مريم العنيز
الحوار المتمدن-العدد: 7477 - 2022 / 12 / 29 - 21:59
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
بقلم مريم العنيز وناثانيل فلاكين
نشر المقال باللغة الانكليزية في موقع Left Voice بتاريخ شباط/فبراير 2021
—
تقدم الثورة الإيرانية التي بدأت قبل 43 عاماً دروساً لكيف يمكن هزم الامبريالية والحكومات الرجعية
إيران هي موقع أكبر النزاعات الجيوسياسية في العالم اليوم. تهيمن حاملات الطائرات والطائرات من دون طيار والهاكرز وأجهزة الطرد المركزية والقتلة على منطقة الخليج الفارسي… مع ذلك فهي كذلك موقع لصراعات طبقية قوية: تناضل الطبقة العاملة المتعددة الأعراق ببطولة ضد حكومة قمعية، كما يفعل الشباب والحركة النسائية. تواجه هذه القوى التقدمية سؤالاً: هل يمكن إسقاط نظام ظلامي من دون أن تلعب القوى الامبريالية وأتباعها لعبتها؟ هل يمكن للطبقة العاملة قيادة ثورة اشتراكية والبدء بسيرورة ثورية في المنطقة؟
بدأت الثورة الإيرانية منذ 43 عاماً: في 11 شباط/فبراير 1979، استسلم الجيش بعد يومين من القتال في الشوارع، واضعاً حداً لنظام الشاه. تقدم الثورة دروساً من أجل اليوم. ولكنها في الوقت عينه، كانت انتفاضة عمالية عظيمة، وتضمنت أشكالاً “كلاسيكية” للثورة مثل تشكل المجالس العمالية. كيف يمكن هزم تلك الثورة؟ وما كان البديل وقتها؟ تقدم إيران اليوم مثلاً جلياً على سبب احتياج الثوار إلى برنامج الثورة الدائمة. لفهم ذلك، سننظر بداية إلى تاريخ الثورة.
ثورة ضد الامبريالية
يمكن إرجاع الجذور المادية والاجتماعية والسياسية للإطاحة بالشاه إلى عملية التطور الرأسمالية المعقدة في إيران. دفعت القوى الإمبريالية، من بينها بريطانيا وروسيا الأكثر تخلفاً اقتصادياً، إيران بداية إلى السوق العالمية، وباتت موقعاً للصراع بالوكالة بين القوتين.
باتت إيران، والتي كانت “مستعمرة بالكامل”، كما وصفها لينين في كتابه الكلاسيكي عن الامبريالية عام 1917، أكثر انخراطاً في النظام الرأسمالي العالمي بعد اكتشاف احتياطات نفطية غزيرة في جنوبي البلاد عام 1908. (1) بعد ذلك بوقت قصير، أصبحت مورداً هاماً للطاقة لصالح القوى الامبريالية، وخاصة بعد إنشاء الشركة الإنكليزية-الإيرانية للنفط والمدارة من قبل الإنكليز- أكثر الأعمال البريطانية تحقيقاً للأرباح في ذلك الوقت.
ساهمت هذه العوامل في الطابع المتفاوت والمركب للتطور الاجتماعي في إيران. تزايد حجم البروليتاريا، المقيمة في المناطق المُدنية، إلى جانب نشوء صناعة النفط والقطاعات المتصلة بها، ولكن هذه القطاعات “كانت محاطة بمحيط من العمال الريفيين الذين كانت حياتهم وأعمالهم منظمة بواسطة علاقات ما قبل رأسمالية”. (2)
احتكرت بريطانيا النفط الإيراني حتى عام 1952، عندما أمم رئيس الحكومة محمد مصدق شركة النفط الإنكليزية-الإيرانية (والتي تغير اسمها عام 1935). ردت الامبريالية البريطانية بالدعوة إلى مقاطعة النفط الإيراني. في نهاية الأمر، تحالفت مع الولايات المتحدة لتنظيم انقلاب عسكري عام 1953 للإطاحة بمصدق المنتخب ديمقراطياً وإعادة فرض الشاه، محمد رضا بهلوي، الذي هرب من البلاد. على الرغم من أن الامبريالية قدمت الشاه على أنه “تحديث” لطيف، لكن النظام الدمية الاستبدادي كان قمعياً للغاية يدعمه جهاز أمني سري، السافاك، والذي عمل بتعاون شديد مع وكالة المخابرات المركزية.
وبالتالي، إن ديكتاتورية الشاه الوحشية قد حمت ثروة إيران لصالح البرجوازية الامبريالية. مع تضخم ثروات الشاه، كان الغضب يتخمر. بحلول الـ 1960ات، أطلق الشاه “الثورة البيضاء” (المعروفة باسم ثورة الشاه والشعب) التي كانت حملة عدوانية من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية الرامية إلى حل آخر العلاقات الإقطاعية في الريف، وتحويل رأسمال الملاكين إلى الصناعة والمشاريع المُدنية الأخرى، وتسهيل دخول رأس المال الأجنبي.
