أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أحمد الخميسي - بغداد التي في خاطري














المزيد.....

بغداد التي في خاطري


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 505 - 2003 / 6 / 1 - 05:46
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

    استند التأييد الشعبي الحار للمقاومة العراقية في الأسابيع الثلاثة الأولى على مرتكزات عديدة . منها الوعي بأن الغزوة الاستعمارية التي أعادتنا لعهد اللورد كرومر لا تستهدف العراق فحسب، بل وباقي دول المنطقة التي تقف ولو بالتحريض والقول ضد التسوية السياسية العربية – الإسرائيلية , والإيمان بعدالة قضية الشعب العراقي مع جبروت وصلف ووقاحة العدوان . وانطوى هذا الوعي والإيمان على شيء خاص وحميم من صميم الخبرة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية لكل شعب عربي . الاندفاع نحو تأييد بغداد في الشوارع كان حرية إنسانية لكل متظاهر ومعارض للحرب ، وحرية سياسية ، ينتزعها بيديه من بين عصي الشرطة التي تسد الآفاق . وكان الانجراف إلي مناصرة بغداد يستنهض من تراب العزلة اليومية عن الأهداف الكبرى حالة انخراط واسع في وجدان عام له آلاف الحناجر ، ويبعث حالة معنوية مغايرة ، مشحونة بضوء آخر من الداخل . كان الناس يبحثون في بغداد وفي أنفسهم عن ملحمة بطولية تتصدى للاستعمار ، وعلى ضوء المدافع العراقية كانوا يشاهدون أنفسهم وكيف يتحررون ، ويقاومون ، ويسقطون الطائرات ببنادق الفلاحين . ولم يكن النظام العراقي بالنسبة إليهم سوى هيئة لتنظيم المقاومة ، هيئة جاهزة ، لا تحتاج سوى الاندفاع نحوها بالتطوع والتبرع ، لأن الناس يفتقدون هيئة كتلك تمرغ في الوحل أنف كل عدوان . وقد شبع الناس عدوانا بدءا من تفاصيل الحياة اليومية الصغيرة ، مرورا بحملات صيد البشر في فلسطين ، وقصف بغداد ، وحصار ليبيا ، وتهديد سوريا . الناس يفكرون في أعماقهم هكذا : " كل ما يحدث مرة واحدة ، قابل للتكرار ، وإذا كان بوسع العراقيين أن يقاوموا ، فإن ذلك قد يكون استطاعتنا نحن أيضا ". والناس في مصر لا يفكرون فقط ، بل وينخرطون فيما هو في استطاعتهم : التطلع بالتأييد والحب لبرق المواجهة الذي ومض لحظة في سماء العراق ،  ثم  يتفرقون ما أن ينطفئ النور فرادي تحت المطر عائدين إلي بيوتهم وعزلتهم . دمرت بغداد بأعنف قصف استعماري شهده القرن العشرين والقرن الجديد . وما ألقته أمريكا من قنابل فوق بغداد يفوق عشرات المرات من حيث التأثير ما ألقته أمريكا من قبل فوق هيروشيما . كانت بغداد عزيزة  لتاريخها وحضارتها وعلمها وشعبها وتراثها ، لكنها صارت معشوقة مثل بنات الأساطير وهي تقاتل التنين فتشفي بمعاركها جراحنا في دنشواي ، وبورسعيد ، ونكسة 67 ، ومدرسة بحر البقر . دمرت بغداد بعد أن عطرت أنفاسها تاريخ التحرر في القدس و دمشق والقاهرة . ومع زوال النظام الدكتاتوري  العراقي تنسلخ طبقات الدولة القديمة وأجهزتها عن عصب المقاومة الشعبية القادرة على ملاحم التصدي . كان القتال في  بغداد جزءا من الحرية ، لكنه ليس كل الحرية ، وجزءا من التحرر ، لكن ليس كل التحرر من عبء الوجود الاستعماري الاقتصادي والسياسي والثقافي العام في المنطقة .

