|
تأملات في المسألة المصرية
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 7503 - 2023 / 1 / 26 - 08:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحيطني الغثاثة و سوء التقدير .. أينما وجهت نظرى .. عندما أنظر لمن يهدم كوبرى جديد لأنه تضرر من إنفجار ماسورة غاز تمر أسفله .. أبتسم بحزن ..أين قواعد الهندسة و دراسة الموقع قبل التصميم و الإنشاء .. أو أشاهد اعمدة المونوريل التي تشوه منظر شوارع مدينتي و اقفه دون إستكمال لعجز الميزانية ....أو أسمع عن الجرائم غير المسبوقة التي يمتليء بذكرها الفيس بوك .. أو حكايات الفقر و بكاء المواطنين علي السوشيال ميديا التي تمتد و تغطي أغلب الأسر المصرية .. أتأمل أن 60% من المصريين يعيشون حالة من العوز و الإحتياج .. أو أشاهد طلبات التبرع للمستشفيات .. و الملاجيء في الشوارع و التلفزيون .. لعجز الحكومة عن توفير الخدمة . في تناقض مع الإسراف في إنشاء مباني فاخرة بالعاصمة الجديدة .. أو صور للمدينة الرياضية و الأخرى الترفيهية .. و أعجب .. كيف بحتر الحكام كل هذه الأموال علي أماكن ستستهلك المليارات لصيانتها .ولن يستفيد منها إلا أقل القليل .. بينما يبخل علي طرق و مساكن و تعليم و علاج .. افقر فقراء مصر بحجة عدم توفر ميزانية . هذه حالة نمطية .. لما كان يفعله المماليك .. في بلادنا .. يسرفون في بناء القصور و المباني التي لا يحتاجها إلا فئة قليلة منهم .. بينما يبخلون علي الشعب .. فيعيش في مدن و قرى قذرة .. تهاجمة الأوبئة و الأمراض .. و الجهل و الإحتياج .. ((لا أريد أن أقتبس ما كتبه نابليون عن الأسكندرية و القاهرة .. فهي موجودة في كتاب ( بونابرتة في مصر ) تقرأها فتجد أن مدن وقرى مصر لم تتغير منذ نهاية القرن الثامن عشر .)). مرت علي بلدنا .. أزمنة إنتكست فيها وكانت تعاني من التخلف عن عصرها.. مع شيوع الإنحطاط الفكرى و الخلقي و الإنتاجي بين أغلبية السكان . معظم هذة الإنتكاسات .. التي كانوا يسمونها (( شدة )) ..كانت بسبب خارجي ..إما القحط و إنقطاع مياة النيل .. أو الأوبئة التي تحصد الملايين ( عشر أوبئة عظمي رصدت علي مر تاريخنا ) .. أو بسبب إستعمار عسكرى أو إستيطاني أو أوليجاركي ( مملوكي ) .. يستنزف خيراتها .. أو بتحكم ديكتاتور قادم من الخارج في مقدراتها و نزح ثروتها ..لا يهتم إلا بتجميع الأموال و بناء القصور و العيش بصورة مترفة . التاريخ يحكي قصة متصلة الحلقات ..دامت لألفي سنة و بضعة قرون كانت مصر فيها الطرف الأضعف .. منذ أن غزا الإسكندر الأكبر مصر .. حتي تنازل الملك فاروق عن العرش و سلم البلاد لإدارة ضباط الجيش .. فحكم البلاد أبناء من نسلها .. حكام مصريين ..كنا نأمل أن يغيروا من دولة الظلم .. و لكن مع الأسف لم يتغير الوضع ..إستمر التجبر و الديكتاتورية و إستغلال الناس بل جاء سلوكهم أشد وطأة و قسوة و إستغلالا ..من الغرباء الفترة من 1956 ( بعد خروج المحتل ) حتي اليوم ..إذا قسنا فيها حال بلدنا بما يحدث خارج حدودها من تطور و تغيير .. فسنجد أننا نعيش (( شدة )) متدرجة حتي وصلت لذروتها منذ ثمان سنوات .. يعاني فيها المصرى من الفقر و العوز و الإضطهاد و الإستغلال .. و الخوف ..ولا نعرف متي ستنتهي . كلما فكرت ما هو المخرج. .؟ أجد أن هذه الشدة لا تشبه أى من الإنتكاسات السابقة لقد قام بها ناسنا بعد أن قضي الحكام من الخلفية العسكرية علي كل عناصر المقاومة .. و النهوض بحيث تعقدت الأمور و أصبحت أكثر صعوبة يزيد منها أن البشر في العموم يتقدمون بسرعة الضوء .. و أصبحوا أكثر إنسانية و علما .. و قدرة علي الفهم و التدبير في حين أننا نستيقظ ثم نغفو .. لا نتغير عن ما كنا علية في القرن الثامن عشر.. نصر علي أن يستمريحكمنا أوليجاركية أمنية متحالفة مع رجال الدين بحيث لم أعد أرى في نهاية النفق شعاع ضوء. لقد أصبحنا في وضع أكثر تخلفا و ضيقا عن ما كان عليه الأجداد مع مطلع القرن التاسع عشر عندما حكم محمد علي .. و أبناؤة .و كان بمقدورهم بالعلم و العمل و التنظيم.. الخروج بمصر.. من جهالة القرن السابق والتخلص من تأثير حكم أوليجاركية المماليك و سيطرة رجال الدين ..التي دامت لثلاثة قرون و أدت إلي تدمير قدرات المصريين .. العلمية و الإنسانية و الإنتاجية .. و الوصول بهم إلي مستوى لم تشهده البلاد في الإنحطاط منذ الشدة المستنصرية . كذلك أصبحنا في وضع أكثر سوءا .. من زمن ثورة 1919 ضد المحتل البريطاني.. و أعوانه.. من المستفيدين ..و ضد الأوضاع السياسية و الإقتصادية التي جعلت المصرى أقرب للقن .( جهل .. و مرض .. و فقر )..و سوء تغذية .. و حرمان من حقوقة الأساسية .. كبشر . نفس الطرح يستمرحتي فترة ما قبل إنقلاب يوليو 52 .. حين كانت بلدنا بها 50 الف جندى بريطاني يحتلون ضفاف قناة السويس ..و مقيدة بتعليمات المندوب السامي البريطاني ( السفير في ذلك الوقت ) ..مع صراع طبقي يدورعلي أشده .. بين الأغلبية شديدة الفقر ..و أقلية ذات غني فاحش من أصحاب المزارع و المصانع .. بينهما شرائح مختلفة .. من الطبقة الوسطي ..تحمل مشعل الغضب والتنوير .. و امل الفكاك .. من الإستعمار و التخلف ...و تدعم الفكر الثورى و التغيير لعبور مخاضة التبعية..و لكن دون جدوى في كل مرة خرجنا فيها من أسر التخلف و لو بدرجة جزئية .. كان هناك فئة بعينها .. تريد هذا الخروج و تسعي إليه .( الوالي محمد علي ..أو حزب الوفد القائد للنضال .. أو الطبقة الوسطي المثقفة المتعلمة التي تغذيها أحلام الإنعتاق ) .. إلا في زمننا الحالي الذى دام كابوسه ل 70 سنة .. نحاول و نفشل . فحكامنا مسيطرون بالقوة..مدعومين بالكومبرادور.. تمكنوا من فرض شرورهم .. كونوا طبقة لا تعي كونها تزيد مجتمعها تخلفا بنهبة و تجريف ثروته للخارج . في نفس الوقت نعاني من إستعمار إقتصادى و تحكم صندوق النقد .. و من يديرونه من خلف الستار ينزح المليارات خارج أليات السوق فنزداد عوزا و فقرا.... و طبقة وسطي علي درجة عالية من الجهل و التخلف و الإستهتار .. و الخوف.. من الرعب الذى تسببه لها عساكر قساة يطولون كل كبيرة .. وصغيرة . في العشر سنوات الأخيرة نضجت ثمار أشجار البؤس التي زرعها السادات أصبحنا محاصرون من الخارج ( صندوق النقد .. دول الخليج ..السعودية .. قطر .. الديانة .. إسرائيل ..) و من الداخل (بإقتصاد القوات المسلحة المتوسع .. و تدخلها في كل أمور الحياة .. و تسلط الأمن و المخابرات .. و تضليل أجهزة الإعلام و رجال الدين ..و رجال الجباية ..