عماد صلاح الدين
الحوار المتمدن-العدد: 1705 - 2006 / 10 / 16 - 04:57
المحور:
القضية الفلسطينية
العقل والمنطق والتاريخ الانساني والديني يعلمنا أن للمحاججة سواء أكانت نظرية أم عمليةأمام الناس أنفسهم وبحضورهم لها أثر فعال جدا في نقل حالة الوعي والادراك الانساني لماهو حق ولما هو باطل ، بل إن بعض المحاججات أو المناظرات تعمل بدرجة فائقة في نقل حالة الوعي ليس من مراحل متدنية أو وسطى بل من مرحلة الصفر إلى مرحل الوعي الكامل وبالتالي الايمان الثابت والراسخ باتجاه الحق الظاهر في مواجهة الباطل الخاسر إثر تلك الوسيلة التي تم استخدامها وهي والحالة هذه المحاججة أو المناظرة ، السوابق التاريخية والدينية الموثقة في هذا المجال كثيرة وكثيرة جدا ، وليس أدل عليها من تلك الحادثة الدينية التاريخية البارزة التي حدثث مع دعوة الحق الموسوية " نسبة إلى سيدنا موسى عليه السلام " في مواجهة الدعوى الفرعونية الباطلة " نسبة إلى فرعون مصر " بكون ادعائه أنه إله قومه إن لم يدع بأنه إله البشر أجمعين ، لقد استطاع سيدنا موسى عليه السلام بدعوته الحق وبتأييد من رب العالمين أن يكشف فرعون وبطانته السوء من خلال محاججة ومناظرة هذه البطانة التي كانت تحترف عملية السحر في ذلك الزمان بنفس الاسلوب وإن اختلف مضمون الاسلوب الرباني الصادق عن مضمون الوهم الكاذب والمخادع المضلل الذي كان يصل إليه سحرة فرعون ، في هذه المحاججة والمواجهة التي نعرفها جميعا التي انتهت بغلبة الحق رأينا كيف أن السحرة اللذين كانوا يعبدون فرعون من دون الله انقلبوا بين لحظة وأخرى إلى خاضعين مذعنين لرب العالمين ، برغم العذاب الاليم الذي توعدهم به فرعون.
على أية حال ، ما أريد أن أصل إليه من خلال ماسبق ذكره أن للمناظرة والمحاججة المباشرة ما بين الحق والباطل لها تاثير أيما تاثير في توضيح صورة الحق وإجلائها وفي فضح صورة الباطل الحقيقية وكشفها ، والمناظرة والمحاججة في قصة موسى عليه السلام مع فرعون جاءت في لحظة مفصلية وقاطعة وحاسمة إلى حد ما ، ذلك لأنها أتت في وقت وصل فيه كفر فرعون وتبجحه إلى درجة أنه ادعى بأنه رب العالمين وأنه لا إله غيره ، بمعنى أو بآخر إنه ادعاء ودعوى تخرج عن المألوف البشري وعن سياقه العقلي والمنطقي المقبول .
في الوضع الفلسطيني ، ربما يقترب السياق نفسه من قصة موسى مع فرعون السابقة وإن اختلفت التفاصيل والمواضيع وحالة وشأن الدعوى وكذلك على وجه التاكيد الشخوص ,فعباس وزمرته كانوا جميعا قد جربوا القبول والرضوخ للاملاءات والاشتراطات الصهيونية وأقصد بذلك أنهم اعترفوا بإسرائيل وعقدوا معها الاتفاقات البائسة ونبذوا ما يسمى بالعنف أو الارهاب أي إدانة وتجريم المقاومة الفلسطينية ، ومع كل ذلك النتيجة كانت كما يعرف الجميع أن الاحتلال والاستيطان قد تكرس وتمت شرعنته على ما تبقى من ارض فلسطين المحتلة ، حتى إن ما تبقى لا يصلح بالمطلق بوضعه الراهن لكي يكون دولة للفلسطينيين في سياق ما يسمى بالحد الادنى، ومع ذلك أيضا كله أصر عباس وجماعة المنبطحين الأسلويين اللذين استلذوا الانبطاح لأنه يحقق لهم مصالحهم الذاتية والتافهة على مواصلة الدرب ذاته ليس منذ أن فازت حماس بالانتخابات الاخيرة ، بل منذ أن وعى وأدرك الراحل أبو عمار أن هذا السلام لم يكن إلا كذبة كبرى يراد