بعد إنتظار دام شهر كامل، وتكرار طلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA التابعة للأمم المتحدة من الإدارة الأميركية مراراً، بدخول العراق للوقوف على ما حصل للمواقع النووية العراقية عقب عمليات السلب والنهب لها، سمح للوكالة الدولية، وكان من المقرر ان تصل بعثة علمية منها الى العراق اليوم الجمعة او غداً السبت لتفقد موقع التويثة النووي وغيره، ولتحديد ما تم فعلا سرقته من اليورانيوم. وكان مارك غووزديكي- الناطق باسم الوكالة قد أوضح بأن مهمة البعثة،التي تضم 7 خبراء دوليين، تقررت مع الحكومة الاميركية، وستستمر اسبوعين كحد اقصى، وستحدد ما اذا كان مخزون اليورانيوم الذي كان موجودا في الموقع قبل الحرب على حاله . وبينما كان الجميع بإنتظار وصولها لبغداد، أُعلن بأن سفر البعثة تأجل الى يوم 6 حزيران/يونيو القادم.وقال غووزدكي في فيينا انه كان يفترض ان تتوجه البعثة الى العراق في نهاية هذا الاسبوع الا انه تم ارجاء رحيلها "لاسباب لوجستية تتعلق بالجانب الاميركي".
وكان المدير العام للوكالة الدولية د. محمد البرادعي قد عير عن قلقه الشديد من امكان شمول عمليات النهب مواد نووية. وتخشى وكالته انتشار التلوث بين السكان، وان تكون عمليات النهب شملت مواد مشعة تستخدم في صناعة "القنابل القذرة"..
لماذا التأخير ولمصلحة من ؟!!
أمر محير، وغريب، إن لم نقل مريب، ذلك الموقف، الذي وقفته الإدارة الأمريكية من التلوث البيئي الخطير،الذي يهدد الشعب العراقي.فادارة بوش تعتبر نفسها صديقة، ومحررة للشعب العراقي من النظام الدكتاتوري الهمجي، وتدعي بأنها تتمنى للعراق الخير والتقدم والإزدهار، بينما ألحقت قواتها بشعبه أبلغ الأضرار البيئية والصحية، مهددة حاضره ومستقبله، حيث يؤكد العلماء أن تأثيرها لن يقتصر على جيله الحالي، بل وسيطال أجياله اللاحقة..
في هذا السياق رفضت الإدارة الأميركية إزالة مخلفات الحرب الأخيرة، المضروبة بذخيرة اليورانيوم المنضب، المنتشرة في أرجاء العراق، بذريعة أنها " غير مضرة"، وهي تعلم أن ذخيرتها بقدر ما هي سلاح فعال ضد المدرعات،إلا أنها خطيرة جداً صحياً وبيئياً، لكونها مصنعة من النفايات النووية، ولها تأثير مركب- إشعاعياً وسام كيمياوياً- كما أثبت العديد من العلماء المختصين المستقلين، ومنهم العالم الألماني سيغفرت-هورست غونتر، والعالم الأمريكي دوج روكي، والعالم البريطاني كريس بسبي، والعالم الكندي هاري شارما،والعالم الأمريكي( كرواتي الأصل) أساف دوراكوفيتش، والباحث البريطاني داي وليامز، والباحث التشيكي يان فالو..ولليوم لم تسمح لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP لدخول العراق لإجراء مسح ميداني شامل لتقييم المخاطر البيئية الناتجة عن استخدام أسلحة مزودة بمواد كيماوية سامة او يورانيوم منضب، مع ان رئيس البرنامج د.كلاوس توبفر نبه الى ان صحة العراقيين معرضة للخطر بسبب القذائف الخارقة للدروع المحتوية على اليورانيوم المنضب، التي استخدمت في حرب الخليج عام 1991، والحرب الاخيرة.
