أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام جاسم - سهد التهجير / 24















المزيد.....

سهد التهجير / 24


حسام جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 7477 - 2022 / 12 / 29 - 20:12
المحور: الادب والفن
    


حافية القدمين متلاصقة الردفين، شعٌر اجعد وصٌدر اهطل بلغت الخامسة والسبعين، انها الخالة خرنبوق، لا تزال تسير الطرقات حافيه تعاند الشمس وتبصر القدر في كأس الماء.
يلقى إليها بالكأس المملوء بالماء، تضعه على ساعدها وتقيس المسافة بأصابعها بين الساعد ورسغ اليد وتقرأ التميمة وتكشف المحجوب وتظهر الغائب للعيان وتبعد الشر من الخلان وتقهر الزمن بعنفوان.

في ماضي الايام تم خطف ابنها وقتله ورميت جثته بالبحر.
لم تصدق ذلك الكلام وأصبحت تناجي البحر كل ليلة حتى طلوع الفجر لعله يلفظ ابنها من باطنه، لكنها تعود خائبة إلى أن صادقت البحر وأصبحت تتحدث معه وتبلغه بكل شيء حصل في حياتها وتذكره بإسم ابنها (علسميس).
ضج الناس بقصتها واتهمت بالجنون ونالت عطف البعض منهم
إلى أن ظهرت بوادر البحر في ليلة ظلماء وطرح ابنها خارجه
تمسكت به وسحبته وهي تصرخ أنتم المجانين.... أنه البحر صدق وعده وأوفى عهده.
ذهل الناس وهم يرون ابنها على اليابسة مشدود الوثاق منتفخ العينين ملابسة نفسها..... انه هو !!!!
ومن لون الوثاق تم معرفه القتلة.

ومنذ ذلك الحين أصبحت الخالة خرنبوق عارفه متمرسة في معرفة القدر من مناجاة الماء، وأيقن الناس بأنها على صداقة وطيدة بالبحر وتعرف لغته ويحادثها ويكشف لها أسرار العباد والمراد.

جميع الأفكار الغبية تحتاج إلى تصديق لتصبح أفكارًا عظيمة، لا شيء يفصل بين الغباء والذكاء سوى التصديق، وبالتصديق الأعمى او الأحول ينقلب كيان دولة ما، من ثائرة الى مطيعة، ومن فعاله إلى مفتعلة، ويتغير حال العباد من تصدير القرار إلى استهلاكه.
ويصفق الاعلام ويتبعه تصفيق الأسرة ومن ثم الأطفال ما دون العاشرة( حيث البلوغ في منطقة التهميش والعدم يتم بعد بلوغ الحادية عشرة من العمر).
والشعارات في الدولة الدينية لا يطبقها مفتي شريعة النور بل يقع تطبيقها على الطبقة المهمشة والمتوسطة للدفاع عن أهدافها وتطبيق أفكارها في المجتمع، في حين تعزز الطبقة العليا ثروتها ومفتي شريعة النور يعزز وجاهته وثروته في الدولة والأسرة والاقتصاد والموت.

تستميل السلطة الدينية كلٌ من يعمل على تصديق قولها وتعزيز مكانتها بالخرافات والغيبيات لذلك دعمت السلطة الخالة خرنبوق لإثبات السلطة بصحة حكمها وفق شريعة النور من جهة ولأجل تجهيل الشعب من جهة أخرى.
أدركت الخالة خرنبوق ما وقعت به وكيف لها ان تقول لا لأصحاب السلطة والممسكين بصولجان شريعة النور، كيف......كيف؟!!!!

تتفاعل النفس مع مكنونات رغبتها من جهة ومع خوفها من المصير الذي تواجهه ان قامت بفعل رغبتها.
وسيصبح الأمر سيان عندها عند اكتشاف ان حياتها بأكملها متوقفة لأجل لحظة صدق واحدة.

- لقد ظهرت أوامر بناء المنزل الذي ستسكنين به أمام البحر.

- اريد ان توضع صورة (علسميس) في الواجهة الكبيرة للمنزل.

- هل هناك طلبات أخرى؟!

- لا.

تحاول الخالة خرنبوق التأقلم مع هذا الواجب المطلوب منها وتأديته بصمت وطاعة.

ترتدي ثوبها الشفاف وتهرب من الضغط المجتمعي حولها بلحظه نشوة تمتد لثوان وما تلبث أن تعود لها هواجس القهر والألم.
تضع قضيبًا من الخشب المصقول الناعم في عضوها الأنثوي
تدفعه بسرعه متلهفة لعلها تنسى ولو لحظات ما تعانيه في هذه الحياة، وما معنى للحياة دون النشوة للجنس؟!!!
ينعكس الألم النفسي والقهر والصمت الطويل الذي تعانيه الخالة خرنبوق على جسدها لتعذبه جنسيًا، حيث تطلب من حارسها الموكل بحمايتها من قبل الحكومة ان يمارس عليها العنف الجنسي حتى تنسى وتتحرر من القيود.
كيف يمكن أن يكون العنف الجنسي محرراً؟!!
هل تنكسر القيود بالعنف المسلط عليها؟!!
تتكور أسفل جسده ليحرر جسدها بقضيبه وما بين الجلسة والأخرى تشعر بالسعادة.
تتحسس العنف بأنه السعادة والطريقة المثلى لنسيان ما حصل مع الحكومة والبحر وحتى علسميس.
تنسى كل الوجود أمام حارسها.
تأمره فينفذ وتتوسل له فيطيع.
كيف يكون الآمر ذاته المتوسل؟!!!!
وكيف يكون الجلاد هو نفسه المجلود؟!!!

