لأي معارضة.
السيد خالد مشعل وطمس الخطاب الحكومي لصالح الخطاب الحزبي
في الحالة الفلسطينية بعد الانقلاب السياسي الديمقراطي الأبيض, طغى الخطاب الحركي الحزبي على أصول الخطاب الحكومي, الذي يفترض به التوازن والحرص الدائم على التحدث بخطاب سياسيي في مواجهة الخطابات الحزبية الأخرى, المعارضة منها والمتوافقة في إطار الأصول الدستورية.
وما زاد هذه الوتيرة الانفصامية وعدم الاستقرار,الذي أدى لاعتماد الخطاب الحزبي على أنقاض الخطاب الحكومي,ومابين ظهور شخصيات لاينكر أحدا أنها من الركائز الأساسية لحركة حماس,لكنها تعمل على الساحات الخارجية,وما لتلك الساحات من تأثيرات واضحة على توجيه بوصلة القرار السياسي الفلسطيني من منبر الحركة لامنبر الحكومة,تلك الشخصيات غير حكومية لتمثل الشعب الفلسطيني وهمومه وغير مخولة للتحدث باسمة بالكامل,فمنذ اللحظات الأولى لفوز حركة حماس بثقة الجماهير,تولى السيد خالد مشعل / رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الحديث باسم الحركة الفائزة ومستقبلها السياسي فكانت أولى تصريحاته/ ان السلطة لم تكن هدفنا ولم نسعى إليها,لكنها محطة فُرضت علينا في منتصف الطريق!!!
وهنا نتساءل طالما لم تكن السلطة هدفا,فلماذا دخلت حركة حماس الانتخابات التشريعية,التي يتلخص نتاجها جراء الحملات الانتخابية الوصول للسلطة وليس المشاركة الهامشية,لان حركة حماس رفضت سابقا خوض تلك الانتخابات, بل رفضت المشاركة في السلطة بأقل من نسبة تمثيل 40 % حسب تقديرها للحجم الميداني.
المهم ان السيد خالد مشعل,لم يكن كشخص مرشح ومقيد على كشوف الانتخابات,وبالتالي لم يكلف بمنصب حكومي مباشر أو غير مباشر,بسبب تواجده كزعيم سياسي للحركة خارج الوطن الفلسطيني,لكن الحقيقة التي ظهرت جليا انه يتحدث من دمشق وقطر وإيران وكافة البلدان التي زارها باسم الحكومة دون أي محاذير أو حدود فصل بين الحركة التي تمثل فئة معينة, والحكومة التي تمثل الجميع,وهذا يعني ان خطاب التمثيل الكلي شُطب لصالح خطاب التمثيل الجزئي.
وكلنا يعلم ان السيد/خالد مشعل الذي احدث إرباكا داخليا بخطابه وجعل كلمة الفصل والقرار الحكومي أسير رؤيته ,مما خلق ازدواجية بات الجميع يتساءل ماهي مهمة الحكومة الشرعية في صناعة القرار الفلسطيني المستقل بعيدا عن تأثير القرار الخارجي المقيد,حيث ان السيد/ خالد مشعل لايمثل أعلى السلم القيادي للحركة,وإنما يتحدث بلسان حال القيادة الخفية والعلنية لأيدلوجية الحركة الإسلامية السياسية, ونتيجة هذا التقاطع الخارجي,باتت الحكومة الفلسطينية تفقد هيبتها,حيث ان الشعب انتخب شخصيات كنخبة عايشها,بدليل ان النسب التي حصلت عليها الحركة على مستوى انتخابات الدوائر كانت الأعلى التي شكلت ركائز الفوز وليس نتيجة القوائم التي كانت لصالح حركة فتح, أو كان هناك تقاربا في الرؤوس, وهذا يثبت ان الجماهير انتخبت أشخاصا بالدرجة الأولى لا أحزابا, وهذا مفاده مع الاحترام للسيد مشعل ولغيره من المناضلين الفلسطينيين خارج الوطن,وعلى هذه القاعدة لم يكن خيارا شعبيا يؤهله للحديث باسم الحكومة التي تمثل الجميع,أو ان ينتزع الخطاب السياسي لصالح الخطاب الحركي, ويفرض على الجميع رؤية الحزب دون ان يكون لحكومة السيد/ إسماعيل هنية الكلمة الفصل,وهنا لسنا بصدد التوسع في ذكر تداعيات تلك الازدواجية أو الانفصام الحكومي ان جاز التعبير,لأننا سنغرق بجدلية تداعيات الفتنة مابين مطلق لشرارتها ومسعر لإرهاصاتها.