ووقفت موقفاً لا أبالياً حيال التلوث الإشعاعي، الذي حصل عقب عمليات السلب والنهب، التي جرت، في شهر نيسان/ أبريل المنصرم، وطالت المواقع النووية العراقية، وأسفرت عن سرقة العشرات من الحاويات والبراميل والصناديق المخصصة لحفظ الملوثات، وسكب محتوياتها.. جرى ذلك على مدى إسبوعين، وأمام أنظار القوات المحتلة، ولم تقم بأي أجراء جدي لإيقافها، ولا لدرء مخاطر التلوث الإشعاعي.. ليس هذا فقط، وإنما واصلت، وعلى مدى 4 أسابيع، المماطلة في الإستجابة لطلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول العراق للتأكد من المواد المفقودة من المواقع النووية المسجلة لديها، وتقدير حجم التلوث الإشعاعي المتسرب، والحد من أخطاره على المواطنين، ضاربة عرض الحائط بالتحذيرات التي أطلقها العديد من إختصاصيي الوكالة المذكورة، وقبلهم خبراء في هيئة الطاقة الذرية العراقية، من إحتمال تعرض بغداد الى تلوث إشعاعي خطير، بعد الإنتشار السريع لكميات كبيرة من النفايات المشعة من مواقع خزنها داخل مبنى الهيئة وفي محيطها، والى كثير من البيوت والى الأحياء السكنية المجاورة والقريبة، وتأكيداتهم بان موجة السلب والنهب الواسعة، التي سببها غياب السلطة المركزية، وموقف اللامبالاة الذي وقفته القوات الأميركية، وبضمنها القوة التي كانت موجودة داخل مقر الهيئة، قد شملت المقر ومحتوياته النووية.
تجاهل مريب
لقد تجاهلت الإدارة الأمريكية مناشدة الخبراء العراقيين، ومنهم: المهندس الكيمياوي مهدي نعيم طارش، والإختصاصي بالفيزياء الإشعاعية علي حسن عزيز، والمهندس النووي د.حامد الباهلي والخبير البيولوجي د. محمد زيدان، للقوات الأميركية المحتلة، وللجهات الدولية المعنية، وفي المقدمة منها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بأن تتدخل فوراً لدرء الخطر والسيطرة عليه، وتوفير الحماية للمواطنين منه، وإجراء مسح شامل في المنطقة، ومن ثم في المحافظات الأخرى، للتأكد من عدم إنتقال التلوث اليها.
وأهملت تقارير ميدانية تؤكد خطورة الوضع. فقد بثت قناة " الجزيرة" الفضائية القطرية، مساء 26/ 4، تقريراً ميدانياً مصوراً أعده مراد هاشم وكشف فيه عن معدلات عالية للإشعاع المتسرب في المنطقة المحيطة بمقر هيئة الطاقة النووية العراقية في التويثة.والأمر ذاته ينطبق على مخزن النفايات النووية الذي يحتوي على كميات كبيرة من المركبات والمساحيق والمواد المشعة، وقد تسرب بعضها بالفعل.وأكد التقرير أن خطراً حقيقياً ومرعباً انطلق من هناك، وبحسب تحذير العلماء لن توقفه أي حدود ما لم يتم تداركه، وقد ظهرت أولى نتائج ما حدث في المناطق المجاورة لمقر هيئة الطاقة ، حيث تعرض المواطنون لجرعات متفاوتة من الإشعاع، بسبب استخدامهم للحاويات الملوثة.وسجلت أجهزة القياس معدل عالٍ من الإشعاع في منازلهم وعلى مواشيهم وطيورهم.ونبه الخبراء الذين إلتقاهم هاشم الى ان عمليات التطهير، التي تنظم بجهود المتطوعين من خبراء الهيئة، محدودة، وأن محاولة الأهالي التخلص من التلوث بطرق غير صحيحة أدت إلى نشره في رقعة أوسع.وحذروا أيضاً من ان مواد كيميائية قاتلة وغازات سامة وبكتيريا وجراثيم تستخدم للأغراض التجريبية فقدت، وقد إختفى البعض من حاويات النظائر المشعة، والبعض الآخر لا يزال معرضاً للسرقة.
حيال المساعي الأميركية للتملص من المسؤولية، كشف الخبير النووي د.حامد الباهلي، والخبير البايولوجي د. محمد زيدان النقاب عن علم القوات الأمريكية بكل ما حصل، إذ قاما شخصياً بإخبار المسؤولين للقوات العسكرية المتواجدة في مقر هيئة الطاقة في التويثة وفي محيطها.وأعترف ضابط من القوات المذكورة بأن القوات كانت تتفرج على دخول المدنيين الى المقر وخروجهم منه طيلة إسبوعين، وهي على مسافة قريبة منهم، ولم تحرك ساكناً.وواصلت موقفها السلبي هذا حتى بعد أن حثاها على وجوب إخلاء اليورانيوم الموجود فوراً، تاركة تلك المواد الخطرة بلا حماية.