سياسياً، هدف الشاه من الثورة البيضاء بناء قاعدة داعمة له من بين العمال والفلاحين من خلال الوعد بظروف معيشية أفضل. وكما قال الشاه وقتها، “يجب أن تحصل الثورة من فوق، وإلا فإنها ستحصل من تحت”. رغم ذلك، وكما أشار المؤرخ إرفاند أبراهاميان، أدت الإصلاحات إلى حصول تأثير نقيض: “لقد صممت الثورة البيضاء لاستباق حصول ثورة حمراء. وبدلاً من ذلك، مهدت الطريق لحصول ثورة إسلامية”. (3)
في الواقع، أدى برنامج الشاه الخاص بـ”التحديث” الرأسمالي وتوزيعه غير المتكافئ للمنافع إلى تزايد التوترات الاجتماعية، خاصة بين أوساط البرجوازية الصغيرة التقليدية ورجال الدين، الذين أشعل غضبهم المتزايد الشرارة التي أشعلت الحماسة الثورة في إيران.
كانت البازارات (الأسواق التجارية) من بين قطاعات الطبقة الوسطى المستاءة، والتي كانت قطاعاً غير متجانس يتكون في غالبه من التجار والحرفيين. واجه هذا القطاع تراجعاً بسبب عملية “التحديث” التي نفذها الشاه، والذي أفضى إلى تسريع افتتاح محلات السوبرماركت الواسعة التي كانت تحت إشراف رأس المال الغربي. كانت الأسواق ترتبط مع الطبقة الوسطى، منذ أن كان أغلب الطلاب الجامعيين ينحدرون من عائلات صغار التجار. تاريخياً، مع ذلك، تحالف البازاريون مع رجال الدين الشيعة الإيرانيين، المعروفين باسم العلماء، والذين شكلوا طبقة أخرى من البرجوازية الصغيرة التقليدية. قبل إصلاح الأراضي، كان العلماء يهيمنون على مساحات واسعة من الأراضي، عبر عدة أنواع من المؤسسات الدينية.
متّنت إصلاحات الشاه التحالف بين هذه القطاعات من البرجوازية الصغيرة، ورداً على ذلك بدأوا بنشر شعبوية شيعية لحشد تحالف معارض للديكتاتورية الملكية. أصبح آية الله الخميني زعيم حركة المعارضة في الـ 1960ات بسبب رفضه الدائم لإصلاحات الشاه.
كما عنت الإصلاحات الزراعية للنظام أن التدفق السريع للفلاحين المفقرين المحتشدين بسرعة في المدن وبالتالي إلى السوق الرأسمالي. وفي وقت تحول العديد من هؤلاء النازحين الريفيين إلى عمالة مأجورة تعمل في مهن تتطلب عمالاً غير ماهرين، أدى عدم قدرة الصناعة الإيرانية على استيعاب الكثير من العمالة إلى البطالة وظهور الطبقة العاملة المُدنية التي تشغل الأحياء الفقيرة في المدن مثل طهران. خلال الـ 1960ات والـ 1970ات، باتت التظاهرات والاعتصامات الجماهيرية جزءاً اعتيادياً من المجتمع الإيراني. عام 1977، أطلق فقراء المدن سلسلة أحداث أدت في نهاية المطاف إلى اندلاع الثورة الإيرانية.
وفي صيف ذلك العام، قتلت القوى الأمنية العديد من سكان العشوائيات المحتجين على تهديم أحيائهم. في الأشهر اللاحقة، حظت الاحتجاجات بدعم حركة طلابية مناضلة. وشمل ذلك العديد من الطلاب الإيرانيين المتعلمين في الخارج والمعبئين بفضل الحركات المناهضة للامبريالية الحاصلة في كل أنحاء العالم. بحلول شهر كانون الأول/ديسمبر، أغلقت الجامعات أبوابها بسبب التظاهرات المستمرة.
في 6 آب/أغسطس 1978- ذكرى انقلاب عام 1953- اشتعلت النيران في سينما ريكس، وهو مسرح في حي للطبقة العاملة في مدينة عبدان، ما أدى إلى حرق أكثر من 400 شخص. على الرغم من أن الظروف الدقيقة بقيت غير معلومة، إلا أن معظم الناس يتهمون السافاك بإشعال النيران. فتصاعدت التوترات إلى الانفجار في 8 أيلول/سبتمبر 1978، بعد أن أصبح يشار إليه باسم الجمعة السوداء- أمر الشاه بقمع وحشي للتظاهرات، ما أدى إلى مقتل ما بين 1000 إلى 3000 متظاهر. ردت الطبقة العاملة بغضب كامل.
