|
كاهنة فرعونية من أصول بريطانية عاشت فى الصعيد !
محمد حمادى
كاتب رأى حر مصرى
الحوار المتمدن-العدد: 7516 - 2023 / 2 / 8 - 08:05
المحور:
سيرة ذاتية
في أحدى ضواحي جنوب لندن 16 يناير 1904 ولدت طفلة جميلة تدعى دورثي لويس، لأبوين من أصل أيرلندي، وتمضي الحياة هادئة، وحين بلغت دورثي سن الثالثة، وبينما كانت تلهو في منزل العائلة في ضاحية بلاك هارت سقطت من أعلى السلم إلى الطابق السفلى لترتطم رأسها بالأرض وتدخل في غيبوبة ، طبيب الأسرة قال إن دورثي فارقت الحياة، وطلب تكفين الفتاة وتجهيزها للدفن، ووسط صدمة الأبوين، فاقت دورثي من غيبوبتها بشكل عادي وفي حالة جيدة، وبدأت الصغيرة تردد “أريد العودة إلى بيتي” ليخبرها والداها أنها بالمنزل، لكنها تصرّ في عصبية إن بيتها ليس هنا وتبدأ في إعطاء أوصاف لبيتها المزعوم. تستيقظ الصغيرة في إحدى الليالي من نومها فزعة لتخبر والدتها عن معبد أبيدوس وعن الملك سيتي، قصص غريبة كانت ترويها الطفلة، لكن الأغرب أنها كانت تشرح تفاصيل دقيقة، كأنها ذهبت هناك، وكانت الأم تعتقد أن ابنتها ما زالت تحت تأثير الحادث. فسر الطبيب تلك الحالة أنها من تأثير الحادث ومع الوقت ستعود الطفلة إلى حالتها الطبيعية، لم يكن يعرف الأبوين أن هذه الحادثة ستغير مسار حياة ابنتهما لتتحول من المواطنة الإنجليزية دورثي أيدي إلى مكتشفة الآثار المصرية “أم سيتي”، التي قضت عمرها في مصر بين المقابر والمعابد ودفنت بجوار حبيبها الملك سيتي الأول في العرابة المدفونة بمركز البلينا بمحافظة سوهاج . بعد مرور عام على الحادثة يصطحبها والدها في رحلة إلى المتحف البريطاني، وما إن رأت التماثيل الفرعونية حتى تبدل حال الطفلة الصغيرة، وبدأت تدور حول التماثيل وتقبل أقدامها وتصرخ وطني وسط دهشة الأب وزائري المتحف، الأمر الذي دعى والدها لإبعادها عن المتحف حتى لا تثير قلق الزوار.
وبينما كان والدها يشدها بعيدا عن المتحف كانت هي تصرخ وتبكي قائلة “اتركني بين أهلي وفي وطني”، وفي إحدى المرات تقع عينيها على صورة لمعبد أبيدوس المتهدم، لتحمل الصورة وتخبر والديها أن هذا هو منزلها وأنها حين كانت تحت تأثير الغيبوبة كانت هناك وبصحبة سيتي.
وكلما ازداد حنينها إلى الوطن كانت دورثي تذهب إلى المتحف البريطاني لتقضي ساعات، وهي تحملق في التماثيل والصور، وحين بلغت سن العاشرة لفتت نظر عالم الآثار الإنجليزي الشهير السير بادج، الذي لاحظ شغفها الشديد بالآثار المصرية.
