أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - باسم عبدالله - علاقة الأنا العليا بخرافة الوحي الإلهي















المزيد.....

علاقة الأنا العليا بخرافة الوحي الإلهي


باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)


الحوار المتمدن-العدد: 7505 - 2023 / 1 / 28 - 20:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا شك ان العلاقة بين الهوية الشخصية ” الأنا ” ونمو التفكير ينشأ في مراحل الإنسان الأولى، المتلازمة ترسّخ مفاهيم النمو الأخلاقي بتحقيق شخصية تندمج مع منعطف المفاهيم الإجتماعية لتحقيق طبيعة الشخصية في كل تشعباتها واشكالها، بحيث يمكن من خلالها صياغة الشخصية التي تحمل مفاهيم العلمانية، الدينية، الواقعية، الراديكالية، الليبرالية، وغيرها كما في جنوحها في الاتجاهات السلبية مثل العدوانية، الانانية، الانتقام، الكيدية، العنف، الجهادية. فهناك على الدوام صراع بين الأخلاقية والراديكالية، بين الأشكال الواقعية والمفاهيم الروحانية. ينطلق التفكير من خلال تلك المفاهيم التي تحدد نوع الشخصية وطبيعة تفاعلاتها مع المجتمع. امامنا المتلازمة الثلاثية، الأنا والأنا العليا، والوحي الإلهي الذي يمكن تسميته بالمنظومة اللاهوتية التي احاطت بالمجتمعات عبر آلاف السنين، الأنا لها شقان الشق السلبي الحيواني والشق النقدي الأيجابي، الأنا التي تأمر بالسوء وتبرر اي عمل سئ وكأنه عمل طبيعي، هي ذلك الجزء السلبي هدفه اشباع الرغبات الحيوانية بأي طريقة، المحافظة على الذات يتحكم بها شهوة الأكل، الجنس وحب التملك. الشق الإيجابي من النفس هي الحالة التي تستخدم العقل النقدي في مكافحة الرغبات الحيوانية، اي تجعل للمنطق والعقل التحكم في الأنانية المفرطة، فهناك قيم اخلاقية تدخل للنفس من خلال نقد الذات. عند السيطرة على رغبات النفس والسماح للعقل التحكم في الرغبات والغرائز يأتي دور الأنا العليا فهي الضمير التي تجعل للنفس الناقدة الدور الفعال وتجعله يتخذ القرار الحاسم وفق القناعة الكاملة، فهو الرقيب لتصرفات الإنسان والميزان العادل بين النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة.
النفس الأمّارة بالسوء: اريد ان اسرق ذلك الطعام من المطعم، في هذا البنك الكثير من المال يجب ان اقتحمه.
النفس اللوّامة : اياك ان تسرق ذلك الطعام من المطعم، لا تقترب من ذلك البنك، فقد تدخل السجن بقية عمرك.
الأنا العليا : سرقة الطعام لا ترضي الله فهذا عمل محرم، البنك فيها اموال الناس لا تعتدي على اموالهم هل ترضى من يسرق اموالك؟
الوحي الإلهي : ارسلني الله الى الأنبياء كي اخبرهم ان العمل الصالح يقودك للجنة، والعمل الظالم طريقك للنار، انا وحي مرسل من الله، لا تراني لكن يخبرك نبيك عني فبيني وبينه كتاب الله. بمعنى ان النفس اللوامة، هي الحكم العادل بين النفس الأمارة بالسوء والوحي الإلهي، هي الحكم العادل بين القطبين المتصارعين، فالنفس التي تؤمن بحكم النفس اللوامة تنتقل الى الإيمان بالعقيدة الإلهية، والنفس التي لا تؤمن بحكم النفس اللوامة تبتعد عن الإيمان بعقيدة الوحي الإلهي وتركن الى الإنانية والعمل الإجرامي.
