|
ميتافيزقيا الزمان والمكان
عادل الامين
الحوار المتمدن-العدد: 1704 - 2006 / 10 / 15 - 10:19
المحور:
الطب , والعلوم
- مقدمة : إن جميع أفكارنا تقوم على تمثلنا للأشياء تمثلاً يأخذ فيه اللاحق بعنق السابق من الزمان ، فالزمان والمكان فكرتان واضحتان ، يبدو أنه من المستحيل تعريفهما بكلمة غيرهما ، يخيل إلينا إنهما أمران موجودان خارج وعينا وجوداً عينياً ، هذا وقد أستبدت فكرة إطلاق الزمان والمكان وتأصلهما في الوجود بجميع الأذهان الباحثة على مر العصور ، وكانت مناط البحث العلمي حتى جاء العالم إلبرت أينشتين(1) . عندما سئُل هذا العالم الألماني الفذ فور وصوله ميناء نيويورك من قبل الصحفيين أن يفسر لهم النظرية النسبية بأبسط الكلمات قال :
" لقد كان الناس من قبل يعتقدون أنه لو أختفت جميع الأشياء المادية من العالم لبقي الزمان والمكان مع ذلك !! أما النظرية النسبية فإنها ترى أن الزمان والمكان يختفيان أيضاً كسائر الأشياء !! " لنتأمل كلام هذا الرجل العبقري بتجرد ونزاهة حتى نتكمن من الحصول على تعريف علمي لماهية الزمان والمكان .
2- تعريف الزمان / المكان
قد يخطر في بال أحدنا هذا السؤال الغريب ، بما أن الزمان والمكان مخلوقان .. أيهما بدأ خلقه أولاً ؟! إذا قلنا بدأ خلق الزمان لزم ذلك وجود مكاناً يتحرك ليدل عليه وإذا قلنا بدأ خلق المكان فلا بد أن يستغرق ذلك زمناً ، لنتخلص من هذه المعضلة يجب أن نقول أن المكان يقع بين زمانين ، زمن الخلق وهو الزمن الذي تنزل من الزمن المطلق الذي يشير إلى غيب الغيوب "الله خالق هذا الكون" والزمن المعاش "الحادث" وهو الزمن الإنساني الذي أحدثته حركة الأجرام السماوية والأرض التي نعيش فيها ، إجمالاً يمكن أن نقول أن هناك زمناً مطلقاً خارج وعي الإنسان وزمناً نسبياً ، هذا الزمن النسبي من عدة أنواع .
زمن الخلق : هذا الزمن الذي تستغرقه عملية الخلق على مبدأ كن فيكون ، قد يكون كلمح البصر "جزء من المليون من الثانية" أو من أيام الله التي لا تشبه أيامنا.
الزمن المعاش "الحادث" : الزمن الإنساني أو الزمن الذي نجم عن حركة الأرض والأجرام والكواكب والنجوم .
وللربط بين هذه الأزمنة المختلفة يمكننا إعتماد الزمن الضوئي .
الزمن الضوئي : هو المسافة التي يستغرقها الضوء عند إندفاعه بسرعته المهولة (186.000 ميل / ث)
3- تداخل الأزمنة :
إن العلاقة بين هذه الأزمنة المذكورة آنفاً علاقة متداخلة في إنسجام رائع ، يمكن تمثيلها بأربع دوائر متراكزة ، الدائرة الخارجية تشير للزمن المطلق الدائرة التي تليها تشير لزمن الخلق ثم دائرة المكان التي تحوي داخلها الزمن المعاش والزمن الضوئي ، لتقريب المعنى للأذهان لتداخل الزمن نضرب مثلاً معاصراً : تمثل السينما عالماً متخيلاً يشبه عالمنا ، عندما نجلس فيها نشاهد فلماً سينمائياً مدة عرضه ساعة ونصف أو ساعتين ، في هذه المدة قد نشاهد فلماً تاريخياً يعبر عن سنين طويلة أو فلم يعبر عن أيام بلياليها دون يحدث ذلك لبس في عقلنا وذلك لوجودنا خارج الزمان والمكان الذي يمثله الفلم السينمائي ويحدث هذا التداخل المنطقي لأزمان عدة دون أن يخل بهرمونية التفكير الإنساني ، فيقودنا ذلك إلى شيء مهم ألا وهو علاقة العقل بالزمن المعاش.
