أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي 2024 - أوضاع المرأة في الحروب والصراعات وكيفية حمايتها، والتحديات التي تواجهها - ليوبولدينا فورتوناتي - نقد جذري لجذور هيمنة رأس المال على النساء















المزيد.....



نقد جذري لجذور هيمنة رأس المال على النساء


ليوبولدينا فورتوناتي

الحوار المتمدن-العدد: 7543 - 2023 / 3 / 7 - 14:02
المحور: ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي 2024 - أوضاع المرأة في الحروب والصراعات وكيفية حمايتها، والتحديات التي تواجهها
    


الكاتبة: ليوبولدينا فورتوناتي

نشر النص باللغة الفرنسية بتاريخ 16 كانون الأول/ديسمبر عام 2022 في موقع Contretemps الالكتروني



يعتبر كتاب “سر إعادة الإنتاج” عملاً بارزاً للفكر النسوي الماركسي، تقدم ليوبولدينا فوتيناتي تحليلاً منهجياً لإعادة الانتاج، مع التركيز على العمل المنزلي والعمل الجنسي. وتثبت، بمساعدة من المقولات الماركسية، كيف أن إعادة الانتاج أساسية لإعادة إنتاج قوة العمل، وكيف تكون بهذا المعنى، منتجاً بالمعنى الماركسي. متتبعةً التقليد النسوي الماركسي، تظهر فورتيناتي أن إعادة الانتاج لا تنتج قيمة استخدامية فقط إنما كذلك قيمة تبادلية.

مؤخراً نشرت ترجمة كتابها الذي نشر بالأصل بالإيطالية عام 1981 (دار نشر Marsilio) التي أجرتها ماري تيريون وصدرت عن دار نشر (Entremonde عام 2022). تبدأ النسخة الفرنسية بمقدمة لسيلفيا فيديرتشي إضافة إلى مقال كتبته فورتيناتي ونشر في مجلة فيوبوينت عام 2013 (ترجمته هيلين غوي). في هذا النص المستعاد أدناه، تعود فورتيناتي إلى مسارها والتزامها السياسي بين العمالوية والنسوية. يليه مقتطف من مقدمة الكتاب.







تعلّم النضال: مساري بين العمالوية والنسوية (1)

عندما التقيت بالعمالوية، كان عمري 19 سنة. شاركت كمناضلة قاعدية في الحركة الطلابية في جامعة بادوا. كنت صغيرة، ولذلك كنت صامتة وتعلمت. أتذكر العديد من الاجتماعات حيث كنت أريد قول أشياء، ولكنني كنت خجولة، وقليلة الثقة بنفسي وكنت أفضل الصمت. كان قادة الحركة إجمالاً من الطلاب، ونادراً من الطالبات، وقد تعلموا/ن بالفعل ممارسة السياسة مع بعض الخبرة في العمل الحزبي، على العكس من ذلك كنت مدفوعة بقناعتي بالحاجة إلى تغيير العالم لتحقيق المساواة والحرية وانتصار العدالة.

كانت تجربتي السياسية السابقة عبارة عن مشاركتي، وأنا بسن الـ 14، بالإضرابات ضد التجارب النووية الفرنسية في المحيط الهادئ. كنت أتعلم في ثانوية “تيتو ليفيو” في بادوا حيث كان عدد الطلاب/الطالبات المضربين قليل جداً. عندما وصل المدير ورآني، قال لي: “أدخلي!” محاولاً جري من أذني. فابتعدت عنه وقلت له: أنت لا يمكنك التصرف معي على هذا النحو. وكعقاب لكل من شارك في الإضراب، أرغم الطلاب والطالبات على إعادة صفهم/ن.

حين أعلنت عن إلحادي في سن الـ 16 كانت ثاني تجربة عظيمة أعدّتني لحياة من الالتزام السياسي. كنت أعيش مع أهلي في دولو، مدينة صغيرة بين بادوا وجنوى، وكانت عائلتي متدينة جداً (كاثوليكية). ولكنني كنت أشاهد الكثير من الفقر والظلم من حولي، ولم تفعل الكنيسة الرسمية أي شيء حيال ذلك. صُدم أهلي من معارضتي لموقف الكنيسة، لكنهما أيداها.