لكن كيف انتقل التفكير الأخلاقي كنتاج عن النفس اللوامة وهو الطبيعة الأخلاقية التي ارتبطت بالتبريرات العقلية لما هو مقبول او مرفوض، الى الطبيعة الروحانية في اطار الوحي الإلهي؟ الأنا هي الحالة النفسية الداخلية التي تلازم حياة الإنسان بماضيه وحاضره ومستقبله، وتبقى معه الى الموت، تربط الإنسان بالمثل الإجتماعية، الأنا جزء من الكيان الإجتماعي بكل ما يحمله من قيم، اعراف، تقاليد، ومفاهيم غيبية، تلك المفاهيم تبقى خاملة نائمة لا تتيقظ إلا من خلال فعالية الأنا العليا وتتجه مثالياتها الى رحاب الوحي الإلهي.
إن دراسة الأنا بقيم التفكير الإجتماعي يقودنا الى تطور الذات نحو اتجاه الروحانية والانطواء في الإحساس بروحانية عالم القيم، فنمو التفكير الأخلاقي ينتقل عبر تطور الذات في عمق استيعاب المفاهيم في الأنا الأيديولوجية التي تنطلق من عوالم الأنا العليا الى عوالم الوحي الإلهي. نحن ننمو داخل الذات ” الأنا ” EGO هي الجزء الفعال الذي يخطط، يفكر، يعمل بطرق مختلفة، وتتصرف من خلال المجتمع المحيط بها وهذه الذات تتعايش بشكل مستمر مع الأنا العليا فهي المكون الأخلاقي لتطل على العالم من خلال حواسها المادية هدفها التوفيق بين مطالبها الجسدية، ومطالب الظروف الإجتماعية، هذه الظروف هي البذرة التي يمكن استنباطها من خلال الوعي الإجتماعي كي تستقر في الفكر الإخلاقي والروحاني للفرد. تتمتع الذات ” الأنا ” في فهم الواقع الشمولي للمجتمع، تتطور الأنا في الواقع الإجتماعي وتتلائم مع التغيرات الاجتماعية والحوافز الخارجية بحيث تعوم الذات داخل المسالك الاجتماعية وترصد الكثير من العيوب والنواقص، كذلك المظالم وعلاقات المصالح الشخصية، فيتولد الإدراك في استيعاب طبيعة الوعي الإجتماعي من خلال الوجود الإجتماعي وامكانية مقارنته مع موجودات اجتماعية أخرى سواء بعيدة او قريبة. الادراك يرتبط ارتباط وثيق بالحالة الإجتماعية السائدة بحيث تعمل العلاقات الإجتماعية على رسم الدور المركزي في اداء الشخصية الفعّالة ، لكن لا يعني ذلك ان التقاليد الاجتماعية تحدد او تمنع الشخصية من تطوير ذاتها بالتخيل على اختبار الواقع واتخاذ قرار بشأن الاتجاهات المستقبلية حتى يتم تحقيق غايات محتملة وان حملت في داخلها خواطر تجسّد العقل الجماعي. المجتمع في الجزيرة العربية، في الحجاز، نجد، مكة، المدينة، وغيرها من المدن، قد سوّغت للعقلية الجاهلية نمط سلوكي في عبادة الأصنام ووضعت تقاليد التعامل مع النظام الأسري تراجعت فيه قيم المرأة ذلك ان التقاليد قد حددت الاطر العملية بحسب الإدراك في تقبل شكل موحد لمكانة المرأة المتدنية كأداة تقوم لخدمة السيد الرجل في المجتمع الجاهلي. ورثت ”الأنا ” معتقد الموروث الإجتماعي فصارت المرأة تباع ويمكن الحصول عليها بغنائم الحروب، وقد اشار القرآن والتوراة في نصوص وسور عديدة لغنائم الحروب، كانت الجواري وتعدد الزوجات، كل هذه العوامل في هرم البنية الإجتماعية تترسخ في الأنا، وتنصهر فيها قيم وتعاليم المجتمع. كلما استمر الفرد بالتطور تقوم الأنا بالتميز والإحساس بالاستقلالية فتتطور داخلها الأنا العليا او تنصهر في الذات ولا تجد لها فعالية. عندما تتطور الانا العليا تكون قادرة على قمع الغرائز والسيطرة على الدوافع من خلال دمج القيم الإخلاقية في البنية الاجتماعية، فهذه المعايير تدركها الأنا حتى تصبح جزء اساسي في كيانها، من هنا نجد ان الأنا تكون الوسيط بين الأنا العليا والهوية الشخصية او الذات، من خلال ايجاد قناعات مستقلة في ادراك المرء للوسط المحيط به وكيفية التعامل معه فهو يرى نفسه شكل ذاتي او هوية شخصية داخل وعاء كبير وواسع اسمه المجتمع المدني الذي يحيط به من كل جانب.
