|
نظريّتي عن ولادة الأديان -8-
نبيل قرياقوس
الحوار المتمدن-العدد: 7483 - 2023 / 1 / 5 - 12:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منذ قرون عديدة، يبذل العلماء الغربيون في شتى التخصصات العلمية جهوداً مستمرة لغاية يومنا هذا للتوصل الى أدق التفاصيل الممكنة عن عمْر الإنسان وبقية الكائنات الحيّة على سطح الأرض الذي يُقدر العلماء عُمْرها بما يزيد عن الأربعة مليارات ونصف المليار سنة، في حين ظهرتْ في عام 1859 بعد الميلاد نظرية التطوّر للعالم البريطاني تشارلز داروين والتي تُفيد بأن كل الكائنات الحية على مرّ الزمن تنحدر من أسلاف مشتركة، وقد حققت هذه النظرية الهامة نتائج كبيرة جداً في مجال نجاحها والى الحد الذي باتت فيه حقيقة علمية. كل علماء ومثقفي العالم رَحّبُوا وأثنوا وما يَزالون، بِعبقرية وجهود العالم البريطاني الراحل تشارلز داروين وكذا بقدرات وجهود غيره من العلماء الغربيين في محاولاتهم للبحث عن أصول الإنسان والكائنات الحية على سطح الأرض لما لذلك من أهمية بالغة في فهم الإنسان لنفسه وللطبيعة وكذا أهمية ذلك في تطوير علوم الوراثة والطب والتحكُم في أمراض الإنسان وبالتالي عمْر الإنسان وأهداف أخرى قد تبدو في زمننا هذا مستحيلة علمياً، الا أن أغلب رجال الدين في العالم عموماً وفي الشرق خصوصاً، كانوا وما يزالون لا تَسِرّهم أخبار مثل هذه الجهود والنظريات العلمية، فهم عارضوا وما زالوا يُعارضون نظرية التطوّر بأعتبارها نظرية تثبت عدم صحة الكثير من الأسس الدينية لجميع الأديان، وبالتالي فهم يظنون خطأ إنّ مثْل هذه النظريات تدّعو الناس الى إنكار وجود (الله)! نظرية التطوّر للعالم داروين لمْ يكن لها علمياً وعملياً علاقة بمسألة وجود الله، لكنّ نجاحها في إثبات إنّ كل الكائنات الحية على مَر الزمن تنحدر مِن أسلاف مشتركة عارضَ الكثير مِن الأسس المهمة للإدعاءات والقصص الخرافية الواردة في جميع كتب الأديان والى الدرجة التي قد تجعل نظرية التطور هذه تدّعم بقوة الأفكار والآراء التي ترى أنّ الأديان هي إبتكار بشري في مرحلة مِن مراحل التطور الحضاري للإنسان، ودون أنْ تعني هذه النظرية أيّ مساس بمسألة وجود الله أو عدم وجوده. أغلب مُثقفي العالم يرون أنّ تَوصّل الإنسان الى عدم صِحّة الأديان التي يتمّ توارثها إجتماعياً منذ آلاف السنين، لا يعني أبداً تَوصّل الإنسان الى عدم وجود (خالق) للكون، وانما قد يَعني توصّل الإنسان الى حقيقة أنّ الأديان هي نظام إداري وإجتماعي وُلِد في ظروف التخلُف الحضاري والإقتصادي والعلمي والإداري والحقوقي في مجتمعات بشرية عاشت قبل آلاف السنين. أغلب مثقفي العالم يرون أن حقيقة وجود (الله) سواءاً أكان نتيجةً لنظريات علميّة أو نتيجة لرغبة الإنسان الغريزية لِتَمني وجوده، لا يَفرِضُ أبداً على الإنسان وجوب تصديق (الأديان) التي يُثبِتُ العِلمُ دائماً أنها مُجرد وهْم إجتماعيّ متوارث! جميع العلماء الغربيين في مختلف الإختصاصات، لا يجدون أبداً حرَجاً بين