وأوضح الخبيران بان عدداً من أفراد القوات الأميركية شارك معهم في التأكد من التسرب الإشعاعي، بأجهزة قياس الإشعاع الخاصة بهم، وإتفقوا معهما على اللقاء في اليوم التالي لمواصلة البحث وإجراء المزيد من الفحوصات والقياسات الإشعاعية في المنطقة..لكنهم لم يفوا بوعدهم، وتركوهما يعملان بمفردهما، وهما المتطوعان، وبإمكانات متواضعة جداً.ولم يكن ذلك سوى تحجيم مقصود، فثمة اَلاف البيوت في المنطقة، وعملية درء التلوث عنها لا يتحقق بجهد نفرين ، وإنما يستلزم فريق عمل كبير، ليقدم المساعدة المطلوبة للسكان، للتخلص من المواد الملوثة، وإجراء مسح إشعاعي للمنطقة، وتحاليل وفحوصات للمعرضين للتلوث الإشعاعي، بشكليه الخارجي والداخلي، وإسعاف من يحتاج منهم المعالجة.والمحتلون يعرفون جيداً ان مثل هذا العمل الكبير يستلزم تعاون وتنسيق دولي فوري..
تسرب إشعاعي خطير
في ظل الشلل التام لهيئة الطاقة النووية العراقية المسؤولة عن مثل هذه الحوادث، بسبب الإنفلات الأمني، وإنتظار الوكالة الدولية للطاقة الذرية السماح لها من قبل المحتلين للقيام بما يمليه عليها واجبها وإلتزاماتها المهنية، وعدم قيام القوات المحتلة بأي إجراء جدي مطلوب، تفاقمت المشكلة، لاسيما وان سراق البراميل والحاويات يجهلون ما فيها، فقاموا بنقل التلوث الإشعاعي الى بيوتهم، وعرضوا عوائلهم لخطره. ولجهلهم أيضاً تصرفوا مع محتوياتها بطرق عشوائية مختلفة، ألحقت أضراراً بالبيئة العراقية، قد تتعدى أخطارها الحدود العراقية-بحسب خبير نووي، حيث كان البرميل الواحد يحتوي على 300-400 كغم من اليورانيوم المشع، النوع المسمى" الكعكة الصفراء"- بحسب د.حامد الباهلي، وقد سكبت كمياتها، إما على الأرض، او في نهر قريب، او في بالوعات منزلية، وإستخدموا البراميل الفارغة، الملوثة بالإشعاع، لخزن الماء، ولحفظ الطماطم، ولجمع الحليب، ونقلوا منه، بواسطتها، كميات كبيرة الى معامل تصنيع الألبان، وشربوا من الماء، والحليب، وتناولوا الطماطم، وتناول الآخرون الأجبان الملوثة بسببها..
والطامة الكبرى أن القياسات الإشعاعية،التي أجراها الخبير النووي المهندس حامد الباهلي للعشرات من البيوت المحيطة بمقر هيئة الطاقة الذرية العراقية، بينت تسرب التلوث الإشعاعي الى كل مكان، حتى في الأفرشة، والملابس، ووجده في أزرار ملابس طفلة بعمر 10 سنوات.وكان بدرجة خطيرة جداً، إذ بلغ 30 ملليرات في الساعة، بينما الجرعة المسموح بها هي 02،0 ملليرات،أي أكثر بحدود 500-600 مرة.وكان التلوث بيورانيوم "الكعكة الصفراء".وهناك تلوث أخطر- بنظائر مشعة، كانت محفوظة في حاويات، وكان شكلها جذاباً- يشبه، أحياناً، العملة، جميل وبراق، فيتصوره الإنسان العادي كعملة معدنية، أو تحفة ثمينة.هذه النظائر المشعة الخطرة نهبت أيضاً، ووضعها السراق في جيوبهم، وربما قدموها لأطفالهم، أو هم يحتفظون بها الآن في بيوتهم، وربما إنتقلت من مكان الى اَخر، والجميع يجهل خطورتها كمادة مشعة، ستسبب لهم، ولذويهم، أو للآخرين، مخاطر صحية كثيرة. فكل من لمسها او إقترب منها معرض للخطر-كما يؤكد الخبراء، ليس بالضرورة الآن، وإنما بعد أشهر، أو بضعة سنوات.من المؤكد تعرضه لخطر الإصابة بالسرطان، والأورام الخبيثة، والتشوهات الولادية وغيرها.وقد تبدأ الأعراض على نحو بسيط- مثل الصداع والتقيؤ، وتنتهي بالوفاة، إذا كانت الجرعة عالية.وقد تبدأ على نحو اَخر، بشكل بطيء.
