|
المظاهرات في تل ابيب حرام، والمظاهرات عند العرب يوك، فما العمل؟
جواد بولس
الحوار المتمدن-العدد: 7511 - 2023 / 2 / 3 - 02:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المظاهرات في تل ابيب حرام، والمظاهرات عند العرب يوك , فما العمل ؟ كما كان متوقعًا، فلقد بدأ وزراء الحكومة الاسرائيلية الجديدة بتطبيق تدريجي لمخططاتهم المعلنة؛ ومن المتوقع أن يشعر قريبًا الكثيرون من المواطنين وخاصة العرب، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى القطاعات المهنية والشرائح الاجتماعية، بتبعات السياسات الجديدة وبأوزارها. وعلى الرغم من ان بعض الأفراد بدأوا بدفع ثمن الممارسات الاسرائيلية القمعية الجديدة، سيبقى خطر هذه الحكومة الاكبر كامنًا في اصرارها على تقويض المنظومة القضائية، تحت مسمى الاصلاحات الادارية، وتعزيز قوة وصلاحيات الحكومة وأدوات سيطرتها على نظام الحكم وتزودها بقوانين جديدة سيخضع معظمها لسلطة الشريعة اليهودية، كمصدر أعلى لفصل المقال. هكذا قرأنا وسمعنا في الأيام الأخيرة. لقد بدأت شرائح واسعة من داخل المجتمع اليهودي بتشخيص رغبات أحزاب الائتلاف الحكومي وما ستفضي اليه فيما اذا تحققت مخططاتهم، وكيف سيكون وقعها عليهم مباشرة وعلى صورة ومكانة وامن دولتهم التي دافعوا عنها وخدموها في العقود الماضية؛ لقد أرادوها دولة "يهودية وديموقراطية"، وآمنوا بضرورة التمسك بصيغة هذا التزاوج معتقدين انه قران جائز وصالح ونزيه؛ واليوم نرى أن بعضهم بدأ يعيد النظر بهذه "المسلَّمة" ويقتنع باستحالة تطبيقها، وبأن الديموقراطية الحقيقية لا يمكن أن تتنفس في فضاء تحتله ديانة سُيّست وحُزّبت وجُيّشت وطغت، ولا ديموقراطية تتخثر في خوذات جنود تحتل دولتهم شعبًا آخر وأرضه ويزرعون فيها، جيشًا وميليشيات سائبة، القتل والخراب والرعب صباح مساء. لا يستطيع أحد التكهن كيف ستتطور حراكات الاحتجاج الاسرائيلية التي ما زالت تبحث عن طريق سياسي واضح وقيادات حازمة وقادرة على وضع الحروف الصحيحة واللازمة على يافطات المواجهات القادمة؛ "فنعم للديموقراطية" هو شعار هام وضروري، لكنه لا يكفي لترشيد المسار ودفعه نحو الهدف المرتجى، لا سيما اذا استعدنا تاريخ العوامل والظروف التي أدّت إلى تنصيب هذه القوى الخطيرة على سدة الحكم؛ فالانهيار السياسي الذي نشهده داخل المجتمع اليهودي لم يحصل بشكل فجائي؛ وعملية الانزياح تجاه هذا اليمين المتحوّر بنزعتيه الخطيرتين: قوى دينية متزمتة الى جانب مجموعات تحمل الفكر الفاشي الواضح، هو نتاج سيرورة طويلة، نامت خلالها هذه الجموع التي نراها اليوم تملأ شوارع تل ابيب وغيرها، أو آمنت بأن اسرائيلهم حصينة من ان تصاب بداء فقدان الانسانية، وأنه يجوز لجيشها ان يكون "جيش الاحتلال الاسرائيلي" ويدّعي قادته انهم أبرياء ويخدمون دولتهم الديموقراطية. تدور داخل المجتمعات اليهودية، في اسرائيل وخارجها، نقاشات حادة حول اهمية المشاركة في النشاطات الاحتجاجية ضد الحكومة الجديدة، وحول الشعارات التي يجب ان يتبناها منظمو تلك الاحتجاجات. يتوجب علينا ان نتابع ونصغي لهذه النقاشات وكيف بدأت تخرج من بينها اصوات عديدة تنبه الى ضرورة ربط المطالبة بالحفاظ على الديموقراطية بإنهاء الاحتلال وبتأمين المساواة التامة للمواطنين العرب في اسرائيل؛ فهكذا فقط، راح يفكر البعض، من خلال هذه المعادلة المتكاملة يمكن ان تكون اسرائيل دولة طبيعية وديموقراطية بدون زيادات ولا نقصان. ليس كل من يشارك في الاحتجاجات ضد حكومة بنيامين نتنياهو الحالية يعي ضرورة الربط بين تلك المسائل الثلاثة: الديموقراطية، وانهاء الاحتلال، ومساواة المواطنين العرب؛ بيد ان في مثل هذه التفاعلات الاستثنائية تتحكم قوانين داخلية تبقي احتمالات تحوّلاتها على جميع الاتجاهات واردة، شريطة أن يبقى