أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض المنظومة الفكرية لدى ألبير كامو















المزيد.....

نقض المنظومة الفكرية لدى ألبير كامو


هيبت بافي حلبجة

الحوار المتمدن-العدد: 7511 - 2023 / 2 / 3 - 10:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


على الرغم من رحيله المبكر أثر حادث مميت ، حاز ألبير كامو على جائزة نوبل للآداب عام 1957 عن روايته الوباء ، الطاعون ، وقدم للبشرية منظومة فكرية مميزة في مؤلفاته ، إسطورة سيزيف ، الغريب ، الإنسان المتمرد ، الأعراس ، رواية السقوط ، مسرحية كاليجولا ، من خلال تصوره الكامل عن الحياة والوجود والموضوعات البشرية ، عن مفهوم العبث والإنسان العبثي ، عن الإغتراب والإغتراب السلبي ، عن الإنتحار والإنتحار الفلسفي وحتى الإنتحار العقائدي ، وربما عن إندحار الإنسان في تأصيله الإنطولوجي والسوسيولوجي . وهكذا :
المقدمة الأولى : إن نقطة الإنطلاق في منظومة كامو الفكرية ترتكز على قاعدة جوهرية وهي : إن الإنسان منذ اللحظة الأولى ، منذ لحظة المنذ ، قد إغترب عن حقيقة واقعه ، إغترب عن مضمون إشكالية وجوده ، إغترب عن أساس محنته في الكون والطبيعة ، ولحظة الإغتراب بدأت حين سلم الإنسان قضية سعادته ، مصيره ، أحواله ، قضية فهمه لوجوده ، لهذا الكائن الأعلى ، الذي هو في السماء ، الذي هو في الحقيقة ليس إلا الذي ، تعبير إفتراضي لايتخطى إلا الذي . وهذا الإغتراب يمتاز ب وله أوجه هي :
النقطة الأولى ، إنه لاينبثق من أية ضرورة ، ولا من أية ضرورة تاريخية ، ولا ضرورة إنطولوجية ، ولا حتى من أية ضرورة سوسيولوجية . بمعنى إنه ليس ضرورة خارجية ولا داخلية بنيوية ، إنما هو إغتراب من الجهل وعنه ، من الخوف وعنه ، من الفكر البدائي الإسطوري وعنه ، فالإنسان إرتكب حماقة تاريخية حينما سلم مفاتيحه الخاصة لهذا الكائن الإفتراضي .
النقطة الثانية ، إنه قد جعل من هذا الكائن الأعلى الإفتراضي ، هذا الإله المزعوم ، شرطاٌ وجودياٌ للشرط الإنساني نفسه ، أي لولا هذا الشرط الإنطولوجي الإلهي ، وهو شرط ناتج من تلك الحماقة البشرية ، لما كان من الممكن أن يتوفر الشرط الإنساني ، لما كان من الممكن أن يتحقق الوجود البشري ، وبتعبير أصفى وأدق ، لقد أصبح هذا الإله ، من حيث لايدري ، من حيث هو غير موجود ، مالكاٌ لشرط وجودنا ، لشرط سعادتنا ، لشرط مستقبلنا .
النقطة الثالثة ، إنه قد صادر الواقع ، صادر العلاقة الفعلية مابين الواقع ومابين الإنسان ، ولم يعد الواقع واقعاٌ إنسانياٌ بشرياٌ ، إنما واقعاٌ إلهياٌ ، لإنه قد جعل الواقع رهينة مباشرة مابين أيدي هذا الكائن الأعلى ، واقعاٌ خاضعاٌ للشرط الإلهي ، حتى أصبحنا ، نحن ، محكومين بشرط الواقع وبالشرط الإلهي معاٌ .
النقطة الرابعة ، إن هذا الإغتراب ، بالأسس التي ذكرناها في تلك النقاط الثلاثة ، قد يفضي إلى إلغاء ذاته من خلال أن يسترد الإنسان مصدر سعادته ، مصدر علاقته الأصلية والأصيلة بالواقع ، من خلال إلغاء إستناد شرطنا الوجودي إلى الشرط الإلهي ، ومن خلال التحرر من كل تلك التبعات التي تكبل فكرنا ، من خلال إلغاء الشرط الإلهي .