أخيراً، وفي سن الـ 18، قررت مغادرة المنزل وإعالة نفسي خلال دراستي الجامعية، على الرغم من أن والدي كانا ميسورين وبالتالي كانا قادرين على مساعدتي مادياً. أردت التحكم بحياتي وأن أفصل نفسي عن امتيازاتي الاجتماعية. عملت في الكثير من المهن، من مساعدة مبيعات في مكتبة، إلى بيع الكتب، إلى مندوبة مبيعات في مجال الأعمال الفنية، إلى العمل كأمينة مكتبة في الجامعة. هذه المرة بكى أهلي كثيراً: من وجهة نظرهما، ابنتهما الوحيدة (لدي 3 أشقاء) كنت الأكثر تمرداً واخترت طريقي إلى الحياة المؤدية للصعوبات.

بدأت الحركة الطلابية بالتجذر عندما دخلت جامعة بادوا في كلية العلوم الإنسانية. كانت حركة مهمة وكبيرة أرادت إعادة اختراع أسلوب حياتنا وتنظيم المجتمع بدءاً من التغييرات في الجامعة. لم أتردد بالانضمام إليها بحماسة كبيرة. في هذا الوقت، كنا كطلاب/طالبات معزولين/ات عن الآخرين، وخاصة العمال الذين كانوا يخوضون نضالاتهم الخاصة بهم.

لهذا السبب شاركت في نضالات عمال النقل وعمال المتاجر. أراد عمال النقل أن تعترف الشركات بالوقت المطلوب للوصول إلى عملهم كجزء من وقت عملهم، وليس كمشكلة شخصية. إضافة إلى ذلك، كانت القطارات المستعملة للتنقل اليومي الأسوأ في كل شبكة القطارات في الدولة: متسخة، ودائمة التأخر، من دون أي احترام لعمال النقل- على سبيل المثال، إذا حصل تأخر، لا أحد يعلم سبب أو زمن وصول القطار. وأراد عمال المتاجر رواتب أعلى إضافة إلى تحسين ظروف عملهم، خاصة دوام عمل أقصر. كانت مشاركتي في هذه النضالات هي التي أجبرتني على فهم دور العمال في المجتمع الرأسمالي والتفكير في كيفية فهم هذه الأدوار.





قررت حضور ندوة عقدها فيروتشيو غامبيون في كلية العلوم السياسية. حيث ناقشنا كتاب رأس المال لكارل ماركس. بدأت أفهم الكثير من المفاهيم والمقولات المستعملة في الحركة، ولكن كان معناها محيراً بالنسبة لي وقتها. كانت أهم أشياء تعلمتها في محاضرات فيروتشيو عن ماركس هي المفاهيم الأساسية للطبقة ورأس المال، والطبقة العاملة، والعمل، والعمل المنتج وغير المنتج، وفائض القيمة وسوى ذلك. ولكن جرى إعادة تشكيل كل هذه المفاهيم من أجل التمكن من التقاط كل التغييرات التي أحدثها رأس المال بشكل فعال في المجتمع بعد ماركس وخاصة في المجتمع الذي نعيش فيه. كانت قراءة المجتمع المقترحة من فيروتشيو مختلفة عن الرؤية التي كان يقدمها ويقترحها الحزب الشيوعي مع ماركسيته الأورثوذكسية.

في هذا السياق، أدركت بسرعة أن هناك ذكاء سياسي كبير في الانخراط بالحاضر، ولكن كذلك لفهم الماضي، وكانت مجموعة السلطة العمالية وخطابها يشكلان مجموعة من أدوات هائلة لكل المناضلين في نضالاتهم السياسية. وخاصة، كانت هذه المجموعة ملتزمة بإنشاء منصة تنظيمية حيث يمكن للطلاب/ات، إضافة إلى العمال/ات، إيجاد مساحة للالتقاء. في تلك الفترة، كانت المشكلة الكبيرة هي كسر الحواجز الاجتماعية التي تفصل الطلاب/ات بشدة عن العمال/ات.

