أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - بَنْجِي يَشُمُّ رَائِحَةَ آلْمَوْتِ














المزيد.....

بَنْجِي يَشُمُّ رَائِحَةَ آلْمَوْتِ


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7490 - 2023 / 1 / 13 - 23:28
المحور: الادب والفن
    


كأي أهوك معتوه أهرب منهم أصعد آلجبال وحيدا عاريا أصخب جائرا في وجه حياة مغمورة تعيشني على هامش معيش أنام تركتهم في سفوحهم هناك. أنفذ متسللا إلى مجاهيل سراديب شراييني المهمّشة.أجدُني ساهما سابحا في حنايا آلحنايا.كتلة أعصاب رجيفة أنا تتحرك دون وعي دون إدراك دون إحساس يشبه إحساس من كانوا يحيطون بأنفسهم بالناس بي..أبكي معظم الوقت أضحك شاخصا إلى السماء بالنواح أقهقه بالعويل.يتوقف نشيجي عندما تمسك يداي زهرة أقحوان أو بيلسان أو ياسمين أشمها أتحسس آلتيجان.يجمد دمعي لما أرى لهب النار في فرن التراب.لا أتكلم،لكنني أسمع بوضوح أفكاري، ذكرياتي، كل شيء يتحشرج يخرخش في رأسي تتشوش الرؤية في مقلتيّ.تمتزج الأزمنة واللحظات والمواقف، أسمع سطح البيت يقعقع رذاذه آلأدهم.أشم رائحة النائمين، أشم آلهمهمات وآلهمسات وما يقالُ وما لا يقال لا حاجة لي بالإصغاء..حتى الموت له عندي رائحة،وأي رائحة..ياهووه.. طفقت أصرخ ذات نيسان ربيع..إني أشم ما سيأتي انتبهوا أشم بقرات سِمانا وأخرَ عجافا بلا قوائم قادمات أصرخ إياكم ارتقبوا احتسبوا دون أن يأبه بي أحد، فأدرك ما أدرك، لكن لا أحد كان يسمعني لا أحد...

(ما الحياة إلا ظل يمشي، ممثل مسكين يتبختر ويستشيط ساعته على المسرح، ثم لا يسمعه أحد:إنها حكاية يرويها معتوه ملؤها الضجة والغضب والصخب والعنف، ولا تعني شيئا)..بهذه العبارة الشكسبيرية المأخودة من مسرحية(ماكبث)استقى الروائي الأمريكي وليام فوكنر عنوان روايته الشهيرة الصخب والعنف .انها حكاية متعددة الأصوات مليئة بالمفارقات الزمنية..شخصياتها تتداخل بمصائر متعالقة لدرجة التشابك والانشطار...انها حكايات في حكاية واحدة في موضوعات تتفاعل وتتعدد وتتضاعف حول نقطة مركز واحدة هي سر الزمن والموت..ان الكاتب يحطم زمنا لا وجودَ له إلا في ذاكرة شخصيات الرواية..ذلك اننا حين نبدأ في قراءة الرواية سنجد أن كل أحداثها وقعت قبل تلك البداية، بحيث إن ما يطالعنا أساسا انما هو تذكّر الشخصيات المعنية لها، وتفاصيل ما تتركه من آثار في نفس هذه الشخصيات، فاذا بنا في فوهة بركان صاخب بالحلم بالجنون بالآمال والآلام. إنها حكاية عالم يولدُ على أنقاض عالم يتهاوى وينهار...