4- العقل الانساني والزمن المعاش :
إن تركيب العقل الإنساني من منظور معنوي ، ذاكرة/ ماضي وآنية / حاضر . وخيال / مستقبل جاءت لتتلاءم مع فكرة الزمن المعاش ، الذي جعل أيام الإنسان ثلاثة يوم مضى ويوم معاش ويوم قادم وتحولات عقل الإنسان بين الذكرى والخيال تولد التفكير ، كما توجد في الكائنات الحية بما فيها الإنسان ساعة طبيعية ((Biological Watch ، هذه الساعة تنقل للإنسان الإحساس بالزمن عبر منافذ الحواس العقلية المعروفة كالسمع والبصر . إذا تعطلت إحدى هذه الحواس بسبب ما ، كتعطل حاسة الإبصار بالنوم مثلاً ، يفقد الإنسان الإحساس بالزمن ، لا يعرف كم من الزمن نام ؟! . كما أن الحالة النفسية للإنسان هي التي تحدد له طول المدة الزمنية . مثلاً ، الذي يركب قطار في سفرة مملة إلى مدينة تبعد ثلاث ساعات قد يحس بوطأة الزمن وإنه يمضي بطيئاً ، لأن لحظات الإنتظار هي اللحظات المهدرة من الزمن الإنساني ، بينما الذي يجلس لحل اختبار في مادة الفيزياء الصعبة لنفس المدة يحس أن الزمن يمضي سريعاً ولن يسعفه ويشعر بحركة الزمن السريعة ، بل أن هذا المفهوم النسبي لتمدد وإنكماش الزمن قد ينطبق على حدث واحد بالنسبة لشخصين مختلفين ، مثلاً في مباراة كرة القدم ، الشخص الذي يؤازر الفريق المنتصر يتمنى أن ينتهي زمن المباراة سريعاً ويحس بأن الزمن يمضي بطيئاَ ، بينما الذي يؤازر الفريق المهزوم يتمنى أن يمضي الزمن بطيئاً حتى يتمكن من تغير النتيجة ولكنه يحس بأن الزمن يمضي سريعاً ولن يمكنه من تحقيق ذلك .
نلخص من ذلك أن الزمان حركة وأن مجرى الزمن مرتبط بتغير المواد الغروية لخلايا أجسامنا وعلى الخصوص خلايا الدماغ ، فإن أي نوع من الإختلاف يطرأ على شعورنا بالزمن المعاش "الحادث" ، في بعض الحالات بسبب النوم أو الحالات المرضية (الحمى ، التسمم) ، يقابلها تغيرات في توازن الغرويات للجهاز العصبي ويخضع تغير هذه الغرويات للمبدأ الثاني من مبادئ الدنميكا الحرارية "مبدأ اللارجعة"(2) ، فمحور الزمن له اتجاه واحد هو الإتجاه الأمامي ولا يرجع إلى الوراء أبداً ، ومبدأ اللارجعة هذا يسيطر على حركة التطور في الكائنات جميعاً ، تسود فيه فكرة الاحتمالات ، فالحالة الأكثر احتمالاً تعقب حالة أقل احتمالاً من غير أن ترجع إلى وراء ، هذا السبب الذي يحول دون نكوص المجاميع المعقدة بما فيها الإنسان وتقهقرها عبر الزمن . إن مجرى حياتنا وزمننا المعاش الذي لا يقهر هي حالة خاصة من حالات مبدأ من مبادئ فيزياء المجاميع المعقدة .