منها خدمة الاهداف الاستراتيجية لأمريكا وإسرائيل في فلسطين والمنطقة على وجه العموم ، بالنسبة لإسرائيل اضفاء الشرعية على احتلالها لفلسطين تحت مسمى وهم السلام والشرعية الدولية , وبالنسبة لأمريكا تحقيق السيطرة على المزيد من ثروات المنطقة عبر اخضاعها بالتقسيم والتجزيىء العرقي والمذهبي والطائفي كما نرى اليوم في العراق ومحاولتهم ذلك في السودان ولبنان مؤخرا ، أدراك أبو عمار هذا الذي تريده أمريكا وإسرائيل من خلال ما تم عرضه في كامب ديفد الثانية سنة 2000 , ولذلك رأينا كيف أن الرجل رفض المزيد من التنازلات ولذلك تمت محاصرته الى ان تم قتله مسموما , المصيبة الكبرى ان بطانة ابو عمار تآمرت عليه للانقلاب عليه بحجة أنه عقبة كأداء في مسيرة السلام , فلقد استجاب أبو مازن في حينها ومعه دحلان والرجوب ونبيل عمرو وغيرهم لمطالب أسيادهم الأمريكان والإسرائيليين ومعهم الأنظمة البالية , ومن استمع مؤخرا لوزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط خلال المؤتمر الصحفي الاخير مع كوندي يتأكد له صحة ما نذهب اليه , فلقد حمل أبو الغيط ياسر عرفات مسؤولية فشل مفاوضات كامب ديفيد حينما قال : " إن أبو عمار كان قد تفاجأ مما عرضه عليه باراك حينها, ولذلك فقد رفض العرض " تخيلوا أبو عمار من هول المفاجأة والصدمة الباراكية رفض عرض باراك المغري!! .
بالنسبة لحماس وفوزها في الانتخابات التي أجريت في شهر كانون الثاني من العام الحالي وتشكيلها للحكومة , رأينا أن هؤلاء وبالرغم من كل ما سبق من سجلهم الاسود المجرب الذي ثبت فشله ، إلاأنهم يريدون اتباع المنهج والاسلوب نفسه من قبل حماس ومن قبل أية حكومة يتم تشكيلها في سابقة خطيرة لايستطيع المرء تفسيرها سوى أن هؤلاء وكلاء يعملون وللاسف بالنيابة عن الاحتلال ومن يقف وراء الاحتلال ، لأنه لايوجد عقل ولا منطق يقبل بهكذا تصرف وسلوك سياسي مشين سبق وأن جرب وتبين أنه عاقر وعاقر جدا بالنسبة للفلسطينيين وحقوقهم , ولذلك رأيناهم ومنذ الأيام الاولى لفوز حماس يعلنون ويتوعدون كل من يشارك في الحكومة التي يراد تشكيلها، فمنهم من وصف المشاركة بالعار ومنهم من وعد الامريكان والصهاينة بأن الحكومة ستسقط خلال شهر إن لم يكن خلال أيام كما هو الحال مع السيد نبيل عمرو ، هؤلاء لم يتركوا وسيلة ولاطريقة إلا ركبوها في سبيل إسقاط الحكومة والخيار الديمقراطي الفلسطيني , ربما يعجز المرء في هذه المقالة عن ذكر فصول المؤامرة بالتفصيل التي حيكت ضد هذا الخيار الديمقراطي , نعم إنها فصول متدرجة ومدروسة ومخطط لها بشكل جيد ومحكم أمريكيا وصهيونيا وتولى الداخل المتواطىء لدينا تنفيذ فصول مهمة وخطيرة منها , فخذ بشكل مقتضب عناوين فصول هذه المؤامرة كما رتبها الدكتور إبراهيم حمامي والتي كان الغرض منها إما إسقاط الحكومة أو الضغط عليها حتى تستجيب للشروط الامريكية والصهيونية وبالتالي القضاء على الفلسفة والمنهج والتوجه السياسي الاصيل لحركة حماس، وهذه الفصول هي مايلي :
الفصل الاول : سحب الصلاحيات .
الفصل الثاني : منظمة التحرير وادعائهم بصلاحيتها الشرعية والتمثيلية لجميع الشعب الفلسطيني .
الفصل الثالث: وثيقة سجن هداريم " وثيقة البرغوثي".
الفصل الرابع: الاستفتاء.
الفصل الخامس : الرواتب.
الفصل السادس : حكومة الوحدة الوطنية.
