رشيد كرمه
الحوار المتمدن-العدد: 1701 - 2006 / 10 / 12 - 10:11
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
• ما أشد محنة المثقف اليوم...!!!!
تتعدد اوجاع الإنسان ( المثقف ) أينما كان على سطح كوكبنا الأرضي نتيجة إرتباطه بالواقع الذي يستمد منه كل مكوناته الحياتية والمعرفية ليترجمها فيما بعد الى فنون راقية كالرواية والشعر والمسرح و السينما ...وإلخ.... يسلط فيها الضوء على أهم الدوائر التي تشكل جزءً من معضلات مجتمعنا _ العالمي والعربي والعراقي _ بالإضافة الى سعي المثقف دوما لتوكيد وتأصيل وحدة التكوين الإنساني ومنتميا لحضارتها وطرفا في صراع ( الثقافات ) رغم شيوع مصطلح _ صراع الحضارات _ الذي أطلقه , صمؤيل هنتنجون , ولأن تختلف إهتمامات المثقف الغربي والعربي وتتنوع طبقا ً لأستقراره ونمط حياته وهوامش الحرية المتاحة , فان المثقف العراقي ,عربياً كان ام كورديا أم تركمانيا ,مسلما او مسيحيا او يهوديا ً او صابئيا ًرجلا أو إمرأة سواء كان في داخل العراق أو خارجه, منتمياً لحزب معين ام غيرمنتمٍ , ملتزما ًام غيرذلك ,فإن اوجاعه لا تنحصر في مجال أو مفصل معين ,فاالتهميش والخناق والملاحقة والتهديد ثم القتل يطال الجميع وقد طال فعلا..!!!!!!! فالمثقف يتأثر سلبا وإيجابا بالظرف المحيط, وتنعكس بل وتتفاعل الأجواء السياسية (على ومع ) مجمل العملية الثقافية التي تتسع شيئا فشيئا في عالم اليوم , فلم تعد الثقافة حكرا على نفر معين من الناس , كما ان كلمة الثقافة توسعت ولم تعد تعني كما كانت في الماضي إنها مصطلح ديالكتيكي تمس حياتنا مسا ً مباشرا من حيث ندري أو لا ندري . ولكي لا أغوص بعيدا في هذا المضمار وأتناول مسؤولية المثقف فيما يكتب ويبحث وبالتالي فيما ينتج فلقد لفت إنتباهي مقالة في موقع الطريق ( موقع الحزب الشيوعي العراقي ) للأستاذ هاشم صالح الموسومة بـ ,, مناقشات صاخبة تهز فرنسا ,, يطلب فيها تدريس مؤلفات جاك بيرك، أو لويس غارديه، أو أندريه ميكل، أو هنري لاوست، أو مكسيم رودنسون، أو كلود كاهين، فهؤلاء يعرفون الإسلام من الداخل وقد أمضوا كل عمرهم في دراسته دراسة علمية، تاريخية، فلسفية. وربما كان ينبغي تبسيط نظرياتهم عن الإسلام من أجل تعميمها على طلاب المدارس أو الجمهور العريض لكي يعرف ما هو الإسلام بالفعل. لو حصل ذلك لزالت هالة الرعب السوداء عن الإسلام والمسلمين في فرنسا، ولزالت الأحكام السلبية المسبقة المترسخة في ضمائر الناس بمجرد أن تذكر كلمة عرب، أو إسلام، أو مسلمين.. لقد أصبحنا نوعاً من «البعبع» بالنسبة للغرب!!!!!!!
ولقد عجبت لهذا الإستنتاج من مترجم ( مثقف ) قام بترجمة أكثر البحوث جدية عن التراث وعن الممارسات الراهنة للفكر الإسلامي .