التمسك بمبدأ الاحتجاج على سياسات الحكومة المعلنة والمضمرة ومعارضتها بحركة شعبية متنامية هو العنصر الاهم واللاحم في هذا المشهد، حتى لو اختلفت دوافع المشاركين؛ فمنهم من يشارك دفاعًا عن دولته كما كان يريدها، ومنهم من لا يريد تشويه صورتها بين الامم، ومنهم من يخشى على هزيمتها في حرب دينية قريبة، ومنهم من يجزم ان مخططات الحكومة المزمعة، لا سيما حيال مكانة الجهاز القضائي، من شأنها "أن تمس الأمن القومي الاسرائيلي، سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي، هذا علاوة على مسها بهوية الدولة الديمقراطية" وذلك كما جاء في مقال هام بعنوان "استقلال المحاكم والامن القومي لإسرائيل" نشر قبل يومين في نشرة خاصة تصدر عن "معهد ابحاث الامن القومي" في جامعة تل ابيب. لن اعدد قائمة الاشخاص والمعاهد التي كتبت حول ضرورة الربط بين ما يجري وكون اسرائيل دولة محتلة وعنصرية تجاه مواطنيها العرب؛ لكنني سأشير الى مقال كتبته قبل اسبوع، في جريدة "هآرتس" العبرية البروفيسور ايفا ايلوز، وهي اسم لامع في الاكاديميا الاسرائيلية وفي جامعات اخرى، متخصصة في علم الاجتماع. فتحت عنوان "خلاصات من الانتخابات: فقط التسامح غير الصبور ينقذنا" كتبت عن مفهوم وعلاقة القوة بالممارسة الصهيونية، وعن مكانة الديانة اليهودية في اسرائيل وكيف تعامل معها العلمانيون اليهود، وعن تغييب الاحتلال الاسرائيلي كموضوع مركزي يهدّد صورة اسرائيل كديموقراطية، وعزت ذلك بالأساس لقادة حزب العمل؛ حتى انها اعتبرت سياستهم سببًا في اندثار حزب العمل. لا شيء يخيف ويقهر في مثل هذه الاوقات مثل صمت الضحايا أو تفاؤلها الموهوم، وهذا واقع حال مجتمعنا العربي، حيث نجد أن أكثريته تحترف السكوت والكسل، وقلّته تنعم بتفاؤل غيبي أو ساذج . ويبقى غياب دور الهيئات القيادية داخل مجتمعاتنا الأكثر احباطًا واستهجانًا. لقد كتب، في هذا الصدد، محمد بركة رئيس "اللجنة العليا لمتابعة قضايا الجماهير العربية" على صفحته مؤخرً بأننا "لسنا عبثيين كي لا نرى اهمية هذا الحراك في إسرائيل لضعضعة حكومة الفاشيين بقيادة بنيامين نتنياهو، لكن هذا الحراك ليس كافيًا ويبقى خارج الملعب الاساسي". فهل يفسّر هذا الكلام غياب دعوة الجماهير العربية للمشاركة في احتجاجات تل أبيب ؟ ربما جزئيًا، ولكن من سيدلّنا اذن كيف وأين سيكون النضال كافيا؟ كنت أرغب أن يشارك المواطنون العرب في مظاهرات الاحتجاج الى جانب عشرات الآلاف من المواطنين اليهود، وأن يؤثّروا على مضامينها وحركتها؛ أو بالتبادل كنت أرغب ان نرى مثل هذه المظاهرات في الناصرة وفي سائر مدننا وقرانا وبمشاركة عربية يهودية واسعة ومؤثرة. هذا هو واجب قياداتنا ومؤسساتنا ودورها في مواجهة خطر الحكومة الاسرائيلية، فهل هم قادرون أو راغبون على القيام بمثل هذه المهمة وتحمّل المسؤولية، في حين لم ينجحوا بالتصدي لزحف الفاشية حين كان يجب أن يواجهوها، حتى وصلنا الى نقطة الحسم التي نقف عندها اليوم. حاول ويحاول الكثيرون بيننا التعاطي مع أسباب هذا القصور والفشل مفترضين أننا كمجتمع نملك مؤسّسات ومفاعيل سياسية واجتماعية ومدنية راغبة وقادرة أن تقود مجتمعنا وأن تحافظ على هويته ومناعته وتحميه؛ هكذا كان الافتراض والامل، لكنّ واقعنا كان أكثر تعقيدًا وعجزًا عن أداء تلك المهمة؛ فأساس مشكلتنا كان، واليوم صار أوضح، بأننا كمجتمع مارسنا حالة انزلاق خطير ولم نشعر أو لم نعترف بأننا نفتقد لتلك المؤسسات الواقية الحقيقية ومضينا نمارس حياتنا بين وهمين: الأول، قبولنا بما هو قائم من أحزاب وحركات سياسية ودينية تقليدية أدخلتنا الى دوائر مفرغة، هي بذاتها كانت تولد اسباب فقداننا لمناعاتنا الاجتماعية والسياسية وقدراتنا على التصدي لجميع التحديات الناشئة في علاقاتنا الداخلية، وفي نفس الوقت، التحديات