في اليوم التالي للجمعة السوداء، أضرب ما يقارب ألف عامل في مصفاة طهران للنفط. انتشر الإضراب بسرعة إلى بقية المصافي والمصانع وتكلف النظام المحاصر أكثر من 50 مليون دولار باليوم. أقيمت لجان الإضراب في أماكن العمل لتنسيق الإضراب. نفذ عمال إيران ضربتهم القاضية عندما نظموا إضراباً عاماً في نهاية العام 1978 وأوقفوا كامل الاقتصاد.
بعد موجة الإضراب التي استمرت 4 أشهر- وبلغت ذروتها بالإطاحة بالشاه، الذي هرب من البلاد في 16 كانون الثاني/يناير 1979- ظهرت الإمكانات التحررية للنضال الطبقي البروليتاري بشكل كامل. في ظل فراغ السلطة الذي تلا ذلك، بدأت المجالس العمالية الناشئة، على شاكلة السوفيتات الروسية بالتطور. بدأت مجالس الشورى هذه، المنبثقة من لجان الإضراب، في ممارسة سلطتها عبر مصادرة المصانع ووضعها تحت السلطة العمالية.
كما أقام الفلاحون المفقرون في الريف، متأثرين بهذه الأمثلة العمالية، مجالس شورى لهم وبدأوا بالسيطرة على الأراضي الكبيرة التي كانوا يعملون فيها. ولكن على الرغم من هذا التصعيد في الصراع الطبقي، انحطّت الثورة إلى جمهورية إسلامية يحكمها رجال دين غير رحيمين. بحلول 1983، استعيد النظام البرجوازي، ومنعت الشورى والنقابات العمالية المستقلة، وحظرت كل الأحزاب اليسارية وسحقت. كيف كانت تلك الهزيمة ممكنة؟
ثورة الخميني المضادة
مع الاحتجاجات الإيرانية، ازدادت خشية الامبريالية الأميركية من التشكيك بالرأسمالية. وبحسب المؤرخ نيكي كيدي، كانت وزارة الخارجية “على صلة بشخصيات علمانية ودينية قد تنضم إلى تحالف حكومي يمكن للحكومة الأميركية التعاطي معه”. (4)
وجدت الولايات المتحدة حليفاً محتملاً في الخميني، الذي كان في المنفى منذ 14 عاماً في فرنسا. وعلى الرغم من وعوده بتأمين المصالح الأميركية، حافظ الخميني على علاقة معقدة مع واشنطن. لقد عرف أن الجماهير الثائرة، التي هدف إلى اجتذابها، معادية بشدة للامبريالية.
وسمح الاستيلاء على السفارة الأميركية في طهران وما تلاها من أزمة رهائن فرصة مثالية للخميني لتعزيز مكانته بين الجماهير والتلويح بمؤهلاته المناهضة للامبريالية. وتحت غطاء هذه الأزمة الجديدة، ناور المسؤولون الإيرانيون مع حملة رونالد ريغان الرئاسية لتأمين إطلاق سراح الرهائن المعتقلين في إيران بعد الانتخابات الأميركية عام 1980، ما أدى إلى إحباط الطموحات الرئاسية للرئيس [وقتها] جيمي كارتر. أعلن النظام الإيراني إطلاق سراح الرهائن بعد دقائق من خطاب تنصيب ريغان.
كما قدمت الولايات المتحدة التشجيع والأسلحة لنظام صدام حسين للهجوم على إيران، الذي شن حرباً دامت 8 سنوات أدت إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص. كان المقصد من ذلك تقييد الجماهير من الاستمرار بالثورة، ولكن سمح كذلك للخميني بترسيخ ديكتاتورية رجال الدين، وإقامة الجمهورية الإسلامية.
في هذا المسار، فقدت الولايات المتحدة إحدى قواعدها الاستراتيجية التي كانت أساسية في المنطقة. ومن أجل استعادة النظام البرجوازي، مع الإبقاء على مسافة بعيدة عن الامبريالية، بدأ النظام البرجوازي القومي بقيادة رجال الدين فترة من القمع السياسي والاجتماعي لمعارضته السياسية، وخاصة اليسار والقوميات المضطهدة المناضلة من أجل تحقيق مصيرها، كالكورد.