كيف يمكن ايجاد البذرة الدينية من العلاقات الإجتماعية وما اهمية ذلك على تطور الأنا العليا في اتجاه المسيرة الروحانية للوحي؟ لا شك ان جهل الإنسان الغوص بأعماق القدر والمجهول قد احاط عقله الكثير من الغموض في متاهات المجهول المطبق فربط العلاقات الإرضية بخيال العقل واستدراج الاحداث في الطبيعة، تميز وعي الكاهن في مخاطبة عقله بما يمكن ان يطور حسه الذاتي في عوالم الأنا العليا، كي يكون منفذاً للوجود السامي للحالة اللاهوتية في اعماق النفس، الكاهن بهذا المعنى رسم الشكل اللاهوتي للقيم الإجتماعي بتجسيد حالة روحانية عليا، اي تفوق العقل منصهراً في الإيمان الشخصي لربط الأنا في اتجاه جعل الأنا العليا تحلق في سماء الغيب لتجد الطريق العقلي في اتجاه الوحي الإلهي، بمعنى اننا جعلنا من الوحي البذرة الروحانية في العقل الواعي للكاهن. لقد ربطت الكهانة المدرج الذاتي في اتجاه تطويع العقل وحثه بكل اصرار ان يعيش الحالة الوجدانية بما يتملكها من يقين تأملي يكون محض خيال لكن الحقيقة التي زج فيها عقله ان تكون حقيقة، فهذا صهر الحالة الذاتية للأنا في عوالم الأنا العليا التي تربط القيم الأرضية في الآفاق حتى تشرق في داخله اضاءات وجودية تتحد في الأنا العليا لتصنع من خلالها شخصاً روحانياً يلتف حول تجلياته العقل البشري ليفسر اسرار الكون والألوهية من خلال منطلقات عقله الكهنوتي. البذرة الدينية لم تكن لتوجد لولا مجهودات العقول التي نجحت في دمج الذات واحتراقها في عوالم الوحي الإلهي. امامنا الحالة الكهنوتية التي انفردت وجعلت من مسارات الذات طريقا روحيا جعل للآخرين منفذاً روحياً لوجودهم بين الطبيعة وآفاق الكون العليا. فطالما تطلعت عقول الكهان الى الفضاء مستهدفين من ذلك الربط الشديد بين الخيال الديني والأنا العليا، اي بين الروحانيات التي تستعصي على العقل والحالة الإيجابية التي تسعى للعدل والخير ومحاربة الشر في النفس الإنسانية، فكانت تلك النجوم، الاقمار والشمس، اذ ربط الكهان عقله فيها لتحارب القوى الشريرة المتمثلة بالشيطان، فعلم الفلك حاز على اهتمام كبير من جانب الروحانيين فارتبطت الروحانيات بعلم الفلك، ففيه التنجيم والابراج. لقد ادعى الكثير من القادة الدينيين، معرفتهم بايام وساعات دخول الكواكب في الابراج لأي عمل روحاني يبغون القيام به. لقد تولد جلب الرزق، المال، الربح في التجارة من خلال الكواكب ودخولها في الابراج. فالعلم الروحاني استعداد الأنا العليا بما فيها من شفافية الذات كي تعيش خيال الوجدان لجلب التوقعات الحسية التي تكون جذورها الأرضية لا علاقة لها بالغيب المطلق انما بحث العقل الديني استنطاق التوقعات الروحانية التي قد تصيب ولا تصيب.
