أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - لبيب سلطان - فهم حضارة الغرب لمواجهة الاصوليات الشعبوية ـ3















المزيد.....


فهم حضارة الغرب لمواجهة الاصوليات الشعبوية ـ3


لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل

(Labib Sultan)


الحوار المتمدن-العدد: 7506 - 2023 / 1 / 29 - 14:11
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


مناقشة دعاوى اليسار الماركسي العربي ضد حضارة الغرب

يرفع اليسار الماركسي العربي قضايا عديدة ضد حضارة الغرب، يمكن ايجازها بثلاثة محاور سياسية ـ تاريخية و أخرى اقتصادية ، وثالثها ايديولوجية فكرية ،تغطي مجمل مواقفه المناهضة لها . ان حضارة الغرب نشأت وتطورت باسسها ومبادئها ومفاهيمها لتمثل الفكراليساري لتحرير الانسان من سطوة الفكر الديني السلفي الذي يمثله اليمين الاجتماعي. ان اي تحليل لسبب مناهضة اليسار الماركسي العربي لها سيؤدي للاستدلال ان أسبابه تعود للأدلجة السوفياتية للماركسية لخدمة اغراضها الامبراطورية وصراعها مع الامبراطورية الغربية ، وليست لاسباب فكرية أو مصالح وطنية تخص تطوير مجتمعاتنا ، كما ستتم مناقشته. ان السبب في هذه النتيجة المبكرة هو ان حضارة الغرب بقيمها التحررية واطروحاتها حول نظم الحكم واقامة الديمقراطية والحريات وتطويرها كانت وستبقى تشكل القاعدة الفكرية لليسار لمجابهة السلفية الفكرية الدينية او القومية في العالم ، وهي تهيمن اليوم على مجتمعاتنا ، فكيف يمكن لليسار الماركسي العربي تبرير موقفه لو لم يكن الوقوع في اسر المقولات المؤدلجة السوفيايتة.
ان أهم مهمات اليسار كانت ومازالت تحرير مجتمعاتنا من التسلط الديني ونقلها الى العلمانية ، وتحريرها من الهيمنة الدكتاتورية لتطوير الديمقراطية السياسية والاجتماعية والحريات الليبرالية ، وهذه تمثل أهم اسس واطروحات الحضارة الغربية . فلماذا يعادي اليسار الماركسي العربي حضارة الغرب؟ والجواب المختصرا هو اعلاه ، ويجري بأسم معاداة الامبريالية والاستعمار ، وهو نفس شعار السلفية الفكرية الدينية والديكتاتوريات القومية القمعية التي ايضا ادعت مناهضة الاستعمار والامبريالية وتحرير فلسطين لتمارس القمع تحت هذا الشعار. وهو لقاء غريب ومريب، ولكنه ليس اتفاق صدفة ، كما اعتقد ، فهي ادوات تثوير شعبوية مشتركة بينها.
ان المقولة السوفياتية بمعاداة الغرب اتت من صراع السوفيت مع الامبراطورية الغربية ، أي صراع لمصالح امبراطورية لاغير، لاناقة لمجتمعاتنا فيها ولاجمل، ولو كان غيرها فليوضح لنا الماركسيون العرب لماذا علينا معاداة حضارة الغرب،هل هي مبنية على دراسة وتشخيص لمصالح مجتمعاتنا وتحديد اولوياتها للنهضة الفكرية والاجتماعية ومغادرة السلفية والانطلاق لتحرير وتنمية مجتمعاتنا. الا يعرف اي متعلم اليوم ان حركات النهضة والتنويرواقامة العلمانية ومنظومة الحريات ونظم الحكم الديمقراطية هو جوهر تاريخ وفكر وحضارة الغرب الراهنة، وهي جميعها مناوئة للفكر والتسلط الديني السلفي والديكتاتوري المخيم على منطقتنا ، فكيف يلتقي معها في ذم وشتم حضارة الغرب، اليس هذا موقفا متناقضا ان تقوم بالأدعاء بالعلمانية والتحررواليسار وانت تذم وتشتم حضارة الغرب كالسلفية والقومجية الديكتاتورية والولائية والاخونجية وماشابه. الكثيرون ،وانضم اليهم ،يرون ان سبب هذا التناقض هو التؤدلج بالمقولات السوفياتية ضد الغرب في صراعات امبراطورية معه، وجعلت شعوبنا طرفا فيها ومن خلال يساريينا ، وشعوبنا اساسا لاهي طرفا فيها ولامصلحة لها للمشاركة فيها ،بل هي اساسا اصبحت ضحية ومسرحا لها ، جرها اليسار الماركسي اليه ،لاغير، وإلا كيف يمكن فهم وحل طلسم هذا التناقض.
