محمود حمدون
الحوار المتمدن-العدد: 7479 - 2023 / 1 / 1 - 12:05
المحور:
الادب والفن
" نسخة مكرّرة "
====
بعد أن أنهى إفطاره, و كان عبارة عن " ساندويتش فول" يتيم, وأثنى عليه بكوب من الشاي الأسود الغارق في السكر, تمطّع بذراعيه ثم حرّك جزعه بحركة رياضية رشيقة, بعدها وضع يده على فمه وتثاءب , ومن بين أسنانه انطلق صوته يتحدّث إلى عنكبوت شاب يتدلى من خيط في الهواء, يجاهد لوصله بالأرض: تخيّل لو أن منك نسخة ثانية بنفس السمات الجسدية, بنفس الملامح, حتى صوتك الأجش, طريقة مشيتك التي تحمل بعض من خُيلاء القادة , تلك اللعثمة التي تعتريك عندما تتعرض لموقف محرج .
ثم سحب شهيقًا كبيرًا, أكمل: ربما تجاورك هذه النسخة في المدينة ذاتها, أو ربما في بلد آخر أو بقارة بعيدة عنّا, أو ربما بكوكب بعيد في السماء أو ربما في كون آخر, لكنها على العموم نسخة على النقيض منك, تفعل عكس ما تفعل, تكره ما تُحب أنت, تعشق ما تمقت, تنام بعمق وقت استيقاظك, يطير النوم من عينيها حينما تغفو سويعات قبل بدء يومك الجديد.
أخذ نفسًا ثانيًا أخرجه ببطيء, ثم قال: تذكّر أن نسختك هذه هي الجانب المعتم من أخلاقك, فيها عربدة لا متناهية ولا يردعها قانون أو شرع , تفعل بالعلن ما تفعله أنت بعقلك الباطن .. فإن التقيتها, عندها تكون النهاية, تلك التي تحدث حينما يلتقي الأضداد, حينما يفنى الموجب في سالبه, حينما يطبق ظلام الليل على ضوء النهار, فلا شيء يبقى ويصمد أمام اللا شيء.
بنهاية حديثه كان "العنكبوت", قد أنهى مهمته بنجاح, توقف بعدها هنيهة كي يلتقط أنفاسه, أو ربما يتدبّر ما قاله الشيخ, غير أنه حرّك فكيه مرّات عديدة كأنما يردّ على كلام الشيخ بعبارة موجزة : "لا يعنيني الأمر", ثم تسلّق خيطه بسرعة البرق حيث غاب بين زوايا السقف الخشبي.
#محمود_حمدون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