5- العقل الانساني والآنية:
تحدثنا في البند السابق عن علاقة العقل بالزمن وعرفنا أن الزمن حركة مستمرة إلى الأمام وأن العقل وفقاً لذلك يكاد ينقسم إلى ذاكرة / ماضي وخيال / مستقبل .. ألا توجد (لحظة آنية) آنية تخرج بالإنسان من الزمان والمكان ؟!
إن هذه اللحظة ممكنة للعقل المؤدب بأدب اللحظة الحاضرة للإنسان العميق المعرفة بالذات الإلهية ، ذلك الإنسان الذي لا يتحسر أبداً على الماضي أو يجزع لهواجس المستقبل في هذا العالم القلق ، هذا بالنسبة للإنسان العارف .
وقد تحدث أيضاً للإنسان الغافل وذلك بأن يشغل حواسه كالسمع والبصر بشيء لحظي مثل مباراة أو فلم سينمائي أو موسيقى أو جلوس مع شخص حبيب إلى القلب وذلك لأن الإنسان في داخله فراغين معنويين هما السر وسر السر قال تعالى ] وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى] (7 طه) ، هذا الفراغ هو الذي يجعل التفكير يتأرجح بين الماضي والمستقبل ، عندما يجلس الإنسان وحيداً في مكان يشوبه الصمت ، لا بد أن ينتقل فكره بين الماضي وأحزانه أو المستقبل وهواجسه وقد يسبب ذلك له التعاسة الشديدة لذا عليه أن يغتنم متعة اللحظة الحاضرة ويسلم أمره لله.
إن الإنسان منقسم على نفسه ، إنه جملة من المتناقضات ، عليه أن يوحد نفسه بكافة السبل حتى يحصل على السعادة المرجوة ، عليه أن يكون وحدة ذاتية في وحدة زمانية في وحدة مكانية ، إن الإنسان الحر هو الإنسان السعيد "الإنسان الذي يفكر كما يريد ويقول بما يفكر ويعمل بما يقول ثم لا يكون نتيجة فكره وقوله وعمله إلا براً بالأحياء والأشياء
(1) البرت انشتين والنظرية النسبية – د . محمد عبد الرحمن مرحبا – دار القلم بيروت لبنان (2) مبدأ كارنو ( نفس المصدر السابق ) (3) مفكر سوداني راحل
#عادل_الامين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكاية حليمة الصومالية
-
الدين والاخلاق عبر العصور
-
نوستالجيا
-
الانسان اولا
-
.........الطاووس
-
العراق وسباق المسافات الطويلة
-
موت شاعر
-
الرأسمالية ليست نهاية التاريخ
-
قصة قصيرة:.........الكلب........
-
الاصولية المزعومة والعلمانية المفترى عليها
-
العراق والسودان في مخيلة النخبة العربية
-
الدولة الدينية والدولة المدنية-الحلقة الاولى
المزيد.....
-
قد تكون أول دليل على السرطان.. علامات لو ظهرت على ساقيك لا ت
...
-
تردد قناة مصر أم الدنيا الجديد 2024 على القمر الصناعي نايل س
...
-
5 مشروبات تمنحك عظامًا أقوى لو عندك نقص فى الكالسيوم.. إنفوج
...
-
نائب عميد معهد الكبد: إجراء عمليات السمنة بدعم من مبادرة حيا
...
-
تكنولوجيا -أربيل- الهندية تحول بنادق الإسرائيليين إلى أدوات
...
-
ما هي أسباب إصابة الأطفال بالسرطان؟
-
احذر من هذه المكملات الغذائية الثلاثة الشهيرة واعرف مخاطرها
...
-
سوسو الثرثارة ليش بتحكي للجيران.. تردد قناة كراميش 2024 KAR
...
-
عيادات الإقلاع عن التدخين فى المبادرة الرئاسية.. حيل نفسية ل
...
-
مَتّى المسكين.. راهب مصري عارض البابا شنودة واعتزل في مغارة
...
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|