ينطبق جسديهما مع بعض ليصبحا وحدة واحدة، كتلة من اللحم المتعرق المتحرك بسرعه والمتصارع مع اطرافه.

يصاب الحارس بالتعب والانهاك الا ان الخالة خرنبوق رغم سنها العتيق لا تزال تطلب المزيد حتى تصبح يداه مطوقه لرقبتها دون شعور فتشهق أنفاسها للذة الأخيرة من حياتها.

رحلت الخالة خرنبوق ولم تستفد الحكومة من خرافات البحر وحديثها معه، لذلك قررت إصدار حكم (التطبغ) على الحارس.
حيث يوضع في وسط كفن اخضر ويُلف جسده، وتأخذه النواصي والإقدام حتى يُطحن طحنًا.

ان لم تجد الحكومة أكذوبة تخدع بها الشعب تلجأ لخلقها والتعامل على ضوئها طبقيًا.

تشعل الاغاني الحماسية شعورًا دفينًا للتفريغ في عقول الجموع وتربطهم بقطار الفسحة القصيرة حول الطاعة والدعاء والتعظيم.
وهذا ما فعلته الحكومة من إلقاء قصيدة لمدح نضال الخالة خرنبوق لأجل الأمة والمفتي والحاكم، تحت عنوان (خرنبوق راضيه مرضية) وتحمس لها مطرب البلاط المقدس (شرمطوك) ليغرد بها بصوته العذب الذي تهواه بنات التهميش والعدم ويحلمن به.
تركت الاغنية أثرًا اجتماعيًا في نفوس الجموع المطيعة لمولاها وحامي أمتها.

سماع الأغاني يختلف بين الطبقات فلكل طبقة مطربها الخاص، يداعب هواجسها وتطلعاتها الى الطاعة.
في الطبقة المهمشة ينتشر الغناء بشكل حر وخارج التصنيف بلا حدود، حيث يغني كل الأفراد وحتى من كان صوته بشع له الحق في الغناء ويترك الحظ وحب الجماهير هو الفاصل بين الصوت البشع والجميل.
ينتشر الغناء في أرجاء الطبقة تعبيرًا عن الفقدان والألم والحزن يغلب عليها العويل والصراخ والسرعة في نطق الكلمات وتتميز بالذم والتهديد والوعيد والهرولة.

اما في الطبقة المتوسطة يكون الغناء هادئًا متزنًا لكنه مفعمًا بالمديح والتملق، يغلب عليه صفة تجميل الواقع رغم بؤسه.

اختلف العلماء الشرعيين في حكم الغناء فأنقسم الحكم ما بين من يراه حقًا مشروعًا شرط ان يتميز بمدح المفتي والحاكم والإله، بينما يراه القسم الآخر لهوًا وفعلٌ قبيح فهو غير ذو فائدة لذا وجب تحريمه، رغم عدم وجود نص صريح بتحريمه في كتاب البقايوقات.

في الطبقة العليا يختلف الأمر، فالغناء لديهم يكون مستورد من بلاد أخرى من ثقافات أخرى سماع تلك الاغاني من البلاد البعيدة يدلل الطبقية يرفعها فوق رفعتها ويفصلها عن شعور التهميش والعدم.