فترة وأخرى حينما يتوصلون الى بعض الدلائل الآثارية التي قد تبدو لأول وهلة وكأنها تتعارض مع نظرية التطوّر لداروين، فالعلماء الغربيون يبذلون الجهود والوقت والمال للوصول الى الحقيقة وليس لمجرد فرْض صحة هذه النظرية أو غيرها، بينما يسعى أغلب رجال الأديان في كل الأحوال الى فرْض ما توارثوه إجتماعياً مِن معتقدات وآراء دينية لا أساس علمي لها. أغلب رجال الدين، حينما يُعارضون أيّ حقائق أو نظريات علمية تتعارض مع صحة وجود الأديان، فأنهم لا يقومون بمعارضتهم هذه حباً في (الله) أو في (الدين) وأنما سعياً منهم لعدم فقْد مهنتهم أو إمتيازاتهم المُغرية والتي يعتاش أغلبهم منها برخاء كامل في معظم مجتمعات الشرق. في منحى آخر ذي صلة، لمْ يتوفر لعقول العلماء الغربيين لغاية ساعتنا هذه قدرة تطبيق أو أختبار نظرية (أعادة الزمن الى الوراء) لغرض التعرُف الدقيق على وقت ومكان وشكل ظهور وتطوّر الجنس البشري وبقية الكائنات الحية وراثياً على سطح الأرض، ومَنْ يدري فربما سيتطوّر العقل البشري في يوم ما وليتمكن مِن أعادة الزمن للوراء فعلاً، وقد يتحقق حينها الكثير في كل مجالات الحياة مما قد نعتبره الآن مجرد خيال وأحلام لا يمكن توقُع حدوثها أبداً. العلماء الغربيين سعوا طيلة قرون ماضية ولحد اليوم من أجل الوصول على كل ما يُمَكنَهم الوصول اليه من الحقائق التاريخية عن المراحل الجينية والوراثية التي مرّت بها الكائنات الحية ومنها الجنس البشري على سطح الأرض، وكذا لمعرفة بقية التفاصيل الأخرى المتعلقة بأساليب تعايش الجنس البشري مع الآخرين من أقرانه، ومع الطبيعة، ومع بقية الكائنات الحية الأخرى، كما أن هؤلاء العلماء، مثلاً، تمكنوا من تحديد أسم وشكل ونوع بعض الكائنات الحية التي أنقرضتْ من سطح الأرض منذ ما يقارب 65 مليون سنة كالديناصورات. وفقاً لما هو منشور في مصادر عديدة، فإن العلماء الغربيين بشتى تخصصاتهم طيلة القرون الأخيرة، واصَلوا ويُواصلون من جيل الى آخر بلا إنقطاع بحوثهم ودراساتهم عن تاريخ الأرض وتاريخ الكائنات الحية والجنس البشري، كما أنهم يُعاوِدون فحْص ودراسة الآثار القديمة كلما تتوفر لديهم سُبل جديدة أو أجهزة مُختَرعة حديثاً ليكونوا أكثر دِقة في عملهم وبحوثهم، علماً إنّ آخر (فَكٍ بشري) عثر عليه علماء الآثار كان في صحراء أثيوبيا عام 2013 ويرجع عهد ذلك الفك البشري الى قرابة الثلاثة ملايين مِن السنين، وأتضح أنه يعود الى نوع من الجنس البشري المسمى علمياً بجنس الـ ( هومو هابيليس) أو (الإنسان الماهر) وهو يُصنف علمياً ضمن الفصيلة العُليا للقِرَدة. تُفيد أغلب المصادر العلمية المختصة إنّ العلماء الغربيين يعتقدون أنّ دماغ (الإنسان الماهر) أو ما يسمى علمياً جنس الـ (هومو هابيليس) تطوّر وراثياً في عدة مراحل لاحقة، حتى وصول مرحلة (الإنسان العاقل) أو جنس الـ (الهومو سابينس) وهي مرحلة إنساننا الحالي من التطور الوراثي، والتي يرجّح العلماء ظهور هذه المرحلة الوراثية قبل ما يقارب المائتي ألف سنة. (الإنسان