أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ربيع - الفكر والفلسفة والأيديولوجيا















المزيد.....


الفكر والفلسفة والأيديولوجيا


محمد ربيع
كاتب مصري

(Mohamedrabie)


الحوار المتمدن-العدد: 7505 - 2023 / 1 / 28 - 02:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


رأيت كتابا على موقع كتب نت الإلكتروني عنوانه: "المفكرون العرب: مشاريع وتطلعات، سؤال الفلسفة والدين والسياسة في العالم العربي." نُشر في بيروت عام 2017 لمجموعة من "المفكرين" العرب. وبعد قراءة المقدمة شعرت بصعوبة الاستمرار لأن الدكتور علي عبد الهادي المرهج الذي قام بكتابة مقدمة الكتاب، استعمل كلمة أيديولوجيا نحو 25 مرة في مقدمة يقدر عدد كلماتها ما بين 1000-1200 كلمة. إذ قال إن "واحدة من أهم مشاكل المجتمع العربي أنه يعاني من ضغط الأيديولوجيا، "أيديولوجيا السلطة من جهة والأيديولوجيا الدينية من جهة أخرى، وأيديولوجيا الطبقات المعارضة بكل تمظهراتها وتنوعاتها، وأيديولوجيا المفكرين العرب التي ربما تعبر بتنوعاتها هي أيضا عن تنوعات أيديولوجيا المجتمع العربي بكل فئاته وطبقاته." ومع أن المقدمة تحتوي على عدة أفكار هامة وعرضا للأفكار بطريقة منطقية، إلا أن ذكر كلمة أيديولوجيا نحو 25 مرة دون تعرفيها، والحديث عن أيديولوجيا سلطة وأيديولوجيا معارضة وأيديولوجيا مفكرين وأيديولوجيا مجتمع أمر غير منطقي. إضافة إلى ذلك جاء في المقدمة قول الدكتور المرهج أن "الماركسية نقدت الأيديولوجيا وعدتها وعيا زائفا" دون أن يفسر السبب أو يخبرنا كيف تم ذلك الأمر.
من ناحية ثانية، يقول الدكتور المرهج "إننا نعتقد أن أسئلة الفكر العربي الحديث والمعاصر إنما جاءت للإجابة عن سؤال أيديولوجي محض هو لماذا تقدم الغرب وتأخر العرب؟ وكأننا جعلنا من الآخر علة التخلف، أو كأن نهضتنا وتقدمنا مرتبط بتأخر الغرب، والعكس صحيح، أن تقدم الغرب مرتبط بتأخرنا. وفي كل هذا وذاك وإن تسلح مفكرونا العرب النهضويين بعدة وسلاح مستعارين من الفلسفة، إلا أننا نعتقد أن طرح سؤال النهضة والجواب عليه لم يستطع التخلص من هيمنة الأيديولوجيا." مرة أخرى يتكلم عن الأيديولوجيا ببساطة كأنها تساوي من حيث التعقيد كلمة بصلة يعرف الكل طعمها ورائحتها، علما بأنني لم أجد لها تعريفا واضحا ومحددا باللغة العربية أو الإنجليزية. ما جعلني أعود إلى تجربتي الحياتية وأقوم بتعريف مفهوم الأيديولوجية بالعربية والإنجليزية واستخدم التعريف باللغتين في كتبي ودراساتي ما جعله يشيع ويصبح التعريف الذي يحظى بقبول أعداد كبيرة من المفكرين والمثقفين والكتاب.
يقول الدكتور المرهج عن سؤال "لماذا تقدم الغرب وتأخر العرب"، هذا عمل لا يقوم به إلا الفيلسوف الذي ينفتح على جميع الأفكار متجاوزا عقدة الأيديولوجيا والدين والعقيدة، إذ إن مهمة الفلاسفة، كما يقول علي حرب، "إنتاج أفكار خلاقة ومهمة، تمتاز ببعدها عن الخصوصية الثقافية، وهذا ما فعله الفلا سفة في العصر الكلاسيكي العربي، ذلك أن الفكر العربي في تلك الفترة لم يفكر تحت تأثير وعيه لهويته الجمعية، كما تشهد على ذلك بعض الأعمال الفكرية البارزة، والتي لا تشير غالبا إلى هوية عرقية أو دينية أو جغرافية... وهذا هو شأن الأعمال الفكرية الحديثة كما هو الحال في خطاب "في المنهج" لديكارت الذي لم يعد شأنا فرنسيا، بل أصبح ملكا لكل من يعنيه أمر المنهج، وكذالك الحال مع نقد العقل المحض للفيلسوف كانط، أو الوجود والزمان لهيدكر، أو