يبني اليسار الماركسي العربي موقفه المناهض لحضارة الغرب في قضايا تحت ثلاثة محاور: تاريخي-سياسي ويتناول التاريخ الاستعماري للغرب في المنطقة العربية ، اقتصادي كونه فكريا يقف ضد الراسمالية ويتهمها بالاستغلالية ويطرح الاشتراكية كنظام اقتصادي بديل، ومحور فكري ايديولوجي يتهم نظم الحكم في الغرب وديمقراطيته وحرياته بالزائفة تخدم سيطرة الرأسمالية الاستغلالية ،وفق نظرية الصراع الطبقي ، التي اعتبرها كأساس للتطور الاجتماعي، بينما اعتمد الغرب المصالحة الاجتماعية واطلاق الحريات الليبرالية للحصول على الحقوق هو اساس لتطور المجتمع وحل مشاكل المجتمع بشكل سلمي وديمقراطي سيوفر الأنصراف للتركيز على تطويرالاقتصاد والتنمية واقامة برامج العدالة لتحقيق الرفاه والاستقرار الاجتماعي. انهما وجهتا نظر كلاهما غربية ، والتجربة لكل منهما زودت دروسا مفيدة ،سواء لمجتمعاتنا أو للانسانية ، ولكن لاترتقي الى تكفير حضارة الغرب ، ولم يكفرها ماركسيو الغرب ، بل عملوا على تعميق الحريات والمطالبة بأصلاحات وبرامج أوسع للعدالة ، فلماذا يكفرها ماركسيونا، ويشوهون مفاهيمها واسسها انها زائفة ، ومنها حرمان مجتمعنا من تجاربها الانسانية الناجحة خصوصا، انه امر، و من جديد ،يصعب تبريره غير سلفية التبعية للطروحات السوفياتية المؤدلجة .
سأناقش دعاوى اليسار الماركسي العربي وفق مقياس واحد وواضح وهو مقياس مصالح مجتمعاتنا في معاداة حضارة الغرب: هل فعلا ان مصالح وتطوير مجتمعاتنا هي التي دفعت وتدفع اليسار الماركسي العربي لرفض حضارة الغرب ؟، ام انه موقف مساير لمصالح السوفيت على اسس مؤدلجة صاغها السوفيت باسم اليسار والماركسية وبشعارات مناهضة للغرب وحضارته لتخدمه مصالحه ، وهي ليست بالضرورة تخدم مجتمعاتنا ،بل في احيان كثيرة ناقضتها،كما يشير تحليل الاحداث والوقائع التي مرت بها مجتمعاتنا على مدى خمسون عاما او اكثر.
