|
هل تصبح رجاء بن سلامة شهيدة الحق الليبرالي؟
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 1703 - 2006 / 10 / 14 - 11:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
-1- تتعرض الكاتبة والناقدة والأكاديمية التونسية رجاء بن سلامة لحملة هوجاء مسعورة في الصحافة التونسية وفي الأوساط الأكاديمية، نتيجة لآرائها وكتبها ومحاضراتها وبحوثها المختلفة. وبلغ بالأصوليين المتشددين في تونس مثلاً حداً، أن فضلوا ما قالته المطربة التونسية المعروفة "لطيفة" عن حزب الله عما قالته رجاء بن سلامة، كما كتبت أسماء القرقني في موقع "تونس نيوز" على الانترنت، في مقالها الذي اختتمته بقولها: " قارنوا أيها القراء بين كلام بن سلامة وكلام لطيفة، وستفهمون الفرق بين ثقافة المقاومة والعز، وثقافة الهزيمة والخراب."
وأسماء القرقني هذه، هي احدى طالبات الدكتورة رجاء بن سلامة، والتي يحاول معها التيار الديني الأصولي التونسي، أن يجمع أكبر عدد من طالبات الدكتورة رجاء لكي يشهدن ضدها، بأنها في محاضراتها تهاجم الإسلام، وتهاجم القرآن، لكي يصل الأمر بهم إلى تكفيرها، واباحة دمها.
-2-
وهنا نتوقف قليلاً.
إننا كليبراليين لا نحجب الرأي الآخر. ولا نمنع رأياً يقال ضدنا أو معنا. ولا نستعمل العنف لكي نمنع الرأي الآخر المعارض لنا. ولا نُبيح دماً. ولا نُخرج من الملّة، كما سبق للشيخ ابراهيم الخولي أن أخرجني من الملّة من على شاشة تليفزيون الجزيرة. ولا نُكفِّر من يأتي باجتهاد جديد يخالف اجتهادنا ورأينا، في مسألة من المسائل، أو قضية من القضايا. ولا نستعمل الدين، أو أية أيديولوجية معينة، لكي نسفك من خلالها دماء الآخرين.
نحن قومٌ سلاحنا الكلمة، والكلمة فقط. ونتخاصم بالرأي والرأي الآخر، وليس بالسيوف والسكاكين والخناجر والسيارات المفخخة. وإلا لما كنا دعاة حرية وديمقراطية.
ونحن رأينا ونرى، أن لا فئة في تاريخ الثقافة والفكر السياسي العربي المعاصر شُتمت وسُبت وهُزئت واتُهمت بشتى التهم البذيئة والرخيصة كما حصل مع الليبراليين العرب من قبل الآخرين. فقد اتُهمنا بأننا عملاء امريكا، وطابور خامس، وحلفاء للمحافظين الجدد، وعملاء اسرائيل، وبأننا صهاينة في دمائنا وافكارنا، وبأننا نناصر اسرائيل على الحق العربي، وبأننا مرتزقة، وبأننا سفهاء، وبأننا نأتمر بأمر البيت الأبيض والأخضر والأصفر، وبأننا... الخ. ورغم هذا لم نقصَّ لسان أحد من هؤلاء، ولم نهدر دم أحدهم. ولكن أن تقود هذه الاتهامات إلى فتاوى بهدر دمائنا، فهذا ما لن نسكت عنه. ويجب أن نتصدى له بالكلمة وبالكلمة فقط، وليس بالسيف، أو السكين، أو الخنجر، أو السيارات المفخخة.
فنحن لا نساند ولا ندافع هنا عن رجاء بن سلامة، ضد من يخالفونها الرأي، فهذا من حقهم، ونحن نؤمن بهذا الحق. ولكننا نساند رجاء بن سلامة وندافع عنها ضد من يدفعون ويحرضون - بمقالاتهم - فقهاء السلطان إلى اصدار فتوى لقتل رجاء بن سلامة، أو اهدار دمها، أو الاعتداء عليها، أو على غيرها، حتى ولو كان مخالفاً لنا في الرأي والتوجه. فما زلنا ندافع حتى الآن عن سيد قطب، لأنه شُنق بسبب آرائه، وهو الذي على نقيض تام منا.
-3-
اليوم، تقول الأخبار الواردة من تونس – ونرجو أن تكون غير صحيحة ولا وجود لها - بأن هناك فتوى دينية صدرت في تونس، أو ستصدر قريباً من أحدهم، تقول بأن رجاء بن سلامة كافرة، وبأنها قالت كفراً في محاضراتها بالجامعة. وجيء بمجموعة من طالباتها، ليشهدن بذلك، ومنهن الطالبة أسماء القرقني التي كتبت مقالاً – أو كُتب لها – في موقع "تونس نيوز"، بتاريخ 8/9/2006 ، تقول فيه "رغم معرفتي بآراء رجاء بن سلامة المعادية للحضارة العربية الاسلامية وللعروبة والاسلام، فإني لم أكن أتصور أن تكتب ما كتبت، وتتجرأ في التبشير بهزيمة المقاومة ونجاح إسرئيل."
والخطير هنا، هي هذه التهمة التي توجه علانية لرجاء بن سلامة، بأنها معادية للإسلام. وهي تهمة تكفيرية واضحة وخطيرة في زمن الارهاب الفكري والجسدي الذي يتحكم في العالم العربي الآن، ولا يتوانى أي فقيه من فقهاء السلطان في هذا الزمان الأغبر، من أن يستند عليها، لتكفير رجاء بن سلامة وغيرها، وبالتالي أهدار دمها وقتلها، لتكون أول شهيدة من شهداء الحق الليبرالي.
