محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 7505 - 2023 / 1 / 28 - 10:35
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
محمد عبد الكريم يوسف
شاعر يجيء ذكره كثيراً في كتب الأدب و التراث العربي، عندما يروون حكايته الطريفة وقد وقف لأول مرة بين يدي الخليفة العباسي المتوكل، مادحاً ، وهو البدوي القرشي الفصيح المطبوع علي بن الجهم، فلم تسعفه قريحته بأجمل من هذا الكلام يقوله للخليفة:
أنت كالكلب في حفظك للود ــــــــ وكالتيس في قراع الخطوبِ
أنت كالدلو، لا عدمناك دلواً ـــــــ من كبار الدلا، كثير الذنوبِ
و يدهش الحاضرون في مجلس الخليفة من هذا الشاعر الذي يمدح الخليفة بأنه كالكلب في حفظه الود و كالتيس في مواجهة المصاعب و الأخطار، و كالدلو الذي يحمل الماء و يجلبها ــ كثير الذنوب ــ أي غزيرة من قاع البئر.
لكن الخليفة المتوكل لا يغضب، ولا تصيبه الدهشة، و إنما يدرك بفطرة وبلاغة الشاعر ونبل مقصده وخشونة لفظه وتعبيره، وانه لملازمته البادية فقد أتى بهذه التشبيهات والصور والتراكيب .. ثم هو يأمر الشاعر بدار جميلةٍ على شاطئ دجلة، لها بستان بديع، يتخلله نسيم لطيف يغذي الروح و الجسر قريب منه … بحيث يخرج الشاعر إلى محلات بغداد يُـطالع الناس ومظاهر مدينتهم وحضارتهم وترفهم، ويُـقيم الشاعر “علي بن الجهم” مدة من الزمن على هذه الحال، والعلماء يتعهدون مجالسته ومحاضراته ثم يستدعيه الخليفة وينشده الشاعر قصيدة جديدة … فتكون المفاجأة … قصيدة من أرق الشعر وأعذبه… يقول مطلعها:
عيون المها بين الرصافة و الجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
أعدن لي الشوق القديم و لـم أكـن
سـلـوت ولـكـن زدتُ جمـراً على جمـرِ
سلمن، و أسلـمـن القلـوب، كأنمـا
تــشـك بـأطـراف الـمُــثـقـفــةِ الــسـمـرِ
خليلي، ما أحـلى الهوى، و أمـرَّهُ
أعــرفـني بالـحـلـو مــنــه و بـــالـــمُـرِ
بما بيننا من حُرمةٍ هـل علمـتمــا
أرق من الشكوى، و أقسى مـن الهجـرِ
وأفضح من عين المُحب لــسِــرهِ
ولاسيمــا إن أطـلـقــت عـبــرةً تـجــري
فقال المتوكل : أوقفوه ، فأنا أخشى أن يذوب رقة و لطافة !
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