وأود هنا توضيح نقطتين الأولى ان تسمية اليسار الماركسي العربي التي استخدمها هي ليست اطلاقية على كل الماركسيين العرب، بل تحديدا المؤدلجين سوفياتيا ستالينيا فقط، ففي العالم العربي، كما في بقية العالم ، من يستخدم الماركسية كفلسفة مادية في منهجهم ،ولم يتخلوا عن المنهج العلمي في تناول التاريخ واحداثه، ويستخدمون معطيات الواقع المادية لتحليلاتهم للخروج بنتائج ، وليس بالباس الواقع بالمقولة السوفياتية المسبقة كما نراها عند المؤدلجين ماركسيا بالمقولة السوفياتية. والثاني ، اني وربما الكثير من الليبراليين، نقيم الماركسية فكرا انسانيا يدعو للعدالة وقامت بأضافة حق المساواة الاقتصادية التي اقتصرت على المساواة السياسية التي طرحتها الثورة الفرنسية ، ونختلف مع المؤدلجين بها كونهم يأخذون بالنموذج والطرح السوفياتي الذي جعل الماركسية اداة ايديولوجية بفكر شمولي يماثل الديني أدى لأقامة ديكتاتوريات مستبدة وقمعية للحريات. اني لا أطرح هذه المقالة للنقاش مع اي مؤدلج، فهو قافل ، وهذا حق له ، فهذه المقالة ليست موجهة له ، بقدر ما هي لعموم القراء ولمتنورينا لأجل نقاش مفيد ، واجد جدوى في تناول اثر وأهمية هذا الموضوع لمجتمعاتنا التي وقعت ضحية في معاركها مع الأصوليات الشعبوية المؤدلجة ، ومنه أهمية فهم ووعيي مفاهيم حضارة الغرب للتنوير في وجه الاصوليات بكل انواعها ولدرء تقولاتها الشعبوية ، فهم يعرفون اذا اختفت الحريات ، ومعها العقل والتحليل والتنوير سهلت السيطرة على الناس، وهذا هو ماجرى فعلا مع مجتمعاتنا.
1. مناقشة الدعاوى التاريخية حول الاستعمار الغربي في المنطقة العربية
قبل تناول هذا الموضوع، لا بد من تثبيت ووعي حقيقة تاريخية وادراكها جيدا ، ان جميع الحضارات ،وجميع الدول والامبراطوريات وعلى مدى التاريخ، كانت وستبقى تتطلع خارجيا للتوسع استعماريا وامبرياليا،عندما تمتلك القوة ، لتحقيق مصالح لها ، وأهمها اقتصادية ،أو لتأمين طرق التجارة ، أو للحصول على نفوذ جيوسياسي ، او للحصول على الخراج كالفتوحات الاسلامية مثلا. ومهما كانت اسس حضارة الدولة الغازية انسانية أومتقدمة ، مثل غزوات الأسكندر المقدوني الفيلسوف الفاتح ،و تلميذ أرسطو، الى الشرق ، أو غزو بريطانيا وسيطرتها على الهند ، كما كانت الفتوحات الاسلامية ، وفتوحات الاشوريين لمصر ، وغيرها ، كانت جميعها واحدة باهدافها . يمكن تمييز فارق واحد هو نوع الحضارة التي تحملها هذه الامبراطوريات الغازية معها ، أي فكرها وثقافتها وحضارتها الداخلية معها الى البلدان التي تغزوها . لنأخذ ،مثلا حملة نابليون على مصر عام 1798 ، فهو قام بها لقطع الطريق الى الهند عن عدوته بريطانيا ، ولكن نابليون جلب معه لمصر حضارة وافكار الثورة الفرنسية وعرف المصريين بالحضارة الغربية وترك بعد مغادرته اثرا عميقا ساهم في تحديث المجتمع المصري ومنها ،مثلا، صعود محمد علي باشا الذي عمل على اقامة دولة عصرية لمجاراة قوة وتنظيم وتطور الاوربيين. قارن ذلك باحتلال العثمانيين لبغداد عام 1534 م ، وبعدهم الصفويين عام 1697 م ، اي قبل حملة نابليون بمئة عام تقريبا ، مالذي جلبوه معهم من فكر او حضارة؟
ونفس الأمر مع بريطانيا في استعمارها الهند والعراق ، عندما غادرت تركت دولا دستورية علمانية واثرا كبيرا للحضارة الغربية في تنظيم الدولة والتعليم والقضاء وقوانين تتيح حرية الفكر والنشر والرأي ساهمت في تشكيل دولها عاى أساس عصري. فالاستعمار الغربي ، هو كأي استعمار توسعي اخر جرى على مدى التاريخ لمصالح دوله ، ولكنه يتميز ايضا أنه جلب معه التحضر ومفاهيم الحضارة الغربية والعلمانية لمنطقتنا ، وهذه نقطة له . وانا هنا لا اناقش مساوئ ومحاسن الاستعمار بقدر ماأريد توضيح استخدام مصطلح "الغرب الاستعماري والامبريالي" شعبويا وبشكل مؤدلج، فهو فعلا كذلك استعماري وامبريالي، ولكن هو ايضا ساهم في اقامة دولا علمانية في مصر وسوريا والعراق ولبنان . وفي العراق تحديدا لم يستعمر الانكليز العراق فعليا غير اقل من عقد ولكنهم اقاموا دولته ودستوره المدني لعام 1925 . ولو أخ>نا بأمثلة التوسع الامبراطوري الامبريالي ,سيكون الغزو السوفياتي لبولندا ولفنلندا عام 1939 لأغراض ومصالح امبراطورية امبريالية ، ومثلها لأفغانستان عام 1979، وبينهما ثلاثة غزوات لقمع الاحتجاجات عام 1953 في المانيا، وعام 1956 في المجر وعام 1968 لجيكوسلوفاكيا، فلاشيئ يبرر لاحدهما كي ننفيه عن الاخر غير المصالح الأمبراطورية الأمبريالية، ولكننا لم نقرأ أو نسمع يوما من مؤدلجينا عن إدانتها كما أدانت الغربيةزوحتى لهذا اليوم،ومنه تناقض الموقف المؤدلج ،فالمقولة هي التي تفرض الموقف وليست الوقائع.