إن ترسيخ النظام الجديد عنى تدمير كل ما بنته الطبقة العاملة عام 1979: الشورى. لقد حاربت هذه المنظمات العمالية بكل شجاعة من أجل تحقيق السيطرة العمالية على المصانع. ومثلت بشكل موضوعي شكلاً أولياً للسلطة المزدوجة، حتى لو افتقدت للتنسيق. في البداية، تجاهلت أمر الخيميني بحلها، وبدلاً من ذلك طالبت بزيادة الرواتب، وتحسين ظروف العيش، وتأميم الصناعات المختلفة. ولكن مع تقدم الثورة المضادة، وضعت الشورى في موضع دفاعي. وبحلول نيسان/أبريل 1980، دخلت عملية “الأسلمة”، التي كانت قد بدأت مع إقرار دستور ثيوقراطي قبل سنة، أماكن العمل ودمرت منظمات العمال المستقلة.
ظهر دور الخميني، كشخصية رجعية بتوجهات بونابارتية، من خلال اعتماده الشديد على الجهاز القمعي، ولكن كذلك على سردية إسلامية تسعى إلى التوفيق بين الانقسامات الطبقية بين البرجوازية والجماهير العاملة. وكما كتبت عالمة الاجتماع فالنتين مقدم، إن الخطاب الموحد للخمينية قام على “إسلامية شعبوية راديكالية من شأنها إثبات أنها مقنعة للغاية- خطاب سيطر على بعض المفاهيم اليسارية (الاستغلال- الامبريالية والعالم الرأسمالي)، واستعمل التصنيفات العالم الثالثية (التبعية، الشعب) والعبارات الشعبوية (الجماهير الكادحة)، وصبغ كل ذلك بمفاهيم دينية محددة بمعنى جديد وراديكالي”. (5)
اعتمد الخميني في الكثير من خطاباته الإسلامية الراديكالية على كتابات علي شريعتي، الذي يعتبره الكثيرون المنظر الحقيقي للثورة الإسلامية. ألهمت عالم الاجتماع المتعلم في فرنسا نظريات ما بعد الاستعمار خاصة تلك التي كتبها فرانز فانون وقدم “نسخة إسلامية للاهوت التحرير”، كما كتبت كلوديا سيناتي. (6)
رغم ذلك، لا يمكن تفسير الثورة الإيرانية، على الرغم من بُعدها الخمينيّ، من خلال جوانبها الثقافية فقط، كما حاول مفكرو ما بعد الحداثة كما فعل ميشال فوكو. (7) بدلاً من ذلك، يمكن فهم هذا المسار الثوري المفارق بشكل أفضل عن طريق عدسات الصراع الطبقي. وعلى وجه التحديد، كانت انتفاضة الطبقة العاملة، والطبقات الوسطى، وفقراء المدن رداً على سيرورة غير متكافئة للتطور الرأسمالي، ضد الشاه المكروه والديكتاتوري المدعوم من الولايات المتحدة، ما أدى إلى نشوء اضطرابات اجتماعية واسعة المدى موجهة ضد النظام الملكي والامبريالية.
وهكذا، كان طابع الثورة الإيرانية ديمقراطي عميق. ولكن مع تقدمها، طورت بشكل متزايد سمات الثورة العمالية. إذا لم تكن الطبقة العاملة قادرة على الاستيلاء على السلطة السياسية، فذلك بسبب الضعف السياسي لليسار وغياب قيادة ثورية قادرة على دفع برنامج الثورة الاشتراكية إلى الأمام.
اليسار في إيران
ارتبطت أكبر منظمات اليسار في إيران، بأشكال مختلفة، بفكرة أن الثورة الإيرانية لا يمكن إلا أن تكون اشتراكية.
كان حزب توده (الجماهير) أكبر حزب يساري في إيران، حيث كان يضم ما لا يقل عن مئة ألف عضو وكان له تأثير مهم بين العمال. تأثر توده بتوجهات الاتحاد السوفياتي في وقت كانت الستالينية العالمية تتهاوى. آمن الحزب أن الثورة يمكن أن تؤسس لحكومة برجوازية تقدمية، شبيهة بتلك التي أسقطت عام 1953- واعتبر أن التحالف مع الجناح القومي للبرجوازية مرحلة ضرورية على طريق الاشتراكية. بناءً إلى نظرية الثورة على مراحل، دعمَ الحزبُ الخميني، حتى في وقت بدأ نظام الأخير بشن حملة قمعية واسعة على اليسار.
بعد انتصار الثورة الكوبية عام 1959، تبنت المنظمات اليسارية في العالم استراتيجية حرب العصابات متأثرة بـ شي غيفارا. وظهرت منظمتان على هذا الشكل في البلاد خلال الـ 1960ات. الأولى، كانت منظمة مجاهدي خلق، والتي حاولت الجمع بين قراءة يسارية للإسلام. والثانية، هي منظمة فدائيي الشعب، التي كانت “ماركسية-لينينية”، أي ستالينية. خاضت المنظمتان النضال المسلح ضد نظام الشاه، وجمعتا مئات الآلاف من المؤيدين خلال الثورة.
