أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - شريف حتاتة - البحث عن ثغرة فى الحصار















المزيد.....

البحث عن ثغرة فى الحصار


شريف حتاتة

الحوار المتمدن-العدد: 7477 - 2022 / 12 / 29 - 21:54
المحور: القضية الفلسطينية
    


البحث عن ثغرة في الحصار
---------------------------------------

جاءني صوتها متقطعا، مبحوحا فالتقطت كلماتها بصعوبة خلال أسلاك التليفون . قالت ، أنا شاهندة يا دكتور شريف، أكلمك لنؤجل موعد اليوم.
لأول وهلة لم أهتد إلى صاحبة الصوت، رغم أنها نطقت باسمها. لكن بعد قليل أسعفتني الذاكرة، فسألتها. لماذا تغيـر صـوتك ؟ ،هل أصابك دور من أدوار الأنفلونزا المنتشرة هذه الأيام ؟ ".
قالت: " لا ....... كنت في مظاهرة جامعة القاهرة أمس، وألقـوا علينا الغازات المسيلة للدموع، فالتهب حلقى التهابا شديدا .... لكن ليس هذا هو السبب ، الذي أريد من أجله أن نؤجل اجـتـمـاعنا اليوم .. فأنا ضمن وفد ، سيذهب إلى مكتب الأمم المتحدة بجاردن سيتى ، ليرسل ببيان إلى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة ، احتجاجا على ما يحدث في فلسطين ".
سألتها عن أعضاء الوفد ، فقالت: " ممثلو اللجنة الشعبية لمناصرة فلسطين، وبعض المثقفين، والكتاب، والصحفيين، وآخرون. لماذا لا تنضم إلينا. مقر مكتب الأمم المتحدة قريب من فندق شبرد ".
قلت: لكني لم أشارككم في الخطوات السـابقـة ، فكيف أنضم إليكم الآن؟.
قالت: " لكن وجودك معنا مهم في مثل هذا اليوم ". ترددت. منذ مدة لم أشارك في مظاهرات أو وفـود من هذا النوع. فضلت أن أكـرس جهودي في أشياء أخرى. لكن هذه المرة أحسست في أعماقي بتأنيب الضمير. المظاهرات تندلع في كل مكان، والناس في حالة غليان، والفلسطينيون محاصرون، يقتلون في كل يوم، ثم أظل أنا هكذا قاعدا في البيت، تراءى أمامي في هذه اللحظة وجه حياة الأخرس الصارم، الجميل. أخترقتني نظرة عينيها السوداويتين ، فبعثرت الكلمات التي كنت أستعد للنطق بهـا ، مـعـتـذرا عن عدم الانضمام لأعضاء الوفد.
قلت: المكتب في شارع أوزيريس أليس كذلك ؟ . متى ستذهبون؟ .
قالت : " اتفقنا على أن نلتقي هناك في الحادية عشرة ظهرا ".
قلت : سأكون هناك في الموعد .
هبطت من العمارة التي أسكن فيها في حدائق شبرا قبل الموعد بساعة. قدت سيارتي على كورنيش النيل، وفي الطريق قررت أن أتركها في موقف ميدان عبد المنعم رياض، فعند فندق شبرد سيتعذر العثور على مكان . سرت على قدمي من الموقف حتى شارع أوزيريس لأصل في الحادية عشرة حسب الاتفاق. عندما وصلت وجدت الشارع خاليا فيما عدا مجموعة من ضباط البوليس، وعدد كبير من عساكره . فبعضهم كان يرتدى الملابس السوداء الرسمية، وبعضهم كانوا من رجال الأمن العام جاءوا بملابسهم المدنية. أمام باب العمارة التي قصدتها تجمع عدد من الضباط فتوقفت، وسلمت عليهم. تعرف على أحدهم ، فاستغرقنا في الحديث عما يحدث في فلسطين ، إلى أن بدأ أعضاء الوفد في الوصول تباعا، فصعدت معهم مكتب هيئة الأمم المتحدة .
كان المكتب في الدور الأول . لكن الباب كان مغلقا ، واضطر أحدنا إلى الدق عليه دقات متواصلة إلى أن انفتح ، لنجد أمامنا رجلا طويل القامة ، فحصنا بنظرة فيها امتعاض سادا الطريق أمامنا. إلى جواره متراجعة قليلا، وقفت امرأة في مقتبل العمر ترتدي ثوبا أسود. بدأ على وجهها هي أيضا أنها ليست مرحبة بقدومنا، لكن بعد تحدثنا إليهما قليلا ، أفسحا لنا الطريق، فدخلنا وجلسنا حول منضدة كبيرة كانت تتوسط الصالة .