ان ما يميز الشعب ليس بتقسيمة طبقيًا بل بالاختلاف في الامتيازات التي تحصل عليها كل طبقة وتجعلها مختلفة وفوق الطبقة التي تحتها، ويجب أن يكون التميز هرمياً.
ويبقى الصراع بين الطبقات يأخذ بعدًا طائفيًا لكنة في الاصل بعدًا اقتصاديًا، لا يمكن السيطرة على مجتمع الطبقات دون امتلاكك للاقتصاد وتحريكه وحينها ستحصل على جميع جوانب السيطرة الأخرى (من سلاح واعلام وقوة عسكرية وزرع الخوف والطاعة ....الخ).
وكيف يتعزز الاقتصاد ورفعة دون طبقة مطيعة وجاهلة تعمل بجهد مضاعف لرغبة وهمية مقدسة وبنفس الوقت تأخذ فتات ما يلقى لها من الأجر!!!!
والا كيف تعمل بإنتاجية أعلى دون مقدس تطيعه؟!!!
في حين على الجانب الآخر تنعم الحكومة أظافرها وتتحسس ضوء الشمس دون أن يحرق أجسادها لامتصاص فيتامين D،
ما أبشع الشمس لدى الطبقة المهمشة؟!!!
وما أجملها لدى الطبقة العليا؟!!!
ميزان واحد يحملها بحسب كتاب البقايوقات، حيث تكون الشمس على الميزان الإلهي، يتحرك الميزان فيتغير الوقت ويحدث الجنس بين الليل والنهار فيتداخلان لأجل إخراج اليوم إلى مسعاه!!!
ولولا رحمه الإله لما بقيت الشمس على الميزان لسقطت وماتت البشرية ودخلها الظلام الدامس.
رغم الطاعة العمياء لجميع الجموع على مستوى الطبقات الاجتماعية الا ان كتاب البقايوقات يبقى يذكرهم بالطاعة ويقول بأنهم لم يصلوا بعد لمحراب الطاعة وبأنهم منافقون يمكرون ولا تتحقق النشوة الإيمانية الا بكشف المنافقين ومن في قلوبهم مرض!!!!!
حتى الإلهة تشك في عبيدها ولا تأمن لطاعتهم.
يستطيع البشر خدع الإله بسهولة حيث يطيعه للحصول على الامتيازات المجتمعية، وفي ذات الوقت يزجر الإله بداخله ويلعنه.
حينها تبقى الإلهة تتوعدهم وتخوفهم من الموت لأنهم سيعودون لها وتتلذذ بتعذيبهم، حيث يكون الاله سادي يحب التعذيب لمن لا يطيعه لأنه يكره شعور الوحدة والنكران يريد أن يبقى دائما في الصورة.
ظاهرًا في وجدان عبيده مختفيًا عن أبصارهم، لاعبًا رئيسيًا في مصائرهم ومسيطرًا على جسدهم ما دام الإيمان موجودًا في عقولهم وحينما يطرد البشر الإله من العقل ستنكشف وحدته وحينها سيموت كأي بشري عادي بل يختفي من الوجدان للأبد.
يعلم الإله ان الطاعة مجرد وقت لا أكثر، تنتهي بالاكتفاء من التفكير والسؤال والشك!!!
ويعلم أيضا بأن إنتفاء سلطته ستكون بالثورة العقلية، فلا طاعة تستمر بالتخويف من الحرمان والقتل والتعذيب!!!!

نفس الأساليب التي يستخدمها الإله، تستخدمها الحكومة لجلب الطاعة إلى قلوب الجهلة والمرضى والفقراء من الطبقتين المهمشة والوسطى اما الطبقة العليا فالإيمان يكون ظاهريًا لتمشيه الوضع الاجتماعي لا أكثر.
تخدعهم بالثواب والصواب على الطاعة والصبر على المرض والفقر والجهل والكبت الفكري والجنسي حين يموتون، وعند الموت يتحللوا ولا شيء يرى شيء ولا ثواب يأتي لعظام مطحونة ولا صواب من مناجاة القبور.
انها الخديعة ومن يكشفها يصمت لان الجموع الجاهلة ستقتل من يقتل أملها...... نعم انه أملها الوحيد بعد أن سلبت الحكومة منها كل شيء فكيف سيكون رده فعلها حين تكتشف بأن الإله ايضا خدعها بثوابه بعد كل ذلك الشقاء والألم!!!!!



#حسام_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سهد التهجير/ 23
- سهد التهجير/ 22
- سهد التهجير/ 21
- سهد التهجير / 20
- سهد التهجير / 19
- سهد التهجير/ 18
- سهد التهجير/ 17
- سهد التهجير/ 16
- التاريخ الحيوي والسياسة الحيوية
- عربة الكتب الخشبية
- خصية الفداء ترفع راية النصر
- هربرت سبنسر/ ٥
- هربرت سبنسر/ ٤
- هربرت سبنسر/٣
- هربرت سبنسر/ ٢
- هربرت سبنسر / ١
- المثلية الجنسية ( نظرية الكوير والبناء الاجتماعي للجنسانية)
- المثلية الجنسية في تاريخ الفلسفة
- سماح ادريس ... شجاعة استكمال المسيرة
- سهد التهجير /15


المزيد.....




- انطلاق أيام الثقافة الإماراتية بموسكو
- استعلم عنها بكل سهولة.. رابط الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ال ...
- الروائي الليبي هشام مطر يفوز بجائزة أورويل للرواية السياسية ...
- على وقع ضحكات الجمهور.. شاهد كيف سخر الكوميدي جون ستيوارت من ...
- عودة محرر القدس… مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 29 الجزء 2 ...
- جهز مستنداتك.. تنسيق الدبلومات الفنية 2024-2025 جميع المحافظ ...
- استمتع بأقوى الأحداث… موعد عرض مسلسل قيامة عثمان الجزء الساد ...
- حالة رعب حقيقية في منزل فنانة مصرية (فيديو)
- -قضية الغرباء-.. فيلم عن اللاجئين السوريين يفوز بجائزة في مه ...
- نصوص في الذاكرة.. الغريب من كتاب أبي حيان التوحيدي


المزيد.....

- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام جاسم - سهد التهجير / 24