علماً بأن كميات كبيرة من هذه المواد المشعة نهبت من مقر التويثة، بحيث لم يبق منها فيه سوى حاويتين إثنين فقط، من مجموع العشرات. وكان يوجد في التويثة قبل الحرب نحو طنين من اليورانيوم المنخفض التخصيب، ونحو 94 طنا من اليورانيوم الطبيعي، وكميات أقل من مادة السيزيوم عالية الاشعاع والكوبالت والسترونيوم المخزنة في التويثة ( "رويترز"، في 27/5).
الخبراء يؤكدون التسرب ولا إجراءات جدية لدرئه
ما حصل في التويثة حصل في الكوت، وفي أماكن أخرى،.حيث تبين ان 7 مواقع نووية عراقية تعرضت للنهب والسلب.وقد زار مواقع التويثة صحفيون من " واشنطن بوست" و " نيويورك تايمز" و وكالة" فرانس بريس" و" الحياة" وغيرها.وذكرت تقارير صحفية اميركية ان فريقا اميركيا رفيع المستوى من الخبراء النووين تأكد من حصول تسرب إشعاعي. وكان فريق أميركي صغير قد مر، في 7/4/2003 بمركز التويثة، واقترح زيادة عدد حراسه. وفي 11 / 4 وضعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قائمة بالمواقع النووية، وطلبت حماية مركز التويثة، معتبرة إياه واحداً من مركزين اثنين يحتاجان لحماية طارئة من اللصوص. وفي 3 اَيار/ مايو تفقد فريق للبنتاغون المركز المذكور، وعثر على مواد مشعة مبعثرة في أرجاء الموقع. وأفاد مراسل لصحيفة "واشنطن بوست" رافق الفريق، بأن جنوداً أمريكيين في الموقع أكدوا تدفق العشرات على المكان على مدى أسبوعين.وقال بارتون جلمان أن الفريق العسكري الاميركي، بعد شهر من التردد، توجه الى مستودع خاص بالفضلات المشعة، ووجد ان الموقع قد تم نهبه بشكل كبير.من جهته زار مراسل لصحيفة " نيويورك تايمز" الموقع، وشاهد مواد مشعة مخزنة بطريقة غير آمنة ودون أي إجراءات تحول دون سرقتها أو العبث بها. ونقلت الصحيفة، في 4/5، عن ريك توركوت- أحد أعضاء فريق الخبراء الاميركى المعروف باسم " فريق الدعم المباشر" بأن المادة الاشعاعية المكتشفة تمثل خطورة على الصحة أكثر من أى شيء أخر.
وعبرت هيئة الطاقة النووية العراقية عن بالغ قلقها إزاء الأعراض الصحية المحتملة على أهالي المنطقة، واحتمال ظهور بعض الأعراض المرضية بين السكان. وقد التقى خبراء عراقيون بمسؤولين أميركيين، لأول مرة، في 21/5، لدراسة أبعاد القضية، والتوصية بدراسة المنطقة المحيطة بمجمع التويثة النووي- بحسب "الأسوشيتدبرس". وأشار الخبراء العسكريون الأميركيون، في أعقاب معاينة الأضرار التي لحقت بالمنشأة، إلى إختفاء 20 في المائة من المواد المشعة الخطرة التي كانت مخزنة هناك.وألقى الخبراء العراقيون باللائمة على القوات الأميركية لفشلها في التعجيل بحراسة المنشأة الحيوية ومنع تعرضها للسلب. وقال الباحث محمد الحمداني: كانوا يعرفون بوجود مواد مشعة في المنشأة، وكان واجبهم حمايتها.