لقد تولد الصراع منذ فجر الإنسانية على الارض بين الخير والشر ، الحق والباطل، فالذات في الانا الامّارة بالسوء قد اتخذت طريق الشخصية الروحانية ” الشيطان ” تلك التي ابتدعها العقل الوثني في بداية المسيرة الدينية الى ان تطورت عبر النجوم ثم انتقلت عبر انبياء العهد القديم وفي اساطير بابل وكنعان، هي حالة ذاتية مزيج بين الخيال الديني وضرورة ايجاد البذرة الدينية وجدت فيها النفس البشرية مسلكاً لزوال الجسد على ان يعود مرة اخرى في عالم الخلود. لقد تطور العمل الكهنوتي فصارت الروحانيات مصدر بعض الشخصيات الدينية التي هيمنت على تاريخ الشعوب وجعلتهم قادة وانبياء واصحاب نفوذ، انتجت الروحانيات القدر والسلطة الروحانية لخالق بعيد قادر وفاعل في وجوده لا يحيطه الزمان والمكان، تم تأسيسه بلا شك في العالم الروحاني الذي فاضت فيه خوارق العالم المجهول للوحي الإلهي. ارتبط الجسد من خلال اشباع الرغبات من نكاح، شراب، طعام، كساء، مال، سلطة، في مواجهة العقل المشبع بعلم ويختار بين الخير والشر، العقل ميزان الوعي وميزان الخرافة، فالكثير من المسالك الغيبية يؤمن بها العقل ويتم استدراجه في الإيمان بواقع وجودها، فالأحلام مصدر التأمل الخرافي للذات التي تسعى في دفع خيالها للأنا، ان تجد فيها الأيمان والتصديق، كي تبرر طريقها للأنا العليا ومنها ينطلق العقل في اتجاه الكاهن لتوثيق احساسه الروحاني من اجل ايجاد منطق يرضي اشباعه الخرافي.
واجه العقل البشري الغموض المطلق لعالم الروحانيات بشقيه الملائكي الرباني والعالم السفلي الدنيوي. فالقوة الروحانية لخيال العقل وما ترتب عليه من اشباع الذات ومدى قدرتها على التلون والابداع في اقناع العقول بحقيقة التجربة الذاتية التي عاشها المتصوف او الكاهن. لكن كيف يمكن ربط الروحانية الملائكية للإله بشخص الوحي الإلهي، والعالم السفلي الدنيوي وكيف نجح مفهوم النص الديني في اقناع العقول من ان النقل والعقل متلازمان في حقيقة روحانية لا انفصال فيها اذ بقيت آلاف السنين في العقل الجماعي الى ان تصدعت في عصر العلم والثقافة العلمية؟ تأسس الفكر الغيبي وما رافقه من روحانيات على الثنائي المزدوج بين الانا العليا وسر الوحي الإلهي، فهذا السر اقترن بالعديد من الخرافيات والتفسيرات التي لم تصل الى استدلال واستنتاج علمي، بل بقي محصنا في الغيب المجهول لتأخر العلوم البيولوجية في كشف اسرار العقل البشري.
الأنا القوية تقاوم الضغط الإجتماعي والبيئي وتستطيع ربط العلاقة القوية مع الأنا العليا، فالكاهن يستطيع توجيه دوافعه الى قنوات يستطيع من خلالها الربط بين المثالية الإجتماعية والتخلف الإجتماعي ويستخلص منها الربط الروحاني بين المثالية والخيال الديني، اي انه يحول المفاهيم الاجتماعية السائدة من المفهوم الساذج للحياة الى القيم الروحانية الخارقة، وتكون قادرة على مواجهة المخاطر. ان ما يحتاجه العرف الإجتماعي الى الأنا، ربط الواقع الإجتماعي بالعالم الغيبي فهو يوفر عمق الإتصال في عموم العلاقات مع الناس ويقدم لهم الوعود الدينية. مشكلة الأنا هنا التوفيق البارع في الربط بينها وبين الأنا العليا واتحادها الفردي في العالم العلوي الرابط بينها وبين الوحي الإلهي.
