جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 7499 - 2023 / 1 / 22 - 18:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن التأكيد على العمق السومري والبابلي والأكدي والآشوري للعراق هو مطلوب لغرض فهم طبيعة الموروث المجتمعي العراقي الحالي وليس لغرض إحلال ثقافة متراجعة أو حتى مختبئة خلف ظلال المشهد الذي نعيشه.
ولقد حدث لمصر قبل العراق هذا الصراع الأزموي من أجل البحث عن الذات والهوية بعد إنهيار حكم عبدالناصر ورأينا بعض المثقفين وهم يهربون إلى الخلف بحثاً في التاريخ عن ثقافة يمكن أن تغطي على عمق الإنهيار متعلقين بأذيال الحضارة الفرعونية ليصبحوا لا هم بالمصريين ولا هم بالفراعنة, وهم في ذلك كالعراقيين الذين ينكرون صلتهم بالعرب وبالموروث العربي لصالح إنتسابهم البابلي أو السومري أو الآشوري ما شاكل.
والحال إن هذه العودة غير الموفقة للتاريخ لن تحقق لهم الصلة بالتاريخ بمقدار ما تقطع صلتهم بالحاضر الذي يجب ان يجدوا أنفسهم فيه بشكل يقيهم شر الضياع الثقافي وجاهلية الإنتماء.
واليوم فإن البلد لا يزال يعيش على وقع الهزيمة التاريخية التي لحقت به بعد كارثة الكويت وبعد إنهيار واحد من أشد النظم مركزية في تاريخ العراق الحديث, لذلك يظل البحث عن الذات والهوية محفوفاً بمخاطر المزيد من ضياعهما, وقد يبدأ ذلك من خلال محاولة فرض قراءة عكسية للتاريخ, وما دامت إيران قد تمكنت من البلد بفضل قوى الإسلام السياسي الشيعي وبمؤازرة أيضا من أبرز قوى الإسلام السياسي السني ممثلة بالإخوان المسلمين الذين كانوا في مقدمة القوى التي ساندت الإحتلال, فإن الهجمة الثقافية الإيرانية كانت جاهزة أيضاً لإحلال قراءة ضدية للتاريخ, وإن بعض ما حصلنا عليه هو محاولة نكران الهوية العربية للعراق وإحلال كل ما من شأنه أن يعمل بالضد من عراقيته.
أما الحديث عن (العرقنة) فلا أظن أن هناك خطأً فيه إلا إذا كان الغرض منه جعل المحيط العربي أضعف بعد قطع الصلة بواحدٍ من أهم ساحاته المقررة ألا وهو العراق وغير ناسين ان ذلك بالنتيجة سيضعف العراق أيضاً.
ليس هناك شك في أن بلاد ما بين النهرين كانت قد إبتنت أول حضارة في تاريخ البشرية ولذلك فإن العودة لتأكيد صلة العراق مع هويته التاريخية الماضوية يصبح مغرياً, وربما سنجد أنفسنا أمام محاولة لطغينة ماضٍ لا يمكن استعادته مما يؤدي إلى مزيد من الضياع والتيه.
ولقد كان هذا ما أكد عليه البصريون في دورة كاس الخليج بالنيابة عن كل العراقيين.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