حفريات المعرفة لفوكو، وكلها عناوين بعيدة عن الخصوصية القومية أو الثقافية، لأنها تشير إلى انخراط المفكر في المشكلات الفكرية العامة المتصلة بالعقل، أو الذات، أو الوجود، أو السلطة." ثم يقول عن المفكرين العرب والمسلمين أن مشاريعهم التي حملت سمة التجديد والإصلاح فشلت "لأنهم لم يحسنوا سوى التقليد، تقليد الماضين من العرب والمسلمين، أو تقليد المُحدثين والمُعاصرين. لأن من يبتكر ويجدد هو من يشتغل على هويته وانتماءاته، على تراثه وأصوله... تفكيكا وتحويلا من أجل إزالة الركام الأيديولوجي الذي يطمس الرؤية ويختم على العقل." وهنا نلاحظ خلطا بين الفيلسوف والمفكر، وبين الفلسفة والفكر. ومع أن رأيي هو أن كل فيلسوف مفكر، ليس كل مفكر بالضرورة فيلسوفا. وفيما يقوم الدكتور المرهج بتعريف الفلسفة على أنها "البحث عن الحقيقة"، لا يقوم بتعريف المفكر أو الأيديولوحية.
الفلسفة لا تدعي معرفة الحقيقة أو ملكيتها لأنها ليست عقيدة، وإنما تقوم بالبحث عنها، وتسعى لتقنينها في أطر علمية واجتماعية تمكن المعنيين من فهمها والاستفادة منها. أما المفكر فهو من ينتج فكرا جديد خلاقا، قد يخدم قضايا مجمعية وإنسانية، وقد يكون أداة من أدوات الاستعمار يستخدمها للسيطرة على الغير من الدول ومصادرة حقوق شعوبها، وتدمير قدراتها على الفعل أحيانا. وعلى سبيل المثال، فيما ركز الفلاسفة المفكرون من أمثال ديكارت وكانط وفوكو وهيجل وماكس وفييبر على البعد المجتمعي والإنساني والتاريخي بوجه عام، ركز فوكوياما وهنتنجتون وماكس مانوورنج على تطوير أفكار شيطانية عنصرية لتمكين دول الغرب الاستعمارية، خاصة أمريكا، من السيطرة على الدول ذات الموارد الاستراتيجية. وتتم عملية السيطرة من خلال تحويل الدول المستهدفة إلى دول فاشلة.
يقول ماكس مانوورنج Max Manwaring الذي عمل ضابطاً في الجيش الأمريكي ومسئولاً كبيراً في جهاز الاستخبارات العسكرية وأستاذ الاستراتيجية العسكرية في كلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي، إن من المصلحة إفشال بعض الدول ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لأمريكا مع إحكام الهيمنة عليها. وتتم عملية إفشال الدولة بتدريب مجموعات أجنبية وتمويلها وتمكينها من التسلل إلى داخل الدولة المُستهدفة، أي خلق طابور خامس يعمل بهدوء على تدمير الدولة المعنية من الداخل. وتشمل عملية إفشال الدولة العمل ببطء ولكن بثبات على إنهاكها وتآكل إرادتها والتشكيك في قدراتها كي يسحب الشعب الشرعية منها، وإرغامها في النهاية على تنفيذ إرادة أعدائها. ويضيف مانوورنج القول "إن الهدف من هذه الحرب ليس تحطيم المؤسسة العسكرية في الدولة المُستهدفة، ولا إسقاط الدولة، ولا اختفاؤها، ولا القضاء على الشعب أو موارده، وإنما القيام باختطاف الدولة وإرغامها على الخضوع لإرادة المُعتدي". وتشمل عملية الاختطاف، كما جاءت في أقوال مانوورنج، التحكم الفكري والسياسي في نظام الدولة والسيطرة عليه سيطرة كاملة، بحيث يكون "مضطراً لإصدار قراراته ليس من أجل التعبير عن إرادة الشعب، وإنما من أجل التعبير عن إرادة الدولة التي قامت باحتلال أراضيه وإخضاعه لسيطرتها".
