|
هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه (٨)
محمد ليلو كريم
الحوار المتمدن-العدد: 7514 - 2023 / 2 / 6 - 20:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اثناء ما كنت أناقش صديقي الشيوعي، والذي يكبرني سنًا، حول السردية الكبرى التي طرحت من قِبل الماركسية غامرت بطرح التصور التالي: من المؤكد أن الطفرة هي نقطة عبور بين سابق ولاحق، وأعتقد أن اللاحق سيحتفظ بشيء من السابق. وعليه؛ عند تفحص ودراسة اللاحق لزم أن نبحث عن متبقيات وآثار ووراثة عبرت من السابق للاحق، والماركسية كمادة علمية متفردة لم تبحث في أصل الإنسان ومن هو أول انسان عاقل، واين ظهر ومتى، وكيف ظهر، أي؛ هل سبب ظهوره مستقل بذاته أم متطور عن سابق، ولأن الشيوعيين يتشبثون بالمادة والموضوعية والعلم وجب عليهم أن يبحثوا في أصل الإنسان بتقنيات أحدث، ويُطورون بحثهم بتطور التقنيات، كما ووجب أن يكون بحثهم من داخل حركتهم العلمية وبأدوات يصنعوها هم، وإلا كيف للعلم الحديث أن يتعرّف على الإنسان بالتمام إن لم يعرف ما علق به من الجيل الجنسي السابق، وإن تمكن العلم من ذلك فهم اعماق الإنسان وجذور طبائعه الإيجابية والسلبية وهو فهم تشخيصي طبي مختبري دقيق. كل سردية كبرى لا ترتكز على مختبر متطور وتقنيات مستحدثة وعلوم تخصصية وأهل تخصص لن تكون إلا مغامرة تناهض العلم، وقد اطلق الفيلسوف الفرنسي ليوتار مصطلح "السرديات الكبرى" ويقصد به النظريات الكبرى التي "تدّعي القدرة على تفسير حركة التاريخ وطبيعة الصراعات، بتصور سكوني لا يقبل النقد والمراجعة." ويُفرّق ليوتار بينها والسرديات الصغرى إذ الأخيرة تُطلق على الحالات المعزولة والمؤقتة، وفي خضم تفسيراته السردية أرجع انجلز تطور القردة العليا الى العمل، أو لنقل أن سبب التطور كان قوة العمل أو نوع الجهد المبذول، ففي تصوره أن اليد البشرية تطورت بسبب استخدامها للعمل فتشكلت كما هي الآن (أي نوعنا الحالي) كنتاج للعمل وكأن التعامل مع الطبيعة هو من شكّل الكف واليد ومع مرور الزمن تطور التشكل ليكون ما هو عليه الآن. ولكن؛ هل سردية انجلز أدق أم التقنيات المتطورة الحديثة التي شغلت المختبر والبحث الأركيولوجي والأحيائي وعلم الانساب الجيني؟ السردية الكبرى؛ القرآنية، تحدثت عن آدم بما يوحي بأكثر من صورة، فليس من صورة بعينها تحكي لنا كيفية ظهور آدم ومتى وأين بحسب النص القرآني، أي أن مسألة ظهور أول إنسان لها عدة سرديات قرآنية موزعة على السور لا تعطي صورة واحدة يُعتد بها علميًا وفق ما ننوه به من العلم. في الآية 30 من البقرة نقرأ: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ." ونلاحظ أن نهاية النص يدعم مقولة أن الله لا يُسأل عما يفعل، وهذا ما تؤكده الآية 23 من سورة الأنبياء: "لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ." وهذا المنع يدعم الكف عن البحث العلمي، ويؤكد قولنا سياق الآيات أو محيط النص الذي منه الآية السابقة (1). أن عبارة: "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" لا تدعم البحث العلمي أو التدقيق البحثي التخصصي وخاصة الحديث، فكيف لكتاب يضع هكذا شرطا أن يُعتبر علميًا؟ نص آخر من القرآن في سورة الرحمن، يتطرق الى آدم - أول إنسان: "خَلَقَ الإنسَـنَ مِن صَلْصَـل كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِج مِّن نَّار (15) فَبِأَىِّ ءَالآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" قبل التطرق لمادة خلق آدم ونظرية الخلق ننوه الى التوبيخ المتكرر في هذه السورة: فَبِأَىِّ ءَالآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ. ونُذكّر بالمنع القرآني الذي هو شرط يفرضه الإسلام يُحرّم فيه السؤال والبحث والتقصي "لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ." ونؤكد أن هذا الشرط مانع متين للمبحث العلمي والتقصي التخصصي، وأعتقد أن نيل ديغراس تايسون (2) أكد على هذه الحقيقة حين قال: "العلم هو فلسفة الاكتشاف. التصميم الذكي هو فلسفة الجهل، وهو شيء يحدث في اذهان الناس عندما يواجهون اشياء لا يفهمونها". هل تتوافق مقولة القرآن حول مادة خلق آدم "صَلْصَـل كَالْفَخَّارِ" مع علم البايولوجيا والتخصصات العلمية المعنية بتراكيب الإنسان العضوية؟ في نص قرآني آخر، الحجر (26)، نقرأ: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ." سيحتج متدين مسلم أن النصوص التي سقناها في هذا الشأن تُعرف بمعرفتنا باللغة، واتساءل: هل العلم التخصصي يقوم باللغة ويشتغل بها أم بأدوات ورموز ومناهج خاصة به لا تعمل وفق النحو والصرف ومعاني الكلمات؟ أصل ما نحتج به أن الفقيه وهو وريث النبي لم يحز أو يكشف عما يفوق العلوم التخصصية الحديثة في مسألة مكان وزمان وكيفية ظهور الإنسان الأول والذي يدعونه في المصطلح الديني بآدم، ولكي نؤكد على ما جاء في أصل طرحنا سنفسح المجال واسعًا للولي الفقيه في الجزء العاشر من هذه السلسلة ليتبارى مع أهل التخصص. لم يشرح لنا القرآن بلغة علمية تخصصية كيفية ظهور أول انسان ومكان وزمان ذلك الظهور الأول، وهو، أي القرآن، قد تمادى أكثر وراح يصف لنا مادة خلق الجن (الرحمن 15) "وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِج مِّن نَّار" أو الجان، ولم يشرح لنا وفق العلم التخصصي كيفية تحويل مارج النار الى كائن، ولم يترك لنا رب القرآن، كاتبه أو موجده، دلائل علمية رصينة وقطعية تُبين زمان ومكان وكيفية ظهور أو إنسان وأول جان، ولم يتقدم الولي الفقيه بهكذا منجز علمي للإثبات والدليل، ورغم ذلك يُطالبنا بالتصديق والإيمان بأن سرديته الكبرى هي الحق المبين. .............. (1) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25).
(2) نيل ديغراس تايسون عالم أميركي مختص بالفيزياء الفلكية، كاتب ومقدم للعديد من البرامج التلفزيونية العلمية. يعمل حالياً باحثاً في قسم الفيزياء الفلكية في المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي ومديراً للقبة السماوية "هايدن" التابعة للمتحف. ويكيبيديا.
#محمد_ليلو_كريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه (٧)
-
هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه (٦)
-
هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه (٥)
-
هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه (٥)
-
هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه (٤)
-
هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه (٣)
-
هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه (٢)
-
توجس.. دولة الرئيس - زعيم حزب
-
هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه (١)
-
عاملا الصمود والدولة
-
اللامُحاوِر ( ٣ )
-
اللامُحاوِر ( ٢ )
-
اللامُحاوِر ( ١ )
-
فقه؛ وصابون وديتول
-
لا أخفي عليكم، القرآن يحتاج لنظام gps
-
معضلة - إما - و - أو - وأحجية مدحت المحمود
-
الأم حلوى وخبز
-
كلاو بعد كلاو بعد كلاو بعد كلاو......
-
الإطار والتيار والثوار.. البرلمان البتّار
-
هذا الكنغر ليس مصريًا
المزيد.....
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|