محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)
الحوار المتمدن-العدد: 7509 - 2023 / 2 / 1 - 23:43
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
رونو سولِر ترجمة محمد الهلالي
"أما القول عن بندلي جوزي إنّه الرائد في حقل الدراسات التراثية العربية-الإسلامية، فذلك أصبح من مألوف القول عندنا، بل يكاد يكون من بديهياته".
(حسين مروة، مقدمة الطبعة الثانية لكتاب بندلي جوزي "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، سلسلة إحياء التراث الثقافي الفلسطيني، الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، جمعية الصداقة الفلسطينية-السوفييتية، الطبعة الثانية، 1981)
تضمّن كتاب إرنست رينان (1823-1892) عن "حياة المسيح" (نشر سنة 1864)، وكذا مقالاته عن الإسلام الأول نقط تشابه عديدة بين أفكار المسيح وأفكار الرسول محمد والإيديولوجية السياسية في تلك الحقبة الزمنية. قيل عن المسيح أنه "فوضوي" و"شيوعي"، وأنه كان وراء اندلاع "ثورة اجتماعية عارمة"(1)، وقيل عن الرسول محمد أنه كان العامل الأساسي في حدوث "ثورة عميقة"(2)، وأنه جاء "بدين طبيعي، ليبرالي، جدي"(3). وظلت هذه الأوصاف مجرد تشابهات غير مبرهن على وجودها، وغير معبّر عنها بوضوح، وتم الاكتفاء بالتلميح لها.
شرع مستشرقون ألمان، ابتداء من سنة 1880، بتقديم تحليلات مفصلة ودقيقة حول الطبيعة السياسية للإسلام، مثل أوغست ميلر August Muller (1848-1892)، في كتابه عن "تاريخ الإسلام"(4)، وهوبر غريم Hubert Grimme (1848-1892 ) في كتابه "عن سيرة الرسول"، حيث ينسب إليه أفكارا اشتراكية"(5). ولقد تمت مناقشة هذه المزاعم والاعتراض عليها من طرف المستشرق الهولندي كريستيان سنوك هورغرونج Christiann Snouk Hugronje (1857-1936)(6)، ولكنها تشهد مع ذلك على تطور مهم مقارنة بموقف إرنست رينان: فالتشابهات الملتبسة غير كافية، كما أن مفهوما مثل "شيوعية" يحظى بتعريف يتم الاعتماد عليه أثناء المقارنة. لم يعد الأمر يتعلق بالحديث عن "شيوعية" أو "اشتراكية" الرسول، بناء على بعض التوجهات المؤيدة للمساواة، ولكن يتم الحديث عن "شيوعية" أو "اشتراكية" الرسول، لأن المراجع -المستعملة حسب المناهج النقدية للاستشراق- توضح بعض الخصائص المميزة للمفهوم، مثل نظام ملكية الأرض، النظام الضريبي أو تنظيم السلطة السياسية.
وإذا لم يكن أمامنا إلا قبول التشابه أو رفضه، فإنه من الممكن، عكس ذلك، قبول أو رفض حجة أعدّت اعتمادا على المراجع المشتركة. فمنذ بداية القرن العشرين، أتمّ المستشرقون هذه المقاربة الثقافوية كليا من خلال دراسة القوى والمجموعات الاجتماعية التي تسببت في ظهور الإسلام وتجربة الرسول: وكمثال على ذلك الدراسات التي قام بها اليسوعي البلجيكي هنري لمنس Henri Lammens (1862-1937)، حول الجزيرة العربية قبيل ظهور الإسلام(7)، أو حوليات الإسلام للأمير الإيطالي ليون كيتاني Leone Caetani (1869-1935)(8).
ابتداء من سنة 1950 و1960 تم تأسيس "علم اجتماع الإسلام" بالارتكاز على مقولات تحليلية للماركسية، كما نجد ذلك عند مونتغمري وات Montgomery Watt (1909-2006)(9)، أو مكسيم رودنسون Maxime Rodinson (1915-2004)، وصولا إلى التطرق للمشكل البارز في عصرنا والذي هو التحرر من الاستعمار وبزوغ العالم الثالث، أي التفكير في العلاقة ما بين التحرر الوطني والثورة الاجتماعية من جهة، والتفكير في استراتيجيات التنمية التي ينبغي تطبيقها من جهة ثانية.
وفي المسار الذي قاد من التشابه البسيط، كما نجده عند إرنست رينان، إلى المقارنة السوسيولوجية للإسلام، تم اجتياز عتبة كبيرة من طرف مستشرقي بداية القرن الذين لم يكتفوا بأن ينسبوا للرسول محمد ولشخصيات إسلامية كبرى أخرى بعض الأفكار الاشتراكية، وإنما قاموا بتعريف القوى والمجموعات الاجتماعية التي عبرت عن تلك الأفكار. فالانتقال من المقارنة اللا-تاريخية للمفاهيم السياسية إلى التاريخ الاجتماعي، أو إلى المقاربة السوسيولوجية للإسلام تم الإعداد له طيلة فترة طويلة من طرف المستشرقين.
وابتداء من سنة 1920، شرع الماركسيون، في الاتحاد السوفييتي، الذين لم يكونوا مستشرقين، في طرح مشكل بنية طبقات الإسلام، انطلاقا من أعمال الباحثين البرجوازيين الذين سبقوهم في هذا المجال. تبنى هؤلاء الماركسيون مواقف مختلفة ودافعوا عنها لإبراز مكانة الإسلام في تاريخ التشكيلات الاقتصادية التي تتعاقب في تاريخ البشرية، سواء وِفق خطاطة الانتقال من المرحلة البدائية إلى الاشتراكية مرورا بالعبودية والاقطاعية والرأسمالية، أو حسب نمط الإنتاج الآسيوي الذي يتميز بخصوصيته. ولقد سمح الوصف الذي قام به ميكائيل كامبر Michael Kemps لهذه المواقف باستخلاص عنصرين أساسيين: كانت المقاربات تبحث عن الماهيات بصفة عامة، وتتناقض مع التصور الماركسي عن الدين كبنية فوقية، هذا التصور الذي عمل على أن يمنع اعتبار الإسلام "في ذاته" إيديولوجية لهذه الطبقة أو تلك، وعلاوة على ذلك، كانت هناك علاقة قوية ما بين رهانات السياسات الوطنية (وضعية الأقليات المسلمة السوفييتية) والدولية (علاقات الاتحاد السوفييتي بالشرق وعمل الأممية الثانية والكومنترن الذي تأسس سنة 1919) التي أدت إلى خنق النقاش كليا في بداية سنة 1930.
نودّ أن نضيف إلى قائمة الاصوات التي أحياها ميكائيل كوبر صوتا آخر. وهو صوت هامشي ومركزي في نفس الوقت بفضل ما يعلن عنه من أطروحات، صوت فلسطيني مسيحي أرثوذكسي تبنى الماركسية: إنه بندلي صليبا جوزي، أو بانتليمون كريستوفتش جوزي، الذي أقام في روسيا، ثم في أذربيجان، والذي كان يكتب باللغة العربية والروسية عن مواضيع متنوعة مثل: الفلسفة الإسلامية، تاريخ المسيحيين في الشرق، تاريخ الإسلام في أذربيجان وتأليف المعاجم العربية والتركية.
وإذا كان قد انخرط كليا في النقاش السوفييتي في العشرينيات من القرن الماضي، فإن أعماله الأساسية التي كتبها بالعربية هي أعمال أصيلة: فقراءته للإسلام لا تمت للمقاربة الماهوية لهذا الموضوع بصلة. كما أن موضوعه الرئيسي هو: تاريخ الحركة الشيوعية في الإسلام منذ عهد الرسول في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولد اتضح أن تاريخ الحركة الشيوعية في الإسلام كما يراها بندلي جوزي هو تاريخ تواري الإسلام كدين، وهو ما يعني أنه يدافع عن أطروحة تواري الإسلام مستقبلا لصالح الاشتراكية.
نشر بندلي جوزي كتابه "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام" في القدس سنة 1928. واعتبرت تامارا سون Tamara Sonn مترجمة الكتاب إلى الإنجليزية أن هذا الكتاب هو "أول تأويل ماركسي للإسلام"(10)، فهو يعتبر جزءا من النقاش السوفييتي في العشرينيات من القرن الماضي حول طبيعة الإسلام، فهو بهذا المعنى لم يكن معزولا.
يشرح بندلي جوزي الإسلام، حسب تامارا سون، "كإصلاح اجتماعي من أجل وضح حد للاضطهاد"، فالأمويون والعباسيون حرفوا وخربوا الرسالة الأصلية، لكن "روح المساواة في الإسلام ظلت حية من خلال العديد من الحركات الإصلاحية إبان التاريخ الإسلامي"(11). كان هدفه الأسمى إذن هو "تمكين العالم الإسلامي من الانتباه للطبيعة الأساسية للإسلام ومعرفتها"(12)، وإقامة "العدالة الاجتماعية القائمة على المساواة الأساسية بين جميع الناس أمام الله"(13). لقد تتبع بندلي جوزي "تقدم هذا الهدف منذ تكونه في قلب الرسول حتى الزمن الحالي"(14) للقيام "بإبراز القيم الإسلامية والاشتراكية"(15).
