أربعون عاماً وصدام يعمل في الخَفاء والمُعلن وبمشاركة قوى دولية وإقليمية معه في تنفيذ مخططٍ كبير من ألإرهاب والتدمير ضد العراق والشعب العراقي. هذه السنوات الاربعون، قد تمّت بتغطية كاملة من قبل القوى الكبرى وألإقليمية لكل الجرائم التي ارتكبها ضد الشعب العراقي وأوّلهما اميركا وبريطانيا بمشاركة كل من اسرائيل والسعودية ومصر والاردن والامارات وليبيا وكذلك تركيا.
أربعون عاماً إستطاع بفعل هذا المخطط ألإجرامي الرهيب، وبتخطيط من قبل قوى أخرى من غير العراقيين ،من تأسيس شبكات إرهابية داخل وخارج العراق، كلها تعمل لنفس الهدف: تدمير العراق والعراقيين.
كانت التجربة ألأولى عام 1963 ،وقد إستفاد صدام من هذه التجربة المأساوية بحق الشعب العراقي وقواه الوطنية ليبدأ مخططاً آخر أكثر دقة وعمق واكثر شمولية مما حصل عام 1963، وأول مابدأها، فقد إستلم الجانب ألأمني للعراق، وهذا يعني أن كل ألإرهاب الذي حصل في العراق كان على يد المؤسسة ألأمنية التي يرأسها صدام نفسه منذ عام 1968 .
إعتمد في بداية ألأمر على العناصر القديمة التي يعرفها ويثق بها في الستينات، ثم بدأت هذه القوة الصغيرة تتشعب وتتوسع الى شبكة كبيرة وهائلة ليس من السهولة ألإمساك بكل خيوطها. وما فضيحة عملية ناظم كزار في بداية السبعينات الذي هو شريك اساسي لهم في عام 1963 في اعمال القمع وألإرهاب والتصفيات، إلاّ مؤشراً على المخطط ألإجرامي الكبير الذي كان يقوده صدام في العراق.
في ذلك الوقت تنوعت أعمال ألإرهاب بكل فصائلها، فكانت هناك شبكة من المافيات المختلفة المتخصصة ساهم فيها غير العراقيين من العرب وألأجانب ، فكانت مافيات تهريب السلاح والمخدّرات وألآثار وغسيل ألأموال والتزوير والتصفيات الجسدية ،إضافة الى مافيا إعلامية وثقافية من العرب وألأجانب وتأسيس شبكة في خارج العراق لإدارة ألأموال المنهوبة والمُنَح والهِبات وإستثمارألأموال العراقية المنهوبة بوسائل مختلفة ومتشعبة وتأسيس شركات خارج العراق بأسماء مختلفة لا تشير الى أصحابها ألأصليين، حيث بلغت سرقات زمرة النظام الصدامي بما لا يقل عن 4. مليار دولار مستثمرة خارج العراق .
كان الوجه ألأبرز لإدارة هذه ألأموال هو برزان التكريتي الذي عُيِّن بوظيفة ممثَّل العراق للأمم المتحدة في جنيف للتغطية على عمله الرئيسي ألا وهو ألإستثمار ألأمثل لأموال العائلة الحاكمة في أنحاء العالم المختلفة.وفي المقابل، فإنَّ كلَّ السفارات العراقية في الخارج كانت تمثّل نقاط إرتكاز لهذه الشبكة العنكبوتية الضخمة التي تعمل لصالح النظام .
إن حرق الملفّات الخاصة بألأجهزة ألأمنية المختلفة لم يكن بتوجيه من النظام نفسه قبل او بعد سقوطه، بل من قِبَل نفس هذه الشبكات التي قامت بإتلاف هذه الملفات لكي لا تقع بأيدي الشعب او الحكومة القادمة ويمكن من خلالها كشف كل هذه العناصر المرتبطة بالنظام سواء بأسمائها او بما فعلت0 وإذا أردنا أن نقول انَّ الشعب العراقي يصل تعداده الى 28 مليون نسمة ، فان 90% من هذا الشعب يعمل ضد النظام ، وإذا قُمنا بعملية حسابية بسيطة وجدنا ان ال 10% تعني اكثر من 2 مليون نسمة يعملون لصالح النظام ، ويمكن إعتبار ان 75% من هذا العدد ( اي ال 2 مليون ) كان يعمل في المؤسسات ألأمنية سواء المباشرة او غير المباشرة داخل وخارج العراق ، ويبقى الجزء ألأخير والذي يمكن ان يكون عدده لا يقل عن نصف مليون فرد هو الذي إشترك في عمليات إخطبوطية واسعة في المافيات المختلفة وآخرها مافيا بيع ألأعضاء البشرية او سرقة ألأطفال او غسيل ألأموال ...الخ من ألأعمال التي قامت بها هذه العناصر .لذلك فإنَّ ألإمساك بكل هذه الخيوط ليس من السهولة كما انها ليست صعبة ،حيث يمكن معرفة الكثير من هذه العناصر وإجراء التحقيق معها لمعرفة باقي الشبكة وبما قامت به. وإذا أردنا ان ندخل الى الجانب الثقافي وألإعلامي ، فإن هذه الشبكة مرتبطة أيضاً بعمر النظام والتي كما قلنا 4. عاماً ، أي أنَّ هناك عناصر قد ولدت وترعرعت بعد عام 1963 ونشأت في ظل نظام إرهابي ، وكان لها ألإستعداد للعمل بكل إخلاص معه .