ان الدفاع عن الذات الوطنية والثقافة والكيان الوطني ضد الاستعمار ، كما قام به الشعب العراقي مثلا في ثورة العشرين وانتزع بها اقامة دولته، او الكفاح البطولي للشعب الجزائري لنيل استقلاله ، ونضال الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه ، امرا يمثل الروح الوطنية التحررية لشعوبنا وللحفاظ على كرامة دولتنا وكيانها، ولكن استغلال الأمر بأثارة الشعبوية ان الغرب قوة استعمارية امبرياليةو ومنه رفض حضارة الغرب ،خصوصا لخدمة طرف امبريالي اخرو هو امرا ليس في خدمة مجتمعاتنا, وأساسا انه امر لاشأن لشعوبنا فيه اطلاقا ، بل مجرد خلق شعبوية مضادة لحضارة الغرب قام بها اليسار وأستفادت منها الاسلاموية الاصولية التي ادعت اننا في حرب صليبية مع الغرب، وعضدتها القومية الناصرية والفاشية البعثية في اقامة ديكتاتورياتها العسكرية تحت نفس الأدعاء انها تقاوم الاستعمار والامبريالية والصهيونية. أنها في الواقع تحويل معارك مجتمعاتنا من طريق تحضرها وتخلصها من من السلفية الدينية، ومن الديكتاتوريات واقامة نظم ديمقراطية، وكلاهما معارك داخلية, الى معارك ايديولوجية خارجية. وربما نفس الامر ينطبق على استغلال الصراع العربي الاسرائيلي من قبل هذه الأنطمة ، وكان كلا من الصهاينة والسوفيت يلعب ورقته على شعوبنا . اعتبرالسوفيت الحركة الصهيونية تحررية ومناهضة للامبريالية البريطانية، وهو كما طرحها قادة الصهاينة ، وقام السوفيت بتسليحهم وكانوا اول دولة تعترف باسرائيل ، ولكن الاخيرة بعدها بسنة اعلنت انها ستأخذ بحضارة الغرب كونها تجد فيها مصادر القوة والحضارة وطرحت نفسها للغرب انها ستكون ذراعه وواحة الديمقراطية في المنطقة ، ومعها انقلب السوفيت لمصالحهم ، وبدلوا من تسمية العرب عملاء للامبريالية الى حلفائهم في النضال ضد الصهيونية عميلة للامبريالية ، اي كلا الجانبين لعب لعبته وفق مصالحه ،ولكن بعد تشريد الشعب الفلسطيني ومن يومها اصبح شعار مجابهة الصهيونية بضاعة لقيام الانقلابات العسكرية واعطاء الشرعية لأعتى النظم الديكتاتورية ، غالقا عنها ان مجتمعاتنا لن تستطيع مجابهة اسرائيل بغير انتصارها في معاركها الداخلية في التنمية والديمقراطية اولا، وليس بالشعارات والخطابات الناصرية والصدامية . وواقعا ان المعركة مع اسرائيل هي حضارية وحقوقية واقتصادية ان اردنا فعلا خوض حربا تحررية لارجاع حقوق الشعب الفلسطيني ، فتخوضها دولا مدنية ديمقراطية قادرة ومتمكنة اقتصاديا تفرض على العالم حلا مقبولا للشعب الفلسطيني ، وليس على يد نظم ديكتاتورية متخلفة وقمعية. لقد اجبر اليسار الماركسي العربي على القبول باطروحات السوفيت بتقسيم فلسطين ،بينما اتباع الامبريالية حاربوا الدولة الصهيونية ( وهنا لابد من ارجاع القارئ لمذكرات الدكتور فاضل الجمالي (#)،وزير خارجية العراق ، والذي فاوض البريطانيين على الدخول في معاهدة بورتسموث عام 1948 مقابل امتناع بريطانيا عن التقسيم والامتناع عن الاعتراف باسرائيل بل باقامة دولة فلسطينية واحدة مستقلة تجمع العرب واليهود كمواطنين متساوين في