يحتاج هذا التأويل إلى إعادة النظر. يستعمل بندلي جوزي في كتابه "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام" منهج المادية التاريخية لكتابة تاريخ الشيوعية في الإسلام. الشيوعية التي تم تصورها كتواري للدين الإسلامي على المستوى الاقتصادي (تطور ملكية الأرض، الأنشطة التجارية) والاجتماعي (مكانة المرأة) والسياسي (تنظيم السلطة) منذ عهد الرسول حتى زمن حركة القرامطة، التي استمر تاريخها إلى القرن الخامس عشر. والهدف الأساسي من ذلك هو البرهنة على أن مستقبل العالم العربي يمر عبر القومية العربية والاشتراكية: إذا كان العالم العربي قادرا على الخروج، مرة أخرى، من الدين لبناء تصور أولي للمجتمع الاشتراكي، من طرف القرامطة، فإنه سيكون قادرا على فعل ذلك مرة أخرى بعد تجربة الاتحاد السوفييتي. ينبغي أن نشير أيضا أن الكتاب أعيد طبعه بالخصوص في السبعينيات وفي بداية الثمانينيات، في أوج الحركات التقدمية في الشرق الأوسط، وقبل بداية توسع الامبراطورية النيوليبرالية التسلطية(16). وينبغي أن نشير إلى ان النسخة التي نعتمد عليها خصها بمقدمة(17) المثقف الماركسي اللبناني الكبير حسين مروة (1910-1987)، وقد كتب هذه المقدمة بعد مرور ثلاث سنوات على نشر كتابه الأكثر شهرة الصادر سنة 1978 "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية". وقد وصف حسين مروة بندلي جوزي في مقدمته لكتابه "بالرائد" لأنه كان الأول في العالم العربي، الذي جمع بين منهج المادية التاريخية ودراسة التراث العربية الإسلامي(18). كما سجل أيضا انحياز الكاتب للقرامطة كحركة ثقافية واجتماعية(19)، وهو انحياز لا يقلل في شيء من أهمية البحث لأنه يرتكز على برهنة رصينة ويُفهم اعتمادا على تاريخية العمل المنجز الذي كتب في مرحلة كان فيها تطبيق المادية التاريخية على تاريخ الإسلام في بداياته الأولى(20). لم يكن هناك أدنى شك، بالنسبة لحسين مروة، وهو ما أكدته إعادة طبع الكتاب عدة مرات، أن بندلي جوزي طبق، ولو أن ذلك تم بكيفية ناقصة، المادية التاريخية على تاريخ الإسلام.
لقد مكنت تلك المقدمة بندلي جوزي من التأكيد على وحدة النواميس الاجتماعية(21). وإذا كان قد اعترف للمؤرخين الألمان الذين عاشوا في نهاية القرن الثامن عشر وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر (برتولد جورج نيبوهر، ليوبولد فون رانك، فريدريك كريستوف شلوسا) بالأولوية في وضع مبادئ "تاريخ علم التاريخ" (الاستوريوغرافيا) ومناهج النقد التاريخي الحديثة ، فإنه رأى أن هؤلاء المؤرخين أصدروا أحكاما خاطئة عن تاريخ الشرق الذي لم يكونوا يعرفونه جديا، أو لم يكونوا يعرفونه بالمرة، ولذلك عجزوا عن اكتشاف تطوره، أو اختزلوه في عامل واحد أو سبب وحيد(22). ويمكن قول نفس الشيء عن إرنست رينان الذي أخطأ في ما كتبه عن الإسلام والساميين، كما تبرهن على ذلك بكل وضوح حيوية الحركات الفكرية في العالم العربي اليوم.
لقد استخلص بندلي جوزي عدة خلاصات من وجهة نظر برتولد الذي يرى أن نفس القوانين الاجتماعية المعتمدة في الغرب هي نفسها الملائمة للشرق. وأول تلك الخلاصات ضرورة استبعاد الدين كسبب في انحطاط العالم الشرقي(23). فالهجرة وغزوات الشعوب المتوحشة مثل المغول والأتراك، والحروب الصليبية، وازدهار مراكز الحضارة الجديدة في أوروبا، واستبدال الطرق التجارية على إثر كل ذلك، هي الأسباب الحقيقية، أي الأسباب المادية، وليس الإيديولوجية، فضلا على أنه إذا كانت قوانين تطور المجتمعات هي نفسها في الغرب والشرق، فإن ذلك يعني أن المجتمعات الشرقية ستمر في المستقبل بنفس المراحل والأطوار الاجتماعية التي مرت بها المجتمعات الغربية.
يقدم كتاب "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام" مرآة مزدوجة: فهو يوضح من جهة كيف أن العالم الإسلامي في الماضي تمكن من الخروج من الدين لتقديم نموذج أولي عن مجتمع اشتراكي، والذي خلدت بذوره في تنظيمات مهنية وزوايا صوفية، وتم نقله للغرب، ومن جهة ثانية أكد أن الشرق سيتبع (قريبا وعلى غرار الغرب ودون أن يمر بالضرورة بمرحلة الرأسمالية) الطريق الذي يقود لبناء الاشتراكية. ينبغي أن نسجل أن أفكارا مشابهة لهذه الأفكار، بالرغم من أنها كانت أقل وضوحا منها، تم التعبير عنها سنة 1923 من طرف شيوعييْن تتارييْن هما: ز. ناڤشرڤانوڤ، و د. ناڤشرڤانوڤ (Z. et D. Navshirvanov)، في مقال لهما من خمس صفحات تحت عنوان: "التوجهات الشيوعية في تاريخ الحضارة الإسلامية"، والذي نشر في (Novyc Vostok)(24). يعتقد الكاتبان بوجود شيوعية بدائية في عهد الرسول والتي تطورت عبر الصوفية ولدى الاسماعيليين وفي تجربة "الفتوة" (كتنظيم ديني اجتماعي واقتصادي) وفي التنظيمات المهنية. ويستشهد الكاتبان على وجه الخصوص بحركة تمرد بدر الدين سيماونلي ضد العثمانيين من سنة 1415 إلى سنة 1418. وسيستعمل بندل جوزي نفس المثال في خاتمة كتابه في مقطع مستوحى بكل تأكيد من سابقيه(25). ليست مهمة المؤرخين، حسب المؤلفيْن التتارييْن، هي تحليل تاريخ الشرق اعتمادا على الإحالات على الإسلام المنتشر في مؤلفات ماركس وإنجلز ، ولكن مهمتهم هي الانطلاق من مناهج ماركسية لإبراز أن الشرق يخضع لنفس القوانين التاريخية التي يخضع لها الغرب. إن الأفكار الأساسية الواردة في مقدمة بندلي جوزي معبر عنها في مقال الكاتبيْن التتارييْن مع تغيير طفيف: فبينما يرى الكاتبان التتاريان أن الشيوعية الإسلامية تم التعبير عنها بامتياز في الصوفية التركية-الفارسية، أوضح بندلي جوزي أن العرب هم الذين توصلوا لمرحلة الشيوعية في الإسلام، وفسر انطلاقا من مصادر تاريخية الكيفية التي توارى فيها الإسلام آنذاك.
إذن، يتعلق الأمر بمرآة مزدوجة، وبخطاب مزدوج: نجد توضيحا لذلك في إهداء الكتاب الذي حذف من الطبعة الثانية لسنة 1981: "إلى الشبيبة العربية الناهضة، إلى الذين حرروا عقولهم من تأثير الخرافات الاجتماعية والدينية والقومية، إلى أصحاب العقول السليمة والضمائر الحية"(26).
كتب بندلي جوزي نصا بالعربية من أجل الممارسة العملية موجها للعرب ومن وجهة نظر قومية وهو ما يبرر الحديث عن معتقدات قومية خاطئة. لكن بما أنه يقيم في نفس الوقت في الاتحاد السوفييتي، في نهاية العشرينيات، ويتأثر بحياة ثقافية غزيرة، وبمسرح غني بالنقاشات حول طبيعة الإسلام، فليس هناك أدنى شك أنه ينبغي أيضا فهم كتاب بندلي جوزي في هذا السياق. ومن هذا المنظور فإن كتاب "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام" هو أيضا دفاع عن الشيوعية القومية التي تشهد على القدرة الثورية للشرق الإسلامي، وعن رفض كل منظور ماهوي للإسلام، وعن ضرورة تنظيم مقاومة الامبريالية، بالنسبة للاتحاد السوفييتي، وذلك بتدعيم الأحزاب الشيوعية والحركات القومية. وبهذا المعنى فقد اقترب بندلي جوزي من تيار سلطان غالييف (Soltanğäliev)، بالرغم من أن بندلي جوزي جعل الدور القيادي في أيدي العرب وليس في يد التتار.