يعرض فوكنر في"الصخب والعنف"بنية رباعية عَنْوَنَها كالتالي..
1- بنجي : بتاريخ 7 نيسان 1928
2- كونتن : بتاريخ 2 حزيران 1910
3- جاسن : بتاريخ 6 نيسان 1928
4- المؤلف: بتاريخ 8 نيسان 1928
هي فصول موزعة بين إخوة أربعة،كل واحد يأخذ دوره في سرد أحداث بعينها، هي نفسها تقريبا مروية بزوايا نظر مختلفة..وتبقى مرويات شخصية بنجي ذات خصوصية مميزة، لها طابعها المختلف..إنه يسمع لا ينطق لا يتكلم لا يستطيع إلا الصراخ والعويل..حين يستحضر الأحداث لا يرتبها ترتيبا زمنيا، فما حدث قبل عشرين سنة سيان عنده وما حدث اليوم،كلاهما يتساوى في مخيلته وذاكرته الشفافة،التي تربط بين اللحظة الراهنة واللحظات التي خلت بطريقة تذكرنا رهافة حواس راوي بروست المسافر بين الأزمنة دون مبارحة المكان..كل معيشات بنجي بدايات أولى كأنه يكتشف العالم والوجود والكون والكائنات لأول مرة بكل ما يحبل الاكتشاف من جدة وطراوة ووضوح وبدائية وبراءة..انها حكاية يقصها ثلاثيني لم يتجاوز العاشرة من عمره بعد..بنجي يعيش مطلق الطفولة لا يفهم ماذا يجري حوله.هو مجموعة أحاسيس قوية رهيفة نفاذة كاشفة مستبصرة، يسمع خرخشات السطح،يشم الليل،يهم يلمس النار كالفراش يستهويه رواء أطياف اللهب.. يقول فوكنر"ما أحب بنجي إلا أشياء ثلاثة:المرعى، وأخته كاندس، ووهج النار"،وكان كلما ناح صرخ،يلقمه الولد الزنجي زهرة جاسمن يحملها فيسكت.. بنجامين،إذن،مثال لحيوات مغمورة تعيش على هامش معيش الناس اليومي..الكتابة عنه عبره تنفذ إلى مجاهيل شرايين كينونة مهمّشة آعتُبِرَتْ عبءًا ثقيلا على مشاغل الآخرين..كتلة أعصاب هو تتحرك دون وعي دون إدراك عقلي دون إحساس منطقي معقلن يشبه إحساس الآخرين المحيطين به..يبكي معظم الوقت،يتوقف نشيجه عندما يمسك زهرة ياسمين يشمها،أو يرى لهب النار في مدفأة.بنجامين لا يتكلم،لكننا نسمع بوضوح أفكاره المتشابكة، تداعيات ذكرياته، غبش الرؤية عنده، امتزاج الأزمنة واللحظات والمواقف.. نتمكن من اكتشاف حدة حواسه المُرهفة..إنه يستطيع أن يسمع سطح البيت وما يحدث هناك في الخفاء،يشم رائحة النائمين؛ والأدهى، بل الأبلغ، يشم ما تريد أن تقول له قبل أن تنبس به، فلاحاجة له بالإصغاء..حتى الموت، ذاك المجهول،له عنده رائحة،وأي رائحة.."لقد عرف بنجي أن جدته ماتت، فبكى.لقد شمّ الواقعة.شمّها."



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا، يا أنتَ..تلكَ غُرْبتي أنا..
- في عُمق آلجحيم، انبَجَسَتْ حُبَيْبَةٌ منْ زُلالٍ..رأيتُها..
- هَاااا الْعَاااارْ خُو نَكَّاااارْ
- غَيْبُوبَة
- مِيفِيسْتُوفِيليسْ
- فُقَاعَة
- رَيْثَمَا
- وعلى آلمتضرر آلبحث عن مُسببات ضرره
- وِرْدُ آلْحَيَاةِ
- وَآلْحَدِيثُ ذُو شُجُونٍ
- حَلَازِينُ
- نَسِيَ آلطِّينُ سَاعَةً أَنَّهُ طينٌ
- أَضْغَاثُ آلْخَيَال
- لَا يَهُمُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَيُّ شَيْء
- لَقَدْ أُخْرِجْتُ مِنَ آلْجَنَّة
- اُذْكُرُونِي كَبِدَايَة
- تجَاعيدُ آلقِفار
- تَاقَنْسُوسْتْ نَتْمَازِيغْتْ
- بُقَعٌ زَرْقَاءُ تَالِفَة
- تَاشُورْتْ


المزيد.....




- نخبة من نجوم الدراما العربية في عمل درامي ضخم في المغرب (فيد ...
- هذه العدسات اللاصقة الذكية تمنحك -قدرات خارقة- أشبه بأفلام ا ...
- من بينها -يد إلهية-.. لماذا حذفت نتفليكس الأفلام الفلسطينية؟ ...
- تونس تحيي الذكرى المئوية لانتهاء مهمة السرب البحري الروسي
- مصر.. نجمات -جريئات- يثرن جدلا في مهرجان الجونة السينمائية ( ...
- منصة ايكس تعلق حساب قائد الثورة الاسلامية باللغة العبرية
- -مصور العراة- يجرد الآلاف من المتطوعين من ملابسهم لالتقاط صو ...
- إسرائيل لم تضرب المنشآت النووية والنفطية الإيرانية فهل هي مس ...
- طوفان الأقصى يشعل حرب السايبر
- من مدرسة قرآنية إلى مركز فن حديث.. تجديد إبداعي لمعلم تاريخي ...


المزيد.....

- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - بَنْجِي يَشُمُّ رَائِحَةَ آلْمَوْتِ