المقدمة الثانية : ومن زاوية أخرى ، يؤكد كامو إن الإنتحار ، وهو الأساس الفعلي لإشكالية الإغتراب ، إرتهن بسؤالين جوهريين منذ تلك اللحظة المنذوية ، أحدهما إنطولوجي ، والثاني سوسيولوجي ، والأول هو منطوق الإطروحة الدائمة : من أين أتى الإنسان ، وكيف أتى ، وماموضوعه ، وما الغاية من وجوده ، ومامصيره ، وإلى أين . والثاني هو منطوق الإطروحة ذي المعادلة الصعبة : العدالة وما شكلها وما منطقها وماهي مقوماته ، سيما وإن الأمور تسير متعاكسة على الأرض ، فقد يكافأ الظالم وقد يظلم العادل ، بضم اليائين ، ولايعقل ألا تتحقق العدالة ، سيما العدالة الأبدية . وهكذا :
النقطة الأولى ، يؤكد كامو إن الوعي هو أساس تأصيل موضوع الإنتحار ، لإن الوعي الإنساني هو الذي خلق شرط القلق الوجودي ، لذلك فإن الحيوان ، إما لإنه لايتمتع بالوعي أو لايتمتع بالوعي الكافي فإنه لايقلق ، إنه لايعرف الشعور بالقلق ، فهو يتصرف حسب شرط فعل الواقع ، في حين إن الإنسان يتصرف حسب شرط المستقبل ، حسب الشرط الغائب ، حسب السؤال : فيما إذا أو إذا كان أو ربما . وهنا يتحدث كامو عن موضوع الوعي وليس عن درجة الوعي ، فالأول يتعلق بأساس إشكالية الإنتحار والإغتراب ، في حين الثاني يتعلق بأساس مستوى الجهل .
النقطة الثانية ، يؤكد كامو إن المفارقة الثانية مابين الإنسان والحيوان تكمن في معضلة الموت ، فهي بالنسبة للحيوان أساس غير موجود أصلاٌ في حين إنها تخلق لدى الإنسان حالة بائسة ويائسة ، سيما إنه متأكد تماماٌ من إنه غير قادر على تغيير مسار الموت القادم ، لذلك إلتجأ الإنسان ، من حيث إن هذا هو سبب في فهمه لوجوده ، إلى الكائن الأعلى ، إلى الإنتحار ، إلى الإغتراب ، ليخلق لنفسه مبرراٌ أو مصدراٌ للخلود ، فالخلود الإنساني ، من حيث هو إدراك بشري ، يتحقق من خلال الخلود الإلهي ، ومن خلال إن الموت ليس إلا مرحلة ، ليس إلا حدثاٌ يكشف عن الخلود الأبدي .
المقدمة الثالثة : قبل أن ننتقل إلى المقدمة الرابعة ، من الجوهر أن ندرك مايلي :
من زاوية ، لا أتفق أبداٌ مع الترجمة العربية للمصطلح المستخدم باللغة الفرنسية ، فمفردة ، لابسورد ، وهي مذكورة بأل التعريف لاتتماهى مع المصطلح باللغة العربية ، العبث ، سيما وإن كامو لايقصد مطلقاٌ مفهوم العبث ، إنما يقصد الوجود الإنطولوجي اللامعقول ، لذلك هو يتجنب إستخدام ، أبسورد ، كصفة إلا إذا أفادت الصفة محتوى الماهية الإنطولوجية .
ومن زاوية ، ينبغي أن نمايز مابين العبث كأسم ومابين فحوى الفعل ، من يعبث ، فالأول يحقق المعنى الوجودي الإنطولوجي وهو مايرمي إليه كامو ، والثاني يحقق المعنى السوسيولوجي الذي لاعلاقة له بالتأصيل الفكري لإطروحات كامو ، سيما إن موضوع الفعل ، من يعبث ، لايلغي فكرة الوجود اللاعبثي مابين قوسين ، كما إن الوجود العبثي لايضفي العبث على المستوى الحياتي ، لذلك يمكننا القول إن الوجود العبثي يتعلق بموضوع الوجود ، وإن الفعل ، من يعبث ، يتعلق بموضوع الحياة ، مع إدراكنا إن الأول إذا ما تحقق يضيف شرطه على كل الوجود ، في حين إذا ما تحقق الثاني فإنه يخص الجزئية الموازية للفكرة الأصلية .