وتعتبر العالمة والأثرية البريطانية "دورثي لويس إدي" والتي تُلقب بـ"أم سيتي" من أغرب الظواهر الإنسانية في عصرنا الحديث، ليس بسبب هويتها كعالمة أثرية قدمت للعلم الأثري الكثير، وإنما كظاهرة آمنت بأن روح حبيبة الملك الفرعوني سيتي قد حلت فيها، وأن الملك قد ارتبط معها بقصة عشق لكنها لم تكتمل؛ لذا قررت أن تمضي حياتها في أبيدوس، التي كانت تصفها بأنها موطنها الأصلي الذي قدمت منه في العصور الماضية، وتلبستها روح حبيبة سيتي فى مسقط رأسها ببريطانيا. وتحكى " دورثى " أنه زارها فى الحلم كاهن مصرى اسمه: حور رع، وقال لها: تعيشين فى الغرب ولكنك وُلدت فى الشرق فى مصر، وكان اسمك المصرى: بندرشيد، كان والدك فقيرًا، فأتى بك إلى معبد أبيدوس، فلما بلغت الثانية عشرة، عرضنا عليك الاختيار ما بين أن تستمرى معنا كاهنة عذراء، أو تتركى المعبد، فاخترتِ البقاء، وقمنا بتعليمك، وكنتِ تقومين بالإشراف على المعبد، كما كنتِ تقومين بدور إيزيس فى مسرحية أودريس، التى تُقام فى المعبد كل سنة، ويحضرها الملك، وكبار رجال الدولة. كنتِ بارعة الجمال، وفى السنة التى بلغتِ فيها الرابعة عشرة، وأقمتِ أودريس من الموت بدموعك وصلواتك، بدأت تظهر عليك أعراض الحمل، اكتشفنا ذلك، أردنا أن نعرف الجانى، فلم تعترفى، فكان التعذيب، حيث ألقيتِ بقنبلة فى وجوهنا: إنه الملك سيتى الأول. استمر الكاهن حور رع يخبرنى كيف اعترفت لهم بأن الملك اختلى بى فى حديقة المعبد، وكان المأزق ، لا يستطيعون إخبار الملك، وأيضًا لا يقبلون بقائى فى المعبد معهم، فما كان إلا الانتحار هو الحل. تعرفت " دورثى" على شاب مصري حضر للدراسة يدعى إمام عبد المجيد، وتتوطد العلاقة بينهما، وبعد ثلاثة أعوام تتزوج وتنجب طفلها الوحيد، الذي قرت أن تسميه سيتي ، وفي عام 1933 تزور مصر لأول مرة برفقة زوجها، وبمجرد نزولها إلى ميناء بور سعيد تنحني مقبلة الأرض ومبللة رصيف الميناء بدموعها، يتلقى زوجها عرضا للعمل في العراق، لكنها ترفض ترك وطنها مصر، ليقع الطلاق في 1935، وعلى ما يبدو أن الزوج أخذ الطفل سيتي معه لأن جميع المصادر التي تحدثت عنها لم تذكر الطفل مجددا . بعد الطلاق تنتقل دورثي للعيش في منطقة نزلة السمان، بالقرب من أهرامات الجيزة، ترسم وتسجل وتكتب وزادت على ذلك أنها كانت تقوم بطقوس تشبه الصلوات أمام الأهرامات ، سمع عنها في تلك الفترة الأثاري المعروف الدكتور سليم حسن (1868-1961)، الذي كان يقوم بحفريات في منطقة الجيزة فاستضافها في منطقة أثار الجيزة ووظفها كرسامة في فريقه الأثري.
من خلال عملها شاركت دورثي في بعض رسومات الموسوعة الكبيرة التي كتبها حسن تحت اسم موسوعة مصر القديمة، وبذلك كانت أول سيدة في مصر تعمل في مصلحة الآثار المصرية، وبعد انتهاء عملها في فريق سليم حسن تنتقل للعمل لصالح الأثاري الدكتور أحمد فخري في منطقة دهشور .