الحقوق، وتمت مهاجمة هذه المعاهدة واعتبرها السوفيت واليسار معه انها تكريس للتبعية للامبريالية ). مثال اخر ، فقد قبل اليسار بالتحالف مع الانظمة القومية الديكتاتورية بكل اشكالها في المنطقة خلال الستينات مع عبد الناصر ومع البعث في السبعينات تحت شعار جبهة موحدة لمحاربة الصهيونية والامبريالية ، وكانت على حساب معاركنا الداخلية في الحريات والديمقراطية ، واعتبر قيام هذه الانظمة العسكرية الديكتاتورية بالتأميمات انه السير في طريق الاشتراكية ، وبها دمر اقتصادنا الوطني الناشئ ، اليس ذلك موقف مؤدلج سوفياتيا ولاعلاقة له بجوهر الصراع في عالمنا العربي وهو اصلاح نظم الحكم ديمقراطيا وتقنين الحريات في المجتمع وفصل السلطات واشاعة حريات الرأي والصحافة والاعلام ، اضافة للتنمية الاقتصادية الوطنية بعيدا عن سيطرة دولة الامن والعسكر والمخابرات، وتم احلال محاربة الامبريالية والاستعمار ، بدل خوض معركة تطوير مجتمعاتنا ودولنا ديمقراطيا واقتصاديا واجتماعيا.

2. مناقشة الدعاوى الاقتصادية ضد الرأسمالية الأستغلالية
يعادي الماركسيون العرب الغرب وحضارته باعتبارها تعتمد اقتصادا رأسماليا يصمونه باشنع الاوصاف : ألإستغلالي ، مصاص الدماء، سبب الفقر والتخلف في العالم العربي، وتراهم يتنافسون في الكتابة عن النظم الرأسمالية الاستغلالية والفوارق الطبقية في المجتمعات الرأسمالية والعولمة المتوحشة ، واصبحوا منظرين لتحرير هذه الشعوب المغلوبة على امرها من الرأسمالية ، وتنويرها ان تأخذ بنماذج النجاحات الهائلة للاقتصاد من السوفيت ورومانيا وبلغاريا مثلا ، ولم يطرحوا لليوم لمجتمعاتنا نموذجا واقعيا وعمليا للتنمية، بل كل عملهم وهمهم هو ترديد مقولات السوفيت في تفوق الاشتراكية كونها تلغي الاستغلال الطبقي. ولو فرضنا ،ان بلداننا ارادت السير في بناء الاشتراكية ،على أي قاعدة تستند ولاهي رأسمالية ولا صناعية اساسا، فاقتصادها زراعي وريعي ، كيف ستقيمونها ، مع العلم ان لا ماركس ولا أي مفكر ماركسي معروف في العالم باجمعه ، عدا المؤدلجين السياسيين السوفيت ، قال ان الاشتراكية ممكنة اساسا بدون الرأسمالية كمرحلة في نمو المجتمع الصناعي المتحضر ويمكن تطويرها للاشتراكية. . والسبب واضح، حيث ان نقل ملكية وسائل الانتاج توجب تواجدها اولا ونحن لانمتلكها اساسا ، واذا قامت الدولة بالاستثمار لانشائها فهي اساسا ملكية عامة ، اما ان تدار وفق نظم راسمالية ربحية كشركات عامة لاستثمارات المواطنين ، او تدار مباشرة من موظفين حكوميين ، والحكومات العربية اعجزعن ادارة مرفقة ادارية خدمية صغيرة للمواطنين، التي غالبا ماتسودها الرشوة والمحسوبية والفساد، فكيف بادارة مصانع تتطلب استقلالية عن السياسة والاحزاب والفساد كي تستطيع ان تدير اعمالها بطرق اقتصادية كفوءة . لقد ناقشت مفاهيم الرأسمالية وألعدالة لأشتراكية باعتبارهما من اركان التحضر الغربي في الجزء السابق (الثاني) من هذه المقالة، ولااجد سببا للتوقف عندها ، ولكن دعنا ننظر لنتائج هذه الحملة الشعواء على الرأسمالية في عالمنا العربي.