المقدمة الرابعة : يؤكد كامو ، وهذه هي نقطة الأصل في منظومته الفكرية ، إن الوجود في المستوى الإنطولوجي لامعنى له ولامغزى ، ولاهدف ولاغاية ، ولامبرر له ولامسوغ ، فهذا الوجود يتماهى ويتناظر مع دلالة المفردة الفرنسية ، لابسورد ، وإذا ما قبلنا على مضض ، إن هذه المفردة تجد تعبيرها في اللغة العربية في صيغة العبث ، فسنقول آنئذ ، هذا هو العبث ، هذا هو ال لابسورد . وهنا ينبغي ، بل من الضروري ، أن ندرك التالي :
من زاوية ، إزاء موضوع الوجود أو العبث ، يستخدم كامو مصطلحين يتكاملان في المعنى وفي التأصيل ، مصطلح الإنسان العبثي ، ومصطلح فلسفة الإنتحار ، أي :
طالما إن الوجود هو هكذا من الناحية الإنطولوجية فالإنسان الذي ينتمي إليه ، وينتمي إليه فقط ولاينتمي إلى وجود تصوري ماورائي ، هو الإنسان العبثي ، هو إنسان هذا الوجود ، هو ينتمي إلى العبث ولاعلاقة له بمفهوم الفعل ، يعبث ، فهو لا يعبث ، إنما يرضخ بكل إدراك لهذا الوجود ، لهذا العبث . في حين إن من يسعى إلى الإنتماء إلى خارج هذا الوجود ، ويحتمي بما هو غيبي ما ورائي ، فهو ينتمي إلى فلسفة الإنتحار . أي وفي الأصل لدينا فلسفتان ، فلسفة العبث ، وفلسفة الإنتحار ، الأولى تخص وتنتمي إلى الواقع الفعلي الأساسي للوجود ، وهي الفلسفة الأصيلة ، في حين إن الثانية فلسفة الوهم ، فلسفة الخداع ، فلسفة البحث عما لارجاء منه ولا فائدة ، أي وبتعبير أدق : إن الفلسفة كما ينبغي أن تكون هي تكمن في العلاقة مابين العبث ومابين الإنسان العبثي ، وإن فلسفة الإنتحار تكمن في الإغتراب ، في وهم العلاقة مابين الإنسان وذاك الغائب الذي لن يحضر أبداٌ .
ومن زاوية ، لقد تحاشينا حتى هذه اللحظة إستخدام مفردة ومصطلح ، المعقول واللامعقول ، كي لايلتبس علينا الأمر ، المعقول هو جوهر الفهم مابين العبث والإنسان العبثي ، واللامعقول هو جوهر العلاقة الوهمية مابين الإغتراب ومابين الإنتحار الفلسفي . وللأسف حصل إلتباس قاتل في منطقة الشرق الأوسط ، إذ أرتبط مصطلح اللامعقول بمصطلح العبث ، وأرتبط مصطلح المعقول بإطروحات الواقع المصادر ، الواقع الذي تم مصادرته من قبل الأديان ، فالأديان هي حالة إغتراب ، حالة الإنتحار الفلسفي ، هي حالة كافة الكوارث التي يعاني منها الشرق الأوسط ، منذ المنذ إلى حيث إلى .
المقدمة الخامسة : في هذه المقدمة الأخيرة ، لامحيص من ذكر قضيتين متكاملتين ، قضية الإنتحار الفيزيائي الجسدي ، وقضية التمرد ، وكلتاهما تتعلقان بالحياة ، الأولى إن الحياة غير جديرة بإسمها وتماثل فكرة هل الحياة تستحق معناها ، والثانية إننا طالما موجودون فمن الأولى أن نكون في مستوى معنى وجودنا الخاص ، وهكذا تتولد لدينا فكرتان متعاكستان ، الأولى هي الرضوخ لنوائب الحياة وكوارثها من خلال الإستسلام للإكتئاب ، والثانية لإن الحياة هي هكذا فهي تقتضي منا التمرد عليها . وفي الفعل ، إن القضيتين هما معاٌ أساس قضية واحدة ألا وهي قضية السعادة البشرية ، فبالإنتحار الفيزيائي الجسدي يتخلص المرء ، يتخلص سلبياٌ ، من المعاناة والآلام ، ومن بشاعة الحياة ومصائبها ، وبالتمرد يتغلب المرء على واقعه ، ويمنح لوجوده ، وفي الحقيقة لحياته ، شيء من المعنى وشيء من المبنى والمغزى .
نكتفي بهذا القدر ، ونعترض على النحو التالي :
أولاٌ : لو نظرنا إلى المنظومة الفكرية لدى ألبير كامو من مستويين ، المستوى الأول هو مستوى الوجود ، والمستوى الثاني هو مستوى الحياة ، وربطنا مابين المستويين ومابين المحاولة الذهبية في إسطورة سيزيف ، والتي تتمحور حول محاولة الإنسان الصعود بالصخرة من أسفل الجبل إلى ذروة الجبل ، وفي كل مرة يصعد بها قليلاٌ تتدحرج إلى أسفل الجبل ، بحيث إنه لايفلح إطلاقاٌ في الوصول بها إلى الإعلى .