في علاقاتنا مع المجتمع اليهودي المتغيّر ومؤسسات وقوانين الدولة التي يفرزها ذلك المجتمع. والثاني ما نتج عن تفاقم الحالة الأولى، وهو اقتناع قطاعات واسعة من المواطنين العرب، لأسباب مختلفة، بأن أحضان الدولة أضمن وأربح لهم، فابتعدوا عن مواجع مجتمعاتهم ودخلوا "فقاعة" سرعان ما وجدوها هشة زائلة. لقد راهن البعض على ان الفرصة أمام هيئاتنا القيادية: "اللجنة العليا" والاحزاب السياسية والحركات الدينية ومؤسسات المجتمع المدني ومجالسنا المحلية، ما زالت متاحة، وكل ما ينقصها هو بعض الاجراءات التصحيحية داخل هياكلها التنظيمية، اضافة الى اعادة نظر بعضهم في برامجهم السياسية ومعتقداتهم الناظمة لعلاقاتهم مع الدولة اليهودية. أما أنا فقد كنت قد وصلت الى قناعة مفادها بأننا أمام حالة مستعصية تستوجب منا وقفة جديدة لنقرر كيف يمكننا مواجهة خطر الفاشية، واقترحت في حينه التفكير في صياغة عدة بدائل كان من اهمها العمل الفوري على بناء الجبهة العريضة ضد الفاشية لتضمّ كل القوى العربية واليهودية المستعدة لخوض هذا النضال حتى لو كان بعضهم يعرّفون أنفسهم كصهيونيين. لم اكن واهمًا عندما اطلقت ندائي بضرورة الشروع لبناء "الجبهة ضد الفاشية" بأن جميع الاطر السياسية والاجتماعية المهيمنة داخل مجتمعاتنا - رغم شعور الجميع بأننا سنكون اول ضحايا النظام السياسي المتشكل داخل اسرائيل - ستسارع للانضمام اليها، وذلك لمعرفتي ان مجتمعنا العربي يفتقد عمليًا الى مثل تلك الاطر المؤمنة بضرورة ممارسة الديموقراطية كأساس لنظام سياسي يريدون تطبيقه لو هم حكموا في دولتهم، وكذلك لأن بعضهم لا يرون ولا يشعرون بالفاشية خطرًا مطلقًا يتوجب مواجهته دون قيد او شرط، وذلك لأن بعضهم ببساطة يحمل افكارًا وعقائدًا لو أطلقت لها الأعنّة، في دولة يحكمونها هم، كانت ستتطابق والفكر الفاشي بتعريفاته العلمية. وبلغة أخرى أقول، وأعرف أنني سأستفز الكثيرين، نحن مجتمع لا نمارس الديموقراطية، مهما تحاورنا على صورها واشكالها، فهي هجينة على ثقافتنا وموروثنا؛ وبعض تياراتنا المؤثرة يتبنى قيمًا فاشية، حتى لو لا يسمونها كذلك. اذا ما العمل؟ فاذا كانت المشاركة في حراك تل ابيب غير مرغوبة أو محظورة، أو غير كافية، واذا استمرت حالة السكون والسكوت على حالتها في مواقعنا، فمن سيحمي معلّمة عربية طردوها بسبب "بوست" كتبته كي تمجد فيها حلمها بالوطن؟ او من سيحمي طبيبًا ابتسم وحيا مريضه الفلسطيني؟ وكيف سيحمي نفسه سائق سيارة من الرصاص اذا لم يقف عند خط من غبار رسمته ثلة قناصة عند مفرق تائه في الرملة أو في ام الحيران ? وماذا وكيف ومن؟
#جواد_بولس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-صفقة رحافيا- نبكي خاسرين املاكا لم نصنها مؤمنين
-
همسات في ليل رام الله
-
من يتابع قضايا المواطنين العرب في اسرائيل؟
-
كريم يونس كان حرًا..صار حرًا
-
رسالة مفتوحة لقوم لم ولا يقرأون
-
ليلة الميلاد، ذكريات من طفولة كهل
-
ما بين حزب-كل مواطنيها- وشعار -دولة كل مواطنيها- يكون حلم ال
...
-
الفاشية لن تمر، هل حقًا لن تمر ؟
-
في الحروب الكروية،ننسى كأننا لم نكن
-
حروب اليهود الجديدة ، الساخنة والباردة
-
حين يشتاق نضال أبو عكر للدالية وللكرمل
-
إسرائيل بعد الانتخابات، وصلنا إلى حافة المنزلق الخطر
-
عندما تصير أرحام امهاتنا أعداء لاسرائيل
-
صوّت تحمي حقّك، همسات قبل معركة حاسمة
-
عدل اسرائيلي مغشوش وذاكرة فلسطينية شعبية قصيرة
-
أسرى الأمل في فلسطين : جوع وموت في سبيل الحرية والكرامة
-
حين تصبح الكنيست بيتًا مرغوبًا للحركة الوطنية الفلسطينية
-
انشطار القائمة المشتركة وسياسة النجوم
-
الطريق الثالث..كل الطرق تؤدي الى الطاحون
-
مرسيل خليفة..في الطريق إلى القدس
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|