تصفو الانا العليا وتعلو في قيم التسامي حتى تتدرج في الإلهام الروحاني وتتحد في الذات العليا المتمثله بإلهام الوحي الإلهي، هو تأثير الطاقة العقلية الكامنة الفائقة للطبيعة على الفكر البشري، احتراق الذات في عوالم النفس واستشفاف الإحساس الروحاني فيها. الوحي الإلهي مصطلح لاهوتي يشير الى دور الأنا العليا القابعة في العقل البشري لعصمة الذات من الخطأ فقد يكون أحساس العلاقة بين الذات في استنطاق العقل كما حدث مع موسى الذي اتحد احساسه فمن اعماقه استنطق وعاش احساس الوحي الإلهي، ففي سفر العدد 12 ” واما عبدي موسى ... فماً الى فم وعياناً اتكلم معه لا بالالغاز ... ” فحالة الوجد الروحاني هذه التصقت بالذات حتى تكون الذات والإحساس الروحاني بالغيب في شخص الوحي كياناً واحداً، اي يعمد الكاهن، النبي، الزاهد، المتصوف الى حرق الذات على اعتاب غرائب الآفاق العقلية ليقدم من خلالها تجربته الذاتية. يصف صحيح البخاري، الجزء الثاني، كتاب بدء الوحي، حالة الوجد الروحانية لمحمد بما يشبه الحالة التي عاشها موسى ” احياناً يأتني مثل صلصلة الجرس وهو اشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال .. ” هذا الانفصام بين الواقع الذاتي والوله الروحاني يتمثل في حث العقل ايجاد عالم المثل في الخيال الإعتقادي بوجود عالم غير العالم المادي. ان التجارب المريرة التي تم فيها حرق الأنا يستشف من خلالها ايجاد العالم الذي سعى له العقل بما يقدم احساس اليقين في عالم الوهم السرمدي. فالفصام حالة زج العقل في حالة فردية لا يرى فيها غير الرؤى وشوارد الخيال الحالم، هذا الفصام ليس سويا في عالم النفس، هو انفصام طوعي مرضي ذاتي ناجم عن فعل قسري بهدف الحصول على حالة وجدانية استعد لها العقل مسبقاً. فعبارة ” وهو اشده علي ” هي المكابدة والعناء بهدف جلب الإحساس الخارق بما تتمناه الذات المحترقة في عوالم الخيال.
لقد وقع الكثير من المتصوفين كما هو الحال عند الحسين بن منصور الحلاج، بحالة من ابادة الأنا والسماح لله او الوحي الإلهي ان يتكلم من خلاله، فمفهوم الحلول والأتحاد في الذات الإلهية، امر الفته الطبيعة البشرية، لقد تغيرت تجارب المتصوفين بحسب المجهودات العقلية القسرية ومدى قدرة المتصوف على ابادة ذاته كي تحل فيها الذات الإلهية كما فعل المسيح بحسب بولس، وكما وردت العديد من التفسيرات في النص التوراتي الإنجيلي، خاصة في سفر يوحنا، الذي وجدنا العديد من فقراته حالة الاندماج اللاهوتي بين التأنس والتأله. بحسب سيجموند فرويد مؤسس مدرسة التحليل النفسي، ان الجهاز النفسي للإنسان اهم ما يتضمن فيه الأنا الأعلى وهي السلطة والرقيب لعالم المثاليات والمعايير الإجتماعية في قيم العدل والخير وهي حالة لا شعورية تنمو مع الفرد. الذات في المكون البيولوجي والانا المكون النفسي، الأنا الأعلى المكون الاجتماعي الايجابي الفاعل في الذات البشرية .