في الجزء الخلفي من الصالة ، لمحت عددا من الشابات بدأ عليهن أنهن من موظفات المكتب ، واقفات يلقين ناحيتنا بنظرات فيها توجس ، كأنهن يخشين مما قد يحدث بسبب هذه الزيارة. عند قمة المنضدة ، جلس الرجل الطويل القامة، وإلى جواره السيدة ذات الرداء الأسود. بعد قليل ، عـرفنا أنه اللواء المسئول عن الأمن في المكتب وأنها هي المديرة .
أخذا يعبران عن رغبتهما في أن يقتصر الوفد على عدد قليل ، حتى لا تحدث شوشرة على حد تعبيرهما. لكن سرعان ما توافد على المكان باقي الأعضاء ، فاستسلما للأمر الواقع . أختفى السيد اللواء وامتلأت الصالة . لكن ظللنا نتحدث فيما بيننا ، إلى أن تكتمل الأعداد التي اتفق على حضورها .
بعد أن سجلنا أسماءنا، وعناويننا، وتليفوناتنا على ورقة تناقلناها فيما بيننا ، سألت السيدة " شاهندة مقلد " عن الخطوة القادمة . فهمست لى أننا سنقدم البيان المعد سلفا إلى مسئولة المكتب لترفعه إلى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة " كوفي عنان " .
كان علينا أن ننتظر اكتمال الوفد ، الذي مازال بعض اعضائه في الطريق، فقررت أن أهبط إلى الشارع لأرى ما الذي يحدث. فوجدت ما يقرب من أربعين أو خمسين رجلا وامرأة ، كنت أعرف بعضهم يقفون أمام باب العمارة. كانوا قد أعدوا لافتات مختلفة كتبت عليها شعارات التأبيد لنضال الشعب الفلسطيني، والتنديد بالاعتداءات الاسرائيلية الوحشية عليه، وتطالب بطرد السفير الإسرائيلي من مصر، وغلق السفارة الإسرائيلية، وأشياء أخرى.
قوات الأمن كانت تحاصر الواقفين في الشارع من جميع الجهات. أغلقوا منافذه الضيقة من ناحيتيه بالعساكر. وضعوا الحواجز الحديدية لمنع المرور فيه، وساروا يروحون ويجيئون في كل الاتجاهات ، وهم يتحدثون في التليفونات المحمولة، أو ينظرون إلينا .
في هذه الأثناء بدأ الهتاف . تناوب الهتاف أربعة من أعضاء الوفد، وتولى الجمع الصغير الرد عليهم. واستمر الوضع على هذا المنوال لمدة ساعة تقريبا. في هذه الأثناء كان أحـد المسئولين عن الوفـد ، يـتـشـاور مع رجال الأمن بين الحين والآخـر ، ربما لتفادي أي احتمال لحدوث نوع من أنواع الفوضى. وفي لحظة معينة ، أشار هذا المسئول إلى عدد منا ، لكي نصعد إلى المكتب في الدور الأول.
عندما دخلت ، دعاني المتحدث باسم الوفد الأستاذ " عادل المشد " إلى الجلوس إلى جواره أثناء إلقاء البيان. ترددت قليلا قبل أن ألبي دعوته ، ظنا أن غـيـرى من أعضاء اللجنة قد يرى أن يجلس في هذا المكان ، حيث أني كنت مجرد وافد عليها. لكن لم يتقدم أحد . فتسللت وسط الزحام وجلست على المقعد . منذ أن حضرت في الصباح وتتبعت ما كان يدور، تملكتني حالة من الضيق، والحزن إزاء الإحساس المتزايد باللاجدوى. عقلي وقلبي ظلا يهمسان لى بعدم فائدة من هذا التجمع الصغير الحجم ، الذي يهتف في حارة ضيقة محاصرة برجال الأمن ، ولا فائدة من البيان الذى سيرفع لكوفى عنان ، المنفذ العام للسياسات الأمريكية ، والخادم الأمين لمصالحها الاستعمارية ، الباقى فى منصبه بفضل عطفها عليه ، المتواطىء فى الحصار الذى تفرضه الولايات المتحدة على العراق. وفى الحرب التى تشنها فى افغانستان. والتى تهدد بتوسيعها لتشمل العراق وبلاداً أخرى .
فى فلسطين تطلق طائرات الفانتوم ومروحيات الأباتشى ، القنابل والصواريخ على الشعب الأعزل . ويذبح الرجال ، والنساء والأطفال ، وتدمر مساكنهم ، ومدارسهم ، وكل ما أقاموه تمهيدا للاستقرار على 20% من أراضيهم الأصلية . فى فلسطين يحاصر الذين يقامون الاحتلال ويقتلون الواحد بعد الآخر . أو يرحلون إلى سجون حيث يجرى تعذيبهم .
طوال الهتافات التى كانت تتردد فى الشارع الضيق ، ظللت أنظر إلى الجمع الصغير المقدام ، تحشرجت أصواتهم من مظاهرات شاركوا فيها قبل أن يحضروا إلى هذا