على الرغم من قوتها مقارنة مع النسخة الأورثوذوكسية، إلا أن ماركس المعاد النظر به استمر بالتعمية عن الواقع الذي تعيشه النساء. وهكذا كان خطاب مجموعة السلطة العمالية متقدماً جداً مع الأخذ بعين الاعتبار المصانع الجديدة، والدور الجديد للعمال في النظام الرأسمالي المعاصر، ولكن المجموعة كانت ضعيفة جداً في مسألة العمل المنزلي، والمشاعر والعواطف والجنسانية، والتعليم والعائلة والعلاقات الشخصية والاجتماعوية…

لا أحب الحديث عن حدود مجموعة السلطة العمالية؛ كنسويات كثيراً ما انتقدناهم وتحديناهم عدة مرات بسبب افتقارهم إلى الوعي بالظروف الاجتماعية والأدوار المخصصة للنساء. في هذا الوقت، أعتقد أن مناضلي/ات هذه الحركة قد فعلوا كل ما هو ممكن لكسب إلى صفوفهم شرائح من الطبقة العاملة، من العمال والموظفين والطلاب والمعلمين… كما وسّعت السلطة العمالية من خطابها السياسية خارج الأورثوذوكسية الماركسية. جعل مناضلوها من الإرث الماركسي شيئاً دينامياً ومفيداً لتحليل المجتمع في الجزء الثاني من القرن العشرين ودرّسوا كل المناضلين القاعديين، بمن فيهم أنا، القدرة على استعمال ماركس من دون قفازات. كانت مشاركتي في المنظمة محدودة، رغم ذلك، كنت قد بدأت آنذاك بالمشاركة في المجموعة الجديدة: النضال النسوي.

بدأت مشاركتي مع النضال النسوي عندما كان عمري 22 سنة. خلال ذلك، كنت قد كبرت، وتعلمت الكثير من الأمور، وتغلبت على خجلي عند الحديث أمام الجمهور، وعرفت أن الوقت قد حان لإعطاء معنى سياسي لخياراتي الشخصية. كانت النضالات الفردية، التي انخرطت فيها الكثير من النساء من أجل مصلحتهن ولصالح تغيير المجتمع، بحاجة إلى مكبّر لصوتهن وتوحيد القوى لزيادة قوتهن. كانت هذه القوة هي اكتشاف معظم النساء للوعي الطبقي الذي سيكون محرك التنظيم السياسي لنضالاتهن الاجتماعية. النضالات الفردية، هي التي جعلت من منظمة النضال النسوي تُحضر تجربة الطبقة العاملة إلى الحركة النسوية.





على أساس هذه التجارب السياسية، قررت تخصيص جهودي بشكل أساسي لتحليل ظروف حياة النساء ضمن منظور الاقتصاد السياسي، الذي أعيد النظر فيه بواسطة المصطلحات الماركسية. من دون شك، كان عليّ تحريف المقولات الماركسية بضوء التجربة والتقاليد السياسية النسوية. كانت الاحتياجات العملية للنضال النسوي هي التي دفعتني إلى كتابة كتاب سر إعادة الانتاج. في هذا المجهود، تلقيت دعماً كبيراً من ماريا روزا دالا كوستا وساندرو سيرافيني (من السلطة العمالية) اللذين راجعا فصول الكتاب.

يتناول هذا الكتاب في الحقيقة الاهتمامات السياسية الأساسية التي كان يحصل النقاش حولها في الحركة السياسية بأكملها. كان علينا تنظيم النقاش العام والسياسي داخل مجموعاتنا، وداخل الحركة النسوية والحركة بشكل عام المكونة من الطلاب/ات والمنظمات السياسية مثل السلطة العمالية والنضال النسوي. كان علينا توضيح وشرح لأنفسنا بداية، ومن ثم للحركة بمجملها، لماذا على المناضلين تجاوز المقولات الماركسية وفي أي اتجاه. على سبيل المثال، ضمن أي شروط يمكن اعتبار النساء منتميات إلى الطبقة العاملة؟ وأي نساء؟