ومؤخرا وبعد طمس هوية الخطاب الحكومي لحساب الخطاب الحركي العريض,تحدث السيد / خالد مشعل بتصريحات لها من الدلالات السياسية مايتوجب التوقف عندها وتحليل مضمونها وجدواها في ظل التأزم والاحتقان الذي تشهده الساحة الفلسطينية ,التي تعاني مخاضا عسيرا على المستوى الوطني السياسي,حيث يقرأ البعض مابين المعطيات كارثة دموية داخلية,حيث ان ثقافة الانفصام والازدواجية السياسية أصبح قانون المرحلة,مابين خطاب حكومي وخطاب حركي.
تناقض الخطاب الحركي مع الخطاب الرئاسي
حيث ان الخطاب الحركي أصبح الأصل والخطاب الحكومي أصبح الاستثناء ,فظهرت فجوة التوافق بين منطلقات الفعل الحزبي والفعل الرئاسي,وهنا المأزق الثاني الأكثر حدة,حيث ان الخطاب الحركة بتفاصيله أصبح يتناقض بشكل شاسع مع الخطاب الرئاسي,وهنا يختلف الأمر حيث عدم التوافق يكون لصالح الخطاب الرئاسي على حساب الخطاب الحزبي الذي صادر الإرادة الحكومية,حيث ان الحكومة تتبع الرئيس,لكن الحركة تتناقض بالمجمل سياسيا مع توجهات الأجندة الرئاسية,أما الحكومة كلفت لمزاولة أعمالها بموجب خطاب التكليف الرئاسي,فأصبحت الحركة حاجزا مابين الجسمين الدستوريين(الحكومة والرئاسة) وباتت الحكومة دون التناغم مع الرئاسة بلا جدوى,فترى السلوك الرئاسي على المستوى الداخلي والخارجي يمثل الشرعية العملية, وهذا يترجم من خلال العلاقة السياسية والاقتصادية مع المجتمع الدولي,باعتماد الرئاسة دون غيرها كبوابة شرعية للتعامل مع المجتمع الفلسطيني,وهذا نوع أخر من الازدواجية والانفصام السياسي لن يحسم لصالح طرف بالمطلق, وبالتالي هو بالمطلق في غير صالح الشعب الفلسطيني, والنتيجة مزيدا من المعاناة يدفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا لتلك الازدواجيات, فلا الحزب ولا الحكومة ولا الرئاسة تعاني مايعانية الشعب المغيب صاحب السلطة الحقيقية.
وحديثا يتحدث السيد/ خالد مشعل من جديد وفي ظل المطالب الإقليمية والدولية الملحة, والمحلية الضعيفة, بالذهاب للانتخابات التشريعية والرئاسية المبكرة بالقول: الرئاسة أنا لا أسعى إليها ولكنني لا ارفض قبولها!!!!