بهذا يكون فرويد قد اسس في مملكة العقل الجانب اللاهوتي للذات، ويكون قد انتقل من الجانب النفسي بين الأنا والأنا العليا، وسار بها الى الوحي الإلهي في ربط الأنا العليا في علم نفس الخوارق، في استحداث عالم لاهوتي خاص بها، علم يسمى Parapsychlogy ” علم نفس الخوارق ” او بما يسمى علم القابليات الروحانية، كان اول من استعمل هذه التسمية ماكس ديسورا، في العام 1889 للإشارة الى الدراسة العلمية للإدراك فوق الحسي والتحريك النفسي، ومن ضمن صلاحيات هذا العلم التنويم الإيحائي والفصام الذاتي اي بقدرة احساس الذات خروجها عن الجسد، لتتم عملية توارد التخاطر، عن طريق تنقل الافكار والصور الذهنية دون الاعتماد على الحواس الخمس. فالكاهن، الزاهد، القائد الديني، يدرك افكار الآخرين ويعرف كيفية اقناعهم وما يجول في عقولهم فيمكنه ارسال خواطره وادخالها الى عقولهم، يسيطر على عقولهم بالقدرة على الإقناع والتميز بعالم خاص به، هذا الجو الروحاني يصنع في الذات العالم الروحاني اي هو يعيش لعالمه الخاص اذ تعتريه حالة وجدانية خاصة تنادي اعماقه وتوحي له في عالم الخيال وحياً إلهياً.
الأمر كله تعلق في كشف اسرار العقل الإنساني والكشف الروحاني للنفس الإنسانية في التصاقها بعالم الغيب، لكن هذا العالم محدود في اطار جسد الكاهن، من اختار طريق استنارة العقل والغوص به بعيداً عن محدثات خارج الذات البشرية، ان الوحي الإلهي برمته نتاج صناعة عقلية تحوم فوق الذات البشرية، فلا اثبات مادي لوجوده ولن يكون. ان العقل البشري مادة الطبيعة، تخضع للزمن ولقوانين الأندثار والزوال، يبقى لاهوت الوحي الإلهي، العالم المثالي الذاتي في متاهات الأنا، والسر الكامن وراء صناعة المعتقد، يقبع دائماً في عوالم الخيال عبر الافاق البعيدة، تبقى الوعود الغيبية في استدراج العالم المادي في حوافز الجنة ومخالب النار المرعبة، صناعة عقلية من عالم مادي الى صناعة الفكر، عالم روحاني تتسامى الذات بينهما، ذلك العقل الذي ابدع فعلاً في بناء اللاهوت الديني سيبقى ردحاً من الزمن امام متغيرات عصر العلم والثقافة العلمية.



#باسم_عبدالله (هاشتاغ)       Basim_Abdulla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - نجار و اعظم - وتناقضات إلوهية المسيح
- سلمان الفارسي والمعراج الإسلامي الزرادشتي
- نرجس وخرافة المهدي المنتظر
- قراءة نقدية في معجزات ومعراج ايليا
- نقد كتاب [ بنو اسرائيل وموسى لم يخرجوا من مصر]
- قراءة نقدية في كتاب انبياء سومريون
- الوحي الإلهي وخرافة النص الديني
- الإله يهوه رحلة التوراة والوثنية
- علاقة التدين بالشخصية الفصامية
- قانون العقوبات بين التشريعات الدينية والوضعية
- ازمة الفكر اليساري في الشرق الإسلامي
- الالحاد في الإسلام : ابن الراوندي نموذجاً
- عقوبة الأعدام في القرآن: السعودية نموذجاً
- الإله مردوخ
- المسلمون في السويد (2)
- المسلمون في السويد (1)
- هل النبي موسى، سرجون الأكدي؟
- خرافة سورة النمل
- اكراد العراق .. ولاء وطن أم حلم استقلال؟
- خرافة نار جهنم في الفكر الديني


المزيد.....




- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - باسم عبدالله - علاقة الأنا العليا بخرافة الوحي الإلهي