لطالما كانت منظمة النضال النسوي اتجاهاً أقلوياً داخل الحركة النسوية الأوسع، حيث كانت النساء في الحركة النسوية متشككات بداية، وعن حق، حول أي نظرية سياسية يجب تطويرها في مواجهة التقاليد الذكورية السياسية. والمفارقة، أن الحركة النسوية الأوسع كانت ستصبح أقوى وأكثر تأثيراً لو أنها تبنت اقتراحنا السياسي دفع أجور لقاء العمل المنزلي (أي العمل المنزلي المتضمن تربية الأولاد والرعاية وسوى ذلك)، بدلاً من تبني الاستراتيجية اللينينية، من دون أن يعرفن، من أجل العمل، بعيداً عن العمل المنزلي، كوسيلة لتأمين الرواتب للنساء. لكن كان صعباً جداً على لجان العمل المنزلي أن تجد إجماعاً على اقتراحها، لأن النسويات يعتقدن بشكل عام أنه من الأفضل رفض كل الأعمال المنزلية ومغادرة المنزل.

في تلك الحقبة، فشلنا نحن النسويات العمالويات في إقناع الحركة النسوية بأكملها بأن رفض العمل يجب أن يكون في إطار عملية التفاوض على الأجور، وإلا فإن العمل المنزلي سيظهر من جديد بأشكال أخرى، ويضاف إلى وظيفة ثانية خارج المنزل. والعمل الثاني كنا نناضل ضده كذلك. بكلمات أخرى، لم تدرج الحركة النسوية في برنامجها السياسي هدفنا المتجسد بالحصول بداية على اعتراف اجتماعي بقيمة العمل المنزلي من خلال المطالبة بالرواتب مقابله. كانت الاستراتيجية التي تبنتها النسويات في الأعمال المنزلية هي بكل بساطة دعوة النساء إلى رفضها. ولكن بعد فترة من الزمن، تبين أن هذه الاستراتيجية كانت غير فعالة، ولم تكن قادرة على القضاء على العمل المنزلي على نطاق واسع.

تتمتع الحركة النسوية بميزة كبيرة في منح النساء قوة تفاوضية عالمية على المستوى الاجتماعي. رغم ذلك، وكما توقعنا، إن مسألة الأعمال المنزلية لم تختفِ عن الأجندة السياسية للنساء. للأسف، لم يتم التفكير بأسباب فشل هذه الاستراتيجية. يجب على الأجيال الجديدة من النساء التعلم من هذا الخطأ السياسي وفهم أن العمل المنزلي، في جوانبه المادية وغير المادية، يجب الاعتراف به اجتماعياً على أنه عمل انتاجي.







مقدمة (2)

يشكل هذا الكتاب محاولة، على المستوى النظري، تحليل عملية إعادة الانتاج (العمل المنزلي والعمل الجنسي) (3) بما يتعلق بالمقولات الماركسية وأبعد منها. بما خص المقولات الماركسية، ولأن هذا الكتاب يقترح، من خلال الاستناد إلى المعجم الماركسي، تحليلاً لعلاقة الانتاج بين النساء ورأس المال إضافة إلى الكثير من الجوانب المؤسساتية والاقتصادية والسياسية التي تتضمنها هذه العلاقة. وأبعد من المقولات الماركسية، بحيث أن الطريقة الماركسية المتبناة ههنا تذهب أبعد من ماركس في تحليل إعادة الانتاج- لأن هذه المشكلة جرى حصرها في مقاطع معينة من عمله- وبهدف معارضة ماركس، عندما كانت رؤيته الجزئية لدورة رأس المال كانت كذلك خاطئة.

إعادة النظر في مجمل المعجم الماركسي انطلاقاً من النقد النسوي للاقتصاد السياسي هي ضرورة تاريخية وسياسية لسببين على الأقل: أولاً، لأن التطبيق الأرثوذوكسي للمقولات الماركسية على إعادة الانتاج يفضي بنا إلى الافتراض اللينيني أن الأعمال المنزلية ليست أعمالاً منتجة. ومن ثم، ولأنه كان من الضروري استعمال ماركس من دون أحكام مسبقة لمقاربة مسألة تحليل إعادة الانتاج.