يتطرق الفصل الأول للكتاب (أسس الإسلام الاقتصادية)(27) لمرحلة الرسول وحياته. ويندرج ضمن النقاشات الاستشراقية المستخلصة من القرن التاسع عشر، والمتعلقة بمواضيع مثل صدق الرسول محمد (في كونه يقول أنه رسول) والوضع بمكة والمدينة قبيل ميلاد الإسلام من جهة، ونقاشات الماركسيين في العشرينيات من القرن العشرين (والذين لم يكونوا في معظمهم مستشرقين احترافيين) حول الطبيعة الاقتصادية للإسلام من جهة أخرى. إن الإسلام بالنسبة لبندلي جوزي، الذي يستشهد بمستشرقين (مثل Julius Wellhausen (1844-1918 )، Leone Caetani (1869-1935 )، Henri Lammens ( 1862-1937)، Noldeke، وBartol’d) هو أكبر من مجرد فكرة دينية، إنه ظاهرة اقتصادية واجتماعية، لذلك فتاريخ الإسلام يصبح أوضح اعتمادا على أسباب تاريخية واقتصادية وليس بالاعتماد على الحماس الديني أو عبر تعصب الأحزاب الدينية(28). بدأ بندلي جوزي بإبراز فهم الرسول الحدسي للوضعية الاجتماعية والاقتصادية للحجاز وهو ما مكّنه من اقتراح إصلاحه الديني. لقد استوعب الرسول المصدر الديناميكي الاقتصادي والاجتماعي الذي كان سائدا في عصره بمكة عاصمة الحجاز، وعرف كيف يستفيد منه ويستعمله لأغراض دينية واجتماعية سامية(29).
ينسب بعض المستشرقين نجاح الإسلام لجفاف وفقر الوسط الطبيعي، وهما الأمران اللذان دفعا العرب، في نظرهم، إلى غزو العالم (ليون كايتاني)، أو يعترفون عموما بأن الإسلام كان حركة دينية نجحت لأسباب غير دينية (Michael Jan de Goeje). ومن ثمة، بالنسبة لبندلي جوزي، ضرورة المعرفة الجيدة بمحيط ومجتمع الحجاز قبيل الهجرة (معلومة مأخوذة من هنري لمينس(30)). لقد وُصفت مكة كمركز تجاري كبير، ولم تكن بها إلا أنشطة فلاحية وصناعية ودينية ضئيلة، بفضل الحج ووجود مكة، مع سيطرة نخبة غنية جدا بفضل أنشطة تجارية والتعاطي للربا. تعتبر الإشارة للربا مسألة مهمة: يستخلص بندلي جوزي من ذلك تأثير الإدانة القرآنية على أوسع نطاق (السورة 2، الآية 276 و286، والسورة 24، الآية 34). ويضع الربا في قلب إعادة تشكيل بنية الطبقات بمكة. ويتعمق في دراسة المصطلحات القرآنية والشعراء الجاهليين المتأثرين بالاختلالات الاجتماعية، مع دمج مفاهيم ماركسية معاصرة في عمله هذا(31): نخبة قائدة مكونة من التجار وأصحاب البنوك وسدنة الكعبة (الملأ، الأعزاء)، تسيطر وتعيش من استغلال جماهير الفقراء والصعاليك(32) (البروليتاريون) والأرقاء والخارجين عن القانون (الأراذل). ولقد قارن بندل جوزي هذه البنية الاجتماعية بالبنية الاجتماعية ببيزنطة. وفيما يتعلق بموقف بندلي جوزي من النقاشات السوفييتية في العشرينيات، فقد تبنى اطروحات ريسنر (Reisner) الذي رأى أن الإسلام حركة قام بها تجار صغار متضررون، حركة معادية للأرستقراطية التجارية والمالية والدينية بمكة(33).
كانت مهمة الرسول محمد تقتضي القيام بإصلاح ذلك النظام الاجتماعي الظالم. وخلافا لما يكتبه الإصلاحيون الإسلاميون مثل رشيد رضا (1865-1935)، بل وما يكتبه الليبراليون مثل محمود حسين هيكل (1865-1935)، وهما معا كاتبان لسيرة الرسول، ليس الفساد الأخلاقي للمجتمع المكي هو الذي اقتضى وجود مصلح، ولكن الظروف الاجتماعية والاقتصادية هي التي اقتضت ذلك، فلقد "هيأت البنية الاجتماعية بمكة في نهاية القرن السادس الميلادي مكانا في المجتمع لشخص متمتع بالقوة والمميزات الضرورية"(34)، مثل سرعة التأثر ولطف الطبيعة وبعد النظر وطيب القلب وحسن السياسة والاستعداد التام للتضحية في سبيل المصلحة العامة ومعرفة الوسط المكي. يمكن تحليل حياة الرسول محمد بن عبد الله بناء على عاملين حاسمين هما: المنشأ والوسط. كان فقيرا ويتيما وقد ذكّره القرآن بأن الفقر هو مصدر قوته (السورة 44، الآية 2-5). وقد جعل بندلي جوزي من ذلك الشرط الأول للاستجابة للدين الجديد. فنشاطه التجاري لصالح الأرملة الغنية خديجة، والتي صارت زوجة له فيما بعد، شكل مدرسة تجارب حيث مكنه ذلك الوضع من اكتشاف الوضع الاجتماعي بمكة والتفكير فيه وتحليله والبحث عن حلول لآفاته(35).
فنّد بندلي جوزي أفكار المؤرخين الأوروبيين القائلة بأن الرسول كان رأسماليا يدافع عن مصالح الأغنياء، كما فنّد من جهة أخرى أولئك الذين جعلوا منه على غرار هوبير غريم اشتراكيا أو شيوعيا. واقترح موقفه على الشكل التالي: وقف الرسول محمد بن عبد الله في جانب الفقراء والصعاليك المظلومين بشجاعة كبيرة، ودافع علانية عن مصالحهم الحيوية معرضا نفسه للخطر، غير مبال بعواقب عمله، مدفوعا لفعل ذلك بعوامل أخلاقية ودينية، أكثر منه بعوامل اقتصادية ومالية(36).
كان الرسول محمد بن عبد الله مصلحا أصيلا، لكن قلما تظهر العوامل الاجتماعية في الشرق غير محتجبة بحجاب من الدين الكثيف(37). إنه مكر التاريخ المتعلق بتكون الإسلام. وتجاوز لنقاش استشراقي حول مدى صدق الرسول. كما يرى بندلي جوزي في التعارض الواضح بين "الكفار" و"المؤمنين" تعارضا اقتصاديا حقيقيا بين الأغنياء والفقراء، فالدعوة المكية كان موضوعها الرئيسي هو من جهة: التصدي للأغنياء ومن بينهم بعض أفراد عائلة الرسول (مثل أبي لهب) وأغنياء قريش الذين كانوا يخشون من فقدان مصالحهم الاقتصادية والدينية، ومن جهة أخرى: نصرة الفقراء. لقد وُلد مشكل الكفر من اختلافٍ في وجهات النظر حول الإصلاحات الضرورية لإيجاد حلٍّ للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية بمكة.
لما اشتدت عداوة القرشيين للرسول وأتباعه اضطروا للهجرة، فتحول الرسول محمد بن عبد الله إلى قائد وزعيم سياسي(38)، يتمتع بسلطة إنجاز إصلاحات هامة: تفكيك روابط العصبية الجاهلية، تبني قيم المحبة والمساواة والأخوة، تحسين أوضاع الفقراء اعتمادا على الزكاة، إضافة إلى إجراءات أخرى لصالح النساء والعبيد وتحريم قتل الأطفال وإدانة الربا(39). لكن كل ذلك لم يجعل من الرسول اشتراكيا. فالزكاة هي إجراء يهدف إلى تقليص الفوارق في الثروة وليس إلى إلغائها كما هو الشأن في الاشتراكية. لكن على وجه العموم، قام الرسول بإصلاحات تشبه إصلاحات تمت في روما وبيزنطة دون مواجهة أسباب أمراض المجتمع كما هو الأمر في الاشتراكية(40).
وانطلاقا من وجهة النظر هذه، فلا نظير لما قام به الرسول محمد بن عبد الله في تجارب الرسل الذين سبقوه، وخاصة رسل بني إسرائيل. لقد فضل استعمال وسائل أخلاقية (ما عدا في حالات نادرة) عوض اللجوء لنفس المناهج التي اعتمدها بعض المصلحين والسياسيين الأوروبيين مثل لينين زعيم الشيوعية الروسية، أو موسوليني، وآخرون(41).
يؤمن الرسول فعلا بأنه رسول يتصرف بأمر من الله لإقامة نظام على الأرض. ولا أحد يمكنه الاعتراض عليه بالقول بأنه لم يتوصل في القرن السابع الميلادي لنفس مستوى الوعي التاريخي الذي بلغه الاشتراكيون في القرن العشرين. يفنّد بندلي جوزي الأطروحة القائلة بأن الرسول محمد بن عبد الله كان يريد القضاء على الملكية الخاصة للأرض. فالنظام القبلي العربي كان كافيا وحده لمنع تشكيل إقطاعات كبرى وحيازتها من طرف شخص واحد، لذلك لم توجد بمكة طبقة فلاحين مستغلين من طرف ملاك عقاريين كبار، وهذا ما يفسر أن الرسول لم يستهدف القضاء على الملكية الخاصة للأرض(42). ولما استقر بالمدينة، وجد هناك جمهورا من الفلاحين الفقراء بدون أرستقراطية تجارية ومالية لاضطهادهم، وهو ما يفسر تغيير لغة وسلوك الرسول، ولقد قادته الأحداث السياسية إلى تبني مواقف توفيقية، وإلى عقد تسويات مع قريش. فوثيقة صلح الحديبية (السورة 9، الآية 6) دشنت الالتحاق المكثف للقرشيين بالإسلام، وذلك لأسباب سياسية وسوسيو-اقتصادية وليس لأسباب دينية(43). فالإسلام كقوة سياسية وُلد إذن من توافق بين الرسول محمد بن عبد الله و"رئيس جمهورية مكة الخبير المحنك" أبو سفيان: لقد تم الاعتراف للرسول بالسيادة الروحية والزمنية-الدنيوية (الفرائض الدينية: الزكاة والصلاة وترك الأصنام)، وبالمقابل تظل مكة مركزا دينيا للسلطة السياسية الجديدة (مملكة/جمهورية روحية جديدة). وتم إدماج القرشيين في الإدارة وظلت التجارة حرة(44).