استفادت دورثي كثيرًا من عملها مع الأثاريين العظيمين حسن وفخري، وتعلمت منهما كثير عن تاريخ مصر وحضارتها، وفي عام 1956 قررت أن تلبي نداء روحها لتذهب إلى جنوب مصر وتحديدا إلى قرية العرابة المدفونة “قرية أبيدوس” مركز البلينا محافظة سوهاج . بمجرد وصولها تخبر مفتشي الآثار أن هذا هو بيتها، بالطبع لم يصدقها المفتشون فدلتهم على بعض النقوش المكتشفة حديثا والتي لم تكن ترجمت، فتترجمها لهم، الأمر الذي أثار دهشة المفتشين، فلقبوها بالسيدة غريبة الأطوار ، لم يتوقف الأمر عند الدهشة فقط، بل واجهت دورثي رفض وجودها من نساء القرية، اللواتي خشين تأثير جمالها على أزواجهن، ما عرضها للرجم بالحجارة من قبل الأهالي، ومع كل مرة تصر أنها في وطنها وبيتها.
وفي النهاية تقرر إحدى العائلات الكبيرة في القرية الحنو عليها وتخصيص طفل لحراستها، وبفضل وساطة الدكتور سليم حسن تحصل على عمل في معبد أبيدوس وتشتهر دورثي باسم أم سيتي ، أثناء عملها في أبيدوس تنجح في ترجمة العديد من النصوص الهيروغليفية بالمعبد، كما تكتشف حديقة المعبد، وترمم أجزاء كبيرة منه، ونظرا لجهودها تقرر هيئة الآثار مد خدمتها إلى ما بعد التقاعد . ومن أغرب ما عُرف عنها أنها كانت تستخدم ماء بحيرة الأوزوريون وهي المقبرة الرمزية لأوزوريس الملحقة بمعبد أبيدوس للتداوي وعلاج الأهالي، وأحيانا كانت تستخدم بعض التعاويذ المصرية القديمة في علاجهم كأي كاهنة مصرية قديمة.
بعد تقاعدها الرسمي عام 1969 استمرت هيئة الآثار في الاستعانة بها من آن لآخر، وكان مسموحا لها بإرشاد السائحين، كما كانت تقوم بعمل بعض الأشغال اليدوية والتي كانت تلقى قبولا من السائحين ، ألّفت كتابًا اسمه: أم سيتى- أبيدوس. كانت تعالج الناس بالطب المصرى القديم ، رحلت أم سيتي في أبريل عام 1981 ورفض المسؤولون دفنها داخل معبد أبيدوس، كما رفض المسلمون دفنها فى مقبرة من مقابرهم، كما رفض المسيحيون كذلك، فدُفنت بمقبرة بجوار مقابر المسيحيين هناك ، وقبل وفاتها بشهور ظهرت في حلقة تلفزيونية لقناة بي بي سي .
#محمد_حمادى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
25 يناير 2011
-
وعى المصريين ضد مؤامرات الفتنة والتخريب عبر التاريخ
-
المولد .. جزء من الهوية الثقافية والفنية المصرية
-
نصر أكتوبر المجيد .. ودموع الهزيمة فى عيون وقحة
-
الموسيقار بليغ حمدى من الصعيد إلى العالمية
-
أزمة سد النهضة .. كيف ومتى ستنتهى ؟
-
ثورتا 23 يوليو و30 يونيو .. والجمهورية الجديدة
-
ذكرى ثورة 30 من يونيو المجيدة .. ثورة شعب .. ومستقبل وطن
-
لماذا لم تعد مصر الإحتفال بذكرى عيد الجلاء ؟!
-
مبادرات تيسير تكاليف الزواج
-
مجىء العائلة المقدسة إلى مصر قبلة للمسيحيين فى العالم
-
الحوار الوطنى وبناء الجمهورية الجديدة
-
جمهورية المستريحين !
-
الإرهاب يرد على التنمية ومسلسل -الاختيار- فى سيناء
-
تسريبات مسلسل الإختيار 3
-
مباراة الثأر!
-
الأديب والروائى الكبير ثروت أباظة .. ومعركة شىء من الخوف
-
إحياء المهرجانات الثقافية والفنية فى معبد أبيدوس بسوهاج
-
قبس من تاريخ الأمة : الزعيم والثورة
-
قطر تلفظ الإخوان
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|