بما خص النقطة الأولى، في النظرية اللينينية للتنظيم، إن اللحظة المركزية للاستراتيجية السياسية لتحرير النساء هي انتقالهن إلى العمل الثاني، الذي يُضاف إليه، بكل حذاقة، طلب على الخدمات الاجتماعية. (4) تعاني النساء، كما “الدول غير النامية” من نقص بالتطور الرأسمالي. تدعو النظرية اللينينية إلى نوع من النزوح الداخلي: من المنزل إلى المصنع، المساحة التي يمكن فيها النضال الفعلي ضد فائض القيمة.

إنه الطريق المعروف جداً للتحرر الذي تسلكه النساء اللواتي لم يسلمن من العمى السياسي، ولا القمع الشديد لقدراتهن وإمكانياتهن على التنظيم، ولا المهزلة الكبيرة المتجسدة بالعمل المزدوج لقاء أجر واحد وتمييزي.

إنه مسار يتعارض تماماً مع ما أتخذه في هذا الكتاب والذي يعتبر اللحظة المركزية للاستراتيجيا السياسية النسوية، ليس النضال من أجل العمل خارج المنزل، إنما النضال المنظم ضد العمل، انطلاقاً من العمل المنزلي والعمل الجنسي، من أجل التدمير النهائي للعمل غير المأجور مباشرة والعمل المأجور.

أصبحت أطروحة لينين، والتي كانت غير صحيحة وقتها، سخيفة للغاية من خلال استمرارها في الفكر السياسي لليسار الذكوري، في مواجهة وعلى الرغم من الانتشار العالمي للحركة النسوية في بداية السبعينيات. هذا الانتشار، الذي جاء خلال أزمة، سمح للآلاف من النساء في المدن الكبرى وما يسمى بالعالم الثالث بإدراك قوتهن على التسبب، من خلال التنظيم المتزايد لنضالهن ضد العمل وصولاً إلى العمل الجنسي، بضربات قاتلة لانتاج فائض القيمة وعملية تراكم رأس المال.





عشر سنوات من النضال- كانت كالزلزال القوي- وقد ذهبت إلى حد إعادة خلق مشهد إعادة الانتاج وخلق أزمة لكل سياسات الدولة في هذا المجال. حيال هذا الانتشار، تبنى رأس المال، على المستوى الدولي، المدرك لمركزية عمل إعادة الانتاج في عملية إنتاج القيمة، ولكن أيضاً بالنضالات الصلبة التي حصلت ضد العمل، إذاً، تبنى الاستراتيجية اللينينية للعمل الثاني للنساء.

كانت السبعينيات مركزية في هذا التحول نحو سڨيتة السياسة الرأسمالية تجاه النساء. إنه رأس المال نفسه، في الولايات المتحدة وأوروبا، من يستقبل أكثر فأكثر النساء للعمل خارج المنزل؛ وهو نفس رأس المال الذي يفرض بوحشية عرض العمل النسائي في سوق العمل خارج المنزل. بالطبع، الهدف هنا يختلف عما يرمي إليه لينين. في حين يرتكز البرنامج “الشيوعي” الذي كان قائماً على وهم التساوي باستغلال الرجال والنساء مع تحريرهن من العمل المنزلي، إلا أن الهدف الآن هو أكثر واقعية: إنه يقوم على تكثيف استغلال النساء، لموضوع تعلَّم، خلال إعادة الانتاج، أن يصبح غير منضبط ومنفلتاً أكثر فأكثر، ولكن يمكننا ابتزازه لناحية الحاجة إلى الدخل، لأن عمل إعادة الانتاج لا يجلب له المال.