-4-
وفي جريدة "الصباح" التونسية 10 /9/2006 كتب محمد الرحموني مقالاً آخر، قال فيه عن فكر رجاء بن سلامة وفكر "رابطة العقلانيين العرب"، الذي تتمثل فيها رجاء بن سلامة وكوكبة كبيرة من المفكرين والمثقفين التونسيين الليبراليين: " إنه الفكر المطلق والمنطلق من كل عقال فكري أو أخلاقي يتجاهل التاريخ، ويتعامل مع الأمر بمنطق ملّة الكفر واحدة."
ويتابع الرحموني مقاله، الذي يدفع به نحو تهمة التكفير لرجاء بن سلامة، ونحو تسويغ اصدار فتوى اهدار دمها طبقاً لذلك، بقوله عن مواقف وفكر رجاء بن سلامة وزملائها من "رابطة العقلانيين العرب" في تونس:
"صحيح أن هذه المواقف تنقصها الأخلاق والتوفيق، وتكشف عن فكر بلا ضوابط. ولكن الأخطر من ذلك هو ما لا تعلنه صراحة. فكل من يقول كلمة خير أو حق في الإسلام أو الإسلاميين فوعيه بقري وعامي. لأنه ما زال في مرحلة العقل الهيولاني، الذي هو مجرد استعداد لإدراك البديهيات."
-5-
وفي 13/8/2006 كتب الحبيب أبو الوليد، في جريدة "الوسط" التونسية مقالاً بعنوان (ولم تتحقق نبوءة ادعياء العقلانية) دافعاً فيه نحو الفتوى التكفيرية المنتظرة، مضيفاً المزيد من المسوغات "الشرعية" لإصدار هذه الفتوى، قال فيه:
"يكتب هؤلاء من موقع عدائهم للحركة الإسلامية، ودفاعا عن خيارهم في الانحياز إلى جانب الديكتاتورية ، فيدعون أنهم وحدهم الذين فقهوا ما تتطلبه المرحلة من رؤية متبصرة. و بالتالي فهم يسقطون في تبرير جرائم العدوان، وينتصرون للظالم بما ينسجم مع مواقفهم الجبانة وتطلعاتهم الفاسدة . فهم يناصرون الاستبداد في إجرامه ويقفون مع العدو ضد أهلهم."
فيكفي أن تكون عدواً للحركة الإسلامية ليهدر دمك وتُقتل. ويدفع الحبيب أبو الوليد بكلام آخر نحو المزيد من المسوغات الموجبة للقتل، فيقول عن رجاء بن سلامة وزملائها:
"طالما راهنت في الماضي على أن الصحوة الإسلامية ليست إلا ظاهرة عابرة، ستزول بزوال أسبابها وأنها ردة فعل وقتية على تيار الحداثة الجارف، وما إلى ذلك من أطروحات تبين أنها لا تستوعب حاضراً، ولا تستشرف مستقبلا. وهم يرفضون اليوم أن يصدقوا عناداً ومكابرة، أن كل حديث عن المقاومة والديمقراطية و الحرية بعيداً عن مطالب الصحوة الإسلامية وتطلعاتها و فعالياتها هو باختصار شديد خروج عن الموضوع ."
وفي نهاية المقال يأتي حكم الحبيب أبو الوليد على "رابطة العقلانيين العرب" في تونس، بأنهم كفار لا يؤمنون بمبدأ، وهم مهزومون ومستسلمون:
"مهزومون ومستسلمون، لا يفكرون في مقاومة، ولا يؤمنون بمبدأ، امتلأت بطونهم بالمال الحرام، وتمكنت منهم ثقافة الهزيمة حتى لم تعد لديهم إشارة حياة ."
-6-
مثل هذه التعليقات، وهذا الكلام الخطير المليء بالتهم الزائفة، فيما لو قرأه أي شاب ارهابي أصولي متشدد، سيكون كافياً لأن يدفعه لقتل رجاء بن سلامة، حتى بدون صدور فتوى "شرعية" بقتلها. فهي تعليقات تفوّر دم الأصوليين، وتدفعهم لارتكاب جريمة سوف يكون مثل هؤلاء الكتاب الذين كتبوا مثل هذه المقالات سبباً في وقوعها. وسيكون دم رجاء – فيما لو سال – في رقابهم جميعاً.
فهل تصبح رجاء بن سلامة شهيدة الحق الليبرالي؟!
السلام عليكم.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ستتكرر محنة -أبو زيد- مع حسن حنفي ؟
-
مسؤولية الأزمة الفلسطينية
-
جمال البنا .. لا تعتذر عمّا كتبت!
-
المثقفون الأردنيون يستيقظون
-
جدل الدولة الفلسطينية المستحيلة
-
الدولة الفلسطينية المستحيلة
-
جمال البنا حلقة جديدة في سلسلة المرتدين
-
هل قرأ ابن لادن شعراء الحداثة قبل الكارثة؟
-
العقل العربي في الذكرى الخامسة للكارثة
-
نجيب محفوظ عاش ومات في الجاهلية!
-
أمريكا الهبلة!
-
جمهور الكاتب الليبرالي
-
متى ينتهي -زواج المتعة- بين حزب الله وإيران؟
-
فوائد وأضرار معاهدة السلام اللبنانية – الإسرائيلية
-
هل سيصبح لبنان -الجمهورية الإسلامية اللبنانية-؟
-
هل خلاص لبنان في معاهدة سلام دائمة؟
-
لماذا كان -الكتكوت- آخر من سيدخل قفص السلام؟
-
من هو الكاتب الليبرالي؟
-
نصر الله رئيساً لوزراء لبنان!
-
-الشرق الأوسط الجديد-: مَنْ قرأَ ومَنْ فَهِمَ؟
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|