وأجرى الخبراء الأميركيون تقديرات لمدى الأضرار التي أصابت المنشأة، غير أن ذلك لا يتضمن إجراء بحث صحي حول مدى تأثير تلك المواد على المناطق المجاورة وسكانها.
وفي 22 / 5 أمرت وزارة الصحة العراقية بالمباشرة فوراً في دراسة تتعلق بمدى التأثيرات الصحية على أهالى المنطقة المجاورة لمنشأة التويثة النووية، التي تعرضت موادها المشعة إلى السرقة والسلب.وأثارت الأوضاع بالقرب منها، ردود فعل دولية ساخطة ومنتقدة إزاء خطورة المواد التي تمت سرقتها بواسطة اللصوص من المنشأة مثل اليورانيوم، والتخوف من احتمال التخلص من تلك المواد المشعة في المناطق السكنية المحيطة.
وبدأ سكان المنطقة في الشكوى من أمراض تتفاوت أعراضها من الإجهاد والطفح الجلدي. فيما حذر الخبراء المختصون من أعراض صحية خطيرة قد يتعرض لها الذين مكثوا لفترات طويلة داخل موقع تخزين المواد العالية الإشعاع ( CNN ، في 22 / 5 / 2003).
هل سيفلح خبراء الأمم المتحدة في مهمتهم ؟!!
بعد كل ما حصل، وبعد تأخير شهر كامل غير مبرر، إستجابت الولايات المتحدة لطلب ا لوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق مما حصل في المواقع النووية العراقية. وأعلنت الوكالة انها سترسل في 30 او 31 اَيار / مايو الجاري بعثة مفتشين الى موقع التويثة النووي لتحديد ما اذا كان مخزون اليورانيوم الذي كان موجودا في الموقع قبل الحرب على حاله ("فرانس بريس"، في 27/5). وستقوم الوكالة الدولية بفحص مخزونات من اليورانيوم المخصب و"الكعك الأصفر"، أو اليورانيوم المستخرج من المناجم الذي تمت معالجته، ومقارنتها بالقوائم المفصلة بالموجودات التي في حوزتها. ولكنها لم تحصل إلا على تصريح بالفحص عما إذا كانت المواد النووية المختومة بختمها منذ عام 1991 ما زالت آمنة ومعروفة المصير وأن العراق يحترم التزاماته في ظل معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. والمفتشون ليس لديهم تصريح للنظر في مسائل الصحة النووية أو السلامة النووية.ولذا علق أحد الدبلوماسيين الغربيين: من الواضح ان الوكالة مقيدة ولا يسمح لها بالتعامل مع المسائل المتعلقة بقضايا الصحة والسلامة النووية.من جهته أكد المتحدث بإسم الوكالة الدولية جووزديكي: إن مهمة الوكالة في التويثة ستكون مقتصرة علي مسائل متعلقة بمعاهدة حظر الانتشار النووي. ومعاهدة حظر الانتشار هي المعاهدة الدولية التي تراقبها الوكالة.وأضاف: ابلغتنا الولايات المتحدة بأنه في هذه المرحلة فان القوي المحتلة تتولي مسؤولية صحة وسلامة الشعب العراقي بما في ذلك مسائل الصحة والسلامة النووية.وأردف قائلا: الوكالة مستعدة.. اذا طلب منها ذلك.. ان تقدم المساعدة في مجال الصحة والسلامة النووية.
لقد رأينا مدى " إهتمام" المحتلين الأميركيين بسلامة البيئة والصحة العراقية..والسؤال،الذي يطرح نفسه الآن: هل سيوفرون لخبراء الأمم المتحدة متطلبات نجاح مهمتهم لتقييم حجم التلوث الإشعاعي والحد من إنتشاره وإنقاذ المواطنين من خطره ؟
الجواب على هذا التساؤل يكتسب أهمية خاصة عقب تأجيل سفر بعثة الوكالة الدولية الطاقة الذرية الى 6 / 6 لأسباب تتعلق بالجانب الأميركي، والتي زادت من شكوك المحللين وقناعتهم، ونحن منهم، بأن المحتل لن يعطي "لزمة" تدين تقصيره !! .
------------- 29 / 5 / 2003
* طبيب وباحث عراقي مقيم في السويد