وسوف يستمر تاريخ الإسلام في الاتجاهين الذين تم سنهما في عهد الرسول:
- تمثل الاتجاه الأول في تطوير الرسالة الدينية الإصلاحية للرسول (التي تشكلت في مكة) من طرف عدة مجموعات حوّلت هذه الرسالة إلى عقيدة شيوعية حقيقية واعية محررة من كل بعد ديني.
- اما فيما يخص الاتجاه الثاني، فتمثل في سياسة الرسول في المدينة، تلك الرسالة التي اتبعتها دول الخلافة، وأدت إلى نسيان سريع للبعد الاجتماعي للإسلام، وإلى تدعيم وتعزيز الارستقراطية الثرية التجارية والمالية، والتي حوربت في العهد المكي بضراوة.
ومنذ عهد الغزوات/الفتوحات، صارت المسألة الاجتماعية ثانوية، كما أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية حددت، في نفس الوقت، ظهور حركات اشتراكية وشيوعية(45). ففي عهد الخليفة عثمان (644-656)، ثُم في عهد الأمويين، تَمّ استغلال الجهاز الإداري والضريبي لخدمة اغتناء النخبة العربية التي استولت، علاوة على ذلك، على إقطاعات كبرى في مصر والعراق، واستغلتها من خلال استغلال فلاحين فقراء وعبيد سود: وهكذا تشكلت طبقة الفلاحين المستغِلة.
ومن جهة أخرى، أدى قرار الخليفة عمر (634-644) المتعلق بالحفاظ على الضريبة العقارية (الخراج) على أراضي المسلمين الجدد (في علاقة بالشعوبية الفارسية التي أثارها جولد تسيهر Ignaz Goldziher (1850-1921) إلى أول معارضة قومية لنظام الخلافة. ولقد طبق العباسيون نفس السياسة الاقتصادية والمالية التي طبقها الأمويون قبلهم، مع فارق أساسي وهو دمجهم للنخبة الفارسية في السلطة، لاغين بذلك إمكانية تمردها، لكنهم استمروا في قمع واضطهاد طبقة الفلاحين والملاكين القدماء ورجال الدين الزرادشتيين.
يمكن تفسير كل الانتفاضات الأولى ضد النظام السياسي اعتمادا على الأسباب الاقتصادية والاجتماعية رغم أنها حجبت بمبررات دينية واعية، فهذه "الصبغة لم تكن إلا حجابا شفافا يحجب ما وراءه من العوامل السياسية والاقتصادية التي هي السبب الحقيقي لهذه الثورات"(46). أما بخصوص تغيرات السياسة العسكرية والاستعمارية، فلقد أدت إلى عسكرة السلطة وإلى إضفاء الطابع الاقطاعي على الامبراطورية في العصر العباسي.
لقد تم اعتبار الإسلام الأول نفسه، في النقاش السوفييتي الذي تم سنة 1931-1932 (في إطار وضع حد للنقاش حول نمط الإنتاج الآسيوي وفتور السلطة القمعية الستالينية) إقطاعيا في جوهره. كان الموقف الرسمي ينفي وجود تشكيلة اقتصادية خاصة بالشرق، فلقد اعتُبِر الشرقُ إقطاعيا أيضا، فصار الإسلام كنتيجة لذلك (بدون أية حجة مستخلصة من دراسة المصادر) إيديولوجية "الأسياد الإقطاعيين" بمكة(47).
كان بندلي جوزي بعيدا عن عملية إسقاط الوضعية الاقتصادية في العصر العباسي على الإسلام الأول، لكنه كان يرى مع ذلك أن ظهور الشيوعية في الإسلام تم بسبب إضفاء الطابع الإقطاعي على الامبراطورية العباسية، أي دون المرور بمرحلة الرأسمالية.
تصف فصول كتاب بندلي جوزي الثلاثة الموالية ثلاث حركات ثقافية في الإسلام، والتي تتميز بهيمنة العامل الديني فيها. هذا العامل الذي تم استعماله بوعي، وبعد ذلك تم تجاوزه. ويتعلق الأمر بتمرد بابك وتعاليمه "الاشتراكية"، وبالحركة الاسماعيلية، والحركة القرمطية.
يوضح الفصل الذي يخصصه بندلي جوزي لبابك تعدد معاني خطابه. فحركة بابك ولدت في نهاية القرن الثامن الميلادي بأذربيجان العباسية، كنتيجة لسيادة النظام الاقطاعي الموروث عن الامبراطورية الساسانية وكنتيجة أيضا لعسكرة الامبراطورية. ينبغي أن نلاحظ هنا أن بندلي جوزي كان في نفس الفترة التي كان ينجز فيها هذه الدراسة، قد شرع في البحث الدقيق في مصادر تاريخ أذربيجان في مرحلة تمرد حركة بابك، وترجم دراساته للغة الروسية. كما كتب عن الضرائب العقارية في الإسلام (الخراج)(48). وهذا يفسر في نظره المقارنات التي أجراها المؤرخون المسلمون بين حركة بابك (القرن الثامن الميلادي) وحركة مزدك في القرن السادس الميلادي: فالتمردان لم ينتجا فقط عن نفس الظروف الاقتصادية والاجتماعية، كما هو الشأن في العصور الوسطى الأوروبية وروسيا إلى حدود إلغاء الرق سنة 1861، بل يشهدان إضافة غلى ذلك على نقل أفكار مزدك الاشتراكية إلى طبقة الفلاحين المستغلة قبل وبعد الفتوحات الإسلامية ثم إلى جميع الحركات الثورية في الإسلام(49). من المهم الإشارة إلى أن بندلي جوزي اعترف بالقدرة الثورية للبوادي، فحركة بابك لم تهاجم الإسلام ولا السيطرة العربية أو الانتماء لمجتمع المؤمنين، وإنما هاجمت النظام الاجتماعي الظالم الذي كان يضطهد الطبقات الدنيا داخل مجتمعات الامبراطورية. لقد أراد بابك إقامة مجتمع بدون طبقات وبدون اضطهاد وبدون فقراء ولا أغنياء تنظمه العدالة والأخوة والمساواة، ولهذا السبب يصفه بندلي جوزي بالاشتراكي.
إن الإجراءين الرئيسيين واللذين تم التعرف عليهما من المصادر المعادية المقربة من أوساط الخليفة والمذكورين في كتاب Geschichte der Chalifen لصاحبه Gustav Weil (1889-1908 ) هما: إعادة توزيع الأراضي دون القضاء على الملكية الخاصة، وتحرير النساء(50). كان بندلي جوزي قد ترجم إلى العربية سنة 1903 كتاب Le Matriarcat chez les Arabes للمستشرق الهولندي Wilken، (الأمومة عند العرب، جورج ألكسندر ويلكن، ترجمة بندلي صليبا جوزي) منضما بذلك إلى العديد من المفكرين المسيحيين والمسلمين بالشرق الذين رأوا في الوضعية المفروضة على النساء أحد الأسباب الأساسية لتأخر الشرق. ولقد تم تفسير فشل الحركة بانقسامات بداخلها، وخصوصا بعجز هذه الحركة الإيرانية على الانفتاح بوضوح على السكان الأتراك والعرب(51). لقد مثل بابك المرحلة الأولى الإصلاحية والقومية في الطريق المؤدية للشيوعية، على قاعدة اجتماعية تشكلت من تحالف الفلاحين والملاكين الزرادشتيين المقصيين من السلطة. كما أن بندلي جوزي نشر ما بين سنة 1923 وسنة 1924 عدة مقالات تحت عنوان "حول الحركة الشيوعية في الإسلام في القرن التاسع الميلادي" والمخصصة لحركة بابك، لكن الكاتب الأذربيجاني كفار كباره Cəfər Cabbarh (1899-1934 )، والمقرب من الحزب الوطني (Müsavāt)، والذي درس بالكلية الشرقية بجامعة باكو ما بين سنة 1924 وسنة 1927 مع بندلي جوزي، استحوذ على بابك ليجعل منه رمزا وطنيا في مسرحيته التراجيدية "عروسة النار، 1928"، والتي تمجد مقاومة الشعب الأذربيجاني الملحد للغزو الإسلامي، والتي تم تأويلها أيضا على أنها نقد للسيطرة السوفييتية(52). سيكون من المفيد مقارنة مقالات بندلي جوزي الصادرة ما بين سنة 1923 وسنة 1924 بما جاء في الفصل الخاص بحركة بابك في كتابه "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام". لقد تم وصف بابك في هذا الكتاب كزعيم لحركة فارسية دينية بالدرجة الأولى، وأنها مرحلة بسيطة ضمن مَسْرى تاريخي أكثر اتساعا يتعلق بتواري الدين. وكان بندلي جوزي قد اعتبر، فضلا عن ذلك، أن غزوات الأتراك والمغول هي أهم أسباب انحطاط الحضارة الإسلامية. ولما يوجه بندلي جوزي كتاباته لقراء أذربيجانيين يقدم بابك كحالة متفردة باعتباره ترسيخا للشيوعية القومية وللمقاومة القومية ضد البلشفية الروسية.