أما التعريف الذي قمت بتطويره لمفهوم الأيديولوجية فيرتكز على مفهوم العقيدة أو الفلسفة الشمولية. ويبدأ التعريف بالفلسفة وتحديد أنواعها ومن ثم تحديد علاقتها بالأيديولوجية. وفي الواقع، يعتبر مفهومي العقيدة والدين والأيديولوجية من المفاهيم التي يتم الخلط بينها؛ إذ دأب معظم المثقفين العرب وغير العرب على استخدام مفهومي العقيدة والأيديولوجيا بوصفهما يحملان نفس المعنى، ويشيران إلى الشيء نفسه؛ الأمر الذي جعل من الصعب فصل كل مفهوم عن الآخر وتحديد معناه ودوره المجتمعي، فيما جعل الخلط يقود إلى فهم خاطئ لدور الدين في حياة المجتمع ودور الأيديولوجية الدينية والعلمانية في صنع المستقبل. لذلك علينا أن ندرك أن كل أيديولوجية تنطلق إما من عقيدة دينية أو فلسفة شمولية؛ وعلى العموم، هناك ثلاثة أنواع من العقائد، وبالتالي الفلسفات الشمولية والأيديولوجيات.
العقيدة والفلسفة
العقيدة فلسفة اجتماعية ثقافية تقوم على مبادئ محددة، وتشتمل على حزمة من القيم والأوامر والنواهي والرموز، وتسعى، كما تدعي أدبياتها، إلى تحقيق أمور محددة تتعلق بحياة الإنسان وسلوكياته ومواقفه وقناعاته وعلاقاته بغيره من البشر والعالم الذي يٌحيط به. أما الأيديولوجية فهي عقيدة دينية أو فلسفة علمانية تم تحويلها إلى حركة سياسية بهدف الاستيلاء على الحكم، وتشييد المجتمع "المثالي" الذي تتخيله كل عقيدة وفلسفة شمولية في أدبياتها؛ وهذا يكون إما مجتمعا جديدا يختلف عن المجتمع القائم وعن ما سبقه من مجتمعات أخرى، أو مجتمعا في صورة ما كان قائما في الماضي البعيد. وفيما يمكن أن يتم صنع المستقبل المنشود في الحالة الأولى من خلال تطوير المجتمع القائم، لا يمكن تشييد مجتمع في صورة مجتمع كان موجودا في الماضي إلا بهدم المجتمع القائم في الحاضر، وإقامة مجتمع على أنقاضه. وهذا يعني أن كل أيديولوجية تتخذ موقفا عدائيا من الحاضر، وتسعى إلى تجاوزه بالسير إما إلى الأمام أو بسحب الشرعية منه ونفيه بالسير إلى الخلف دون التفكير كثيرا في المستقبل أو العالم المحيط بها.
أولاً – عقيدة اجتماعية ثقافية أو دين؛ ويعمل كل دين على توحيد أتباعه حول الإيمان بمعتقدات غيبية وقيم ومبادئ معينه، وربطهم مع بعضهم بعضا من خلال إلزامهم بأداء شعائر وطقوس مشتركة. الأمر الذي يجعل كل دين يؤثر في ثقافة أفراد الجماعة الدينية المنتمية إليه، فيما يقوم بتشكيل الجزء الأكبر من طرق تفكيرهم ومواقفهم، ونظرتهم لأنفسهم وغيرهم من الناس وكافة الديانات والفلسفات المختلفة.
ثانياً – عقيدة اجتماعية سياسية أو قومية تقوم على الإيمان بأن كل جماعة إنسانية تنحدر من أصل واحد، ما يجعل أفرادها يشكلون قوماً يختلف عن غيره من الأقوام الأخرى؛ الأمر الذي يجعل من حق كل قوم أو شعب أن تكون له دولته المستقلة. وتذهب بعض الشعوب المؤمنة بالفلسفة القومية إلى الادعاء بأنها تتميز عن غيرها من شعوب الأرض؛ الأمر الذي يجعل من حقها أن تحصل على امتيازات خاصة تفوق ما يحصل عليه غيرها من امتيازات. وهذا جعل نظرة الأقوام هذه لغيرها من الشعوب تتصف بالعنصرية والتفرقة التي تصل أحيانا حد الكراهية والعداء المكشوف. وفيما تمكنت الفلسفة القومية من ربط أمور الحياة السياسية بالأمور الاجتماعية، وإقناع الشعوب المؤمنة بها بأنه ليس باستطاعتها أن تحافظ على وحدتها ووجودها بدون التمسك بتلك الفكرة والتفاني في خدمتها.