بالكاد بعد أن تحررن من الكثير من الأعمال المنزلية عندما طالبن بأجور أعلى من أجور الذكور، اضطرت الكثيرات من النساء بسبب الأزمة إلى اللجوء للعمل خارج المنزل. انتقلنا من الوظيفة الثانية كطلب، كطلب للتحرر من العمل المنزلي، إلى إلزامية العمل الثاني، كامتداد ليوم عمل النساء، كتكثيف إيقاعات العمل…

إن المقولة القديمة المتمثلة بأن العمل خارج المنزل هو هدف للنضال بالنسبة للنساء يتردد أقل من قبل. من هذه الاستراتيجية السياسية، لم يتبقَ سوى خطاب مشوش حول الخدمات الاجتماعية كاستراتيجية للنضال الهادف إلى تدمير العمل المنزلي، الذي يصبح وجوده في يوم عمل النساء هو العنصر الأساسي في عدم المساواة بما خص الرجل. سواء جرى التعبير عنه بهيمنة عنيفة أو مطالَبة، إنها استراتيجية لا تواجه سوى جزء من استغلال النساء، ولا تقدم الأسلحة اللازمة لمواجهة هيمنة رأس المال على النساء من جذورها.

لا يهمنا “تحرير النساء” من العمل المنزلي حتى نندمج في عملية استغلال العمال. ولا نريد تغيير نوع الاستغلال الذي نتعرض إليه من أجل “تحريرنا”. إن الأمر يتعلق باستراتيجيا تقلل مما يمكن النساء أن تناله: الثروة، عدم العمل في المصنع والمنزل، إضافة إلى الخدمات الاجتماعية. بعد إصلاحه إلى هذا الحد أو ذاك، يبقى الخطاب حول الخدمات الاجتماعية مشوشاً لأنه يُعتبر هدف النضال ضمن استراتيجية سياسية لتحرير النساء. وأضيف إنه خطاب وهمي لأنه ينطلق من فرضية تقول إن إعادة الانتاج الاجتماعي للقوى العاملة يمكن أن تحل مكان إعادة الإنتاج “الفردية”.

هذا الافتراض خاطئ كذلك لأن هذه الخدمات الاجتماعية ذاتها- الحضانة والمستشفى والمدرسة- لا تفترض فقط العمل المنزلي الذي ينفذ في المنازل، إنما تتطلبه كذلك بشكل مستمر. (يكفي التفكير بمدى أهمية لعمل المستشفى مساعدة الأقارب- من النساء- للمرضى). أخيراً، لا يمكن أن يكون هذا الافتراض صحيحاً لأن جزءاً كبيراً من العمل المنزلي لا يمكن أشركته أو القضاء عليه عن طريق التطور التكنولوجي. يمكن ويجب تدمير هذا الجزء فقط كعمل رأسمالي، وتحريره لصالح ثروة إبداع منفصل عن نير الاستغلال. إنما مسألة عمل منزلي غير مادي (مثل الحنان والحب والراحة وخاصة النشاط الجنسي) التي يشكل، إضافة إلى ذلك، جزءاً متزايداً من العمل المنزلي.





هل علينا كذلك أشركة الجنسانية؟ في هذه الحالة، هل سيصبح عملاً جنسياً جماعياً، بكلمات أخرى، ستصبح الجنسانية مسألة عامة، منظمة ومدارة من الدولة. هل يمكن أن يكون هذا هو الهدف؟ هنا كذلك، إن هدف إعادة الانتاج تحقيق أشركة تامة للقوى العاملة لا معنى له كبرنامج سياسي. سيشمل تحرير النساء من العمل المنزلي غير المأجور مباشرة، ولكن سيكون على حساب سيطرة الدولة على حياة الجميع، من خلال المصنع الإجباري لكل امرأة وحضانة المصنع لكل طفل، منذ ولادته. وهذا عكس ما نطمح إليه.

من دون شك أن النضال من أجل الخدمات الاجتماعية هو مشكلة سياسية مهمة جداً في إطار استراتيجية نسوية، لأنه في الدول الرأسمالية وكذلك الدول “الشيوعية”، لا يعني مشاركة النساء في العمل الصناعي أبداً تطوير أشركة إعادة انتاج قوة العمل. في الواقع، كان النضال دوماً هو مقياس كمية ونوعية الخدمات الاجتماعية التي تؤمنها الدولة.