لم يكن ضعف منظمات حرب العصابات هذه فقط لكونها وحدات صغيرة مسلحة، إنما بسبب طبيعتها كونها معزولة عن الجماهير، باعتبارها الموضوع الثوري الحاسم. لم تكن نظرية حرب الشعوب التي طال أمدها كما وضعها ماوتسي تونغ، أو نظرية حرب العصابات التي طورها شي غيفارا، بمثابة استراتيجيات لهزم الرأسمالية وبناء الاشتراكية. إنما كانت تلك استراتيجيات مرحلية تستعمل الوسائل العسكرية لإقامة حكومات تجمع العمال والفلاحين مع أجنحة برجوازية التي يفترض أنها “تقدمية ووطنية”. (8)
لذا، وفي حين كان للمجاهدين والفدائيين مظهر “النضالية” أكثر من توده، إلا أنهم اشتركوا مع ذات الهدف الاستراتيجي: إقامة حكومة برجوازية “تقدمية”. مثّل المسلحون شكلاً مسلحاً من التعاون الطبقي- الإصلاحي مع السلاح. وكانوا منقسمين بشكل دائم حول مسألة الجناح البرجوازي الذي يفترض أن يكون “تقدمياً”. في البداية اعتبر المجاهدون أن الخميني تقدمي، لكن سرعان ما نقلوا ولاءهم إلى أجنحة أخرى من النظام أكثر قرباً من الامبريالية. انشق مجاهدو خلق لاحقاً ووالوا النظام العراقي المؤيد للامبريالية. انقسم الفدائيون بين أغلبية تؤيد بشكل نقدي النظام الجديد وأقلية بدأت حرب عصابات جديدة ضده. حتى هذه الأقلية، رغم كل ذلك، تمسكت بمفهومها المرحلي.
كان هناك بديل لسياسة المراحل، الذي تبنتها الستالينية من الاشتراكية الديمقراطية وفرضتها على الحركة الشيوعية الأممية. كانت التروتسكية في إيران متجسدة في منظمتين مختلفتين. الحزب العمالي الاشتراكي المتشكل من طلاب إيرانيين الذين انضموا إلى الأمانة العامة للأممية الرابعة في وقت كانوا يدرسون في بريطانيا. كان الحزب متماشياً مع سياسة إرنست ماندل. في المقابل، تشكل الحزب الاشتراكي الثوري من طلاب درسوا في الولايات المتحدة وكان قريباً من الحزب العمالي الاشتراكي الأميركي، القسم الأميركي من الأممية الرابعة، في وقت كان قياديوه قد بدأوا بالانشقاق عن برنامج الثورة الدائمة (على الرغم من أنهم قد قرروا هذه الخطوة العلنية منذ سنوات قليلة فقط).
اختلف هذان الفصيلان حول طريقة الارتباط بالحركة المناهضة للامبريالية التي استقطبها الملارشي. كان الحزب الاشتراكي الثوري على استعداد للتخلي عن أي مبدأ اشتراكي حفاظاً على دعمه للنظام الجديد. كما قدم دعماً نقدياً للمرسوم الذي فرض على النساء ارتداء ثياب إسلامية. لماذا؟ “السؤال الأساسي هو… نضال المجتمع بمجمله ضد الامبريالية الأميركية”. (9). دعم الحزب الاشتراكي الثوري الحملة القمعية التي شنها النظام ضد اليسار، ومن ضمنهم التروتسكيين.
في المقابل، أنكر الحزب العمالي الاشتراكي أن الخميني يشكل “قوة معادية حقيقية للإمبريالية”، وقد أعلن بكل حكمة “أن معاداة الامبريالية تعني… إنشاء اقتصاد مخطط”. (10) كان الحزب العمالي الاشتراكي قادراً على كسب بعض الوزن السياسي، وخاصة بين العمال العرب في مقاطعة خوزستان، الذين كانوا يناضلون من أجل مطالبهم الوطنية والاجتماعية. ولكن هذا الوزن قد تسبب بجذب انتباه النظام إليه، الذي اعتقل أعضاءه وأعدمهم في بداية عام 1979.