والسؤال الجوهري هو هل هذه المحاولة تتعلق بمفهوم الوجود أن إنها تتعلق بمحتوى الحياة ، والجواب هو هل محاولة الإنسان ، ومهما تكن طبيعة وهدف هذه المحاولة ، تستطيع من حيث المبدأ المتأصل في الوجود أن تغير شيئاٌ من هذا الوجود أم إنها تسعى إلى تقويم الحياة ، إلى فهم الحياة ، إلى تقعيد الحياة ، فلاشك ولا إرتياب إنها تخص الحياة . وهذا يعني إن العبث ، لابسورد ، ليس عبثاٌ وجودياٌ كما يتمنى ويرمي إليه ألبير كامو ، إنما هو عبث حياتي ، أي إن ليس الوجود هو لابسورد إنما هي الحياة لابسورد ، وبالتالي إن مايسميه كامو بالقلق الوجودي ليس قلقاٌ وجودياٌ إنطولوجياٌ إنما هو قلق إعتباري ، قلق شعوري ، قلق تتعلق بالمرحلة التاريخية ، وهو ما لا يتقبله كامو البته .
ثانياٌ : ومن منظور آخر ، حيث المنظومة الفكرية تطرح مفهوم الإنسان العبثي ، وتطرح مفهوم الإنتحار الفلسفي ، والمفارقة مابين الأثنين ، الأول يتماهى مع حقيقة الوجود وينضوي تحت ماهيته ، والثاني يصادر حقيقة الوجود ويفضي إلى محتوى الإغتراب ، والمقاربة مابين الأثنين تخلق نوعاٌ من حالة التناقض التأصيلي :
فكلاهما يستندان على الوجود البشري أو على الحياة البشرية ، والإنسان من حيث كليهما هو منتوج غير أصيل في الكون ، هو منتوج لاحق ، أتى وسوف يزول ، ويتساوى هنا مع حقيقة الحيوان والنباات ، فهل يستطيع الأرنب أن يعين موضوع الوجود ، وهل تستطيع الشجرة أن تفعل ذلك .
وقد يخطر على البال إن وعي الإنسان قد يهدم مبنى هذه الحالة ، وفي الفعل إن هذا الوعي لايستطيع إلا أن يكون مرهوناٌ بالأصالة الوجودية للفيزياء ، للكيمياء ، للرياضيات ، لبنية وماهية تلك الجسيمات المجهرية الدقيقة ، كما إن هذه الأسس سوف تبقى بعد زوال البشر ، ومن الجدير ذكره إن ماذهب إليه كامو بهذا الصدد مميز ويتمتع بمصداقية بالغة سيما في حدود العلاقة مابين الإنسان ووجوده المؤقت ومابين ماهية وطبيعة هذا الكون ، وهذه الجسيمات ، أي إن الإنسان العبثي هو حالة ضرورية لفهم موضوع الوجود أو التوجه نحو أساسياته ، بعكس الإنتحار الفلسفي الذي لايفضي إلا إلى سبيل مصدود ، إلا إلى وهم حقيقي .
ثالثاٌ : ومن منظور ثالث ، حيث ال لابسورد ، حيث العبث ، فإذا ماقارنا مابين المنظومة الفكرية لهيجل ، ومابين المنظومة الفكرية لكامو ، ندرك بيسر إن منظومة هيجل تجسد منظومة إغتراب حقيقي ، وهي منظومة عاقرة عقيمة ، وهي جوهر الإنتحار الفلسفي ، وتصادر العلاقة الأصيلة مابين الواقع والإنسان ، بينما ندرك إن منظومة كامو تجسد العلاقة الأصلية مابين الواقع والإنسان ، لكنها تفشل في تحديد هوية هذه العلاقة لسبب بسيط ، وهو إن كامو يعتقد إن الإنسان هو جوهر أصيل وتام في الكون ، وهو جوهر يضفي على الواقع مقوماته الفعلية : هنا لا مندوحة من ملاحظتين :
الملاحظة الأولى ، يؤكد كامو إن الحياة لاتستحق أن نعيش فيها ، فيختزل الوجود والكون والواقع في مضمون الإنسان ، فلو كان سعيداٌ وخالداٌ فإن الحياة تستحق أن نعيش فيها ، لكن طالما ثمت كوارث وآلام وفواجع ومصائب ، إضافة إلى الموت ، فإن الوجود الإنساني لامسوغ له ولامبرر . أي هل يعتقد ألبير كامو إن ينبغي أن يكون الإنسان خالداٌ مخلداٌ في الوجود ، وأن يكون سعيداٌ سعادة مطلقة ، حتى يكون للوجود معنى ومسوغ ، وأن يكون للحياة مضمون وفحوى .