يرى بندلي جوزي أن الحركة الإسماعيلية تمكنت من تجاوز مرحلة إضافية في مسرى تواري الإسلام بفضل ابتكار تنظيم ملائم يحيل على الحزب اللينيني. كان للإسماعيليين برنامج سياسي واجتماعي حقيقي قدموه عن وعي على أنه برنامج ديني. ولا يمكن اكتشاف الطبيعة الحقيقية لهذا البرنامج إلا في المراتب العليا لهذا التنظيم. وهذا يعني أن الإسماعيليين قد اكتشفوا ولأول مرة صيغة الحزب الطليعي، واكتشفوا الإسلام كإيديولوجية تحريضية للجماهير. إن المبادئ الكبرى للحركة تتعارض مع أركان السلطة العباسية والإسلام السني والتضامن القبلي والقومية الشوفينية، وذلك بالدفاع على أن تتمتع جميع شعوب الإمبراطورية بنفس الحقوق، وعن دين عقلاني بدون وحي، ضمن الأفلاطونية الجديدة(53). إن الأهداف السياسية الواعية لهذه الحركة هي أهداف مشابهة لأهداف الشيعة: وضع السلطة في يد العلويين. وسوف يطور بندلي جوزي تأملاته عن فكرة المهدي بعد سنوات(54). وتتمثل تلك الأهداف السياسية لحركة الإسماعيليين في المساواة بين الجنسين والقضاء على الملكية الخاصة للأراضي وتوزيعها مجانا.
خاصيتان تميزان الحركة الاسماعيلية عن حركة بابك التي سبقتها وهما: الخاصية الأولى هي الأسس العلمية لمذهبهم. فالفرق بين الإسماعيليين ومن سبقوهم هو أن الإسماعيليين بنوا مطالبهم على مبادئ فلسفية علمية وليس على مبادئ أخلاقية خالصة(55).
أما الخاصية الثانية لمذهبهم فهي "الإخاء الحقيقي" (الأممية)، وهذا المبدأ يمكن مقارنته بكونية الإسلام أو الكاثوليكية. فالإخاء الإسماعيلي يرتكز على مطالب العقل السليم، ويشكل أول تجاوز حقيقي للقومية في الإسلام، في تعارض مع الشعوبية الإيرانية الشوفينية، أي العصبية القومية. يبدو واضحا أن بندلي جوزي، بإجماع الشيوعيين، يتبنى هنا موقفا ضد الاحتكار المتنامي للسلطة من طرف البلاشفة الروس، وضد تحويل الشرق إلى مجرد مسرح يستعمله الاتحاد السوفييتي لمحاربة أعدائه الرأسماليين، وهذا ما يؤكده مثلا ابتعاده منذ مدة (مقارنة بمرحلة الحرب الأهلية) عن مؤتمر باكو في يوليوز سنة 1920(56)، وعن الخط المتذبذب للكومنترن(57)، وهو خط يخدم مصالح موسكو.
إن استعمال كلمة "شوفينية" يحيل على أطروحات أبريل (1917) للينين، ولكنه يحيل أيضا على سلطان غالييف (Sultan Galiev) الذي سبق له أن انتقد "الشوفينية الكبرى لروسيا، التي لم تكن تعمل إلا على إعداد حلة جديدة لديكتاتورية البروليتاريا متمثلة في الشعبوية الروسية القديمة للقرن التاسع عشر. ويعارض هذا التصور بمفهوم الأمة البروليتارية ويطالب بدور قيادي للتتار في عملية تصدير الثورة في الشرق"(58). أجرى بندلي جوزي تغييرا للاتجاه، حيث نقل اهتمامه من العالم الروسي-التتاري إلى العالم العربي(59): فالعرب بالنسبة له هم الذين عليهم أن ينجزوا ثورتهم بأنفسهم. وقاده ذلك إلى جعل الرسول محمد بن عبد الله لحظة مدشنة لتاريخ الشيوعية في الإسلام، لحظة كان فيها الرسول إصلاحيا.
لقد ابتكرت الحركة الإسماعيلية إذن تنظيما ملائما يحمل مطالب شيوعية حقيقية ترتكز على مذهب عقلاني واستراتيجية أممية. وتمثلت قاعدتها الاجتماعية في القوميات المضطهدة من طرف العباسيين، تلك القوميات التي عبأتها الطليعية الإسماعيلية بفضل المذهب الشيعي. وسوف يستمر تأثيرها في الحياة الثقافية من خلال "إخوان الصفا"، وفي الفلسفة والتصوف، وكذلك من خلال الشاعر الشاك أبو العلاء المعري (توفي سنة 1057م). لكن الخلافة العباسية الأرثوذكسية تم إنقاذها من طرف الأتراك، ثم بسبب اندلاع الحروب الصليبية.
إن الحركة القرمطية في البحرين هي التي قامت بالدور الأساسي في مسرى تواري الإسلام وبروز الشيوعية منه. قاد هذه الحركة ابو سعيد الجنابي (توفي سنة 913م)، وقد دعا إلى ترك معظم مبادئ وقوانين الإسلام لتأسيس جمهورية شيوعية تقوم على الأخوة بين جميع الأعراق والديانات وتحقيق السعادة في الدنيا. انضم للحركة سكان المدن الذين لم يكونوا يستفيدون من النظام العباسي، وانضم إليها كذلك البدو الذين كانوا ينفرون من الإسلام. ارتبط القرامطة تاريخيا بالشيعة الإمامية ثم بالشيعة الإسماعيلية، لكنهم حققوا استقلالهم الداخلي تدريجيا وهو ما مكنهم من تأسيس نظام جمهوري/شوري حيث كان القادة يُختارون من بين الذين يحتلون المراتب الأولى بين أقرانهم، فيصبحون أعضاء في المجلس الإداري للحركة(60). وفي هذه الحالة، لم تعد التشبيهات التاريخية تحيل على القرون الوسطى الغربية أو على روسيا ما قبل سنة 1861، وإنما صارت تحيل على الجمهوريات "الشعبوية" بأمريكا اللاتينية، كما صارت تحيل أيضا على الاتحاد السوفييتي. كانت حكومة البحرية القرمطية تشتغل "كسوفييت" (كمجلس عمالي)، يرأسها مؤسس الجمهورية، ثم يرأسها بعده خلفه ومساعدوه الأقربون. وقد بلغ القرامطة نفس المرحلة التي بلغتها روسيا إبان ثورة أكتوبر.
إن الإلحاح على الطبيعة الجمهورية والشورية للسلطة القرمطية في البحرين، ورفض الأوليغارشية (حكومة الأقلية المستبدة)، بالرغم من تشكل نخبة قائدة حول عائلة الجنابي، ليسا بأمرين غريبين عن نوائب ومصائب خلافة لينين المتوفى سنة 1924، واحتكار السلطة من طرف ستالين.
إن الإجراءات الاقتصادية هي إجراءات شيوعية بكل وضوح حتى وإن اعترف بندلي جوزي بأن المعلومات التاريخية الناقصة لا تسمح بالتأكد من أنه تم القضاء على الملكية الخاصة للأرض. لكن تتأكد طبيعة تلك الإجراءات بالخصوص من خلال احتكار الدولة للتجارة الخارجية، ومن خلال إلغاء الرسوم العقارية والضرائب التي كانت مفروضة على الفلاحين والمزارعين الفقراء، والتي تم تعويضها برسوم على التجارة وعلى الحج للأماكن المقدسة.
إن قيام "الجمهورية العربية الاشتراكية في البحرين (حركة القرامطة) كل هذه السنين الطوال وحفظ نظامها وتأثيرها أكثر من خمسة أجيال، ثم بلوغها ذلك النجاح الاقتصادي بالرغم مما كان يحيط بها من الصعوبات وتعدد الخصوم المتشوقين إلى هدمها والاستيلاء على ثروتها لأكبر دليل على أنها كانت قائمة ليس فقط على دعائم اقتصادية قوية بل على أسس أخلاقية قويمة وصحيحة كانت تتجلى في حياة المجموع والفرد على السواء"(61).
كان من الضروري تفنيد التهم التي وجهت للحركة القرمطية من طرف المؤرخين المسلمين (مثل الهرطقة والفجور)، وهي نفس التهم التي وجهها الرأسماليون الغربيون للحركات الاشتراكية. إن تجربة القرامطة في البحرين تحيل على تجربة الاتحاد السوفييتي في العشرينيات: يرى بندلي جوزي أن التقارب الذي تم بين أبي طاهر الجنابي (توفي سنة 944) والعباسيين، بعدما خلع بيعة الفاطميين من عنقه "لا يمكن اعتباره خيانة لأن ذلك سيؤدي إلى القول إن الحكومة السوفييتية التي أبرمت اتفاقيات تجارية مع بعض الأمم الغربية (مع إنجلترا في مارس 1921، مع ألمانيا في أبريل 1922) هي حكومة خائنة للثورة وهو أمر غير معقول"(62).
بعد مرحلة صدق الرسول، ومرحلة استعمال الدين عن وعي كإيديولوجية من طرف الإسماعيليين، مَثل القرامطةُ، الذين وصفهم بندلي جوزي بالشيوعيين، مرحلة الخروج من الدين(63). إن كتاب "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام" هو تاريخ لتواري الإسلام تدريجيا على يد الحركات الثورية الأصيلة.