لاشك ان الأستاذ هاشم صالح يعرف ان العيب ( فينا ) وتحديدا عند المرجعيات الدينية التي تفرض قيودا شديدة على التفكر ومن ثم الإجتهاد . ولاتخلوا طائفة من الطوائف الإسلامية من خطوط حمراء لايجوز لكائن من كان الإقتراب منها , وكان الأحرى ان يطالب المرجعيات الأسلامية في مصر والعراق والسعودية ان تنزل من حصانها وتفتش عن الخلل بل وتضع أصبعها على مكمن الجرح لكي تبرء ساحة الدين الإسلامي من التهم الموجهة إليه ,
في ظل العولمة وفي ظل ان العالم برمته بات قرية صغيرة لماذا نطلب من مثقفي فرنسا والعالم الغربي ان يفهموا كنه الأسلام وتحديدا تسامح الإسلام وهم يروون على الفضائيات أشلاء المسلمين من مختلف مذاهبه وفرقه تتناثر في الفضاء العراقي منذ 8شباط عام 1963 سرا ً وعلانية ً بمباركة وتأييد من رجال الدين !!!!
مايحدث في العراق والجزائر وأغلب الدول الأسلامية لهو أكثر من (همجية ٍ وبربرية ٍ ) وكان الأولى ان يطالب الأستاذ هاشم صالح أولي الأمر والكهنوت الديني ( الأرثدوكس الإسلامي * ) بإحترام وصيانة الإنسان عبر فتوى صريحة تحرم القتل لأي سبب كان على إعتبار انه بناء الله ** لا العكس .
ولا أظن ان وقتا ً انسب من هذا الذي نحن فيه للمصارحة الكاملة دون مواربة او مراوغة قبل أية مصالحة ليس مع باقي الأديان السماوية الثلاث وإنما بين مذاهب الدين الإسلامي الواحد .
فمن غير المعقول ان نطالب الفرنسي والبريطاني والأمريكي ان يقرأ عن الإسلام وهو يشاهد نحر البشر( الإسلامي ) بأيدي بني البشر ( الإسلامي ) بتبريرات وإستشهادات دينية .
يقول الأستاذهاشم صالح في إشاراته التمهيدية الصفحة الخامسة من كتاب _محمد أركَون ,قضايا في نقد العقل الديني ,كيف نفهم الإسلام اليوم _ :
إن الفكر الديني يستشهد بالنصوص المقدسة ويستمد منها الدلائل القطعية وإذا ماواجهه أي إعتراض علمي فإنه يكتفي بإتخاذ موقفين معروفين ومتداولين : إما ان ينكر صحة الإعتراض ويصًرح بأسبقية الإستدلال الديني وأفضليته على كل مايقدمه البشر من بيان وتبيين , وإما أن يدعي وجود إنسجام تام بين مايقدمه العقل النقدي وما يتبناه الإيمان , وذلك في جميع مستويات المعرفة وفروعها وأبعادها , وقد ساد هذا الموقف في مايخص المسائل العامة للخطاب السياسي كحقوق الإنسان والتسامح والديمقراطية والمجتمع المدني والعلمانية والعولمة والعدل الإجتماعي .
ويؤكد في صفحة أخرى : إن الصعوبة الكبرى التي تواجهنا كيفية تحرير العقل النقدي من القيود التي يفرضها العقل الدوغمائي .
وهنا انني كقارئ لآ أظن ان ترجمة الأستاذ هاشم صالح لأعمال محمد أركَون الى اللغة العربية تهم المثقف أو الإنسان الفرنسي أو الغربي بشكل عام وهنا يكمن إستغرابي من مطالبته الدوائر المعنية بتبسيط دراسات جادة وهادئة عن الإسلام بقصد إطلاع الطلاب عليها وكأن كل واحد منهم أصم واعمى وأبكم عما يجري في بلاد الأسلام !!!!! !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
وأعتقد من الفائدة بمكان أن أنقل للقارئ لنص السؤال الذي وجهه الأستاذ هاشم صالح القدير في الترجمة الى الأستاذ والعلامة محمد اركَون الذي مُنح وسام إبن رشد عن جهد يستحقه .
هاشم : يُبدي بعض المفكرين المسلمين قلقهم من تطبيقك للمنهج التاريخي وغيره من المناهج الحديثة على دراسة التراث الإسلامي . ويقولون بأن مايتطبق على التراث المسيحي في الغرب لا ينطبق علينا نحن .