وإذا عدنا إلى تاريخ الفلسفة القومية فسوف نكتشف أنها ظهرت لأول مرة في إسبانيا في أواخر القرن الخامس عشر، وذلك بهدف توحيد مسيحيي إسبانيا، وتمكينهم من طرد اليهود والمسلمين من بلادهم. ولذلك تحالف نظام الحكم السياسي مع الكنسية الكاثوليكية، ونجحوا بالفعل في قتل أعداد كبيرة من المسلمين واليهود وطرد الملايين منهم من إسبانيا، وإجبار من نجا من المذابح على اعتناق المسيحية. وفي ضوء نجاح شعب إسبانيا في تحقيق هدفه هذا، فإن الفلسفة القومية انتشرت بسرعة في مختلف أرجاء أوروبا، مع التمسك بالنزعة العنصرية القائمة على إقصاء الآخر والتفرقة ضده. وفي أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية وبدء عملية تحرر شعوب إفريقيا والشرق الأوسط والعديد من شعوب آسيا من رجس الاستعمار الغربي، فإن الفلسفة القومية انتقلت إلى تلك المجتمعات. مع ذلك، تحولت الفلسفة القومية، أينما وجدت، إلى إطار اجتماعي سياسي نجح في توحيد معظم شعوب العالم التي تبنت تلك الفلسفة، وإقامة دول وطنية في كل بقعة من بقاع الأرض تقريبا.
من ناحية ثانية، كان من نتائج الإيمان بالتميز العرقي تشجيع الدولة القومية القوية، وبالذات الأوروبية، على القيام بنشاطات استعمارية استيطانية واسعة في مناطق مختلفة من العالم، وإيجاد المبررات لاحتلال أراضي الغير من الشعوب الفقيرة والضعيفة بالقوة، واستغلال ثرواتها، وحرمانها بالتالي من الحرية وتحقيق التقدم. مع ذلك، ليس هناك شك في أنه كان للفلسفة القومية الفضل الأكبر في تشكيل هوية العديد من الشعوب الصغيرة والضعيفة التي كانت ترزخ تحت نير الاستعمار، ومساعدتها على نيل الاستقلال والتخلص من هيمنة القوى الأجنبية. وهذا يعني أن الفلسفة القومية ولدت فكرة عنصرية إقصائية منذ يومها الأول، وأن نزعتها العنصرية وصلت أوج عنفوانها في ألمانيا في عهد هتلر الذي قتل ملايين الأبرياء من الغجر واليهود وغيرهم، وفي اليابان التي قامت أثناء الحرب العالمية الثانية باستخدام نساء كوريا للترفيه عن جنودها الذين شاركوا في احتلال تلك البلاد واستعمارها ردحا طويلا من الزمن. إذن القومية فكرة لها إيجابياتها ولها سلبياتها، لكن التاريخ يشير إلى أن السلبيات تتجاوز الإيجابيات بكثير.
ثالثاً – عقيدة اجتماعية اقتصادية ترى أن العلاقات الاجتماعية في كل مجتمع، خاصة المجتمع الصناعي، هي نتيجة لنمط الإنتاج الاقتصادي السائد في المجتمع المعني؛ وتشمل هذه العقيدة كل من الفلسفة الماركسية والفلسفة الرأسمالية. ومع أن الماركسية تدعي بأنها تنطلق من حتميات "علمية"، يمكن القول أن الرأسمالية تنطلق من حتميات دنيوية تقوم على أسس نظرية مادية. إذ فيما تستند الماركسية إلى طبيعة الإنسان ونزعته إلى الحرية، وتستخدم مفهوم الصراع الطبقي أداة لتحقيق عدالة اجتماعية في المجتمع الذي تسيطر عليه، تقول الرأسمالية إن قوى السوق تملك يداً خفية، وأن اليد الخفية هذه تتمتع بقدرة كبيرة على توزيع الموارد المتاحة في المجتمع على مختلف الاستخدامات بكفاءة تتجاوز ما لدى الدولة من قدرات مماثلة بكثير، ما يعني أنه على الدولة الرأسمالية أن تطلق يد السوق لتتولى تنظيم أمور الحياة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. لكن التاريخ يشير إلى أن إطلاق يد السوق تسبب، في كل الحالات والأحيان، في قيام الأثرياء باستغلال العمال، خاصة الأطفال والنساء والفقراء؛ وتوسعة فجوتي الدخل والثروة بين أفراد المجتمع الواحد وبين الدول عامة. إضافة إلى تجزئة المجتمع الصناعي إلى ثلاث طبقات متنافرة ذات مصالح متضاربة، وتوجيه الناس نحو الاستهلاك والتبذير بوصفه محفزا على استمرار النمو الاقتصادي.
الأيديولوجية