في نهاية المطاف، لم تكن الاتجاهات التروتسكية- التي أسسها المنفيون الذين رجعوا إلى إيران بعد اندلاع الثورة- منظمة بشكل كافٍ لتحمل القمع الوحشي. بحلول عام 1983 كانوا قد سحقوا وطردوا من البلاد. في تلك السنة، أصدر تروتسكيو الأممية الرابعة تقييماً نقدياً انتقدوا فيه الميل لدعم مواقف الخميني، خاصة وأن الحزب الاشتراكي الثوري كان حزباً رسمياً. (11) ولكن يبدو أن عقوداً في المنفى أدت إلى حل تلك التنظيمات. في هذا الوقت لسنا على علم بالاتجاهات التروتسكية بإيران اليوم- ما عدا واحدة سنتكلم عنها في القسم التالي. (12)
لا بد من الإشارة إلى التيار الدائر في فلك منصور حكمت، والذي استمر إرثه من قبل عدة فصائل “شيوعية عمالية” في المنفى وفي كومالا في كوردستان الإيرانية. مع انبلاج الثورة الإيرانية في الأفق، كسر حكمت العقيدة الأساسية لكل التيارات المتأثرة بالستالينية عندما أعلن بشكل صريح أن فكرة “البرجوازية الوطنية التقدمية” هي أسطورة. مع ذلك، في الوقت عينه، اتخذ موقفاً نابعاً من الماركسية الإصلاحية للأممية الثانية، بحسب منصور: إيران لم تكن “ناضجة” بما فيه الكفاية لتحقيق الاشتراكية. من خلال معارضة هذه الأطروحات غير المتجانسة، تبنى نظرية لينين بالنسبة لروسيا عام 1905: يمكن للطبقة العاملة الإيرانية، المشكلة بنفسها لقطب سياسي مستقل، قيادة ثورة ديمقراطية في حين كانت البرجوازية الإيرانية ضعيفة جداً وجبانة لتنفيذها. ومثل هذه الثورة الديمقراطية العميقة في إيران، بقيادة الطبقة العاملة، ستكون شرارة للثورات الاشتراكية في البلدان الأكثر تقدماً، وبدورها ستسمح هذه الديمقراطية الراديكالية في إيران نحو تحقيق البناء الاشتراكي. (13) وهذا ما يشبه إلى حد كبير نظرية كاوتسكي حول روسيا في عام 1905. (14)
هذا التفصيل هو الأكثر إثارة للاهتمام بسبب عدم كفايته- فهو يضيء على الاختراق النظري الضروري الذي وضعه تروتسكي للمرة الأولى عام 1906: الطبقة العاملة، التي تضع نفسها على رأس النضال من أجل الديمقراطية وتؤسس قوتها الخاصة على شكل حكومة عمالية، لا يمكن أن يقتصر برنامجها على تحقيق الديمقراطية. حتى لو حاول الحزب العمالي ذلك، فإنه سيقابل بعرقلة وتخريب وفي نهاية المطاف بثورة مضادة دموية تشنها البرجوازية. كيف يمكن للعمال الاحتفاظ بالسلطة السياسية وترك الاقتصاد بيد مستغليهم؟
توقعت نظرية الثورة الدائمة بشكل دقيق المسار الذي يجب أن تسلكه الثورة الروسية الآتية عام 1917- في حين طبق الاشتراكيون الفنلنديون برنامج “الديكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين” في ثورتهم خلال عامي 1917-1918، على أمل خضوع الرأسماليين لحكومة ديمقراطية للطبقة العاملة، إلا أنهم وقعوا في شرك التناقضات وانتهى الأمر بهزيمة دموية. (15) ولكن الثورة تصبح “دائمة” بتحولها من مهمة ديمقراطية إلى مهمة اشتراكية- وتصبح “دائمة” بمعنى آخر من خلال الانتشار من الإطار الوطني إلى الإطار العالمي.
البرنامج النظري للثورة الدائمة وثيق الصلة بإيران اليوم. ناضل العمال بشجاعة ضد ديكتاتورية الشاه، ولكن لا يمكن تحقيق مكاسب ديمقراطية من دون الانفصال عن الامبريالية وإعادة تنظيم اشتراكي للمجتمع. لقد حاربت البرجوازية الإيرانية الشاه ببرودة، ولكن عندما تعرضت مصالحها للتهديد من قبل الحركة الجماهيرية، أطلقت المجال لغضبها الشديد. لذلك من الضروري للطبقة العاملة، بالتحالف مع قطاعات مضطهدة أخرى، النضال لتدمير السلطة الاقتصادية والسياسية للرأسماليين (في الداخل والخارج). إنه السبيل الوحيد لتأمين الديمقراطية.
دروس لليوم
بالنظر إلى دروس ثورة عامي 1979-1980 من الواضح أنه على اليسار الاشتراكي الثوري تجنب خطئين:
سيكون الخطأ الأول هو وضع أي آمال بأي جناح من الطبقة الحاكمة- سواء كانوا الإصلاحيين الآملين بعقد اتفاقات تعاونية مع القوى الإمبريالية، أو “المتطرفين” المتميزين بخطاب تصادمي. منذ 10 سنوات، رأينا تعليق آمال شرائح كبيرة من الشباب واليسار على شخصيات “معتدلة” في الحركة الخضراء. لكن مثل هذه الشخصيات هي أشكال معدلة من الهيمنة الامبريالية- أي تبعية تُفرض بأشكال جديدة من القمع الداخلي.