يظهر ضعف نضالنا في هذا المجال من ندرة وسوء نوعية الخدمات الاجتماعية في كل مكان، من الاتحاد السوفياتي إلى الولايات المتحدة. لذلك من الضروري تعزيز هجومنا كذلك في هذا المجال، مدركات أنه ليس سوى هدف جزئي، لأننا اليوم يمكننا تحقيق الكثير من دون حدود: كسر هيمنة رأس المال علينا وعلى الطبقة.

إثر ذلك، أصبح المرور بماركس لمواجهة لينين عملية ضرورية، ليس من أجلنا ومن أجل نضالنا، ولكن كذلك من أجل الحركة الذكورية وصراع الطبقات بمجمله. هذه العملية التي طبقت إثر التكوين الطبقي الجديد خلال السبعينيات، حيث من الضروري- أكرر من جديد- أن تشمل ربات المنازل البروليتاريات، ولكن كذلك عاملات الجنس، لا يسمح ذلك فقط بتحليل إعادة الانتاج من خلال المقولات الماركسية، ولكن كذلك جعل ماركس “يعمل” في ضوء النضال النسوي.

تقودنا هذه العملية إلى مسار يتعارض تماماً مع المسار الذي سلكه لينين، أي أنها تقودنا إلى فرضية أن العمل المنزلي والجنسي عملين منتجين. بهذا المعنى، يظهر النضال النسوي على أنه نضال أساسي للطبقة العاملة، بسبب قدرتها وإمكانياتها على تدمير آليات إنتاج فائض القيمة.

من الناحية الاستراتيجية، تشجعنا مثل هذه العملية على البدء، ومتابعة الحركة التي تجمع، في الطلب العنيف للمال والسلطة، المرأة والعامل في المصنع والعاملات في المنازل، العاملة/المرأة في المنزل بالمدن والبروليتاري في العالم الثالث. وهذا يقودنا إلى الاستماع ودعم الشعارات الناتجة عن نضالات النساء: لا للإفقار، نعم للاستيلاء على الثروة الاجتماعية؛ لا للفتات من أجور الآخرين، نحن نريد مالاً في جيوبنا؛ لا للاعتماد الاقتصادي والنفسي والجنسي على الرجال، نريد حرية النساء كما نريد حق النساء بتقرير مصيرهن.

البرنامج السياسي موجود، ومعبَّر عنه بألف طريقة، في التعبير عن السلوكيات الجماهيرية الجديدة، وفي رفض العمل المنزلي والعمل خارج المنزل. المشكلة الأساسية هي مشكلة وقت العمل، النضال من أجل تخفيض مدة العمل الكلي (المنزلي وخارجه)، وهو نضال لا يرتبط فقط بتنظيم يوم العمل، إنما قبل كل شيء، التنظيم الرأسمالي للعمل. ويصبح هذا واضحاً إذا أخذنا بعين الاعتبار النتائج المبتكرة بشكل متميز لنضالات النساء المستقلات حول تنظيم إعادة الانتاج.





انقلب كل شيء رأساً على عقب: شكل ووظيفة العائلة، العلاقة بين الرجل والمرأة وتبادلهما، العلاقات بين المرأة/والمرأة والرجل/الرجل والتبادلات فيما بينهم تباعاً، والزواج ومعدل الولادات والأمومة والأبوة… في هذا الوقت، لم تتحول هذه الآثار إلى دفعة ملحوظة من شأنها السماح بثورة علمية وتكنولوجية أيضاً في عملية العمل المنزلي. لم تحصل بعد ثورة في جزء كبير من عملية إعادة الانتاج. مشكلتنا السياسية هي في جعل العلم يتولى هذه المهمة.

هذا يجب أن يكون تعبيراً عن المستوى الجديد للسلطة. مدركين أنه بالنسبة لجزء كبير من العمل المنزلي- الجزء غير المادي- فإن الحل ليس في العلم بقدر ما هو في التحرر من الالتزام بالعمل المباشر أو المأجور بشكل غير مباشر. إن إمكانات “الحب” العاطفي والجنسي للفرد، سواء كان رجلاً أو امرأة أو طفلاً أو راشداً أو مسناً، هي في القدرة على التعبير، وإعادة الانتاج، هي كبيرة جداً. ولكن هذا الإمكانات مجمدة ومخدرة ومكبوتة ومشوهة لتتناسب مع الفرد المختزل إلى حالة السلعة. إن تدمير هيمنة القيمة التبادلية على القيمة الاستعمالية تعني تحرر هذه القوى التي لا تعد والطاقات الإبداعية لإعادة الانتاج، من أجل إعادة إنتاج الأفراد وليس السلع.