الفصل السابع : استخدام الصلاحيات والاستعداد للمواجهة الميدانية مع حماس التي ظهرت بعض مؤشراتها يوم الاحد الاسود الذي قتل فيه أكثر من عشرة فلسطينيين فضلا عن جرح قرابة المئة إن لم يكن أكثر.
عباس وزمرته من المتنفذين أصحاب المصالح الذاتية وما ثبت ومن خلال ما مضى من فصول المؤامرة السابقة وما يجري التحضير له حاليا من التزود بالسلاح والتدريب الامريكي والصهيوني في أريحا وفي غزة استعدادا لمواجهة حماس , ناهيك عن الخطة الامريكية التي جرى كشفها هذه الايام لدعم الرئاسة وحرسها وحركة فتح ونشر المراقبين المحليين والصحفيين لمراقبة نشاطات حماس وايجاد البدائل عن حركة حماس ماليا ومؤسساتيا وعلى مستوى التعليم , هذه كلها مؤشرات لاتدل بالمطلق على أن هؤلاء لديهم حد أدنى من الحس الوطني والاجندة الوطنية للدخول والاشتراك مع حماس في حكومة الوحدة الوطنية , إنهم يتبنون الاجندة الامريكية والصهيونية على المكشوف دون حياء أو وجل , هم يصرحون أن على حماس أن تعترف بإسرائيل وبالاتفاقات الموقعة وأن تنبذ العنف , لقد وصل بهم الامر ليصفوا الحكومة الفلسطينية المنتخبة بأنها إرهابية كما نعتها أحد النكرات مؤخرا وغيره من ذوي الضمائر الميته , إنهم باختصار يتساوقون مع الاحتلال ومع ما تريده أمريكا , بل إنهم يقدمون لاسيادهم مالم يكن يتوقعه الاخيرون منهم والعدول عن التكتيك الذ بعث به بلير إلى المنطقة أكبر دليل على ذلك , من لديه معرفة سياسية قوية بطبيعة هؤلاء ومن ورائهم أنظمة العهر العربية لايستغرب ذلك على الاطلاق , فهؤلاء وكلاء , ومن المعروف أن الوكيل يعمل ما بوسعه لإرضاء موكله.
هؤلاء إستنفدوا تقريبا كل أدواتهم المخطط لها أمريكيا وصهيونيا , الآن هم يعملون على مشروع الفتنة الذي أطلقته رايس في المنطقة في زيارتها الاخيرة والذي دعت إليه لفني ابتداء حينما طلبت من عباس حسم أمره مع حماس , الحسم الذي تفهمه رايس هو المواجهة الميدانية والحرب الاهلية , لأنها أي رايس تدرك أن "مسلة" عباس بخيطانها المتنوعة والسابقة لاتجدي نفعا لتخييط ثوب حماس على الطريقة الأمريكية والإسرائيلية .
لكل ماسبق فإنني اطلق هذه الدعوة إلى الاستاذ إسماعيل هنية لكي يعلن استعداده وجهوزيته لمناظرة عباس ومن يرغب من زمرته , ولتكن هذه المناظرة مباشرة من خلال شاشة الجزيرة الفضائية المشهورة , ليعلم الناس الحقيقة , لأن الحق يحتاج إلى توضيح وبرهان يسنده وإزالة كل غموض حوله , فعباس وزمرته بلغوا حدا من الاستخفاف بالشعب والامة برمتها لا يطاق , ولقد صبر عليهم المخلصون صبرا لا يطيقه الصبر ذاته , فماذا بربكم بعد تصريحاتهم الواضحة والفاضحة بشأن الاعتراف بإسرائيل , والأهم من ذلك كله أن مستعدون للتساوق بل لتنفيذ ما يريده الامريكان والصهاينه من مشروع فتنه لا يبقي ولايذر , فإلى المكاشفة والمناظرة يا أستاذ هنية؟! , وتذكر معي أن الاسلام يقوم على ثلاثة محاور واضحة , العقيدة ومادتها الإيمان , والفكر ومادته الحق والباطل , والفقه ومادته الحلال والحرام , وإنه أبدا لن تستقر ولن تثبت عقيدة وكذلك لن تستقر جزئيات وتفصيلات بل مجالات الحياة الاسلامية , دون صراع واضح بين الحق والباطل ولو على صعيد المكاشفة والمحاججة النظرية , كما هو الحال مع سيدي وسيدك موسى عليه السلام صاحب الحق في مواجهته لباطل فرعون الواهن.
#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