طرح الشيوعيون الروس والقوميون هذا الإشكال والذي كان أشهر جواب عنه هو مقال سلطان غالييف المنشور سنة 1921: "مناهج الدعاية المعادية للدين في أوساط المسلمين"(64). ولقد أكد البلشفي التتاري سلطان غالييف في هذا المقال على خصوصية الإسلام (فهو دين حديث العهد، يتضمن الكثير من العناصر الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والدينية بما في ذلك التشريع الذي يتضمن العديد من القوانين الإيجابية) وضرورة تحديد مناهج ملائمة للدعاية لإنجاح هذه المهمة. يتعلق الأمر بمقاربة المشكل بصفة عامة "بحذر وبروح عملية" للتميز عن مناهج المبشرين الأرثوذكسيين الذين قاموا بهذه المهمة قبل سنة 1917(65)، بل ينبغي أن تخصص لكل شعب مقاربة ملائمة لمستواه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وبناء على ذلك فالتتار هم الشعب الأكثر نضجا لتقبل دعاية مثمرة معادية للدين، بينما بالنسبة لعب تركستان المتخلف جدا "فلا يمكن القيام بحملة معادية للدين إلا اعتمادا على مناهج استعملت ما بين 1905 و1910 من طرف المسلمين الحداثيين المنتمين للمذهب الجديدي في منطقة الڤولغا"(66). لذلك، فالشيوعيون مطالبون بالتعبير عن دعايتهم المعادية للدين إما بلغة واضحة، وإما بطريقة غير مباشرة، أي من خلال لغة إصلاحية إسلامية. أوضح بندلي جوزي أن القرامطة استعملوا أحيانا مصطلحات دينية، بينما لم يكونوا يؤمنون في الواقع بأي دين وضعي. لقد كان مصدر أفكارهم هو الفكر السياسي والفلسفي والعقلاني وليس العقيدة(67).
كان القرامطة كعرب من جهة وكإسماعيلية من جهة أخرى بعيدين عن الدين وشعائره الخارجية بعد أكثر شيوعيي هذا العصر، إذ أن دينهم الحقيقي هو مطلبهم الاجتماعي الذي كانوا يعبدونه ويؤمنون بوجوب تحقيقه إيمانا قويا يحيون لأجله ويموتون عليه(68).
لقد طبق بندلي جوزي نفسه هذه المناهج الدقيقة في مجال الدعاية، وهذا ما تؤكده مقالاته ما بين سنة 1923 وسنة 1924، الموجهة لقراء قطعوا بعض الأشواط في تقبلهم للشيوعية، تلك المقالات التي كان عنوانها هو "الحركات الشيوعية في الإسلام"، بينما نجده قد استعمل صيغة أخرى في كتابه "من الحركات الفكرية في الإسلام" والذي يحيل على الحركات الفكرية التي كان لها زخم في العالم العربي المعاصر. يمكن أن نتصور أن بندلي جوزي أمكنه اللجوء لصورة الرسول لاستعمالها في بلد "متخلف" لجذب المسلمين نحو الشيوعية، لكن لما يتعلق الأمر بكتابة التاريخ لا يتردد في أن يعيد له مكانته الحقيقية كمؤمن يتصرف كرسول لله، غير آخذ بعين الاعتبار استقلالية الغايات الاجتماعية التي يستهدفها. ويتضمن كتابه عدة تغييرات دقيقة منهما على سبيل المثال: لم تُسمّ الغزوات العربية فتوحات وإنما سميت احتلالا(69). كما أن المصطلحات الصادمة مثل الإلحاد والمادية لم تستعمل وإنما تم التعبير عنها من خلال الكناية والإيضاح، وعلى سبيل المثال: يصف القرامطة بأنهم "عبدة العقل السليم" عوض ملحدين(70)، والأسباب الحقيقية للأحداث لا يتم ذكرها مباشرة(71). يتعلق الأمر بعملية تسمح بتصور الحركة الشيوعية في الإسلام: فمرحلة الرسول تتطابق مع دولة بيزنطة وروما (المرحلة العبودية)، والمرحلة العباسية تتطابق مع القرون الوسطى العربية وروسيا قبل سنة 1861 (المرحلة الإقطاعية)، ومرحلة القرامطة في البحرين تتطابق مع الجمهوريات الشعبوية في أمريكا اللاتينية وخصوصا مع الاتحاد السوفييتي (المرحلة الشيوعية). ولقد اعتبر بندلي جوزي، على غرار سلطان غالييف، أن العالم الشرقي بإمكانه المرور مباشرة من الفيودالية إلى الشيوعية دون المرور بمرحلة الرأسمالية.
إن اهتمام بندلي جوزي بالقرامطة تعود بدون شك لتداخل البعد الاشتراكي والبعد العربي في هذه الحركة بشكل أصيل: فالاشتراكية التامة لدى القرامطة جسدت مسبقا ثورة 1917 الكبرى وأوضحت للشيوعيين أن العالم العربي سوف يعرف في المستقبل ثوة اشتراكية جديدة، وقد بينت عروبة تلك الثورة لشعوب الشرق الأوسط أن الاشتراكية كانت متجذرة بعمق في هويتهم العربية، وأنها كانت مفتاح النضال ضد الاستعمار والنضال من أجل التنمية الاقتصادية. يمكن قراءة كتاب "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام" كمرافعة من أجل اهتمام جيد بالعالم العربي من منظور التصور السوفييتي، وكمساهمة في الإشادة باشتراكية قومية عربية كانت ستتحول مستقبلا إلى اشتراكية ملحدة، لو أن التضامن بين الشعوب العربية الاشتراكية حلّ محل تضامن الأمة حيث أن المسيحيين (كما هو الشأن في حالته هو شخصيا) ظلوا متبنين لموقع تبعي غامض.
استمر نظام القرامطة في البحرين حتى القرن الخامس عشر، بالرغم من الصعوبات التي واجهها ابتداء من القرن العاشر. يرى بندلي جوزي أن العالم الإسلامي دخل عهد الانحطاط لما دشن الغرب نهضته لأسباب اقتصادية، عكس ما يراه العديد من المستشرقين ومثقفي منطقة الشرق الأوسط التابعين لهم، والذين يحددون بداية انحطاط العالم الإسلامي إما في القرن العاشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر (المواجهة بين الغزالي وابن رشد تعتبر كهزيمة للعقل، سقوط بغداد على يد المغول سنة 1258). أما بالنسبة لبندلي جوزي فقد حاول توضيح أن الإسماعيليين والقرامطة فشلوا في تحقيق البرنامج الاشتراكي بسبب انقساماتهم الداخلية والسلطة التركية والمغولية والحروب الصليبية، لكن روح البرنامج الاشتراكي استمر في التنظيمات المهنية والزوايا الصوفية في المناطق التركية الفارسية على وجه الخصوص. ومن ناحية أخرى فقد انتشر هذا البرنامج الاشتراكي في الغرب في أوساط الفرسان الرهبان والتنظيمات المهنية والبنائين الأحرار واليسوعيين(72).
وبصفة عامة، يرى بندلي جوزي أن الرسول محمد بن عبد الله التزم بالإسلام كدين، واستمر ذلك على يد حركات متمردة كحركة بابك، ثم تم تحويله عن وعي إلى إيديولوجية تحريضية على يد طليعة الاسماعيلية، ثم تم تجاوزُ ذلك بتأسيس تنظيم سياسي واقتصادي اشتراكي أصيل من طرف القرامطة، الشيء الذي أدى إلى بناء حكومة جمهورية وشورية استشارية (الملكية العامة للأرض، احتكار الحكومة للتجارة الخارجية، المساواة بين الجنسين). إن كتاب "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام" ليس مجرد كتاب عن الشيوعية في الإسلام، إنه كتاب يخوض الحرب على جبهتين: جبهة الشيوعية في الإسلام، وجبهة الإسلام كمرحلة من مراحل التاريخ الكوني الذي يقود إلى تواري الدين ونشر الشيوعية عالميا. أي جبهة موجهة نحو روسيا، وجبهة موجة نحو الشرق الأوسط المستغَل من طرف الامبريالية الغربية وهي المرحلة العليا في الرأسمالية حسب النظرية اللينينية، والهدف هو التحرير اعتمادا على الاشتراكية القومية العربية، التي كان عليها تحقيق الهيمنة الثقافية في مواجهتها للإسلام وليس البحث عن تسويات معه.
فأي دور يقوم به الرسول محمد بن عبد الله إذن في كتاب "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"؟
يعتبر الرسول بالنسبة لبندلي جوزي شخصية تاريخية قامت بدور أساسي في تأسيس الحركة الشيوعية في الإسلام. وعوض التساؤل عن مدى صدق كون الرسول رسولا كما فعل المستشرقون في القرن التاسع عشر، والبحث عما ينتمي للعمل الديني في رسالته وما ينتمي للطموحات السياسية، يتناول بندلي جوزي رسالة الرسول بعبارات مستوحاة من المادية التاريخية، وهو الأمر الذي ألغى وجهة نظر المستشرقين حول هذه المسألة. يعتقد بندلي جوزي أننا لن نفهم مهمة الرسول إذا اعتبرنا أنه كان صادقا في عمله الديني وغير صادق في إعادة بناء النظام الاجتماعي والسياسي، وخصوصا منذ مرحلة المدينة. لقد كان محمد بن عبد الله رسولا بالمعنى الدقيق للكلمة، كان شخصا مقتنعا بأنه يتصرف وفق التوجيهات التي يتلقاها من الله والتي تهمّ في نفس الوقت الإصلاح الديني وبناء مجتمع أكثر عدلا. إن التمييز بين الديني والسياسي هو تمييز منهجي محض لأن الرسول كان يستوعب الواقع من منظور الإسلام. لذلك يرى بندلي جوزي، بناء على وجهة نظره هذه، أن تصور الرسول أمر بديهي: فالرسول رسول، أي أنه يعتبر نفسه رسولا ويتصرف كرسول. وبالرغم من أن هذا الأمر بديهي فلا بد من التذكير به ضدا على المستشرقين الذين كانوا ينسبون للرسول -دون احترام التسلسل الزمني للأحداث- أفكارا سياسية واقتصادية تنتمي لعصر آخر غير عصره.
