|
الذين يجرون المغرب إلى مستنقع فتن المشرق
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 1702 - 2006 / 10 / 13 - 10:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عرف المغرب على مدى قرون حالة من الاستقرار الفقهي والمذهبي ضمنت له أمنه الروحي وحصنته من كل الفتن المذهبية والصراعات العقائدية التي عصفت باستقرار شعوب المشرق العربي وقسمتها إلى مذاهب وطوائف هي في صراع دائم ما لم تكبحها قوة ذات غلبة . غير أن حالة التسيب التي أصبح عليها المجال الديني في المغرب ، خاصة منذ 1984 ، تاريخ تعيين عبد الكبيرالعلوي المدغري على رأس وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، والذي انتهج سياسة استيراد المذاهب المتشددة لبلقنة الحقل الديني تحت ذرائع شتى ؛ إن حالة التسيب تلك كانت سببا مباشرا في وقوع الأحداث الإرهابية ليلة 16 مايو . حينها أدرك المغاربة هول المخاطر التي تحذق بهم بفعل التمزق المذهبي . ولم تكن مسيرة الدار البيضاء التي نظمها الخارجون على المذهب الرسمي للمملكة إلا نموذجا للانشطار المذهبي الذي بات يتهدد المغرب في وحدته واستقراره وأصالته . إذ على مر القرون الماضية ظل المغرب يشكل مدرسة في الفقه متميزة بسماحة علمائها وانفتاحهم على قضايا عصرهم . وهذا ما أهّلهم لمراكمة اجتهادات فقهية أغنت تراثنا في الفقه والفتوى ظل علماء المشرق وفقهاؤه جاهلينه ومتجاهلينه . وأذكر ، بالمناسبة ، دعوة كنت وجهتها للشيخ القرضاوي عقب ما أصدره من فتوى وآراء حول اقتسام الممتلكات بين الزوجين الذي جاء به مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية أثبتت جهله التام لتراثنا الفقهي الغني باجتهادات فقهاء مصامدة وجزولة في هذا الجانب بالتحديد. وكان مضمون دعوتي له ( بقدر احترامي لكم وتقديري لاجتهاداتكم ألتمس لكم العذر في جهلكم للتراث الفقهي المغربي بسبب عامل التاريخ وعامل الجغرافيا . لهذا أدعوكم للانكباب على دراسة التراث الفقهي في المغرب )( مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية .. ص 68) . إن مخاطر الإفتاء بغير علم وإلمام بواقع المجتمع وتراثه الفقهي لا تنتهي عند حالة الارتباك التي تحدثها بين مواطني بلد أفتي لهم من خارج واقعهم ، بل تتجاوزها إلى إذكاء نار الفتنة التي إذا ما استشرت ستعصف حتما بأمن المواطنين الروحي واستقرارهم السياسي وتماسكم الاجتماعي . والفتوى التي أصدرها الدكتور القرضاوي في موضوع القروض البنكية تفتح على المغرب أبواب الفتن المذهبية التي تعانيها المجتمعات المشرقية ، كما تشحن نفوس المتطرفين وتشرعن مخططاتهم الإرهابية التي تستهدف المغرب . وفتواه هذه التي جاء فيها ( الأساس الذي بنيت عليه الفتوى للأقليات المسلمة في أوربا، ينطبق على الإخوة في المغرب، ما دامت الأبواب مسدودة أمامهم لامتلاك بيت بطريق غير طريق البنك التقليدي. فيجري عليهم ما يجري على إخوانهم في دار الاغتراب) ؛ تتضمن هذه الفتوى أكثر من اتهام للدولة المغربية وتشريعاتها وكل المؤسسات الدستورية . الأمر الذي يقدم أكثر من مبرر للمتطرفين والإرهابيين لاستهداف المغرب الذي أخرجه القرضاوي من دار الإسلام . طبعا للدكتور القرضاوي حساباته ، وهو المستشار للعديد من البنوك التي تزعم أنها إسلامية ، ويهمه أن تتراكم فوائدها المالية بغض النظر عن مجالات الاستثمار وطرق التعامل التي لا تخلو من الاحتيال . وكذلك الذين يستقوون بفتاويه لهم حساباتهم السياسية ليس أقلها إحكام السيطرة على مفاصل الدولة ( إعلاميا ، دينيا ، فنيا ، اقتصاديا ، جمعويا ، قانونيا الخ ) . وكل هؤلاء يدركون أن الدول التي توجد بها البنوك " الإسلامية" هي الدول التي تتضاعف معاناة مواطنيها من أجل الحصول على سكن قصد الإيجار أو التملك رغم ارتفاع نسب الدخول الفردية أو ما تُوهم به المواطنين أنه من التسهيلات التي لا تتنافى مع الشرع . وبسبب أزمة السكن نشأ واقع اجتماعي