الخطأ الثاني هو السماح للمعارضة المبررة لنظام الملارشي بأن تتحول إلى دعم للقوى الامبريالية. لقد حصل ذلك مع أجنحة متعددة من اليسار الإيراني، وأشهرها منظمة مجاهدي خلق، والتي هي اليوم كناية عن عصبة غريبة النوع وحدهم صقور واشنطن يأخذونها على محمل الجد. ولكن بغض النظر عن هذه الأمثلة المتطرفة، هناك ميول منتشرة بين اليساريين الإيرانيين لأخذ موقف محايد من الصراعات بين الامبريالية والنظام الإيراني. وكمثل عن ذلك، سنقتبس من نص بعنوان “تأملات حول الرسالة المفتوحة إلى مغريني” من مجموعة تسمي نفسها التيار البلشفي اللينيني الإيراني. وقد بدأوا بيان المبادئ بمقاربة تبدو صحيحة:
“في رأينا، حماية الاستقلال السياسي للطبقة العاملة من الأطراف المتعددة داخل النظام السياسي الحاكم في إيران، وفي الوقت عينه، من الامبريالية هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للحركة العمالية. مهمتنا هي التخلص من الدولة الرأسمالية (مهما كانت أشكالها) لمرة واحدة وإلى الأبد.”
ومع ذلك فقد توصلت المجموعة إلى أسوأ نتيجة ممكنة:
“في مواجهة التهديد بشن هجوم عسكري امبريالي، نحن لا نقف مع البرجوازية “المحلية” ولا مع القوى “الخارجية”. بدلاً من ذلك، في هذه الحالة، مهمتنا الفورية هي شل آلة الحرب وتحويل الحرب إلى ثورة ضد الأطراف الرجعية في هذا الصراع وتشكيل جبهة ثورية ثالثة، جبهة تضم الطبقة العاملة في إيران والمنطقة والدول المتواجهة. مهمتنا هي فضح الطبيعة الرجعية لكل من جانبي هذه الحرب الرأسمالية وبيادقها”.
تدّعي هذه المجموعة أنها تنتمي إلى تراث لينيني-بلشفي، المعارضة اليسارية للأممية الشيوعية بقيادة ليون تروتسكي، مع ذلك يبدو أنها لا تعرف شيئاً عن مواقف تروتسكي المناهضة للإمبريالية. صحيح أن نظامي الولايات المتحدة وإيران برجوزيان ورأسماليان ورجعيان وقمعيان… ولكن هل تعني هذه الأوصاف أنه يمكننا بكل بساطة المساواة بين واشنطن وطهران؟ الامبريالية الأميركية هي أكبر قوة للقتل الجماعي والتدمير. أما على النقيض، إن الجمهورية الإسلامية هي قوة إقليمية غير مستقرة بالكاد يمكنها تجاوز حدودها عسكرياً. ليس صعباً إقامة المقارنة. لم يقدم الماركسيون أي دعم لديكتاتورية صدام حسين المؤيدة للامبريالية في العراق. ولكن الولايات المتحدة كانت قادرة على القتل الجماعي على نطاق واسع- ففي حين قتل نظام صدام 15 ألف شخص بواسطة الغازات السامة، قتلت الامبريالية الأميركية 500 ألف شخص بواسطة العقوبات “السلمية”.
فلنتخيل حرباً تشنها الامبريالية الأميركية على إيران. إن انتصار الامبريالية يعني هزيمة العمال والشعوب المضطهدة حول العالم. وخسارة الأميركيين خلال الهجوم- حتى الخسارة على يد قوة رجعية كالجمهورية الإسلامية- يمكن أن يعطي دفعاً كبيراً من الثقة للنضالات التحررية في كل مكان. وضع تروتسكي هذا المقاربة المعادية للامبريالية خلال مناقشة له عام 1938:
“يسيطر على البرازيل اليوم نظام شبه فاشي لا يمكن لكل ثوري إلا النظر إليه بكراهية. لفترض، رغم ذلك، دخول إنكلترا بصراع عسكري مع البرازيل. أسألكم إلى جانب من ستكون الطبقة العاملة خلال الصراع؟ سأجيب بنفسي عن هذا السؤال- في هذه الحالة سأكون مع البرازيل “الفاشية” ضد بريطانيا العظمى “الديمقراطية”. لماذا؟ لأن الصراع بينهما لن يكون حول مسألة ديمقراطية أو فاشية. فإذا انتصرت إنكلترا، فإنها ستنصب فاشية أخرى في ريو دي جانيرو وستضع أعباء إضافية على البرازيل. وإذا، على العكس من ذلك، انتصرت البرازيل، فمن شأن ذلك إعطاء زخم كبير للوعي الوطني والديمقراطي للبلد ما يؤدي إلى الإطاحة بديكتاتورية فارغاس. إن هزيمة إنكلترا ستوجه ضربة في الوقت عينه للإمبريالية البريطانية وتعطي دفعاً للحركة الثورية للبروليتاريا البريطانية”.