وهذا مفاده ان هناك مساعي جدية في دهاليز السياسة على الساحة الخارجية تدفع بالسيد/ خالد مشعل صاحب الخطاب والقرار السياسي القوي المؤثر بالعودة للأرض الفلسطينية, ولا اشك ان هناك اتصالات دولية تحفز السيد/ خالد مشعل على الذهاب لميدان المنافسة ومحاولة إغراءه بهذا المركز القيادي الرئاسي, وان فرصة نجاحه كبيرة,مع الوعد ربما بدعمه من اجل هذا الهدف كطعم سمين ,تتولى مهمته دولا عظمى بتفويض دولا إقليمية وعلى رأسها قطر البوابة الحديثة للنظام الشرق أوسطي المنشود,والتي يدفع بها لتولي دورا سياسيا رياديا على حساب الدور الريادي المصري السعودي, بمباركة إسرائيلية أمريكية لاتقبل النقاش, ولايتم إنكارها من النظام القطري وهذا يطول الحديث به وسأفرد له بحثا خاصا.
مرحلية الدولة الفلسطينية وشرعية الاحتلال
ان أخر تصريح للسيد / خالد مشعل انه يقبل دولة فلسطينية بعد أربعة سنوات , وهنا نتوقف لنمر سريعا على جديد محتوى التصريح,حيث ان الدولة الفلسطينية ليست تصريحا أو شعارا جديدا تقبل به حركة حماس لكن الجديد في الخطاب المتجدد حول اقتراحات الدولة الفلسطينية بعد أربع سنوات, وهذا يحمل مفهوما عمليا ان الانسحاب الإسرائيلي والتسوية ستتم على مدار الأربع سنوات,وهذا مفاده فتح المجال للتوافق والاتفاق على خطط وطرح سياسي مرحلي تقبل بموجبه حركة حماس التفاوض مع الطرف الإسرائيلي على إجراءات الانسحاب وتسوية المشاكل السياسية العالقة خلال هذه المرحلة المحددة مسبقا,لأنه لايعقل التفكير بان المطلوب هو((إعطاء مهلة لإسرائيل لمدة أربع سنوات يخرجون خلالها من حدود تلك الدولة المقترحة ويبقى الوضع كما هو عليه لحين الانتهاء من إجراءات التسوية من طرف واحد ودون شريك!!!)).
وهذا تحول أخر على مستوى الخطاب السياسي لحركة حماس الذي يمثل الحكومة مع التناقض بعدم تمثيل كافة فئات الشعب الفلسطيني, وذلك بقبول مبدأ المفاوضات والترتيبات من اجل إقامة دولة فلسطينية خلال سقف زمني أربع سنوات, وقد كان بالأمس الطرح السياسي للحكومة والحركة انسحاب غير مشروط مقابل هدنة مفتوحة تبدأ بعشر سنوات وربما تستمر خمسون عاما من اجل عدم الاعتراف بشرعية الاحتلال!!!!
تناقض التعاطي بشعار شرعية الاحتلال
والمقصود مما تقدم ان لاشيء يولد من فراغ ولا تصريح يصدر من عدم, فلكل تصريح حاضنة وخطاب سياسي,والمؤشرات تفيد التوجه صوب الخيار العربي الاستراتيجي للسلام وقبول المرحلية والمفاوضات بعيدا عن جدلية شرعية الاحتلال((فلا اعتقد ان من يقبل دولة حدودها الرابع من حزيران 67 ,انه يقصد بذلك الاعتراف بشرعية الاحتلال لباقي ارض فلسطين في حدود النكبة 1948 ؟؟؟!!!))
لكن هذه هي الحقيقة فالاحتلال غير شرعي بالكامل وطالما رفع شعار الا شرعية يجب عدم التفريق بين شرعية النكسة وشرعية النكبة, الا إذا كان الطرح الاعتراف بشرعية النكبة مؤقتا وعدم الاعتراف بشرعية النكسة عاجلا من اجل الحل السياسي!!!!
وعلى هذه القاعدة فان المفاوضات لاتعني تفريطا بتفويض جماهيري أو الاعتراف بشرعية احتلال , وإلا يحمل الطرح نقيضه عند الحديث عن شمولية الاحتلال وشمولية الشرعية وشمولية اللا شرعية, فالاعتراف بدولة 67 مؤقتا ,هل يعني القبول مؤقتا بشرعية الاحتلال على باقي الأرض الفلسطينية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