ما رأيك بمثل هذا الموقف ؟ وكيف نفهمه ؟
أركون : كنت حتى الآن قد ظللت منغلقا ً داخل المناقشة الإسلامية _ الإسلامية إذا جاز التعبير , بمعنى أني كنت أحلل التراث الإسلامي من الداخل وأكتفي بذلك في معظم الأحيان . فقد شغلتني مناقشات هذا التراث وهمومه في الماضي والحاضر عن كل شئ , لاريب في ان المسلمين بحاجة دائما إلى ان يناقشوا في مابينهم حول الطريقة التي ينبغي أن يفهموا بها تراثهم الديني ويفسروه, وهذا شئ مؤكد . ولكني بت أعتقد الآن أكثر فأكثر بأنهم بحاجة الى شئ آخر أيضا ً.
اقصد أنهم بحاجة الى أن يخرجوا بأنفسهم وينظروا الى تجارب الآخرين ( وبخاصة الأوربيين ) مع تراثهم . إنهم بحاجة الى إلى فتح النوافذ والأبواب لكي يشموا هواء ً جديدا ً فلآ يظلون منغلقين داخل جدران بيتهم الخاص . بإختصار , والكلام لايزال للبروفسور محمد آركَون ( ر. كَرمة ) إنهم بحاجة إلى الإطلاع على الدراسات الحديثة المتمركزة على تاريخ الأديان بشكل خاص . وهي دراسات مزدهرة كثيرا ً في اللغات الأوربية الحديثة كا ألأنكَليزية والفرنسية والألمانية ولكنها شبه معدومة في اللغة العربية واللغات السامية الأساسية الأخرى كالتركية والفارسية والأوردية .
إن الموقف السلبي من العلم الحديث لا يقدم أي شئ للمسلمين , على العكس إنه يساهم في إستمرارية جمودهم وتأخرهم , وقد تبدوهذه الحقيقة تحصيل حاصل ...
ولكن المشاكل سرعان ما تنشب عندما ننتقل الى التطبيق , تطبيق العلوم الإجتماعية الحديثة على دراسة التراث . وبالتالي لكي نفهم الظاهرة الأصولية بشكل صحيح ومطابق ( للواقع ) , فإننا مضطرون للمرور من خلال العلوم الإجتماعية ومنهجياتها الحديثة التي تلقي أضواء ساطعة على التراث , أي تراث كان , ولكن المحافظين يردون علينا قائلين وبشكل فوري بأن العلوم الإجتماعية لا تنطبق على الفكر الإسلامي !! وأنها نتاج الغرب وبالتالي فلا علاقة للمسلمين بها ولا فائدة تُرجى من إسـتخدامها , ان هذا الموقف ليس جديدا ً, وإنما يضرب بجذوره في الماضي البعيد , من هنا سر قوته وإستمراره ( شعبيا ً أو شعبويا ً ) فمعاداة العلوم العقلية أو الدخيلة كما يسمونها ليست بنت اليوم , وإنتشار الحركات الأصولية اليوم ليس غريبا ولا مدهشا ًإلا لمن يجهلون التأريخ , على العكس إنه منطقي تماما ً ......
لاشك ان دعوة الأستاذ هاشم صالح بتبسيط ماكتبه العلمانيون حول كنه الأسلام وإفهام الطلبة الغربيين أن لاعلاقة للإسلام والعنف بما يجري في أرض الإسلام يقابله عندي أنا العراقي المسلم إدخال المرجعيات الدينية في مراكز الكهنوت الديني في مصر والسعودية وإيران والعراق في دورات مماثلة ولا أستثني بابا الفاتيكان في ذلك فالعلمانية هي من يوفر الكرامة للجميع ويحفظ للأديان طابعها القدسي عند الناس عندما تتوفر لهم الحرية من تناول الزاد المعرفي المرادف والباعث الأرأس للوعي ألإجتماعي الذي يؤسس ثقافتنا الوطنية
الهوامش......
* الأرثدوكس الديني = مصطلح أطلقه محمد اركَون ويقصد به الأشداء من كبار علماء الدين يراقبون أي إنحراف ولو بسيط عن العقيدة , وهم الذين يأمرون بمصادرة هذا الكتاب أو ذاك , وهذه الرواية أو تلك , إنهم يشبهون محاكم التفتيش التي عانت منها اوروبا طيلة عدة قرون .
** حديث نبوي ( الإنسان بناء الله , لعن الله من هدمه )
السويد 10 /10/2006
#رشيد_كرمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