أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - العقلية الشفاهية والواقع المأزوم - 1















المزيد.....

العقلية الشفاهية والواقع المأزوم - 1


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 1700 - 2006 / 10 / 11 - 09:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يعترض البعض - من الحريصين على الدقة العلمية – على مقاربة الحالة الحضارية المتردية لشعوب الشرق الأوسط من باب الحديث عن عقل جمعي، ومحاولة تحليل تشكيله ومعالمه، سواء سمي بالعقل العربي أو الشرقي أو الإسلامي، على أساس أن كل تلك التسميات بغير مسمى، لضآلة المشترك بين مختلف الشعوب المنضوية تحت تلك التصنيفات ( عربي – شرقي – إسلامي )، مع اختلاف الأجناس والبيئة الجغرافية والمرحلة الحضارية، ليس فقط بين الدول التي تضمها المنطقة، لكن أيضاً بين المكونات الفسيفسائية داخل هذه الدول والمجتمعات، والتي تتدرج من مستوى البداوة إلى المدن الصناعية المختنقة بساكنيها.

ورغم أننا نرى أن هذا الاعتراض صحيح إلى مدى بعيد، إلا أننا نرصد ملمحاً نزعم أنه أقرب لأن يكون عاملاً مشتركاً بين شعوب وأفراد المنطقة مناط اهتمامنا، وهو سيادة العقلية الشفاهية، ونزعم لهذا الملمح تأثيراً أساسياً وجوهرياً على أداء هذه الشعوب، وعلى طبيعة نظرتها إلى ذاتها وإلى العالم، بما يعني أننا ندعي أنه العلة في عجزنا عن مواكبة تقدم الحضارة الإنسانية، وفي فشلنا في فهم الآخر، مصحوباً بفشلنا في تقديم أنفسنا له.

نقصد بالعقلية الشفاهية تلك التي تتكون لدى إنسان يعتمد بالأساس في صلته بالعالم – تلقياً واستجابة، أو إرسالاً واستقبالاً – على الأصوات المنطوقة، في مقابل العقلية الكتابية، التي تتكون لدى من يعتمد بالأساس على المدونات المكتوبة.

لأننا لا نعتزم استعراض هذه القضية الكبيرة والمعقدة بصورة تفصيلية، وإنما مجرد لفت الأنظار إليها، باعتبارها هاوية سحيقة تفصل بيننا وبين الحضارة والعالم المتحضر، سنكتفي هنا بتعداد بعض الملاحظات، التي تساعد على توضيح الأمر بقدر الإمكان:

· العقلية الشفاهية تتغذى ومن ثم تنتج ثقافة شفاهية، لها ملامحها الخاصة، والمختلفة جوهرياً في طبيعتها عن مقابلها، الذي هو الثقافة الكتابية، ويمكن النظر للثقافة الشفاهية باعتبارها تمثل مرحلة طفولة الحضارة الإنسانية، فيما تمثل الثقافة الكتابية مرحلة النضج والفتوة، لكن الفارق بين المرحلتين ليس مجرد فارق كمي بسبب تراكم الخبرات والمعارف الإنسانية، لكنه فارق نوعي، يرجع لما نتج عن اختراع الكتابة ثم الطباعة من نقلة نوعية جد مختلفة في طبيعة الفكر الإنساني، مكنت العقل من أن يمارس ما هو مؤهل له، من وظائف نقدية وتحليلية، كان من المستحيل ظهورها في عالم شفاهي.