    دمرت الدولة في بغداد ، لكن الأبواب قد فتحت على مصراعيها للمعارك الحقيقية التي بدأت تلوح بشائرها ، وفيها سيتمرس الشعب العراقي بكل خبرات الكفاح ، وخلالها سيتمسك الشعب بالديمقراطية التي تلزمه لتعميم القتال ومواجهة الاستعمار وإعادة توزيع ثرواته ، وليس تلك الديمقراطية التي توضع كقناع للانخراط في ركاب الاستعمار . دمرت الدولة ، لكن الوعي قد استبقى مما جرى دروسا هامة . فقد تبين أن رعب التكنولوجيا الحديثة وهم مبالغ فيه ، وأن بمقدرة الناس إسقاط أحدث الطائرات بأقدم البنادق وأن تلك التكنولوجيا ذاتها تصبح في أحيان كثيرة :" النيران الصديقة " لكثرة ما تضل طريقها  وتصيب الحلفاء . وتبين زيف كل المزاعم الأمريكية حول التحضر والثقافة وحقوق الإنسان والحرية.  واتضح أن كل ذلك هو أول ما يدوسه الاستعمار في طريقه للغزو . فقد فتح جنود الغزو نيرانهم على المراسلين ، وقتلوا منهم 12 صحفيا خلال فترة الحرب ، وضربوا واعتقلوا المراسلين ومنهم مراسل قناة " العالم " الإيرانية . وقررت واشنطن – وفقا لمفهومها عن الديمقراطية – تعيين حكومة أمريكية لم ينتخبها الشعب العراقي ، واعتمدت خطة لتخصيص شركات النفط ، وأخرى لتغيير برامج التعليم ، وترحيل أفضل العقول العلمية في العراق . ومع أن معاهدة جنيف التي تباكت عليها واشنطن ذات مرة تلزم قوات الاحتلال بحفظ الأمن في المدن المحتلة ، إلا أن القوات الأمريكية  دبرت أكبر عملية نهب وسلب شملت متحف بغداد  وجامعة الموصل والمراكز الثقافية والهيئة العامة للآثار التي سرق منها أكثر من مئة وسبعين ألف قطعة أثرية ومبنى الإذاعة والتلفزيون بكل ما يحتوي عليه من تسجيلات تاريخية ، ووثائق الوزارات  والهيئات ، ومصلحة الجوازات والجنسية ، وأحرقت المكتبة الوطنية في بغداد بعد نهب وثائقها الأصلية الفريدة . ولم يسبق لأحد أن رأى لصوصا يسرقون المتاحف والمكتبات إلا إذا كان ذلك بتوجيه وخطة ، لأن اللصوص يقصدون في العادة محلات الذهب وبيوت الأثرياء . هذا بينما حرصت قوات الاحتلال على حراسة مقر وزارة النفط و آبار النفط . وبينما أبرزت مختلف القنوات التلفزيونية صغار اللصوص وهم يسطون على أرجل كراسي محطمة ، وكنب قديم ، ومزهريات ضخمة عديمة الفائدة ، فإن أحدا لم يلتقط صورة لكبار اللصوص الأمريكيين والإنجليز الذين يجلسون في مختلف العواصم ليتقاسموا فيما بينهم حصص شركاتهم في سرقة نفط  وثروات الشعب العراقي . 

     بغداد التي في خاطري عزيزة وقادرة ، وما جرى ليس إلا فصلا صغيرا غنيا بالخبرة على الطريق الذي سيرسمه الشعب العراقي بتاريخه البطولي الحافل بتضحيات المقاومة والتحرر .

***

* كاتب مصري

 



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات ألف ليلة وليلة للرئيس جـورج بـوش
- شموع على كف حوار متمدن
- 1948 الفرصة الضائعة
- الرئيس الأمريكي يعلمنا كيف نحيا
- الوطنية والديمقراطية في العراق


المزيد.....




- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
- عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط ...
- روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة. ...
- مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
- مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أحمد الخميسي - بغداد التي في خاطري