لقد أدمج بندلي جوزي الرسول في التصور الماركسي للتاريخ. فالرسول بالنسبة له مصلح عمَلَ على التقليص من مستويات التفاوت في الثروة والتخفيف من اضطهاد النساء، ومحاربة النظام القبلي، دون مواجهة الأسباب العميقة للاختلالات الاجتماعية. ولقد فندَ بندلي جوزي، على وجه الخصوص، الفكرة القائلة أن الرسول كان يهدف للقضاء على الملكية الخاصة، وذلك لأن الرسول عقد، من أجل نشر الإسلام، تسوية مع قريش (وهو ما يوضح فضلا عن ذلك أن تصوراته عن الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي كانت خاضعة لتصوراته الدينة).
إن أهم استنتاج يمكن القيام به هو أن الرسول محمد بن عبد الله ترك لمجتمعه إرثين:
- تمثل الإرث الأول في أنه ترك رسالة إصلاحية بمكة،
- وتمثل الإرث الثاني في أنه قام بتسوية سياسية مع قريش بالمدينة. وسوف يستمر تاريخ الإسلام بعد ذلك بناء على هذين الإرثين:
- فالحركات المهمشة التي وُصفت بالهرطقة من طرف المؤرخين الرسميين سوف تعمل على تعميق الإرث الإصلاحي وهو ما سوف يقود إلى تأسيس شيوعية ملحدة في الإسلام (الإرث الأول).
- أما الخلافة الأموية والعباسية فسوف تختاران التسوية السياسية وهو ما سيقود إلى التنكر للبعد الاجتماعي في الإسلام من أجل خدمة مصالح النخبة المسيطرة (الإرث الثاني).
وبالإضافة إلى التحليل الماركسي الذي قدمه بندلي جوزي عن حياة الرسول محمد بن عبد الله وعن إرثيْه في تاريخ الإسلام، تضمن كتابه التفكيرَ في الرسول كمثال يُقتدى به في النضال من أجل تحقيق الشيوعية.
المرجع:
- The Presence of the Prophet in Early Modern and Contemporary Islam, Renaud Soler, Pages: 211-243,
Doi: https://doi.org/10.1163/9789004466753_010
الهوامش:
1) Renan, Vie de Jésus, 196.
2) Renan, “Mahomet et les origines de l’islamisme”, 267.
3) Renan, “Mahomet et les origines de l’islamisme”, 285.
4) Müller, Der Islam im Morgen- und Abendland.
5) Grimme, Mohammed.
6) Snouck Hurgronje, “Une nouvelle biographie de Mohammed”.
7) Lammens, Le Berceau de l’islam.
8) Caetani, Annali dell’ Islām.
9) Watt, Muhammad at Mecca Watt, Muhammad at Medina.
10) Sonn, Interpreting Islam, 39-52 Sonn, “Bandali al-Jawzi’s Min Tarikh”.
11) Sonn, Interpreting Islam, 39.
12) Sonn, “Bandali al-Jawzi’s Min Tarikh”, 89.
13) Sonn, “Bandali al-Jawzi’s Min Tarikh”, 90.
14) Sonn, “Bandali al-Jawzi’s Min Tarikh”, 90.
15) Sonn, “Bandali al-Jawzi’s Min Tarikh”, 104.
16) طبعة دمشق سنة 1972، طبقة القدس 1977، طبعة بيروت 1981، طبعة بيروت 1982
17) مروة، هكذا نقرأ بندلي جوزي
18) حسين مروة، مقدمة الكتاب، ص 1.
19) حسين مروة، مقدمة الكتاب، ص 2.
20) حسين مروة، مقدمة الكتاب، ص3-4.
21) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 11-16
22) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 12-13
23) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 16
24) Kemper, “The Soviet Discourse”, 6-8.
25) كتب الشاعر الشيوعي ناظم حكمت قصيدة طويلة سنة 1936 خصصها لبدر الدين عنوانها: (Simavne Kadısı Oğlu Şeyh Bedreddin Destanı).
26) ذكره : ابو خليل، بندلي جوزي، ص 104.
27) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 17-53.
28) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 17.
29) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 18.
30) Lammens, Le Berceau de l’islam.
31) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 28.
32) حسب روديونوف (Rodionov, “Profiles under Pressure”, 47-48)، كان بندلي جوزي هو الذي ترجم كلمة بروليتاري بكلمة صعلوك، لأن الصعاليك كانوا شعراء متمردين عن النظام القبلي، وكانوا يأخذون من الغني لصالح الفقير، واعتبروا منذ القرن التاسع عشر اشتراكيين أوائل، أو اشتراكيين قبل الأوان.
33) Kemper, “The Soviet Discourse”, passim.
34) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 30.
35) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 32.
36) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 36.
37) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 36.
38) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 41.
39) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 42.
40) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 42.
41) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 44.
42) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 46-48. حسب كروبر (“The Soviet Discourse”, 25-28) دافع تومارا (Tomara)، الأستاذ بجامعة عمال الشرق، سنة 1930 عن الأطروحة القائلة بأن القاعدة الطبقية للإسلام تشكلت من الفقراء المدينيين، والفلاحين الفقراء الخاضعين للفلاحين الأغنياء الذين يستعملون الربا وينافسون البدو في امتلاك الاراضي. وفسر ظاهرة الردة بعد وفاة الرسول كمحاولة من طرف البدو لاسترجاع الأراضي التي وزعها الرسول على الفقراء.
43) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 49.
44) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 52.
45) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 54-77.
46) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 74.
47) Kemper, “The Soviet Discourse”, 34-40.
48) أبو خليل، بندلي جوزي، ص 126-42.
49) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 95.
50) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 90-91.
51) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 116.
52) نشر المستشرق السوفييتي تامارا سنة 1936 بموسكو كتابا بالروسية عن بابك. وهناك أيضا شريط تاريخي باللغة الأذرية أخرجه المخرج (d’Eldar Quliyev) سنة 1979.
53) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 130-131.
54) لنسجل أنه نشر في يونيو-يوليوز سنة 1933 في مجلة "المقتطف"، مجلد 83، عدد 1-2، مقالين تحت عنوان "السوفياني" حول موضوع المهدي.
55) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 144.
56) أنظر (Riddell, To See the Dawn)، وكذلك "مؤتمر الشعوب في الشرق، باكو، 1920".
57) Encausse et Schram, Le Marxisme et l’Asie (1853-1964).
58) Bennigsen et Lemercier-Quelquejay, Sultan Galiev, 191-210 Renault, “L’idée du communisme musulman”.
59) Freitag, Geschichtsschreibung in Syrien 1920-1990 et Havemann, Geschichte und Geschichtsschreibung.
60) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 192.
61) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 200-2001.
62) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 203-205. يبدو ظاهريا أن بندلي جوزي لا ينتقد الاتحاد السوفييتي، لكن يمكن القول على العكس من ذلك أنه يقدم انتقادا ضمنيا لمسألة خلافة لينين. وكما كان عبيد الله إمام الزمان الذي بايعه القرامطة، فإن لينين كان قائد ثورة أكتوبر الكبرى بينما كان خلفه ستالين محتالا ومدعيا.
63) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 207.
64) Bennigsen et Lermercier-Quelquejay, Les Mouvements nationaux chez les musulmans de Russie, 226-38.
65) Sultan Galiev, “Les méthodes de propagande anti-religieuse parmi les musulmans”, 229.
66) Sultan Galiev, “Les méthodes de propagande anti-religieuse parmi les musulmans”, 237.
67) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 207-209.
68) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 207.
69) Abū Khalīl, Bandalī Jawzī, 223.
70) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 208.
71) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 36 و74.
72) بندلي جوزي، "من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام"، ص 218-237.
بيبليوغرافيا:
- Abū Khalīl, Sh. Bandalī Jawzī. ʿAṣruhu – Ḥayātuhu – Āthāruhu, Beirut/Damascus, Dār al-Fikr al-Muʿāṣir/Dār al-Fikr, 1993.
- Caetani, L. Annali dell’ Islām, vol. 1, Milan, Ulrico Hoepli, 1905.
- Jawzī, B. Min tārīkh al-ḥarakāt al-fikriyya fī l-islām, Jerusalem, Maṭbaʿat Bayt al-Maqdis s. l., Jamʿiyyat al-Ṣadāqa al-Filisṭīniyya al-Sufyātiyya, 1981.
- Jawzī, B., et Q. Zurayq. Umarāʾ Ghassān, Beirut, Imprimerie Catholique, 1933.
- Le Premier congrès des peuples de l’Orient, Bakou 1920 : L’Internationale Communiste et la libération de l’Orient, Saint Petersburg, Éditions de l’Internationale communiste, 1921.
