نوزاد جرجيس
الحوار المتمدن-العدد: 1700 - 2006 / 10 / 11 - 09:33
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في خضم تضاعف موجة العنف في العراق خلال الاشهر الاخيرة وخاصة موجة العنف الطائفي بعد أحداث سامراء في الشباط الماضي باتت الادارة الامريكية في حيرة من امرها في كيفية التعامل مع الوضع السائد وطرق علاجه لاعادة الامن والاستقرار للبلد.
وترافق ذلك بتأكيد بعض الاخصائيين في التحليلات السياسية بان تؤجل حالة العنف والتمرد الى خليفة جورج بوش في الرئاسة الامريكية للتعايش مع الازمة .وقد قام الصحافي الامريكي المخضرم( بوب وودورد ) في كتابه الحديث ( دولة النكران ) بتسريب بعض من الهمس الدائر في الدوائر الامريكية العسكرية عن احتمالية تصاعد وتيرة العنف في العراق العام المقبل واحدثت تسريباته هذه وجعا اضافيآ للبيت الابيض وضجة سياسية في مختلف المحافل عن صحة الاتهامات الموجهة للبيت الابيض بنكران الفشل في العراق و طمس الحقيقة عن الشعب الامريكي.
على ضوء كل ذلك تعالت اصوات مختلفة و متعددة الاتجاهات لتغيير الاستراتيجية الامريكية في العراق لمعالجة الوضع المتفاقم .و حصيلة هذه الاصوات تنحصر في اتجاهين:
الاتجاه الاول و الممثل بالحزب الديمقراطي المعارض في الكونغرس الامريكي و المتحالفين معه من الشخصيات الليبرالية و المنادي بسحب القوات الامريكية من العراق باسرع وقت ممكن .
والاتجاه الآخر الممثل بالمحافظين الجدد والشخصيات المؤثرة على قرارات الادارة الامريكية مثل هنري كيسنجر ( وزير الخارجية السابق) في التاكيد على البقاء في العراق و دحر الارهاب و عدم القبول بأقل من مبدأ النصر.
على سبيل المثال كتب نيكولاي كريستوفر قبل ايام في صحيفة النيويورك تايمس ان ( تقدم الادارة الامريكية بالاستعانة بنصيحة العراقيين لها بسحب قواتها من العراق ) وهو بذلك يشير الى استطلاع حديث اجرته جامعة ميرلاند الامريكية في العراق و كانت النتيجة ان غالبية العراقيين وبنسبة 71% تؤيد فكرة الانسحاب الامريكي من العراق الآن.
هذه الاصوات الامريكية السياسية و الضغط الشعبي المتصاعد ضد الحرب قد لا تفلح في التاثير على قرارات الادارة الامريكية اما اذا جاءت هذه النتائج عكسية فلن يجلب هذا الانسحاب العاجل الا الدمار الشامل للعراق وانتصارآ للحركات الارهابية شئنا ام ابينا وتعزيزا للتمرد السني المسلح الذي ينتظر هذه الفرصة لاغتنام المزيد من المكاسب لاعادة احتكار السلطة.
ولكن في قراءة سريعة لخطابات الرئيس الامريكي لشعبه في الاسابيع الماضية لا يمكن التخيل ولو لوهلة انه عازم على الانسحاب بل العكس يؤكد دائما ان القوات الامريكية باقية حتى( تحقيق النصر ).
وبحكم الصلاحيات الدستورية والقانونية الممنوحة له كرئيس للولايات الامريكية المتحدة سيقدم على الغاء اي قرار للكونغرس الامريكي الجديد في حالة فوز الديمقراطيين بالاغلبية في مجلسي النواب والشيوخ في الانتخابات المقبلة في بداية الشهر القادم باسخدامه حقه في نقض القرارات التي لا تحظى بتأييد ثلثي الاصوات و يقينا ان الحزب الديمقراطي عاجز عن تحشيد مثل هذا العدد من الاصوات حسب استطلاعات الرأي الامريكية.
بهذا التقدير يبدو الحديث عن الانسحاب الامريكي من العراق أنيآ في غير اوانه وغير قابل للتحقيق وعلى الاصوات العراقية المنادية بالانسحاب ( بكل اطيافها ) ادراك هذه الحقيقة و عدم المراهنة على هذا التغيير في السياسة الامريكية و تضليل الشعب العراقي بالمزايدات الوطنية من خلال التحجج بانهاء الاحتلال قبل انهاء العنف و القتل على الهوية .
وفي الاتجاه الامريكي الاخر يرتأي جان وارنر ( السناتو الجمهوري ورئيس لجنة الخدمات العسكرية في الكونغرس) الذي قد عاد لتوه من زيارة للعراق ان تمنح الادارة الامريكية مهلة الشهرين لحكومة المالكي لتحسين الوضع الامني و بخلافه يتوجب على الادارة تغيير النهج في العراق والتمسك بزمام الامور بمسار جديد وفعال .و جاءت تصريحاته هذه في نفس الوقت الذي قامت فيه كونداليسا رايز ( وزيرة الخارجية الامريكية ) بزيارة سريعة و مفاجئة للعراق الاسبوع الماضي يعتقد لتسليم حكومة المالكي فحوى هذه الرسالة شخصيا . فاذا كان هدف الزيارة على هذا الاساس فاعتقد انها الخطوة الاولى في الاتجاه الصحيح بحكم فشل الحكومة الحالية في تنفيذ كل المهام المنيطة بها و في الدرجة الاولى اعادة الامن والاستقرار ناهيك عن فشل كل محاولات المصالحة الوطنية التي لم تستند على اسس واضحة و صريحة حول نوعية المصالحة والاطراف المقصودة بها و عدم جدية الحكومة الحالية في وضع حد لاعمال الميليشيات المسلحة وفرق الموت الارهابية المنتشرة بكثافة هائلة .