وبعيدا عن الطرح النظري ، كان جل مافي بلداننا نواة صغيرة بدأت تتشكل منذ الخمسينات لبداية الانتقال الى الانتاج الصناعي على يد الرأسمال الوطني الذي أقام منشات في صناعات كالمنسوجات والسجاير والمعلبات وانتاج الزيوت وغيرها ,
كانت مجتمعاتنا قد بدأت اولى خطواتها في التحول للانتاج الصناعي منذ خمسينات القرن الماضي او قبلها قليلا. واتت اول ضربة قاصمة لها بتأميمات عبد الناصر ، وبدفع من السوفيت ،عام 1964 في مصر ، وتلاها بنفس العام العراق عل يد الناصري المتخلف عبد السلام عارف، ومثلها في سوريا ، ومنها تحول الرأسمال الوطني اما الى الى الخارج، او وجههوها للتجارة في العقارات والمضاربات، ومن يومها بقيت هذه بلداننا متخلفة صناعيا ولم تحصل من القطاع العام الاشتراكي الا على منشات صناعية فاشلة تدار من موظفي الدولة، وانقرضت كذلك معظمها على يدهم . قارن ذلك بالنهضة الهائلة التي حققتها بلدانا مثل كوريا وتركيا ، كانت بنفس درجة التطور في الستينات ، ولم تحتاج لقفزتها الاقتصادية وتصبح من مجموعة العشرين لا الى الاشتراكية ولا الى القضاء على الامبريالية. وهناك اليوم قرابة ثلاثون دولة كانت نامية حققت نموا وانتقالا هائلا الى الاقتصاد الانتاجي الصناعي والزراعي والخدمي بفضل نمو الاستثمارت الوطنية في الانتاج ، وتعاظمت قدراتها على جذب الاستثمار الاجنبي اليها ، بينما بلداننا طاردة للاستثمارين الوطني والاجنبي، لكون حكوماتها فاسدة وتحارب الاستغلال والرأسمالية الامبريالية معا.
هل قام اليسار الماركسي العربي بمراجعة اي من اطروحاته وشعاراته السوفياتية الصنع بعد خمسين عاما من هذه التجارب وراجعت اثارها الاقتصادية الهائلة في تفاقم البطالة والفقر وتفاقم وفساد ادارة الدولة للاقتصاد، اشك في ذلك ، واين النتائج وما زلنا لليوم، ومتى بعد انحلال الاتحاد السوفياتي نسمع عن التنظير لأدارة الدولة للاقتصاد الاشتراكي. يبدو انه الخضوع الابدي للمقولة حتى وان تخلى قائلها عنها ،فالترديد أسهل قياسا لاتعاب العقل ودراسة الواقع وإيجاد طرقا وسبلا لمعالجة قضايا المجتمع.