· يوصف أي خطاب بالشفاهية أو الكتابية ليس على أساس أسلوب إرساله واستقباله، أي إن كان سماعاً وتلاوة، أو كتابة ومطالعة، وإنما يمنح هذه الصفة أو تلك بالأساس تبعاً لمنهج إنتاجه، فالنصوص الشفاهية مثل الأمثال الشعبية والشعر التقليدي (بخلاف قصيدة النثر الحديثة) والسير الشعبية، تبقى على صفتها الشفاهية، حتى لو دونت وتم تداولها عن طريق المطالعة وليس السماع، إذ تظل تحمل مقومات الخطاب الشفاهي، ويتلقاها المطالع العادي (غير النقدي المنهج) بنفس النهج السماعي، وبالتالي يكون تأثيره على عقلية المتلقي هو ذات التأثير، والأغلب أن يلجأ المتلقي الشفاهي إلى تلاوة مثل تلك النصوص بصوت ولو هامس، والعكس صحيح، فالنص الكتابي يبقى على ملامحه الكتابية، حتى لو تلي على جماهير بصوت مسموع، وفي هذه الحالة إن كان الجمهور ذا ثقافة شفاهية، فالأغلب أنه لن يستوعب كامل الخطاب أو يستسيغه، تماماً كما يحدث للجمهور كتابي الثقافة، إذا ما تلقى خطاباً شفاهياً، فإنه قد يصاب إما بالضجر أو الاستخفاف بالنص، وقد يستقبله بصورة إيجابية إذا ما كان محتوى النص يدفع لهذا الاتجاه لسبب أو لآخر.

· لأن العقلية الشفاهية هي الأساس، وتختص بها مراحل الحضارة المبكرة، فإننا مازلنا حتى الآن نجد شخصيات ومجتمعات بكاملها ذات ثقافة شفاهية بنسبة 100%، أما الثقافة والعقلية الكتابية فلن نجدها خالصة لدى أي فرد أو مجتمع، إذ تكون دائماً ممتزجة بنسبة من الثقافة الشفاهية، تختلف باختلاف الأفراد والمجتمعات، كما تختلف باختلاف مجالات الحياة والثقافة.

ملامح الخطاب الشفاهي
صفة الشفاهية تتعلق بشكل الخطاب، أي اعتماده على الصوت كحامل للرسالة، لكن الأمر لا يتوقف عند الشكل، إذ يؤثر الشكل على المضمون في اتجاهين: أولاً عند إنتاجه في عقل المرسل (ملقي الخطاب)، وثانياً في طريقة فهم مضمون الرسالة في ذهن المستقبل (متلقي الخطاب)، بهذا حين نتحدث عن ملامح الخطاب الشفاهي، فإننا نعني بالأساس ملامح المضمون وتأثيراته في جانبي الإنتاج والاستهلاك، ولنحاول بأكبر قدر ممكن من الاختصار، استعراض أهم ملامح الخطاب والعقلية الشفاهية:

· اعتماد الخطاب الشفاهي على الصوت كوسيلة يحدد طبيعة التواصل، كعملية حسية من نداء واستجابة، فالصوت الصادر رسالة حسية، تتوجه لحاسة السمع، لتكون العملية بهذا تبادلاً للأحاسيس، أي ما يعرف بحديث الجسد، الذي هو بالأساس مصدر العاطفة، ما يجعل العقل بمفهومه النقدي التحليلي في الدرجة الثانية على أحسن الفروض، وفي حالة غياب تام في أسوأها.

· يعزز هذا المنحى أيضاً أن الاعتماد على الصوت يغري باستخدام إمكانياته، بالتحكم في شدته ارتفاعاً وانخفاضاً وتنغيماً، وغالباً ما يمتد الأمر إلى المضمون فتهيمن الموسيقى على صياغة الجمل واختيار المفردات، بالطبع بدرجات متفاوتة تبعاً للأحوال، لكن أياً كانت درجة الانحراف بالمعنى الابتدائي للنص، لحساب تعظيم محتواه الموسيقي، فإن هذا يصب في اتجاه زيادة درجة التأثير العاطفي للخطاب، ما يثمر في المتلقي المزيد من الاستثارة العاطفية، على حساب ما نسميه بالعقلانية، كذا على قيمة وتماسك مضمون النص.

يصاحب هذا دائماً في حالة المواجهة المباشرة بين المرسل والمتلقي استعانة المرسل بإشارات الجسد، اليدين والرأس وربما الجزع أيضاً، لإعطاء الرسالة المزيد من التأثير الجسداني العاطفي.