يحتاج اليسار، سواء في إيران أو على الصعيد الدولي، إلى أن يكون جزءاً من الحملات المناهضة للامبريالية ضد الغزو الأميركي، في الوقت عينه يرفض تقديم أي دعم للملارشي. إن هذا النوع من التعبئة هو بالتحديد مدى نفاق النظام الإيراني وفساده. هذه هي اللحظة التي يمكن للطبقة العاملة أن تقدم نفسها كقيادية محتملة لكل العمل في النضال من أجل الديمقراطية- من بينها التحرر من الإمبريالية. أي شكل من “المعسكر الثالث” و”مناهضة مناهضة الإمبريالية”- في حين أنه يمكن تفهم ردة الفعل على معاداة النظام المزيفة للامبريالية، ونتيجة لتراجع المعنويات بسبب المنفى- سيؤدي ذلك إلى وقوع النضال التقدمي في يد النضال الرجعي.
يمكن للطبقة العاملة القوية في إيران إعادة صياغة أساليب عام 1979. كانت الثورة الإيرانية واحدة من آخر النضالات العظيمة للطبقة العاملة الأممية قبل أن ينطلق الهجوم البرجوازي على الطبقة العمالية الأممية. وهكذا فتحت هزيمة العمال الإيرانيين الطريق أمام مسار النيوليبرالية الرابحة. وكانت الثورة الناجحة ستوجه ضربة قوية للإمبريالية وأتباعها في كل أنحاء المنطقة، وكانت ستُلهم العمال في كل أنحاء العالم.
اليوم يمكن للطبقة العاملة الإيرانية أن تكون مرة أخرى في طليعة عمال المنطقة الخاضعين لعصبة من الزمر الرجعية التابعة للإمبريالية. لكن مثل هذه المقاربة تتطلب بناء قيادة ثورية جديدة- على أساس تعلّم الدروس من التجارب الثورية السابقة.
الهوامش:
1. V. I. Lenin, Imperialism, the Highest Stage of Capitalism, Marxists Internet Archive, 1916.
2. Assef Bayat, Workers and Revolution in Iran (London: Zed Books, 1987), 22.
3. Ervand Abrahamian, A History of Modern Iran (New York: Cambridge University Press, 2008), 140.
4. Nikki Keddie, Modern Iran: Roots and Results of a Revolution (New Haven, CT: Yale University Press, 2006), 235.
5. Val Moghadam, “Socialism´-or-Anti-imperialism? The Left and Revolution in Iran,” New Left Review 166 (November/December 1987):14.
6. Claudia Cinatti, “Islam político, antiimperialismo y marxismo,” ft-ci.org, July 7, 2007 (our translation).
7. Janey Afary and Kevin B. Anderson, Foucault and the Iranian Revolution: Gender and the Seductions of Islamism (Chicago: University of Chicago Press, 2003).
8. See Emilio Albamonte and Matías Maiello, Estrategia socialista y arte militar, chap. 6 (Buenos Aires: Ediciones IPS, 2018).
9. Interview with Masha Hashemi, a leader of the HKE,” Intercontinental Press 18, no. 30 (August 4, 1980): 830–32.
10. HKS statement, Intercontinental Press 18, no. 29 (July 28, 1980): 805–7.
11. Their resolution, “Revolution and Counter-revolution in Iran,” is available on Maziar Razi’s website and on Marxist.com, of the IMT.
12. For more on the history of Iranian Trotskyism, see Robert Alexander, International Trotskyism, 1929–1985: A Documented Analysis of the Movement (Durham, NC: Duke University Press, 1991), 558ff. For a recent defence of the HKE, see Barry Sheppard, The Party: The Socialist Workers Party 1960–1988, A Political Memoir, Volume 2: Interregnum, Decline and Collapse, 1973-1998 (London: Resistance Books, 2005), 143–78, 220–31.
13. In 1978, Hekmat maintained that “the revolution in Iran is not immediately a socialist, but a democratic revolution.” But simultaneously that it was “an inseparable part of the world socialist revolution.” Mansoor Hekmat, “The Iranian Revolution and the Role of the Proletariat (Theses),” 1978, Marxists.org.
14. In contrast to the majority of socialists at the time, who thought Russia’s next revolution would inevitably be bourgeois and democratic, Kautsky wrote in 1906 that Russia’s “promise is rather the ushering in of an era of European revolutions that will end with the dictatorship of the socialist society.” Karl Kautsky, “Revolutions, Past and Present,” 1906, Marxists.org.
15. See Nathaniel Flakin, “When the North Star Turned Red,” Left Voice, May 12, 2019.
#مريم_العنيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