حتى يستطيع الابتكار الناتج عن النضالات أن يكون جذرياً وقاطعاً، وينجح نقدنا للعلم بعدم الوقوع فريسة لقدرة رأس المال على الاستغلال، سيعتمد على كيفية تمكّن هذا النقد من مواكبة النضال من أجل أجورنا، إضافة إلى تعزيز تنظيم النضال ضد العمل المنزلي وخارج المنزل. من دون مال في جيوب النساء، سيكون مستحيلاً على الطبقة ممارسة السلطة العمالية على شكل إعادة الانتاج. اليوم، تتلقى أعداد متزايدة من النساء رواتبهن: في المصنع، أو في الخدمات الاجتماعية، أو العمل الإضافي، أو العمل الجنسي. ولكنه راتب تمييزي، إذ يحصلن عليه لقاء يوم عمل لا ينتهي واستغلال مكثف وشديد الشراسة.

بالإضافة إلى ذلك، إن عدداً هاماً من النساء، اللواتي يكرسن وقتهن حصرياً للعمل المنزلي، لا يمتلكن مالاً خاصاً بهن. إنه ثمن يمكن عدم دفعه اليوم نظراً إلى مستوى الثروة الاجتماعية المنتجة، والأهم، نظراً إلى القوة السياسية التي يمكن للتكوين الطبقي الجديد التعبير عنها على المستوى الأممي. لذلك، هو ثمن علينا نحن النساء أن نرفض دفعه. بالتالي، نعم للمال والثروة حتى نتوقف عن العمل، وأن نعيد إنتاج أنفسنا بكل حرية، دون قيود الاستغلال الرأسمالي.


خلال تظاهرة يوم العمال العالمي: ماريا روزا دالا روزا وليوبولدينا فورتوناتي الصورة من موقع viewpointmag




الهوامش:

(1) L. Fortunati, « Learning to Struggle. My Story Between Workerism and Feminism » in Viewpoint Magazine, 15 septembre 2013

(2) مقدمة الطبعة الإيطالية الصادرة عام 1981

(3) في هذا الكتاب، تعني كلمة “إعادة الانتاج” الجزء من الدورة الرأسمالية المتعلق بإنتاج وإعادة الانتاج قوة العمل كسلعة. أي ليس عملية إعادة الانتاج الشاملة، التي تتكون إضافة إلى ذلك، كما سنرى في الفصل الثاني- من قطاعات متعددة، ولكن فقط عملية الانتاج وإعادة إنتاج قوة العمل، التي تحصل بشكل أساسي في العائلات، على كاهل العاملات في المنازل، وعملية إعادة الانتاج الجنسية لقوة عمل الرجال، التي تحصل في قطاع “العمل الجنسي”. يشكلان أساس عملية إعادة الانتاج. من جهة أخرى، نعني بكلمة “الانتاج”، الجزء من الدورة الرأسمالية المتعلق بانتاج السلع، ما لم يذكر ما هو خلاف ذلك.

(4) نقصد بعبارة “الخدمات الاجتماعية” هي بنى المساعدة التي تديرها الدولة لفئات محددة من المستخدمين مثل الحضانات والمقاهي ودور رعاية المسنين ومؤسسات رعاية ذوي الإعاقة ومدمني المخدرات والقاصرين…



#ليوبولدينا_فورتوناتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد جذري لجذور هيمنة رأس المال على النساء


المزيد.....




- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....



الصفحة الرئيسية - ملف 8 اذار / مارس يوم المراة العالمي 2024 - أوضاع المرأة في الحروب والصراعات وكيفية حمايتها، والتحديات التي تواجهها - ليوبولدينا فورتوناتي - نقد جذري لجذور هيمنة رأس المال على النساء