في دول المشرق جعل الفقهاء يجيزون من الزواج أصنافا لم يعهدها المسلمون من قبل ، ومنها زواج "البوي فراند" ، وزواج المسيار" وزواج "القعدة" أي السهرة أو "القْصَارَة" بالتعبير الدارج . فضلا عن مشاكل أخرى ليس أقلها الخبر الذي نشره موقع العربية نت 28/9/06 وفيه ( ومثل مئات الآلاف من المصريين, اضطرت أم عصام تحت وطأة أزمة المساكن والفقر إلى الإقامة في المقابر، حيث شيدت المساكن بجوار وفوق المدافن. واضطرت السلطات في القاهرة إلى الخضوع للأمر الواقع وأوصلت شبكتي الماء والكهرباء إلى هذه المساكن) . هذا واقع لا نعانيه في المغرب الذي انخرط بفاعلية في برنامج "مدن بدون صفيح" بفضل نظامه التشريعي . من هنا ، وحتى لا يظل باب الفتن مفتوحا ، يتوجب التصدي بحزم لكل الفتانين ولأسباب الفتنة ، كل من موقعه . وفي المقدمة: الهيئة العلمية للإفتاء بالمجلس العلمي الأعلى التي كانت محقة في تحذيرها من ( المخاطر التي ينطوي عليها هذا التدفق الإعلامي الذي فتح الأبواب أمام الفتوى فأصبح يتولاها كل من هب ودب، سيما وقد صار أمرها بيد متنطعين مغرورين أساء بعضهم استخدام العلم في غير ما ينفع الناس واتخذه سلما لاعتلاء كرسي الرئاسة والزعامة العلمية فأعطى لنفسه الحق في إصدار فتاواه لأهل المغرب ونصب نفسه إماما عليهم متجاهلا ما للمغرب من مؤسسات علمية وشيوخ أعلام متخطيا بذلك كل الأعراف والتقاليد التي احتكم إليها العلماء قديما وحديثا ). إلا أن أعضاء الهيأة هم مسئولون عن ملء الفراغ الذي يستغله الفتانون ، ومطالبون بتجسيد ما نص عليه جلالة الملك في خطابه ليوم 30 أبريل 2004 كالتالي : ( فإننا قد وضعنا طابعنا الشريف ، على ظهائر تعيين أعضاء المجالس العلمية ، في تركيبتها الجديدة ، مكلفين وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية بتنصيبها ، لتقوم من خلال انتشارها عبر التراب الوطني ، بتدبير الشأن الديني عن قرب ، وذلك بتشكيلها من علماء ، مشهود لهم بالإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها ، والجمع بين فقه الدين والانفتاح على قضايا العصر ، حاثين إياهم على الإصغاء إلى المواطنين ، ولاسيما الشباب منهم ، بما يحمي عقيدتهم وعقولهم من الضالين المضلين ) . لأجل ذلك على أعضاء المجالس العلمية التصدي بالتحليل والنقاش والإفتاء لكل القضايا التي تهم المواطنين ، وضمنها القروض البنكية التي لا يتحقق الإجماع على ربويتها وكذا تحريمها . كما عليهم التصدي لكل من يخرج عن إطار الهيئة فيفتي في القضايا التي تهم شريحة واسعة من المواطنين ، كما هو حال الدكتور الروكي الذي لم يلتزم بالإطار واستقل بفتواه في رده على فتوى القرضاوي .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معاداة النظام لا تبرر مناصرة الإرهاب
-
محامو الشيطان والاتجار بحقوق الإنسان
-
الإرهاب والفساد وجهان لخطر واحد يهدد المغرب
-
أحداث 11سبتمبر وإستراتيجية نشر الإرهاب
-
حتى لا يتحول المغرب إلى جزائر ثانية 3
-
حتى لا يتحول المغرب إلى جزائر ثانية 2
-
حتى لا يتحول المغرب إلى جزائر ثانية 1
-
بعد ست سنوات من الحكم ، الملك يبادر والحكومة تصادر 2
-
لبنان مجال للحرب بالنيابة
-
بعد سبع سنوات من الحكم ، الملك يبادر والحكومة تصادر -1
-
هيئات حقوق الإنسان واختلال الموازين
-
الإصلاح الشامل للدستور بحاجة إلى تأهيل بنيات المجتمع ثقافيا
...
-
لهذه الأسباب سيتأجل الإصلاح الشامل للدستور
-
الإصلاح الشامل والجذري للدستور مطلب لم تنضج بعد شروطه
-
أية نكسة هذه لما توجه حماس صواريخها ضد الفلسطينيين؟
-
موسم هرولة الإسلاميين لاسترضاء الأمريكيين 2
-
موسم هرولة الإسلاميين لاسترضاء الأمريكيين - 1
-
مواجهة الإرهاب مسئولية الجميع
-
بعد ثلاث سنوات أين المغرب من خطر الإرهاب ؟
-
هل يمكن تعميم المنهج السعودي في مواجهة الإرهاب الإسلاموي ؟
المزيد.....
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|