الأيديولوجية فلسفة مجتمعية من الفلسفات التي جاء ذكرها أعلاه، وهي الدين والقومية والماركسية والرأسمالية، لكن تمّ تأطيرها وتحويلها إلى حركة سياسية بهدف الاستيلاء على الحكم، واستخدام السلطة أداة لإقامة المجتمع المثالي كما تتخيله أدبيات كل فلسفة أو عقيدة، لا خلاف بين عقيدة دينية أو قومية أو رأسمالية أو ماركسية. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد مجتمع مثالي، إذ لم يشهد التاريخ وجود مجتمع اتصف بالعدالة المطلقة، كما لم يوجد مجتمع اتصف بالظلم المطلق أيضا. على الرغم من ذلك، شهد تاريخ الإنسانية إقامة عدة مجتمعات ابتعدت عن الظلم كثيرا، وأقتربت من العدل أكثر، كما حدث في بلاد العرب في عهد الخليفة عمر بن الخطاب. لكن علينا أن نتذكر أن الخليفة عمر لم يسعَ لتحقيق مساواة في المجتمع، لأن المساواة لا بد وأن تشمل المسلم وغير المسلم؛ فعهد عمر شهد سبي نساء غير المسلمين وبيع النساء والأطفال في الأسواق كجواري وعبيد، كما أنه لم يحرر عبدا في عهده، حتى من المسلمين. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل تم تطبيق أيديولوجية في الماضي وكان بإمكانها تشييد مجتمع عادل؟ نعم لقد تم تطبيق كافة الأيديولوجيات في مناطق مختلفة وأزمنة متقاربة ومتباعدة، لكن جميع النظم التي قامت على أيديولوجيات فشلت في تحقيق العدالة في كل مجتمع حكمته وتحكمت به، كما أنها فشلت أيضا في تحقيق الاستقرار والقضاء على أسباب الصراع في البلاد التي حكمتها، ما جعل دولها تنهار وتختفي من الوجود.
ويمكن القول أن الفكر الفلسفي كان سلاح كل أيديولوجية في نشر رسالتها في المجتمع، وترسيخ أقدامها على أرض الواقع، وتحقيق نجاحات باهرة في البداية، لكن الفكر العقائدي كان أيضا أهم عوامل تراجع كل أيديولوجية بسبب جموده وعدم قدرته على التطور ومسايرة الزمن والعلم على المدى الطويل. وهذا كان سببا في إضعاف مناعة جسم المجتمع المعني، ما جعله عرضه لكافة الآفات والأمراض، بمن فيها التفكك والانهيار التدريجي من الداخل، وذلك دون حاجة لقوات غزو خارجية، وأفكار جديدة تتجاوز الواقع وتسهم في تغييره من الداخل. ومع أن الماركسية سقطت منذ نحو 33 سنة، إلا أن الرأسمالية استطاعت أن تستمر حتى منتصف تسعينيات القرن العشرين، لكنها منذ انتقال العالم من عصر الصناعة إلى عصر المعرفة الحالي دخلت الرأسمالية، بشقيها الاقتصادي والسياسي، مرحلة تراجع تزداد سرعة يوما بعد يوم، لا يمكن إيقافها وتعديل مسارها دون إعادة هيكلة شاملة لنظام حياة أمريكا بمكوناته السياسية والاقتصادية والثقافية.
وما دام أن الأيديولوجية هي بمثابة عقيدة مترسخة في الوجدان الثقافي للشعوب المؤمنة بها، والنظام الذي يتحكم في إدارة الحكم وتوجيه الثقافة، فإنه لا يوجد مفكر عقائدي ينتمي لفلسفة شمولية بالمعنى المُستخدم في الغرب والشرق على السواء. إذ لا يوجد مفكر إسلامي ولا قومي ولا ماركسي ولا رأسمالي، وذلك لسبب بسيط وهو أنه لا يمكن لأحد من هؤلاء الخروج على فكر ونظام الأيديولوجية التي ينتمي إليها. لهذا من الممكن اعتباره شخصا مثقفا يقوم بالترويج للفكرة القومية أو يدافع عن الفكرة الماركسية أو يتبنى الفكرة الرأسمالية، أو فقيه يقوم بالترويج لعقيدته الدينية. وبالتالي ليس هناك أيديولوجي قادر على خلق فكر جديد والقيام بنشره في المجتمع الذي ينتمي إليه إلا بالخروج أولا على عقيدته نفسها، كما فعل الدكتور عبد الحسين شعبان في كتاب "تحطيم المرايا". وتُثبت سجون العراق والصين وكوريا الشمالية والاتحاد السوفيتي هذه الحقائق، فيما تشهد عمليات العزل الذي يعانيه دعاة العدالة والحرية والمناوئين للتفرقة العنصرية في الغرب الرأسمالي على قسوة هذه الإجراءات وظلمها.