المكان ، إلى الحصار المضروب من حولهم ، إلى رجال الأمن يتفرجون عليهم بنوع من الإشفاق ربما ، أو ربما بنوع من السخرية . فالنظام لا مانع لديه ، أن تقام مثل هذه المظاهرة التى بدت لى هزلية ، وأنا أقارنها بجحافل الجيوش الإسرائيلية تساندها القوى الذرية ، وتواطؤ أو مساندة القوة العالمية .
قلت لنفسى ، سيصورنا التليفزيون ، وستنشر عنا الصحف القومية لأن النظام متحكم فينا ، يحدد إطار تحركاتنا ومراميها . سيوظفها فى حدود المقاومة الرسمية ، أو فى إيجاد بعض المنافذ للسخط الجماهيرى. لكن هذه مقاومة لن تجدى ، ولن تغير شيئا . ستستمر التدابير فى الغرف المغلقة ، والكواليس الخلفية ، بينما يغنال شعب بأسره تحت أنظارنا .
أحسست أنني أشارك في تمثيلية، وأن الواقفين والواقفات جزء منها، دون أن يشعروا بـحـقـيـقـة الدور الذي أقدموا عليه ...... أصبحنا نقبل الأمر ، ونرضى بالدور الموكول إلينا ، بالحدود التي تحاصرنا، والأطر المفروضة علينا. نقول لأنفسنا هذا هو الممكن، وليس أمامنا إلا أن نخضع لما كتب علينا ، أن نقوم بشيء أي شيء ، لنعود في آخر النهار إلى بيوتنا بنفوس راضية .
ويبدو أن هذه الخواطر أصابت ملامحي بوجـوم ، ظهر عليها . ففوجئت بالأستاذ " عادل المشد " ، يقترب من مِنى وأنا جالس ويقول : " يا دكتور أنت مالك باين عليك زعلان قوى. ماحنا كلنا زعلانين زيك " .
صمت، لم أرد عليه. بعد أن قرأ البيان ألتفت ناحيتى ، وطلب مِنى أن أعلق عليه. فخرجت كلمات كانت تعبيرا تلقائيا ، عن حالة الضيق التي كنت أعاني منها. كلمات لا علاقة لها بالبيان، ولكنها أفصحت عن أشياء كنت أفكر فيها طوال الأيام الماضية، كلمات أعتقد أنها تعبر عن الآلاف بل الملايين من الناس في مصر. والبلدان العربية .
قلت :
" فليـفـتـحـوا لنا الحـدود. فـأنا وغـيـرى نريد أن نذهب إلى رام الله ونصنع من أجسامنا سدا بشريا يحمى الشباب، والنساء، والأطفال من الاعتداءات الوحشية التي توجهها قوات الاحتلال الإسرائيلية إليهم ".
كانت الساعة تقترب من الواحدة والنصف ظهرا ، عندما انصرفت تاركا المجتمعين ليكملوا ما جاءوا من أجله. كان الجمع الصغير لا يزال في الشارع ، محاصرا بالقوى الأمنية، وكان أحدهم يقرأ البيان الموجه إلى كوفي عنان ، بينما جلس الآخرون على الرصيف، أو سلالم العمارة، أو ظلوا واقفين يستمعون إليه. سرت المسافة إلى ميدان عبدالمنعم رياض على قدمي.
وأنا جالس خلف عجلة القيادة عائدا إلى البيت تساءلت ، أليست هناك وسيلة لنخترق نحن الحدود ونذهب إليهم ؟ . أليست هناك وسائل لنفتح ثغرة في الحصار الذي ضربه النظام من حولنا ، لنذهب إلى مدينة " رام الله " ، وإلى غيرها، من المدن والقرى التي تعاني من بشاعة ما يحدث هذه الأيام ؟؟؟؟.
من كتاب : " فى الأصل كانت الذاكرة " 2002



#شريف_حتاتة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأعداء الحلفاء
- الخوف من التقدم
- الاغراء الأخير
- هل أصبح المستقبل للجواسيس ؟
- شجاعة الابداع
- الابداع وتجربة الوعى الباطنى
- يوميات ايطالية
- أدراج الحياة المنسية
- الرضا بالمقسوم .. حوار مع سائق تاكسى اسمه - ممدوح -
- آفة الفكر الأحادى فى النقد الأدبى
- - مارادونا - خواطر غير كروية
- رجل مثل شجرة الجميز
- - عطر - قصة حياة قاتل
- شقة الى جوار الكنيسة
- هل انطفأت الشعلة الأدبية فى مصر ؟؟
- أحلام الطفولة
- اللورد - كرومر - يعود الى مصر
- قرصنة فى ثوب جديد
- على مقعد الحلاّق
- - ماكياج -


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - شريف حتاتة - البحث عن ثغرة فى الحصار