3.الدعاوى بزيف الديمقراطية والحريات في المجتمعات الغربية
يمطر الأصوليون الأسلامويون شعوبنا يوميا ان حضارة الغرب تنشر الفساد والانحلال الخلقي وانهاء دور العائلة والدين والعبادة في المجتمع ، وطبعا نفهم ذلك كون اشاعة الحريات في المجتمع ستجعل مقولاتهم اضحوكة وستنشر موباقاتهم في الفساد والافساد وفضح كل التقاوى الكاذبة فيما يدعون ، واخرها دجل تغطية السرقات بالمليارات كما نراها في العراق تحت باب الزهد وتغطية الفساد بالنصح الاخلاقي . ويكمل مشوار التشهير اليسار الماركسي العربي، ليضيف ان الديمقراطية والحريات في المجتمعات الغربية مزيفة وزائفة وانها ادوات موبقة بيد الرأسمالية والبرجوازية والامبريالية . انهم لايخبروننا مثلا اين وفي اي مكان لهم اقاموا الحقيقية منها كي نقارن مدى تزويرها في الغرب، وهل مارسوها بينهم ، او في انظمة المعسكر الاشتراكي ، ولعل نفاقهم الافضح عندما تجدهم يستشهدون باحصائيات ومعطيات وآراء مستقاة من مراكز الغرب للدراسات والجامعات والمحللين والباحثين ومن الصحافة والأعلام الغربي، فاذا كانت الحريات مزيفة فكيف تستخدمون نتائج المزيفين ، واذا لم تكن هي حرية النشر والرأي فكيف تصلكم وتصل الجميع واسعا وبحرية في وسائل الاعلام والصحافة ،فما هي اذن ؟ واذا وجدتموها صحيحية ونقدية وجادة ، اليست هي حرية التعبير والنقد، فكيف تكذبون مع شعوبنا انها مزيفة ، اي هل هو تزوير للتزوير مثلا ، أم ان حرية الرأي والنقد هي أهم اسس الحضارة الغربية ، والغربيون اكثر الناس انتقادا لحكامهم وحكوماتهم ويفضحون كل صغيرة وكبيرة في اعمالها وسياسييها وعلى اعلى مستوياتها كون فلسفة هذه الحضارة تقوله لهم ولكم ايضا ان اي تقدم اجتماعي لن يتم الا من خلال النقد لمعالجة النقص والتقصير. ومتى سمعتم اخر مرة ان احد الباحثين او الصحفيين اعتقل او عذب او شرد لارائه .
ان موقف الاصوليات الشعبوية هو كموقف الحكومات الديكتاتورية ترى ان اشاعة حرية الرأي ستقوض ادعاءاتها ومقولاتها وتظهر تناقضاتها وعليه نفهم مناهضتها للحريات اللبرالية الفكرية ووصفها باشنع النعوت واتهامها انها ادوات بيد الطبقة الاستغلالية. ان كل الاصوليات تناقض نفسها حين تطالب بنفس هذه الحريات، وهو موقف منافق وسخيف ان تهاجم حريات وحضارة وديمقراطية الغرب ليلا نهارا وتتهمها بالزيف، وتطالب انت بها بنفس الوقت ، ماهذا النفاق والتناقض ،اليس هونابع من سطوة المقولة المؤدلجة السوفياتية ان حريات الغرب وديمقراطيته مزيفة، وترددونها لليوم . ومتى اصبح تسفيه الحريات والديمقراطية الغربية غير ادوات السلفية الدينية والقومجية والبوتينية والاردوغانية والولائية وقبلهما الستالينية السوفيتية ،واقعا انها لصالحهم وليست لصالح مجتمعاتنا وهي تخوض معركة اقامة نظم الديمقراطية والحريات وليس امامها ومعها من سلاح غير فكر ومبادئ حضارة الغرب وتجاربه لتطور فهمها ووعيها ومطالبها ونظمها المستقبلية.