- Muruwwa, Ḥ. “Hākadhā naqraʾ Bandalī Jāwzī”, preface to B. Jawzī, Min tārīkh al-ḥarakāt al-fikriyya fī l-islām, Jerusalem, Maṭbaʿat Bayt al-Maqdis s. l., Jamʿiyyat al-Ṣadāqa al-Filisṭīniyya al-Sufyātiyya, 1981, 1-10.
- Renan, E. “Mahomet et les origines de l’islamisme”, in Études d’histoire religieuse, Paris, Michel Lévy, 1857, 217-299.
- Renan, E. Vie de Jésus, Paris, Gallimard, coll. Folio Classiques, 1974.
Secondary Literature
- Altstadt, A. The Azerbaijani Turks : Power and Identity under Russian Rule, Stanford, Hoover Institution Press, 1992.
- Azari, A. “Ṣuʿlūk”, in P. Bearman et al., eds. The Encyclopaedia of Islam, Second Edition, Leiden, Brill, 1960-2009, IX. Accessed 1 February 2021.
- Baberowski, J. Der Feind ist überall. Stalinismus im Kaukasus, Munich, Deutsche Verlags-Anstalt, 2003.
- Baldauf, I. “Jadidism in Central Asia within Reformism and Modernism in the Muslim World”, Die Welt des islams 41/1 (2001), 72-88.
- Bennigsen, A., et C. Lermercier-Quelquejay. Les Mouvements nationaux chez les musulmans de Russie. Le “sultangalievisme” au Tatarstan, Paris, Mouton & Co, 1960.
- Bennigsen, A, et C. Lermercier-Quelquejay, L’Islam en -union- soviétique, Paris, Payot, 1968.
- Bennigsen, A., et. C. Lermercier-Quelquejay. Sultan Galiev. Le père de la révolution tiers-mondiste, Paris, Fayard, coll. “Les inconnus de l’histoire”, 1986.
- Bennigsen, A., et S. E. Wimbush. Muslim National Communism in the Soviet -union- : A Revolutionary Strategy for the Colonial World, Chicago, The University of Chicago Press, 1979.
- Bobrovnikov, V. “The Contribution of Oriental Scholarship to the Soviet Anti-Islamic Discourse : From the Militant Godless to the Knowledge Society”, in S. Conermann et. M. Kemper, eds, The Heritage of Soviet Oriental Studies, London/New York, Routledge, 2011, 66-85.
- Carrère d’Encausse, H., et. S. Schram. Le Marxisme et l’Asie (1853-1964), Paris, Armand Colin, - Conermann, S., et. M. Kemper, eds. The Heritage of Soviet Oriental Studies, London/New York, Routledge, 2011.
- Dudoignon, S. “Djadidisme, mirasisme, islamisme”, in “Le réformisme musulman en Asie centrale”, Cahiers du monde russe et musulman 37/1-2 (1996), 13-40.
- Freitag, U. Geschichtsschreibung in Syrien 1920-1990. Zwischen Wissenschaft und Ideologie, Hamburg, Deutsches Orient-Instituts, 1991.
- Georgeon, F. “Note sur le modernisme en Azerbaïdjan au tournant du siècle”, in “Le réformisme musulman en Asie centrale”, Cahiers du monde russe et musulman 37/1-2 (1996), 97-106.
- Grimme, H. Mohammed, 2 vols, Münster, Aschendorff, 1892-95.
- Havemann, A. Geschichte und Geschichtsschreibung im Libanon des 19. und 20. Jahrhunderts, Beirut, Orient-Institut der Deutschen Morgenländischen Gesellschaft, 2002.
- Hopwood, D. The Russian Presence in Syria and Palestine 1843-1914, Oxford, Clarendon Press, 1969.
- Kemper, M. “The Soviet Discourse on the Origin and Class Character of Islam, 1923-1933”, Die Welt des Islams 49/1 (2009), 1-48.
- Kemper, M. “Red Orientalism : Mikhail Pavlovich and Marxist Oriental Studies in Early Soviet Russia”, Die Welt des Islams 50/3-4 (2010), 435-476.
- Kostrjukov M. A. Žuze Pantelejmon Krestovin (1870-1942 gg.) : naučno-pedagogičeskaja i obščestvennaja dejatel“nost”, Kazan, Aвтореферат dissertacii na soiskanie učenoj stepeni kandidata istoričeskih nauk, 2010.
- Kostrjukov, M. A., et M. Z. Habibullin. “Pantelejmon Krestovič Žuze : žiznennыj put′ i naučnoe nasledie vidnogo predstavitelja kazanskogo vostokovedenija”, Izvestija Altajskogo Gosudarstvennogo Universiteta 4/2 (2009), 95-98.
- Lammens, H. Le Berceau de l’islam. L’Arabie occidentale à la veille de l’Hégire, Rome, Sumptibus pontificii institute biblici, 1914.
- Laurens, H. La Question de Palestine. 1799-1922 : l’invention de la Terre Sainte, Paris, Fayard, 1999.
- Lazzerini, E. “Ǧadidism at the Turn of the Twentieth Century : A View from Within”, Cahiers du Monde russe et soviétique 16/2 (1975), 245-277.
- Müller, A. Der Islam im Morgen- und Abendland, 2 vols, Berlin, G. Grote, 1885-87.
- Nöldeke, T. Die ghassânischen Fürsten aus dem Hause Gafna’s, Berlin, Verlag der Königlichen Akademie der Wissenschaften, 1888.
- Notice “Juze Panteleymon”, http://relstud-hist.spbu.ru/en/articles/en-zuze-pantelejmon-krestovic (site internet du projet The Study of Religion in Russia in the 18th–first half of the 20th century de l’Université d’État de Saint-Pétersbourg).
- Notice Wikipédia en azéri, “Panteleymon Juze”, https://az.wikipedia.org/wiki/Panteleymon_Juze (10 janvier 2019).
- Öner, M. “Kâşgarlı Mahmud ve Panteleymon Krestoviç Juze (Al-Jawzi Bandali Saliba)” (conférence à l’Université centrale des minorités à Pékin en 2008).
- Renault, M. “L’idée du communisme musulman : à propos de Mirsaid Sultan Galiev (1892-1940)”, Période (revue en ligne).
- Riddell, J. To See the Dawn : Baku, 1920 – First Congress of the Peoples of the East, London/Montreal/Sydney, Pathfinder Press, 1993.
- Rodinson, M. Islam et capitalisme, Paris, Seuil, 1966.
- Rodinson, M. Marxisme et monde musulman, Paris, Seuil, 1972.
- Rodionov, M. “Profiles under Pressure : Orientalists in Petrograd/Leningrad, 1918-1956”, in S. Conermann et M. Kemper, eds, The Heritage of Soviet Oriental Studies, London/New York, Routledge, 2011, 29-46.
- Schimmelpennick van der Oye, D. “The Imperial Roots of Soviet Orientology”, in S. Conermann et M. Kemper, eds, The Heritage of Soviet Oriental Studies, London/New York, Routledge, 2011, 29-46.
- Snouck Hurgronje, C. “Une nouvelle biographie de Mohammed”, Revue de l’histoire des religions 30 (1894), 48-70.
- Sonn, T. “Bandali al-Jawzi’s Min Tarikh al-Harakat al-Fikriyyat fi’l-Islam : The First Marxist Interpretation of Islam”, International Journal of Middle East Studies 17/1 (1985), 89-107.
- Sonn, T. Interpreting Islam : Bandali Jawzi’s Islamic Intellectual History, New York/Oxford, Oxford University Press, 1996.
- Stavrou, T. Russian Interest in Palestine 1882-1914, Thessaloniki, Institute for Balkan Studies, 1963.
- Sultan Galiev, M. S. “Les méthodes de propagande anti-religieuse parmi les musulmans”, in A. Bennigsen et C. Lemercier-Quelquejay, eds, Les Mouvements nationaux chez les musulmans de Russie. Le “sultangalievisme” au Tatarstan, Paris, Mouton & Co, 1960, 226-238.
- Swietochowski, T. Russian Azerbaijan : The Shaping of National Identity in a Muslim Community, Cambridge, Cambridge University Press, 1985.
- Türkoǧlu, İ. “1917 İhtilali’nden Sonra Azerbaycan’da Tarih Yazımının İnşası”, in F. Sancaktar, A. Askeroǧlu Arslan, F. Ferhatoǧlu, et C. Bayram, eds, Ekim 1917 Soviet İhtilali’nin yüzüncü yılında türk dünyası’ndaki baǧımsızlık fikri ve siyasi hareketler. Uluslararası sempozyumu 16-17 Ekim 2017, Istanbul, ŞenYıldız, 2017, 216-225.
- Usmanov, M. “The Struggle for the Reestablishment of Oriental Studies in Twentieth-Century Kazan”, in S. Conermann et M. Kemper, eds, The Heritage of Soviet Oriental Studies, London/New York, Routledge, 2011, 169-202.
- Watt, M. Muhammad at Mecca, Oxford, Oxford University Press, 1953.
- Watt, M. Muhammad at Medina, Oxford, Oxford University Press, 1956.
- Werth, P. At the Margins of Orthodoxy : Mission, Governance, and Confessional Politics in Russia’s Volga-Kama Region, 1827-1905, Ithaca/London, Cornell University Press, 2002.
#محمد_الهلالي (هاشتاغ)
Mohamed_El_Hilali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