وحين تواجدنا في الاردن لمدة اربع سنوات ، إكتشفنا أنَّ هناك عناصر كثيرة منها معروفة واخرى غير معروفة من التي قامت بتزوير بعض الوثائق بتخطيط مُسبق من الدوائر المسؤولة عنها في العراق والتقدم الى شعبة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بحجة معارضتهم للنظام ، وغايتها معروفة هو أوّلاً مراقبة العناصر المعارضة الحقيقية في بلدان اللجوء ، وأيضا التسلل الى داخل التنظيمات المعارضة ، وكذلك في إستمرار مهامها ألأخرى الموكلة اليها سواء في غسيل ألأموال او في تبييض وجه صورة النظام أمام الرأي العام العالمي .
كثير من هذه العناصر قد عملت ضمن منظمات محسوبة على المعارضة العراقية ، وبعض هذه ألأسماء فيما لو تمَّ الكشف عنها سيسبب هزة كبيرة لدى أوساط المعارضة العراقية ، وبعضها مازال يتخفى تحت اسم المعارضة .وبعد سقوط النظام في 9 نيسان ، دخلت هذه العناصر معترك الحياة الجديدة بما تملكه من رصيد مالي أولاً وخبرة في مجال عملها. فهي تملك القوة والخبرة ، وبذلك فهي تستطيع ألإستمرار بطريقة اخرى مابعد سقوط النظام .هناك إعلاميون وصحفيون وشعراء وأدباء وفنانون تشكيليون ومسرحيون وسينمائيون ونحّاتون ، جميعهم يعملون ضمن هذه ألأقسام ، وبإتلاف ملفّاتهم في مقراتهم في العراق ، بات من الصعب التأكّد من إرتباطهم بالنظام السابق او بما فعلوه ، والحل ألأمثل هو في كشفهم من قبل الناس الذين يعرفونهم تماماً ، ووضع سؤال مهم جداً أمام الحكومة المقبلة لكل شخص مشبوه ،هذا السؤال هو : من أين لك هذا ؟ وحين وضع كل اسم موضع الشك وألإشتباه، يفترض أن يتم عزله عن مكانه لحين إجراء التحقيقات الكافية بتأريخه لضمان عدم إنخراطه داخل المؤسسات المختلفة ، وبالتالي يسمح للأخطبوط الصدامي ان يستمر في عمله بلا رقيب او حساب .
يُفترض في الحكومة العراقية القادمة ،ان تشكِّل محاكم مستقلة تنظر في كل الدعاوى التي يقيمها ابناء الشعب العراقي لأي فرد يشك بأن له ضلع في قمع الشعب العراقي حتى وإن كانت عناصر قيادية ألآن تعمل في صفوف المعارضة لكن تأريخها ألأسود بألإشتراك مع نظام صدام في عمليات التصفية للعناصر والقوى الوطنية العراقية، هذا يعني انها ليست نظيفة وانها يجب ان تُحاسب كما يُحاسب أي شخص آخر .
كذلك فإنَّ على الحكومة العراقية القادمة اذا أرادت أن تُثبت أنَّها وطنية حقاً، يجب ان يعلن للملأ عن الجهات الخارجية التي اشتركت مع النظام خلال اربعون عاما سواء في التعتيم ألإعلامي وعدم التغطية على المذابح او مايحصل داخل العراق وان تقدم الى المحاكم الدولية او العراقية كشريك للنظام بكل الجرائم التي حصلت في العراق. وهذا يعني ان الدمار الذي حصل للعراق ومايربو على المليوني قتيل عراقي والديون التي تخنق عاهل العراق كلها مسؤول عنها ليس نظام صدام فحسب بل الجهات الاخرى التي شاركت النظام في جرائمه.
علينا ان نعلم بأن ماهو مباشر ليس خطير كما هو غير المباشر، فنحن نعلم ان هناك عناصر مكشوفة وواضحة الجرائم ويمكن إدراكها بسهولة ، وهناك عناصر مخفية هي التي تمثل أخطر من العناصر المكشوفة .علينا ألاّ نفرِّق بين شخص وآخر مهما كانت مكانته ألآن ، ذلك ان الجميع سواسية أمام القضاء والقانون ، ومهما يحاول ألآن بعض هذه العناصر من تبييض وجهها بإعتبارها من العناصر المعارضة ، إلاّ أنَّ هذه العناصر لا يمكن لها ان تبقى وتستمر لو لم تعمل مع النظام في السابق ،ولربما أيضاً بعد إدِّعائها بالتعارض مع النظام .لذلك إنَّ من الضروري كشف هذه العناصر بأسرع وقت ممكن وحجزهم في السجن حتى يبت بأمرهم، هذا إذا أردنا أن نبيِّن للشعب العراقي خاصة بأننا نعمل في جو من الحرية والديمقراطية وإعادة الكرامة للعراقي وأننا في سبيل بناء العراق الجديد عراق الحرية والحقوق وليس عراق التستُّر على هذه العناصر ألإجرامية.
نعلم ان هذه المسألة ليست سهلة كما أنَّها ليست صعبة كثيراً، فبالتعاون بين أفراد الشعب والسلطة الجديدة وبتوفر الصدق وألإخلاص ، حينها يمكن ان نقول بأنَّنا وضعنا العراق على الخطوة ألأولى الصحيحة لبناء عراق حر آمن ومعافى ، وبدونه ، فسيبقى هذا السرطان ألأخطبوطي الرهيب داخل الجسد العراقي ينخر فيه الى ماشاء الله...
د.عبد الفتاح مرتضى
عضو منظمة الوطنية للمجتمع المدني وحقوق العراقيين
كندا- أيّار – 23 - 2003