العاقل) تميّز في بداية تطوره التدريجي خلال المائتي الف سنة الماضية بقدرة دماغه على تطّوير العُدد المصنوعة من الأخشاب والأحجار والعظام التي كان يستخدمها في أعمال صيد الحيوانات، وبعدها تمكن من تعلّم الزراعة بدلاً من الإعتماد كلياً على قطف الثمار، وكذلك قام بتربية الحيونات والإستفادة من منتوجاتها ومن جلودها، كما تمكن فيما بعد من تحسين أماكن معيشته حيث قام ببناء بيوت الطين والحجر والخشب بدلا من الإعتماد كلياً على كهوف ومخابيء الطبيعة، وبعدها توصل الى فكرة صنع الأواني من الطين المفخور، كما أن دماغ هذا الإنسان العاقل بدأت منذ ذلك الحين تفترض وجود مصدّر أو خالق للإنسان وللأرض التي يعيش عليها بكل ما تحويه هذه الأرض من أنهار وجبال وماء وهواء ومطر وعواصف وحر وبرد ونباتات وحيوانات، وكذا للشمس التي يراها نهاراً وللقمر والنجوم التي يراها ليلاً، كما أنّ هذا الإنسان بدأ يدرك بأن نهاية كل إنسان هي الموت حتماً، وربما أبتدأ هذا (الإنسان العاقل) منذ حينها بِنحت الأحجار أو فخْر الأطيان للحصول على تماثيلٍ أو أصنامٍ وليعتبرها تُمثِل وجوداً رمزياً ملموساً لـ (الله) الخالق والموجود في السماء العالية والتي لا يمكن الوصول اليها! علماء الآثار الغربيين بشكل عام، كانوا وما زالوا يُحاولون الوصول الى الكثير من تفاصيل حضارات عموم مجتمعات التاريخ البشري عن طريق دراسة وتحليل الآثار بأنواعها، إضافة الى طريق فَك رموز الكتابات والرسوم كتلك الموجودة في الآثار العراقية وآثار عدة مناطق ودول من قارة آسيا إضافة الى الآثار الفرعونية في مصر وآثار دول أخرى في قارة أفريقيا والآثار الرومانية والأغريقية في قارة أوربا وآثار كل الدول المطلة على سواحل البحر المتوسط وآثار حضارات قارة أمريكا الجنوبية وآثار عدة مناطق أخرى في دول العالم المختلفة. يتبع .. أعلاه هو الجزء الاول من مقال ( نظريتي عن ولادة الأديان ) في كتاب ( أحترم جدا هذا الدين ) والمنشور عام 2021 بأكثر من تسع لغات رئيسية في العالم ! كاتب ومؤلف عراقي – مستقل سياسيا وفكريا
#نبيل_قرياقوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أديان متطابقة -7-
-
مصالح أم أديان -6-
-
( الله ) الشرق الأوسط -5-
-
(الله) الشرق الأوسط -4-
-
الله -3-
-
الله -2-
-
الله -1-
-
أحترمُ جداً هذا الدين!
-
رسالتي الى منظمة الصحة العالمية - مقترح تغيير تسميات
-
أيها المقاتلون الروس والأوكران !
-
الله يُحبْ الاعدامات !
-
أختراق فيسبوك مسوؤل حكومي عراقي !
-
وِسادة قاضي بغداد !
-
بَعْدَ كورونا .. لا سُجون للبَشَر !
-
أعْمِدة مَشانِقْ !!
-
لا ل ( رحيم العكيلي ) رئيساً للوزراء !
-
أغتيال القاضي رحيم العكيلي وسط بغداد !!
-
الولايات المتحدة الاسلامية الامريكية ( استبيان آراء
...
-
انتحار قاضيان مصريان والهند افضل دولة في العالم !
-
حملة تضامن مع المفكرة المصرية فاطمة ناعوت ودعوة الحكومة المص
...
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|