على ضوء هذا السرد ان (فرضية ) الخيارات لتغيير السياسة الامريكية بعد نفاذ المهلة هذه تتلخص بما يلي:
*وضع العراق تحت وصاية دولية لتغطية الفشل في بناء عراق ديمقراطي عن طريق اشراك فعال لدول حلف الناتو مثلا او الدول الصناعية الكبيرة في القوات المتعددة الجنسيات و بقرارات جديدة صادرة عن مجلس الامن الدولي لاضفاء الطابع الشرعي مجددا لهذه الوصاية , واحتمالات نجاح هذا الخيار شبه معدومة لاقتناع معظم تلك الدول ان التدخل في الملف العراقي هو التورط في مستنقعه وان اخماد التمرد المسلح و العنف الطائفي في العراق لن يتم عبر تدويل مشكلة العراق.
*احتلال امريكي جديد لمدينة بغداد والمناطق المجاورة لها ( قيل انه قدم على شكل اقتراح عراقي للسيدة رايس خلال زيارتها الاخيرة)وهذا الخيار وارد ومناسب اذا اخذنا بنظر الاعتبار بعض التقارير السرية (غير موثوقة) التي تشير الى رغبة القيادة العسكرية الامريكية في العراق بتعزيز قواتها في العراق بنسبة15000-30000 جندي اضافي للشهر القادم (اي بعد الانتهاء من الانتخابات الامريكية ) , و هذا يعني تعزيز للقدرة العسكرية الامريكية لانجاز المخطط المقترح بالغاء العملية الديمقراطية وتنصيب حاكما عسكريا عراقيا في السلطة لحين تهيئة المناخ السياسي المناسب لاجراء انتخابات جديدة , ويمكن القول ان هذا الخيار هو من افضل الخيارات القبيحة المتاحة امام الادارة الامريكية حاليا, حيث قد يضيف هذا الخيار مقاومة جديدة للاحتلال من الجانب الشيعي .
* لسنا متاكدين ان كانت الادارة الامريكية قد استفادت من تجربة السنوات الثلاث في العراق بان حل الازمة في العراق لن يتم عن طريق استخدام القوة العسكرية ( والتجربة الامنية الفاشلة لمنطقة بغداد حتى بعد جلب المزيد من القوات اليها خير شاهد على ذلك) , فاذا كانت قد ايقنت ذلك الدرس فمن الممكن التخيل ان امريكا ستبقي على سياسة انتظر وراقب لحين اكمال المشروع الكبير في المنطقة و يشمل ذلك التعاطي مع الملف الايراني ( لانهاء النفوذ الايراني في العراق)بشكل او اخر ثم العودة لوضع البيادق في الرقع المخصصة اليها .
العواقب المحتملة للخيارات اعلاه تتدرج بين السيء و الاسوأ , ايا كان شكل التغيير , وملامح النجاح في الافق ضئيلة جدآ اذا لم تقدم القيادات الطائفية في العراق اولآ بنزع سلاح ميليشياتها و ترتيب التصالح السياسي الفعلي بين الاطراف المشاركة في العملية السياسية اولا ثم المباشرة بالدعوة للمصالحة الوطنية لتفادي ابقاء العراق تحت الهيمنة الامريكية لوقت طويل.وهذا يتطلب التخلي عن احلام الهيمنة و الاحتكار السياسي و التخلي عن رغبة الانتقام والقتل.و يبدو ان خيار الغاء المؤسسات الديمقراطية للفترة الحالية و التريث لحين اعادة الامن للبلد هو الخيار الافضل للشعب العراقي الذي يعاني مرة اخرى الارهاب والقتل العشوائي المجنون على ايدي الارهابيين و فرق الموت الطائفية , لاعادة الحالة السليمة و الموضوعية في ترسيخ مباديء الديمقراطية و تهيئة الشعب و توعيته بهذه المباديء واعتبار ذلك ( فترة انتقالية ) بين سقوط الديكتاتورية و دولة الدستور والقانون.
و التجربة الكردية في كردستان العراق اثبتت مشروعية هذه الفترة الانتقالية بالجزم انه لم يتم حل الخلافات السياسية بين الاطراف المتصارعة على السلطة ( والتي اتخذت في معظم الاحيان طابع الصراع المسلح) الا اخيرا وبشكل نسبي ,بينما كانت تتمتع منطقة كردستان بصيغة الانفصال عن سلطة صدام منذ بداية التسعينات.
قبل الغزو الامريكي للعراق قيل ان كولن باول وزير الخارجية الامريكية آنذاك قدم معوضة مبسطة لرئيسه حول فكرة الغزو والاحتلال و تصوره لمرحلة بعد الغزو بالقول ( اذا كسرته , فانك تملكه, واذا ملكته عليك تصليحه).
والظاهر للعيان انهم فشلوا في التصليح.والتغييرات المرتقبة ستكون متاخرة في الترميم.
#نوزاد_جرجيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