والفقر ). فإذا ما تكلمنا معهم عن ثورة إنتاج كما حدث في زمن محمد علي تزيد من ثروة البلاد .. و تخرج بها من مأزق الإحتياج .. سنجد أن نظامهم جعل الأمر مستحيلا .. فالثروة لا تدور داخل السوق المحلي .. بل.. تنزح للخارج .. و تجرف .. فضلا عن أن ما نملكه من تكنولوجيا أصبح لا قيمة له مع تقدم العالم بسرعة الضوء .. وثقافة إنتاج تتغير بالكامل كل عقد من الزمان بينما نحن لازلنا .. نزرع بالفأس و نروى بالساقية .. و لا ننتج إلا القليل البعيد عن قياسات العصر .. فإذا ما تكلمنا عن حزب شعبي جماهيرى .. يعبر عن إحتياجات الناس مثل الوفد لا نجد إلا مجموعة من الدكاكين مسيطر عليها بواسطة الأمن و المخابرات .. أو أخرى دينية .. ترى أن الحياة منذ 1400 سنة كانت الأفضل و تسعي لإرجاعها . فإذا ما وجهنا نظرنا إلي الطبقة المتوسطة أن تشيع .. التنوير و الفهم .. و تواجه التضليل و الفقد الذى تقوم به المدرسة .. و الإعلام .. و المراكز الدينية .. نجد بشر تخفوا في مغارات التعمية و السلبية .. مع بعض الأصوات الخافتة .. غير المتجانسة .. ناس مرعوبة .. و خائفة .. تهرب من مسئوليتها .. و تتعاطي مخدرات كرة القدم ..و تتجنب تفتيش موبيلاتها في الشوارع ..و تلهي نفسها بمشاهدة تلفزيون غث و مسلسلات سخيفة تزيد من تخلفها . أما أغلبية الشعب التي تصرخ من وقع الأزمة و الغلاء مع البطالة .. فلا أمل في قيامها بثورة جياع .. فهي في الغالب .. ستحاول أن تجد لها مخرجا ذاتيا بالعنف اليومي و السرقة و جعل الشارع غير أمن .. و النصب و التحايل و باقي المشاكل الأ خلاقية و السلوكية المصاحبة للفقر .. خصوصا أن النظام قد قام بعمل شبكة طرق و كبارى .. تجعل قواته تصل في دقائق لأماكن الشغب .. أو التظاهر أو الإحتجاج .. فتقمعها بأحدث الأدوات العالمية الحاكم العسكرى .. لا يهتم بالناس .. أو بالتنمية ..عليهم أن يصبروا و يصمتوا ليبني هو قصوره .. و الشارع السياسي مخوخ تحتله المخابرات و أجهزة الأمن .. و حفنة من الإنتهازيين .. والتنوير غير قادر علي هزيمة ظلمات جمهوريات الموز المتحالفة مع رجال دين خارج العصر.. و الشعب يزداد فوضي و شكوى و عددا و صراعا.. و ضعفا و قلة حيلة هل ستأتي النجدة .. من الخارج .... من الأغنياء حولنا بتقديم بعض الصدقات .. و المعونات .. حتي هذا الأمل إختفي .. بعد أن أصبح البشرعلي هذا الكوكب فئتين متناقضتين .. تفصل بينهما سنين ضوئية حضارية .. من التقدم للبعض .. الذين يرون أن لا أمل في الأخرين و (( دع جروحهم تتقيح )) حتي يفني بعضهم بعضا . مش لاقي مخرجا لمرحلة الجوع التي نعيشها بعد أصبح المحسنين يرون أموالهم تنفق بسفه فتشترى طائر للرئاسة بنصف مليار دولار .. و تبني برج في الصحراء بثلاثة مليارات .. و قصور فاخرة لا عدد لها .. و ترصد صدقاتها و ما تحسن به علينا تتجمع في الخارج تملأ حسابات الأكثر طمعا و جهلا منا .. لقد سدت جميع الطرق .. و العالم كله يتحدث عن مصر التي ستبيع دون خجل للعرب( الترماى ).. مثل حقوق الإنتفاع ..بالهرم ..و قناة السويس و باقي المشئات الحيوية لتقوم أخوة العرب المدعومين بإسرائيل ..بدور صندوق الدين التقليدى لتضمن تسديد فوائد الديون المتلتلة ... حزين
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متي نفتح جرح الهزيمة وننظفه
-
الحكام يأكلون الحصرم و الناس تضرس
-
متين دولار بس يابخيل !!
-
عندما فقدنا الإحساس بالجمال
-
وسرقوا تعبنا .. وجهدنا
-
الأسباب و الحلول في أزمة أم الدنيا
-
كانوا ألهه أم ريبوتات
-
عندما يصبح الدولار بثلاثين جنيها
-
ينايريات مصرية
-
سعادة اللواء إختشي ..عيب
-
الشدة السيساوية
-
فإستحققت لعنة المواطنة
-
في إنتظار صندوق الدين
-
أخطاء الناصرية بوجوه جديدة .
-
الصنديق السرية في مصر
-
عودة التابوهات الثلاثة و الإبداع
-
تدهور معطيات العقول الشرقية
-
سوف تلهو بنا الحياة
-
النازية لم تهلك بعد
-
صفحة لمن هم فوق السبعين
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|