لهذا لا ينبغي لذوي العقلية الكتابية أن يندهشوا لغياب العقل في اللقاءات الجماهيرية الصاخبة، والتي ينجح فيها زعيم مفوه في استجلاب التأييد والاستحسان الجارف لخطابه من الجماهير، رغم أن ما يقوله يتنافى مع أبسط درجات العقلانية، كأن نشاهد مثلاً قائداً من حركة حماس، يخاطب الآلاف من الجماهير الفلسطينية، التي سدت الحركة (التي يتحدث باسمها) أمامها كل سبل العيش، لا نقول الكريم، وإنما عجزت عن توفير الحد الأدني، اللازم لبقاء العائلات بما تضم من أطفال ونساء على قيد الحياة، فيما لا يتضمن حديث الخطيب الهمام أي فكرة أو اقتراح، يصلح حتى لمخايلة تلك الجماهير، بأن هنالك ثمة أمل لنهاية معاناتها، ولو عند خط الأفق.

بل ما يبدو مذهلاً للمراقب الخارجي (الذي لم يستدرج إلى حالة التأجج العاطفي التي اندمج فيها الجميع)، أن يحتوي الخطاب على عكس المفترض، أي يتضمن ما يرسخ ويثبت وربما يفاقم معاناة تلك الجماهير، مثلما يردد القائد الهمام لا فض فوه، وتردد الجماهير خلفه: "نجوع ولا نركع"، هم يهتفون لقائد يبشرهم بالجوع مقابل عدم الركوع، دون أن تتساءل تلك الجماهير الحاشدة: وأي ركوع أشد من أن تكون جائعاً أنت ومن تعولهم؟!! فالعبارة التي يزفها لهم ويقبلونها منه بحماس منقطع النظير، يمكن صياغتها بطريقة تهديدية، كأن تقول لأحدهم: إن لم تخضع لرغباتي، سوف أقوم بتجويعك!!

يبدو الأمر غريباً بحق، خاصة إذا ما كان التخاطب بين راع مسئول عن رعيته، وبين تلك الرعية محط شفقة المجتمع العالمي، لكن الأمر لا يحتاج لدهشة أو اندهاش، فالتساؤل الغائب هنا بين الطرفين، هو بمثابة إعمال للعقل نقداً وتحليلاً، وهو في هذا المحفل المتأجج بالعاطفة غائب، ولنقل لا وجود له في ظل ثقافة شفاهية، لم يسبق لأصحابها أن تدربوا أو مارسوا إعمال ملكات عقولهم النقدية والتحليلية.

لا أتصور أن موضوعنا عن العقلية الشفاهية ينضوي تحت بند الرفاهية الفكرية، إنما هو جد جوهري، إذ يقف حاجزاً كؤداً بيننا وبين رؤية العالم كما يراه المتحضرون.

نستكمل البحث في مقالات تالية.




#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصريون ضد الكراهية
- شجيع السيما وجماهيره
- فوضى الهزيمة والانتصار
- عندما تتحدث الرهينة
- رجالات لبنان بين الحكمة والتخاذل
- العرب وأبطالهم الصناديد
- الأقباط والسقوط المدوي
- يحيا العدل والبقية تأتي
- العلمانية وسقوط الأيديولوجيا
- العلمانية المستحيلة
- عزاء واجب لقناة الخنزيرة
- البهائيون في أرض النفاق
- المأساة المصرية وترمومتر لينا الفيشاوي
- طبيعة النظم وإشكالية التغيير
- الأقباط والليبرالية
- الصعود إلى الهاوية برعاية أمريكية
- مصر الخالدة تلفظ أنفاسها
- تحرير العراق وأحجار الدومينو المرتعبة
- ائتلاف حماس كاديما وبئس المصير
- أما الشعوب فلا بواكي لها


المزيد.....




- -نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح ...
- الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف ...
- حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف ...
- محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
- لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...
- عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - العقلية الشفاهية والواقع المأزوم - 1