الملاحظة الثانية ، يؤكد كامو إن الجسد البشري يتراجع أمام الهدم ، أمام الهدم العدمي ، وكأنه يسعى إلى الخلود ، إلى قهر الفناء والموت . ولايدرك إن الجسد البشري ، بهذه الطريقة ، يدافع عن ذاته ، يدافع عن وجوده ، فجسدنا يملك ويتمتع بأساليب عديدة جداٌ يحمي بها ذاته .
رابعاٌ : من المؤكد ثمت مفارقة هائلة مابين منظومة فكرية تسعى إلى تفسير الوجود ، إلى تحديد مقوماته ، كما فعل معظم الفلاسفة ، ومابين منظومة فكرية تفرغ الوجود من كل شيء وتبطل مايمكن أن يكون شيئاٌ منه ، كما يفعل ألبير كامو ، وهذا يفضي إلى نتائج هالكة تحطم أية علاقة محمودة مابين الإنسان والوجود ، مابين الوجود والوجود نفسه ، وبالنتيجة نلج إلى سراديب تحكمها قوانين عبث العبث ، قوانين اللاقوانين ، وهذا ما لايقبله كامو نفسه .
خامساٌ : حينما ينعت كامو الوجود بالعبث ، والعبث ، في أصالته ، لايمكن إلا أن يكون إنطولوجياٌ ، فهذا يعني تماماٌ إن كامو يدرك كلياٌ ما هو اللاعبث ، ماهو الطرف المعاكس للعبث ، ماهو الشيء الذي إذا غاب أفضى إلى العبث ، أي الذي ، إذا غاب ، جعل من الوجود عبثاٌ .
وفي الفعل ، وفي كل مؤلفاته ، لايوجد سوى فكرة واحدة إستبدت بإطروحاته ، وهي تمثل غياب السعادة البشرية ، غيابها من خلال الموت ومن خلال العذاب ، والسعادة البشرية لايمكن أن تكون معياراٌ لحالة إنطولوجية ، أو مقياساٌ لمصداقية وجودية . لإن :
نحن لسنا إلا حالة مؤقتة على الأرض ، أتينا وسنزول ، أتينا بفعل مقدمات ما في الطبيعة ، ولم نكن مقصودين لكي نكون ، أي لا أحد في الوجود ، في الطبيعة ، في زاوية ما ، أراد أن نكون ، قصد ذلك قصداٌ ، وطالما إننا الآن هنا فمن الطبيعي والجوهري أن نعاني ، أن تمارس الطبيعة علينا كافة قوانينها ، كما تمارس ذلك على النباتات ، على الحيوان ، وعلى نفسها ، لذلك فإن سعادتنا ليست مقياساٌ ولا معياراٌ ، وليست إلا مفهوماٌ خاص بنا ، يخصنا دون غيرنا . وإلى اللقاء في الحلقة الواحدة والأربعين بعد المائة .



#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقض مفهوم الكون لدى هولباخ
- نقض وجود الإله
- نقض محنة سيدنا إبراهام لدى كيركجارد
- نقض سورة الفاتحة في النص الإلهي
- نقض مفهوم السلوك البشري لدى روبرت سابولسكي
- نقض علم الآلهة بالأشياء لدى الغزالي
- نقض حجج الحدوث لدى الغزالي
- نقض المسألة الأساسية في الفلسفة
- نقض سماوية النص الإلهي
- نقض مفهوم الوجدان المتأله لدى العرفاء
- نقض المنطق الأرسطوي والمنطق الهيجلي
- نقض برهان الحركة والزمن لدى أرسطو
- نقض إرادة ومشيئة إله الكون
- نقض قصة الإسراء والمعراج في النص الإلهي
- النص الإلهي يبيح الزنا
- نقض مفهوم الإله لدى إسبينوزا
- نقض قصة آدم في النص الإلهي
- نقض ماهية الشر في الإسلام
- نقض مفهوم الشر لدى غوتفريد لايبنتز
- نقض إشكالية الشر لدى ماري بيكر إيدي


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض المنظومة الفكرية لدى ألبير كامو