انه واقع محزن ومؤسي هذا الذي تجد فيه نفسها مجتمعاتنا العربية اليوم ، يخنقها التسلط السلفي الاسلاموي ، والقومي الصدامي الاسدي ، والطرح اليساري الماركسي ضد حضارة الغرب ، وهي لا تسمع ليلا ونهارا الا ان حضارة الغرب الامبريالية الاستعمارية وراء تخلفها ووراء مصائبها، وان الديمقراطية والحريات ما هي الا موبقات تآمر امبريالي غربي صهيوني ، وحرياتهم فاسدة مزيفة وتخدم الاستغلال والامبريالية ، واقتصادهم بازمات واستغلالي وضد الانسان ، تسمعها من المتأدلجين بكل اصنافهم من منظري الامبرطوريات الفاشلة، من بوتين ومن اردوغان ومن اية الله . كما ومن ومن مفتيي السلفية والاخونجية والميليشيات الولائية ومن اشباه المثقفين المؤدلجين من الماركسيين العرب ومن ابواق البعث الصدامي والاسدي بنفس الوقت..ومن نادى بالاصلاح وتنوير مجتمعاتنا بحضارة الغرب..صار مناصرا للامبريالية والصهيونية والاستعمار والاستغلال ووصلت الامور ان بوتين واردوغان واية الله يتساومون حتى على تقسيم النفوذ في دير الزور واللاذقية ، وفي بغداد ودمشق ، وكلهم واتباعهم يصيحون الغرب الامبريالي عدو الشعوب.
ان مجابهة الاصوليات الشعبوية هي احدى اهم المهام امام مثقفينا الوطنيين والمتنورين واجد ضرورة الخروج من السلبية للمساهمة مع شعبنا في معركة التنوير اولا، وهي نفسها معركة التنوير التي خاضها المفكرون الاوربيون ورواد الاصلاح في اوربا في القرنين 18 و19 ، وهي نفس معركة رواد الاصلاح العرب بداية القرن الماضي ، مع الفارق ،انها ربما اليوم اصعب ، لتكاثر انواع الشعبويات الاصولية المؤدلجة التي هشمت ودمرت مجتمعاتنا بامراضها وتبعيتها ، اسلامويا وسلفيا ويسارا ماركسيا سوفياتيا وقومجية واخونجية وولائية وطائفية ،جميعها اجتمعت على شعوبنا .انها معركة صعبة ولكن لابد من خوضها و التنوير لدحض مقولات ووسائل الاصوليات الشمولية الشعبوية وفتح باب المعرفة على فكر العلمانية والتحرر والحريات وفكر التنمية والتحول للأقتصاد الأنتاجي الوطني الخاص واصلاح نظم الحكم وتطوير الديمقراطية الاجتماعية والسياسية ..انها هي أهم المهام امام مجتمعاتنا ومثقفينا .. مثقفي التنوير ،للمساهمة لتحرير الفكر والانسان العربي ومنه مجتمعاتنا العربية من الاصوليات.
28/01/2022
(#) انظر في كتاب د. محمد فاضل الجمالي، صفحات من تاريخ العراق المعاصر، 1991 ، ويمكن تحميل نسخة مجانية pdf على موقع www.noor-book.com



#لبيب_سلطان (هاشتاغ)       Labib_Sultan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فهم حضارة الغرب لمجابهة الاصوليات الشعبوية -2
- فهم حضارة الغرب لمجابهة الأصوليات الشعبوية-1
- الحرب الروسية الاوكرانية من منظور أوسع-3
- الحرب الروسية الاوكرانية من منظور أوسع-2
- الحرب الروسية الاوكرانية من منظور أوسع مما معلن-1
- الأدلجة كأهم اسباب التخلف في العالم العربي
- حول نشأة المعتزلة والفكرالعقلي المشرقي الاول
- حول الحوار الليبرالي الماركسي -2
- لماذا ينجح الحوار الليبرالي الماركسي في الغرب ويفشل عند العر ...
- لماذا الرأسمالية وليست الماركسية دواء الشفاء للتخلف العربي
- سقوط الرموز الخمسة لقلعة اية الله
- بوادر عدوان واسع وآثم على الشعب الكردي
- صواريخ بوتين في سجل جرائم الحرب والأرهاب
- قراءة في نتائج الانتخابات النصفية الامريكية
- حكومة السوداني اهانة للشعب العراقي سيدفعون ثمنها سحلا
- تحليل بنيوي لفشل الديمقراطية في العراق-4
- تحليل بنيوي لفشل الديمقراطية في العراق-3
- تحليل بنيوي لفشل الديمقراطية في العراق-2
- تحليل بنيوي لفشل الديمقراطية في العراق -1
- حول العلاقة بين الفكر والأخلاق والتأدلج السياسي


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - لبيب سلطان - فهم حضارة الغرب لمواجهة الاصوليات الشعبوية ـ3