محمد ربيع يحمل لقب أستاذ متميز في الاقتصاد السياسي الدولي؛ درس في 5 جامعات، وقام بالتدريس في 11 جامعة في أربع قارات. نشر حتى اليوم 60 كتاباً، 17 باللغة الإنجليزية، وواحد باللغة الألبانية، والباقى باللغة العربية. وتشمل الكتب الإنجليزية أربعة نشرتها دار: Palgrave Macmillan خلال 4 سنوات، 2013-2017 : إنقاذ الرأسمالية والديمقراطية؛ التحول الاقتصادي والثقافي العالمي؛ نظرية في التنمية الاجتماعية الثقافية والاقتصادية المستدامة؛ أزمة الديون العالمية وآثارها الاجتماعية والاقتصادية. أحد هذه الكتب، وعنوانه "تاريخ العنصرية" صدر في 7 لغات: الإنجليزية والألمانية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والبولندية. أما الكتب العربية فتشمل ثلاثة مجموعات شعرية، وروايتين، وقصة. والباقي كتب أكاديمية وفكرية وتأملات فلسفية، إضافة إلى عشرات الدراسات العلمية ومئات المقالات الفكرية.
الدكتور ربيع يرأس مجلس الفكر العربي في واشنطن، وعضو منتدى الفكر العربي، وزميل في مؤسسة ألكساندر فون هومبولدت الألمانية منذ عام 1992. وقد استطاع إكمال دراسته بالحصول على منح دراسية منذ المدرسة الثانوية حتى الحصول على الدكتوراه في الاقتصاد عام 1970من جامعة هيوستن في أمريكا. حائز على جائزة دولة فلسطين التقديرية على مجمل الأعمال الفكرية، وجائزة الجالية العربية في مدينة هيوستن للتميز الأكاديمي والقيادة، كما فاز بجائزة في الشعر في مهرجان تيتوفا في ماسيدونيا الجنوبية، وعدة جوائز أخرى حصل عليها من جامعات ومؤسسات عربية وأجنبية. وتعكس كتاباته ومواقفه ونشاطاته التزاماً بمبادئ السلم والعدالة الاجتماعية والمساواة والحرية والتنمية البشرية، فضلاً عن الاستدامة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية.

www.yazour.com
Links to Google Scholar and ResearchGate.
https://scholar.google.com/citations?user=evo_c4QAAAAJ&hl=en&citsig=AMD79op143N3h2Qo7R_hDsZtzBuYxsGi6g
https://www.researchgate.net/profile/Mohamed-Rabie-2
https://www.encyclopedia.com/arts/culture-magazines/rabie-mohamed



#محمد_ربيع (هاشتاغ)       Mohamedrabie#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحم اخيك
- .. حمّال الآسية
- أبو دِماغ طقَّةٌ
- - اللي يعوزه الجامع-...
- فهم التجربة العقلية للموت وتجربة الإقتراب منه - مقال مترجم م ...
- المقاومة الفلسطينية .. نقاط ايجابية
- - آكلو أموال اليتامى -
- -موليير الأدب التركي-
- المواطن العادي - ولا مؤاخذه -


المزيد.....




- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...
- كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع ...
- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ربيع - الفكر والفلسفة والأيديولوجيا